يتوقع الأطراف في التحكيم الحر أن تنتهى الإجراءات في وقـــــت مناسب يحددونه ولكن غالبا ما يكون هذا الوقت ضيقا ولا يكفى لاستيفاء كل ما يريد الأطراف أن يقدموه إلى المحكمين لذلك يتفقون على امتداد المدة المحددة لإنهاء التحكيم والحكم فيه، ويحدث أحيانا أن يتخذ المحكمون قرارا في هذا الشأن، ويكون هذا القرار موضع طعن عادة من الطرف الذى لم يعجبه الحكم ويريد التخلص منه وهذه احدى القضايا التي وقع فيها ذلك.
كان قد أبرم عقد وكالة توزيع منتجات بين شركتين واتفــــق فـيـــه على شرط تحكيم يجرى فى فرنسا. ولكنه تحكيم حر غير خاضع لإشراف أية منظمة بل يديره الأطراف بأنفسهم ، ونصوا في اتفاق التحكيم على أنه من وقت انتهاء الإجراءات الكتابية تكون للمحكمين مدة شهرين لإصدار الحكم وانتهت الإجراءات الكتابية فى وقت قصير ، ومر بعـده شهران دون إصدار الحكم وقدمت بعده مذكرات أخرى من الأطراف. وفي ١٩٨٩/٣/١٥ بمناسبة جلسة للمرافعة طلب المحكمون من الأطراف تقديم ملاحظاتهم كتابة حول عدد من المسائل التي أثيرت أمامهم، وبناء على هذا الطلب تبادل الطرفان مذكراتهم بتاريخ ۳۱ مارس و ١٤ ابريل ۱۹۸۹ وفى ٦ يونيو ۱۹۸۹ حرر المحكمون محضرا بإقفال إجراءات التحكيم وحددوا مدة الشهرين لإصدار الحكم اعتبارا من هذا التاريخ وتم إصداره فعلا في ٢٦ يوليو ١٩٨٩.
وطعن الطرف المتضرر من الحكم فيه امام محكمة استئناف مدعيا أن الحكم صدر بناء على اتفاق تحكيم كان قد انقضي ولم يعد موجودا.
وأجابت محكمة الاستئناف برفض هذا الطعن على أساس أن المحكمين احرار في تنظيم إجراءات التحكيم طالما أنه لا يوجد اتفاق بين الأطراف على خلاف ذلك، ولما كان لا يوجد فى ملف التحكيم كله شيء يتعلق بانتهاء الإجراءات الكتابية، كما يقول اتفاق التحكيم، فأنه يمكن اعتبار المحضر الذي نص على إقفال اجراءات التحكيم هو نفسه انتهاء الإجراءات الكتابية. وبذلك فان الحكم الذي أصدره المحكمون موافق لاتفاق الطرفين حول مهلة إصداره واستمر الطاعن في طعونه فتقدم إلى محكمة النقض بطعن أخر على أساس أن المحضر الذي نص على "إقفال اجراءات التحكيم قد نص على أن الإجراءات الكتابية قد استكملت بتبادل مذكرات أخيرة بين الطرفين فى ۳۱ مارس و ١٤ ابريل ۱۹۸۹، وبذلك فإن مدة إصدار الحكم تبدأ من ١٤ ابريل وتنتهى في ١٣ يونيو ويعتبر الحكم الصادر في ٢٦ يوليو صادرا في موضوع سقط اتفاق التحكيم فيه قبل صدور الحكم بانتهاء المدة المحددة له. وقد اقتنعت محكمة النقض بهذا الدفاع وقبلت الطعن وقالت أنه ليس للمحكمين أن يمدوا المدة بقرار منهم، ولكن حكم النقض هنا كان موضع نقد لأنه يتنافى مع المرونة التي يجب أن يتسم بها التحكيم، لذلك ياسف بعض الفقهاء على صدور هذا الحكم من محكمة النقض والتحكيم النظامى فى هذا أفضل من التحكيم الحر، لأن لوائح منظمات التحكيم تنص عادة على أنه كلما انتهت مــــدة التحكيم قامت المنظمة بإصدار قرار بامتدادها ويراعى متابعة ذلك إلى أن يصدر الحكم النهائي في القضية.
ومما لا شك فيه أن حكم محكمة الاستئناف كان أفضل من حكم النقض لأن المحكمين لاحظوا ان عبارة انتهاء "الإجراءات الكتابية" عبارة غير محددة تحديدا كافيا وأن الخلافات تحتاج إلى الإيضاح بواسطة المذكرات التي يقدمها الأطراف، وبعد الإطلاع على هذه المذكرات قــــد يبدو للمحكمين أنه لا تزال هناك نقاط معلقة لم يتبلور فيها الرأى بعد فيطلبون مذكرات أخرى. حتى إذا ما وصلوا في دراسة هذه المذكرات إلى اقتناع كاف بأنه لا توجد مسائل أخرى تحتاج إلى بحث قرروا عندئذ انتهاء الإجراءات الكتابية، فانتهاء هذه الإجراءات لا يكون بمجرد تبادل المذكرات وإنما يكون بعد دراسة المذكرات المقدمة ووصول المحكمين إلى درجة من الاقتناع بكفايتها لتوضيح الطريق أمامهم نحــو إصـــــدار الحكم. وهذه هي المرونة المطلوبة فى نظام التحكيم والتي لم تتوصل محكمة النقض الفرنسية إلى مراعاتها، بل كانت شكلية أكثر من اللازم في إصدار حكمها، والتحكيم بطبيعته يفترض التأقيت لا التأييد ولكنـــه ليـس هناك خوف من تأبيد التحكيم لمجرد إعطاء المحكم فسحة من الوقت لاستيفاء كل ما يلزمه من عناصر لإصدار الحكم.
وقد كانت محكمة النقض الفرنسية تستطيع أن تتوصل إلى اعتبار الحكم صحيحا من زاوية أخرى هي أن المحضر الذي حرره المحكمـــــون بإقفال اجراءات التحكيم لابد أن الأطراف قد وقعوا عليه لأنه بدون توقيعهم لا يكون محضرا ، بل يكون قرارا وما دام الأطراف قد وقعوا عليه دون تحفظ فإنهم يعتبرون متفقين على حساب مدة الشهرين المشار إليها فلا يجوز لأحدهما أن يدعى بطلان الحكم بعد ذلك لأنه كان عليه أن يبدى اعتراضه عند توقيعه على المحضر المذكور.