الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • حكم التحكيم / مدة التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / إنهاء إجراءات التحكيم لتجاوز المدة بين سلطان الإرادة وأحكام القانون

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    611

التفاصيل طباعة نسخ

    أضحى التحكيم الوسيلة الأولى والمثلى لفض منازعات الإستثمار والتجارة الدولية، لا سيما وأنه ضرب من القضاء الخاص الذي يرتكن جملة وتفصيلاً إلى اتفاق الأطراف ما لم يكن الأمر يتعلق بإحدى صور التحكيم الإجباري وفقاً للأنظمة القانونية التي تقر وتنظم أحكام هذا النوع من التحكيم.

    وفيما يتعلق بسلطة وولاية هيئة التحكيم، فإنها ترتهن بإتفاق الطرفين وأية قواعد تـشريعية آمرة واجبة التطبيق بإعتبار أن مبدأ سلطان الإرادة ليس مطلقاً بل يتقيد بتلك القواعد الآمرة التي تكفل الإتساق والتناغم بين حرية الأطراف في الإتفاق والسياسة التشريعية العليا للدولة بما يحقق التوازن المنشود بين مصلحة الأطراف الخاصة واعتبارات الصالح العام.

    وبإعتبار أن التحكيم لا يمكن أن يكون مؤبداً فلا بد له من أجل ولـو لـم يـتـحـدد بـصـورة صريحة أو بإتفاق صريح بين الأطراف، فلا يعقل أن تستمر الإجراءات أو يتراخي الحكم النهائي الى أبد الآبدين دون وسيلة أو معيار أو إجراء يحول دون حدوث ذلك. فالتأقيت لا التأبيـد فيمـا يتعلق بإجراءات التحكيم مبدأ مطلق لا يرد عليه إستثناء.

   وانطلاقاً مما سبق، فإن البحث الماثل يتناول بالتحليل مسألة المدة التي يلزم خلالها إصـدار حكم التحكيم المنهي للخصومة التحكيمية وأثرها على ولاية هيئة التحكيم. كما يتنـأول بالتحليـل المشكلات المرتبطة بالمدة من حيث مدى لزوم إنهاء إجراءات التحكيم لتجاوز المـدة، وتكييـف التنظيم التشريعي للمدة بين الطابع الأمر والمكمل، وسلطة القضاء إزاء طلب الإنهاء ومسؤولية هيئة التحكيم و/أو مؤسسات ومراكز التحكيم حال إنهاء الإجراءات، وأخيراً أثر الإنهاء على اتفاق التحكيم ذاته. ومن ثم يخرج عن نطاق البحث أية أسباب أو موجبات آخرى لإنهـاء إجـراءات التحكيم، كما يخرج عن نطاقه المدد التي يجب أن تتخذ خلالها بعض الإجراءات بخلاف إصدار حكم التحكيم النهائي.

    وفيما يلي نتناول تفصيلاً ثقافة المدة بين الطابع الإتفاق والتنظيم التشريعي الأمر والمشكلات المرتبطة به على نحو ما سلف بيانه.

أولاً: النطاق الزمني لخصومة التحكيم بين التأقيت والتأبيد:

    تدب الحياة في أوصال خصومة التحكيم ببدء إجراءاتها على نحو ما هو مقرر بالقواعـد أو النصوص الواجبة التطبيق على الإجراءات. ومن ثم، فإن كان لخصومة التحكيم حياة فلا بد لهـا من أجل. فذلك الأجل وإن كان بمثابة شريان حياة خصومة التحكيم، إلا أنه يتألف مـن جمـاع المدد التي تبدأ بالمدة اللازمة لتشكيل هيئة التحكيم مـروراً بمـد تقـديـم مـذكرات الخـصوم ومستندات الدعوى التحكيمية وإنتهاء بالمدة اللازمة لإصدار حكم التحكيم النهائي. إضـافة إلـى ذلك، فهناك مدد وآجال لإتخاذ العديد من الإجراءات كمدة طلب حكـم تـفـسيري أو إضـافي أو حتى الطعن على حكم التحكيم أو طلب تنفيذه أو الإعتـراف بـه وفقـاً للنصوص الإجرائيـة الحاكمة.

