الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • حكم التحكيم / مدة التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم في فض المنازعات الإدارية ( دراسة مقارنة ) / تأثیر جائحة كورونا على مواعيد التحكيم -

  • الاسم

    محمد عبدالتواب عبدالحسيب
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    732
  • رقم الصفحة

    296

التفاصيل طباعة نسخ

تأثیر جائحة كورونا على مواعيد التحكيم -

   من أهم الآثار التي رتبتها جائحة كورونا على التحكيم - عموما - وعلى التحكيم في المنازعات الإدارية - خصوصاً - هو تأثير الجائحة وتبعاتها على مواعيد التحكيم الواردة في كل من قانون التحكيم المصري والفرنسي. وقد حرصت نظم التحكيم المؤسسي على التأكيد على أهمية الاعتداد بعنصر السرعة، فعلى سبيل المثال: نجد أن نظام غرفة التجارة الدولية بباريس، ينص على مدة لا تتجاوز 6 أشهر. بالطبع، ما لم تكن هناك أسباب قوية تحول وبموجبها يوافق الأطراف وهيئة التحكيم على زيادة المدة المحددة. وانطلاقا من هذه القاعدة الجوهرية الخاصة بسرعة الفصل، فإننا نجد أن قوانين التحكيم تنص على الطعن بالنقض لــ "بطلان حكم التحكيم إذا تجاوز المدة المقررة. وصدرت سوابق قضائية كثيرة في هذا الشأن وتم إبطال حكم التحكيم لتجاوز المدة، باعتباره يخالف القانون والنظام العام لذا، هناك إلزام قانوني وإجرائي، على هيئة التحكيم لضبط العمل بحنكة واقتدار وفق الزمن المحدد .

     إن معظم قوانين التحكيم في الأنظمة المقارنة لم تطلق يد هيئة التحكيم في الحكم في الدعوى وقتما تشاء، وإنما قيدتها بميعاد لا يجوز لها تجاوزه وحددت لها أجلاً تنتهي عنده الإجراءات كي لا يضار صاحب المصلحة وهو في انتظار الحكم المنهي للخصومة ، حيث حرص المشرع المصرى على النص على إصدار الحكم المنهي للخصومة خلال اثنی عشر شهراً من تاريخ بدء إجراءات التحكيم، وذلك في حالة عدم وجود اتفاق مسبق بين الأطراف على ميعاد معين، وحتى في حالة مد الميعاد فاشترط المشرع على ألا تزيد فترة المد على ستة أشهر ما لم يتفق الطرفان على مدة تزيد على ذلك.

   كما ينطبق نفس الأمر في حالة إصابة أحد طرفي التحكيم أو من يمثله أو محاميه في حالة إصابة أحدهم بالمرض، فيجوز في هذه الأحوال أيضاً تمديد الأجل حتى زوال الظروف الصحية وذلك احتراماً لحق الدفاع، ويرى البعض أن المنطق يتجه إلى أن قرار الهيئة بالمد يعتبر صحيحاً لوجود القوة القاهرة في الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الحكومة كالعزل أو الحجر الصحي أو بالنسبة لمرض الخصم أو من يمثله، وذلك احتراما لحقوق الدفاع كمقتضی رئیسی من مقتضيات العدالة، كما أن ذلك لا يمكن أن يؤثر على بطلان الحكم لعدم مراعاة ميعاده لوجود العذر أو المبرر القانوني. فيجوز إعمال القوة القاهرة الإجرائية في تحديد الآجال حتى ولو حدث هذا العارض الأحد أعضاء هيئة التحكيم وهو في المداولة. فيجوز تمديد أجل إصدار الحكم حتى يشفى المحكم المريض من هذا المرض أو يتوفى ويحل محله محكم آخر غيره وبنفس قواعد اختياره، وبالتالي يعطل إصدار الحكم ولا يواصل المحكمان الآخران إذا كانت الهيئة ثلاثية إصداره بحجة توافر الأغلبية لأن تشكيل الهيئة يكون مبتوراً، وبالتالي يكون الحكم أو القرار منعدماً أو باطلاً بحسب الأحوال، وهذا الموقف يختلف عن موقف امتناع أحد المحكمين إرادياً عن التوقيع على الحكم، حيث توجد القوة القاهرة لدى المحكم المريض بعكس المحكم الممتنع إرادياً عن التوقيع فهو امتناع إرادی بدون مبرر، كما أن ذلك يتفق مع قواعد اليونسترال التي تجيز التحكيم المبتور إذا تغيب المحكم بعذر شرعي أو قانوني. 

   كما أنه يعد من قبيل المواعيد التي تأثرت بسبب جائحة كورونا ما نصت عليه المواد 49، 50 من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 فيما يتعلق باختصاص هيئات التحكيم بتفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض في كتابته واختصاصها بتصحيح الخطأ المادي بالنسبة للأحكام الصادرة منها، والتي حرص المشرع المصرى على النص على أن تقدم طلبات التفسير خلال الثلاثين يوما التالية لتسلم الأطراف حكم التحكيم.