   وهذه المدد والأجال قد تكون تنظيمية أو مواعيد سقوط أو تقادم أو غير ذلك، وقـد تتـسم  بالطابع الأمر أو التكميلي أو الإرشادي بحسب الأحوال.

    وعليه، إذا كان النطاق الزمني لخصومة التحكيم بجميع مراحلها وما يتبع ذلك يتـألف مـن مجموع تلك المدد والآجال، إلا أن البحث الماثل يتعلق فقط بتلك المدة اللازمـة لإصـدار حكـم التحكيم النهائي والمشكلات المرتبطة بها.

    وحري بالذكر، أنه وإن كان المنطق الطبيعي للأمور واعتبارات العدالة نـاجزة كانـت أو متراخية وكذلك الإعتبارات القانونية تقتضي ألا يكون التحكيم مؤبداً، فإنه من المعلوم أن العديـد من قوانين وقواعد التحكيم قد جاءت خلواً من تنظيم صريح وآمر للمدة التي يلزم أن يصدر حكم التحكيم النهائي خلالها.

    وأياً كان وجه الصواب فيما يتعلق بلزوم هذا التنظيم التشريعي، فإنه ليس بمنكور أن التزام هيئة التحكيم بإصدار الحكم النهائي المنهي للخصومة كلها - حال تخلف اتفاق الأطـراف علـى التسوية أو استمرار الإجراءات دون إنهاء مبتـسر لهـا – إنمـا هـو التـزام بتحقيـق نتيجـة (obligation de résultat) وليس ببذل عناية (obligation de moyens)، فحكم التحكيم هو الغاية الأساسية من اللجوء إلى التحكيم وهو الإلتزام الأساسي لهيئة التحكيم.

    وعلى صعيد آخـر، فإن النطاق الزمني لخصومة التحكيم لا سيما المدة التـى يجب إصدار حكم التحكيم النهـائي قبـل انقضائهـا يرتبـط ارتباطاً لا يقبل الإنفصام بولايـة هيئة التحكيم، فولاية هيئة التحكيم تدور وجوداً وعدماً مع ذلك الأجل المـضروب اتفاقـاً أو قانوناً.

    واستظهارا لأهمية الأجل الذي يجب إصدار الحكـم النهـائي خلالـه، يلـزم تحليـل الإتجاهات التشريعية المرعية دوليا في هذا الصدد واستقراء مختلف القوانين والقواعد التـ تضمنت نصوصاً تنظم تلك المسألة توطئة لعرض المشكلات المرتبطـة بتلـك المـسألة الشائكة.

ثانياً: مدة حكم التحكيم في القانون المقارن والقواعد المؤسسية:

   كما سلف البيان، فإن أغلب التشريعات الوطنية المنظمة للتحكيم لم تتضمن نصوصاً تحـدد مدة أو أجل معين يتعين أن يصدر حكم التحكيم النهائي خلاله. ومن ثم، فإن النذر القليـل هـو الذي تضمن أجل أو معيار لتحديد ذلك الأجل على نحو ما سيلي بيانه فيمـا بعـد عنـد تـعـداد الإتجاهات السائدة بشأن تعيين المدة.

    وعلى صعيد قواعد التحكيم، فتجدر الإشارة الى أن العديد من قواعـد التحكـيم المؤسـسي نصت على مدة يتعين إصدار حكم التحكيم النهائي خلالها. ومع ذلك فقد جاءت بعـض القواعـد خلواً من مسألة تحديد ميعاد أو أجل لإصدار الحكم النهائي.

     ففيما يتعلق بتلك القواعد التي جاءت خلواً من مسألة تحديد ميعاد أو أجل، فقد جاءت قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي والسارية ابتداء من الأول من يناير 1998 خلواً من مدة يتعين إصدار الحكم خلالها كما لم تذكر أية جزاءات على مخالفة المدة التي يتم تحديدها من قبـل الأطـراف لإصدار الحكم. كذلك لم تنص قواعد اليونسترال، سواء في نسختها الأصلية (1976) أو المعدلة والتي ستدخل حيز النفاذ في 15 أغسطس 2010 على مدة محددة لإصدار حكم التحكيم. وسارت على نفس النهج قواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي المعدلة في يونيو 2007، وقواعد التحكيم السويسرية الصادرة في يناير 2006، وقواعد مركز هونج كونج للتحكيم الـدولي السارية منذ الأول من سبتمبر 2008 حيث لم يدرج أي من تلك القواعد مدة محددة لإصدار حكم التحكيم. وبالرغم من ذلك فإنه تجدر الإشارة إلى أنه فيما يتعلق بقواعـد التحكـيم السويسرية وقواعد مركز هونج كونج للتحكيم الدولي، فقد تم إدراج نصوص خاصة مستقلة بالتحكيم السريع أوالمستعجـل، حيث تتضمن المادة (42) من قواعد التحكيم السويسرية، والمادة (38) من قواعد مركز هونج كونج للتحكيم الدولي، التزاماً على هيئة التحكيم بإصدار الحكم خلال ستة أشهر تبدأ من التاريخ الذي تم فيه إرسال الملف الخاص بالتحكيم إلى هيئة التحكيم. ويجوز للغرفة التجارية السويسرية أو مركز هونج كونج للتحكيم الدولي حسب الأحوال – وليس هيئـة التحكـيم - فـي الحالات الإستثنائية مد هذه المدة، إلا أنه لم يتم النص على جزاء في حالة مخالفة هيئة التحكيم وتجاوزها تلك المدة.

   أما فيما يتعلق بتلك القواعد التي تضمنت نصوصاً تتعلق بتنظيم ميعاد أو أجل لإصدار الحكم النهائي، فقد نصت قواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية بباريس والسارية إبتـداءاً مـن الأول من يناير 1998 على التزام هيئة التحكيم بتحديد الجدول الزمني الذي يـتم إتباعـه لإدارة الدعوى التحكيمية، كما نصت المادة (24/1) على التزام هيئة التحكيم بإصـدار حكـم التحكـيم النهائي خلال ستة أشهر تبدأ من تاريخ آخر توقيع لهيئة التحكيم أو للأطراف على وثيقة الشروط المرجعية”. ويتم مد هذه المدة من قبل محكمة التحكيم التابعة للغرفة في أحوال الـضرورة مـن تلقاء نفسها أو بناء على طلب يقدم إليها وذلك وفقاً للمادة (18/2). وكذلك جاءت قواعد المركـز الدولي لفض منازعات الاستثمار (الإكسيد) الصادرة في الخامس عشر من أبريل 2006 وألزمت هيئة التحكيم في المادة (46) بإصدار حكم التحكيم خلال مائة وعشرين يوماً تبدأ من تاريخ إقفال باب المرافعة وإختتام الإجراءات، ويجوز لهيئة التحكيم مد تلك المدة ستين يوماً وذلك في حالـة عدم إمكانية إصدار الحكم خلال المدة الأصلية. كما جاءت المادة (37) مـن قواعـد التحكـيم الخاصة بمركز تحكيم الغرفة التجارية لستوكهولم السارية منذ الأول من ينـاير 2010، لتقـرر إلتزام هيئة التحكيم بإصدار حكمها خلال ستة أشهر من تاريخ إرسال ملف التحكيم للهيئة، ويجوز لمجلس إدارة المركز مد هذه المدة بناء على طلب مسبب من هيئـة التحكـيم أو فـي حـالات الضرورة الأخرى التي يرتئيها المجلس. أما قواعد المركز البلجيكي للتحكيم والوساطة والسارية منذ الأول من يناير 2005 فيما يتعلق بالمنازعات التي تزيد قيمتها على إثني عشر ألفاً وخمسمائة يورو، فتنص في المادة (19) على التزام هيئة التحكيم بإصدار حكمها خلال أربعة أشهر من تاريخ وثيقة الشروط المرجعية، ويجوز للأمانة العامة مد هذه المدة بناء على طلب مـسبب مـن هيئة التحكيم أو من تلقاء نفسها. وأخيراً، جاءت المادة (42) من قواعد تحكيم اللجنة الـصينية الإقتصادية الدولية للتجارة والتحكيم الصادرة في 11 يناير 2005 لتنص على التزام هيئة التحكيم بإصدار حكمها خلال ستة أشهر من تاريخ تشكيل هيئة التحكيم، ويجوز لرئيس اللجنة مـد هـذه المدة بناء على طلب هيئة التحكيم متى رأى ضرورة أو مبرراً للتمديد.