   كما أن المشرع قد ألزم هيئات التحكيم بصدور التفسير المقدم من الأطراف كتابة خلال الثلاثين يوماً التالية لتاريخ تقديمه، ونفس الأمر ينطبق على مسألة تصحيح الأخطاء الواردة في الحكم وفقا لنص المادة 50، وفي ظل انتشار جائحة كورونا وما قد تسببه الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدول من إغلاق وتعطيل لبعض المرافق، ومنها مراكز التحكيم، والتي قد تؤثر بالسلب على هذه المواعيد سابق الإشارة إليها تؤدي إلى تأخير تسليم أحد أطراف التحكيم الحكم التحكيم من الأساس وفي حالة انتشار الجائحة بعد تسليم الأطراف للحكم، فهل تكون مدة الثلاثين يوماً الواردة في نص الفقرة الأولى من المادة 49 كافيه لطلب تفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض، لاسيما أن المشرع في هذه الفقرة لم يخول هيئة التحكيم سلطة مد ذلك الميعاد أسوة بإقرار المشرع لهيئات التحكيم مد میعاد صدور التفسير منهم كتابة ثلاثين يوما أخرى إذا رأت ضرورة لذلك وفقا لنص الفقرة الثانية من ذات المادة، لاشك وأن ذلك يتطلب تعديلا تشريعيا في نص الفقرة الأولى من المادة 49 حيث أعطى المشرع الحق لهيئات التحكيم في مد الميعاد المخصص لها بتصحيح ما وقعت فيه من أخطاء مادية ثلاثين يوماً أخرى بخلاف الثلاثين يوماً المقررة لها لهذا التصحيح من تاريخ صدور الحكم أو إيداع الطلب بحسب الأحوال، أما قانون التحكيم الفرنسي - المعدل - فقد أشارت المادة 1486 منه على ميعاد تقديم طلبات تفسير الحكم وتصحيح الأخطاء المادية الواردة في الفقرة الثانية من المادة 1485 وحددت المادة 1486 - سالفة الذكر - مدة ثلاثة أشهر لبدء تقديم هذه الطلبات تبدأ من تاريخ الإعلان بالحكم، وأجازت الفقرة الثانية من هذه المادة مد الميعاد المشار إليه طبقا الأحكام الفقرة الثانية من المادة 1463 المشار إليها سابقاً.

 رأي الباحث 

    مما لاشك فيه أن حل إشكالية تعطيل المواعيد التي حددها المشرع المصرى لهيئات التحكيم والواردة النص عليها في قانون التحكيم بسبب ما خلفته انتشار جائحة كورونا من غلق بعض مراكز التحكيم أو إصابة أحد أفراد هيئات التحكيم أو أحد الأطراف يكمن في التحول من التحكيم التقليدي إلى الأخذ بالتحكيم الإلكتروني. فقد أصبح التحكيم عن بعد ضرورة تحتمها الظروف الحالية التي يمر بها العالم في ظل الآثار التي ترتبت على جائحة كورونا من اتخاذ بعض الإجراءات والتدابير الاحترازية التي تتمثل في العزل او الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي ومما يساعد على ذلك قيام المنظومة التحكيمية على أسس ومبادئ راسخة منها قابليتها للتطوير والتلاؤم مع الظروف الجديدة، وهي من أبرز المزايا والأسس التي تتمتع بها تلك المنظومة التي تستشرف المستقبل وتتطلع إلى كل ما هو جديد وتكون دائماً في سباق مع التطور من أبرزها ظهور التحكيم الإلكتروني الذي يعطي فاعلية أكبر في حسم المنازعات، فإذا كان التحكيم التقليدي يلعب دوراً مهماً في حسم المنازعات فإن تعزيزه بتقنيات حديثة يجعل منه أكثر فاعلية وقدرة على مواجهة التحديات والصعوبات لكن يتطلب ذلك الأمر إزالة العقبات القانونية وأمن المعلومات التي يواجهها التحكيم الإلكتروني ومنها اختراق سرية الجلسات والمستندات والبيانات والحرص على تطبيق مبدأ المساواة والمواجهة واحترام حقوق الدفاع والتأكد من أهلية المتحاكمين والقيود الشكلية والمفروضة قانوناً على الأطراف وبعض العوائق الإجرائية المتعلقة بالإخطارات عبر البريد الإلكتروني.

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخري فإنه وإن اتفق أطراف التحكيم على الاستمرار في الأخذ بنظام التحكيم التقليدي - أثناء تفشي جائحة كورونا - نظراً لما سبق ذكره من معوقات تعترض نظام التحكيم الإلكتروني فإنه بدون شك سوف تتأثر إجراءات التحكيم لاسيما المواعيد التي حددها المشرع لهيئات التحكيم بإصدار حكم التحكيم والتي كانت الغرض منها تعزيز عنصر السرعة في فصل المنازعة ويري الباحث أن حل هذا الإشكالية يتطلب تدخلاً من المشرع بإقرار تعديل تشريعي بإقرار وقف سريان الميعاد المحدد لإصدار حكم التحكيم في حالة ظهور قوة قاهرة خارجة عن إرادة هيئات التحكيم تسببت في تأخير إصدار الحكم المنهي للمنازعة، ويكون ذلك بإضافة فقرة جديدة للمادة (46) من قانون التحكيم المصري، حيث حدد المشرع في هذه المادة بعض المسائل العارضة التي تجيز لهيئات التحكيم وقف الإجراءات مؤقتا، ومنها عرض – أثناء إجراءات التحكيم - مسألة تخرج عن ولاية هيئة التحكيم أو طعن بالتزوير في ورقة قدمت لها أو اتخذت إجراءات جنائية عن تزويرها أو عن فعل جنائي آخر، مع الأخذ في الاعتبار أن المشرع خول هيئات التحكيم في هذ الحالة الخيار ما بين الاستمرار في نظر موضوع النزاع أو وقف الإجراءات حتى يصدر حكم نهائي في هذا الشأن حسب رؤيتها الطبيعة تلك المسألة ومدى أهميتها للفصل في النزاع المطروح أمامهم.