   ومن جماع ما تقدم، يبين أنه فيما يتعلق بتلك القـوانين والقواعـد التـي أوردت نـصـوص صريحة أو ضمنية تنظم المدة التي يلزم أن يصدر خلالها حكم التحكيم النهائي، يمكن التمييز بين أربع اتجاهات رئيسة تتمثل في الآتي:

الإتجاه الأول:

     ينص على مدة عامة لخصومة التحكيم بكاملها قابلة للتجديد وفقاً لاتفاق الأطـراف أو وفقـاً لتقدير هيئة التحكيم على نحو ما يقرره القانون أو القواعد الواجبة التطبيق. ومثال ذلك:

    قانون التحكيم المـصري 1994 ، وقانون التحكيم الأردنـــــــي 2001، وقانون التحكيم العماني 1997، وقانون التحكيم البرازيلي .1996

    وحري بالذكر في هذا الصدد أن القاعدتين المقررتين بالقانونين الأردني والعماني تتمـاثلا تماماً مع تلك المقررة بالقانون المصري حتى فيما يتعلق بالصياغة التشريعية.

الإتجاه الثاني:

    ينص على مدة خاصة بحكم التحكيم قابلة للتجديد بإتفاق الأطراف أو وفقـاً لتقـدير هيئـة التحكيم على نحو ما يقرره القانون أو القواعد الواجبة التطبيق. فوفقاً لهذا الإتجاه يبدأ احتساب المدة التي يجب إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها من تاريخ معين لاحق لبدء إجراءات التحكيم کتاریخ تشكيل هيئة التحكيم (مثل القانون البلجيكي والفرنسي وقواعد تحكـيم اللجنـة الـصينية الإقتصادية الدولية للتجارة والتحكيم) ، أو الإتفاق على الشروط المرجعيـة، أو إقفـال بـاب المرافعة أو إختتام الإجراءات (أي تبدأ منذ ذلك التاريخ الذي يصبح فيه حكم التحكيم هو الإجراء الوحيد المتبقي لإنهاء التحكيم).

الإتجاه الثالث:

    يفرق بين التحكيم المحلي أو الداخلي والتحكيم الدولي، فينص على مدة فيما يتعلق بـالتحكيم الداخلي دون التحكيم الدولي مع منح الطرفين أو هيئة التحكيم الحق في تمديد تلك المدة وفقاً لمـا يقرره القانون أو القواعد الواجبة التطبيق. ومثال ذلك: نص المادة (1456) من قـانون التحكـيم الفرنسي الواردة بقانون المرافعات الجديد الصادر في الرابع عشر من مايو 1981 والتي نـصت على أنه بالنسبة للتحكيم الداخلي، في حالة عدم تحديد الأطراف لمدة للتحكيم، تكون تلك المدة ستة أشهر من تاريخ آخر قبول لأي من المحكمين، ويجوز مد تلك المدة بإتفاق الأطراف أو بناء على طلب مقدم من أيهما أو من هيئة التحكيم لرئيس محكمة الدرجة الأولى. وتجدر الإشارة إلى وفقا للمادة (1495) من ذات التشريع لا ينطبق نص المادة (1456) على التحكيم الدولي الـذي يخضع للقانون الفرنسي إلا في حالة عدم اتفاق الأطراف على غير ذلك .

الإتجاه الرابع:

   يورد نصاً عاماً يتعلق بإنهاء إجراءات التحكيم في حالات عدة دون أن يتضمن التشريع أو التنظيم المذكور نصاً صريحاً خاصاً بمدة التحكيم أو بمدة الحكم، ولكن يمكن اللجوء إلـى ذلـك النص العام لإنهاء الإجراءات حال تجاوز المدة المعقولة أو إلزام هيئة التحكيم بإصـدار حكمهـا النهائي بأسرع ما يمكن وفقاً لتقدير القضاء. ومثال ذلك: قانون التحكيم الإنجليـزي (1996) ، وقانون اليونسترال النموذجي.

     وحري بالذكر أن الإتجاهات السابقة وإن تباينت في سياستها التشريعية والتنظيميـة للمـدة تحقيقاً لإعتبارات التنافسية والعدالة، إلا أنها تنفق جميعها في إمكانية تمديد تلك المدة وفقاً لإتفـاق الأطراف، أو هيئة التحكيم، أو في إطار الكيان المؤسسي الذي يشرف على الإجراءات إن كـان التحكيم مؤسسياً، أو في بعض الأحيان قضاء دولة مقر التحكيم بإعتباره صـاحب الإختصاص الأولي بنظر تلك الأمور. ومما لا شك فيه أن إتجاهات القضاء في هذا الصدد تتبــاين تـشدداً أو تيسيراً تبعاً لنظرة قضاء الدولة للتحكيم ومدى إعتبار الأخير منافساً أو مكمـلاً لـدور القـضاء الوطني.

    وعند تقدير القضاء لمدى إلزامية المدة إن كان الأمر يتعلق بأي مـن الإتجاهـات الثلاثـة الأولى، والجزاء المترتب على تجاوز المدة التي قد ترتبط بطبيعة الحال بولاية هيئـة التحكـيم، يتعين الوقوف على طبيعة القاعدة التي تضمنت تلك المدة أو ذلك الأجل.

    وبناء على ما تقدم، يلزم التعرض بالتحليل لطبيعة المدة اللازمة لإصـدار حكـم التحكـيم النهائي، وما إذا كان التحديد التشريعي لها يتسم بالطابع الأمر أم أنه يعتبر مجرد أجل تنظيمي من قبیل ذر الرماد في العيون ومن ثم يعوزه الإلزام، ويتعذر توقيع جزاء لمخالفته.

ثالثا: تكييف المدة بين الطابعين الآمر والمكمل:

    بإستقراء القواعد والنصوص السالف الإشارة إليها وبتحليل الإتجاهات التشريعية المذكورة آنفاً، يتبين أن النصوص الخاصة بالمدة التي يلزم خلالها إصدار حكم التحكـيم النهـائي تكـون بحسب الأصل نصوص مكملة يعوزها الوصف الأمر تنطبق حال تخلف اتفاق الأطراف على ما يخالفها، أي حال عدم اتفاق الأطراف على مدة أو مدد مغايرة، كما أنه يمكن تمديدها لمدة أو لمدد أخرى تبعاً للقواعد والتشريعات واجبة التطبيق.

    بداءة، يلزم التنويه بأن الأصل هو مبدأ سلطان الإرادة، أي حرية الأطراف في تحديد وتمديد ميعاد إصدار الحكم المنهي للخصومة التحكيمية بأكملها. وبالرغم من ذلك واستثناءاً مما تقدم، قد يأتي النذر اليسير من التشريعات الوطنية للتحكيم ليقرر قاعـدة أمـرة أو قاعـدة ذات طبيعـة مزدوجة، لا سيما فيما يتعلق بمدة التحكيم فتسمو وتعلو تلك القاعدة على ما يتعارض معها مـن قواعد اتفاقية أو مؤسسية.

    فعلى سبيل المثال، يمكن تكييف القاعدة التي تضمنتها المـادة (45) مـن قـانون التحكـيم المصري (1994) ومثيلتيها المادتين (45) من قانون التحكيم العماني و(37) من قانون التحكـيم الأردني على أنها قواعد من طبيعة مزدوجة فهي آمرة ومكملة في آن واحد، وذلك على التفصيل التالي:

    تنص المادة (45) من قانون التحكيم على أنه:

1- على هيئة التحكيم إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها خلال الميعاد الـذي إتفـق عليـه الطرفان فإن لم يوجد إتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال إثني عشر شهراً من تاريخ بـدء إجراءات التحكيم. وفي جميع الأحوال يجوز أن تقرر هيئة التحكيم مد الميعاد على ألا تزيد فترة المد على ستة أشهر ما لم يتفق الطرفان على مدة تزيد على ذلك.

2- وإذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار اليه في الفقرة السابقة جاز لأي من طرفي التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة المشار اليها في المادة (9) من هذا القانون أن يصدر أمراً بتحديد ميعاد إضافي أو بإنهاء إجراءات التحكيم. ويكون لأي من الطرفين عندئذ رفع دعواه الى المحكمة المختصة أصلا بنظرها.

   بادئ ذي بدء، تعطى المادة (45) للأطراف الحرية الكاملة في الإتفـاق علـى ميعـاد لإصدار حكم التحكيم إعمالا لمبدأ سلطان الإرادة. فإذا تخلف إتفاق الأطراف، وجب على هيئـة التحكيم – إعمالاً للفقرة (1) من المادة (45) – إصدار الحكم خلال 12 شهر مـن تـاريخ بدء الإجراءات مع تخويلها الحق في مد الميعاد ستة أشهر أخرى ما لم يتفق الأطراف على مدة تزيد عن ذلك. وبذلك فقد قرر المشرع ميعاداً إتفاقياً لإصدار حكم التحكيم، ثم أتبعه فـي ذات الفقـرة بميعاد قانوني لإصدار الحكم حال تخلف إتفاق الأطراف على ميعاد لإصدار الحكم سـواء كـان إتفاقهم صريحاً أو ضمنياً.

   ومن ذلك يتضح أن المادة 45-1 تكمل إرادة الأطراف في حالة تخلف وتعذر الإتفاق علـى مدة، وهي في ذلك تلزم هيئة التحكيم بميعاد أقصاه 18 شهر من تاريخ بدء الإجراءات، مـالـم يتفق الأطراف على مدة تزيد عن ذلك.

   ومن هذا المنطلق، قد يتبادر إلى الذهن أن المادة 45-1 تقرر قاعدة آمرة خالـصة، حـال تخلف إتفاق الأطراف، الا أن إمعان النظر والتدقيق في صياغة المادة (45) إستظهارا لطبيعتهـا القانونية يقتضيان أخذ الفقرة (2) من المادة (45) في الإعتبار. وقد جاءت الفقرة (2) لتقرر لأي من طرفي التحكيم الحق في طلب إنهاء إجراءات التحكيم أو إستصدار أمر بتحديد ميعاد إضـافي عند فوات المدة المحددة دون إصدار الحكم.

    ووفقاً لصريح نص المادة 45-2 إستخدم المشرع كملة "جاز لأي من طرفي التحكيم"، هو ما يعد خير دليل على كون القاعدة المقررة في المادة (45) والتي توجب إصدار الحكم – حـال تخلف الإتفاق – خلال مدة أقصاها ثمانية عشر شهر غير متعلقة بالنظام العام الداخلي بإعتبـاره مجموعة القواعد الأمرة المقررة في التشريعات، ذلك أن قيام الطابع الأمر بهذه القاعدة ومن ثـم تعلقها بالنظام العام الداخلي يقتضي أولاً: إنتفاء الصفة الجوازية في أعمالها، وثانياً: حق المحاكم في تطبيق القاعدة من تلقاء نفسها دون أدنى طلب من الأطراف.

   فضلاً عن ذلك، فإن إنتفاء الطابع الأمر الخالص عن هذه القاعدة يستخلص من أن سـكوت الطرفين عن التمسك بتطبيق المادة (45) وطلب إنهاء الإجراءات أو تحديد ميعاد لإصدار الحكم حتى صدور حكم التحكيم يعد دليلاً قاطعاً وبرهاناً ساطعاً على رضائهم الصريح في الإسـتمرار في الإجراءات حتى صدور الحكم، وهو ما يتوافق مع حكم المادة (8) المشار اليها آنفاً. ومن ثم يسقط حقهم في طلب الإنهاء أو تحديد ميعاد حيث انه لا محل ولا وجه لإبـداء أي مـن هـذين الطلبين بعد صدور الحكم لإنتفاء العلة. هذا من ناحية.

    ومن ناحية أخرى، فإن سكوت الطرفين عن التمسك بتطبيق المادة (45) وإستمرارهم فـي مباشرة الإجراءات قد يعد بمثابة إتفاق على مد ميعاد التحكيم ولو ضمنياً، إذ يستفاد المد الضمني  من أي إجراء يدل على إرادة الأطراف مد الميعاد. ومثال ذلك، حضورهم جلـسات التحكـيم وعرض أسانيدهم وحججهم ودفوعهم دون إبداء أي طرف لأي إعتراض أو تحفظ يتعلق بإنتهـاء ميعاد التحكيم. وفي هذه الحالة يجب أن يكون حضورهم ثابتاً بمحضر الجلسة، كما يستفاد مـن قبول تنفيذ حكم قبل صدور الحكم المنهي للخصومة كلها على الرغم من إنتهاء ميعاد التحكيم.

   وإذا كان قولنا بإنتفاء الطابع الأمر الخالص عن هذه القاعدة يعني عدم تعلقها بالنظام العـام الداخلي، فإن التساؤل يثور حول مدى تعلقها بالنظام العام الدولي. وفي هذا الصدد، نرى أنه وفقاً للمفهوم الضيق لفكرة النظام العام الدولي لا تعد تلك القاعدة مرتبطـة بالأسـس الإجتماعيـة أو الإقتصادية أو الثقافية التي يقوم عليها المجتمع المصري، كما أن عدم تعلقهـا بالنظـام العـام الداخلي (وهو أوسع نطاقاً من مفهوم النظام العام الدولي) يستتبع إستبعاد تعلقهـا بالنظـام العـام الدولي.

   وإجمالاً لما سبق، نرى أن الحكم المقرر في المادة (45) والخاص بالمدة التي يجب إصدار حكم التحكيم خلالها لا تتعلق بالنظام العام وذلك لتوقف تطبيقها على محض إرادة أحـد طرفـي التحكيم وسقوطها بسقوط حق الأخير في طلب إنهاء الإجراءات أو تحديد ميعاد إضافي.

      إلا أن قولنا هذا لا ينبغي أن يفهم على أن القانون المصري لا يعبأ أو يجيز إطلاق يد هيئة التحكيم في إصدار الحكم دون التقيد بمدة على سبيل الإطلاق، فوفقاً لدلالة عبارة نـص المـادة (45) وأخذا بالمعيار الموضوعي لتحديد طبيعة القاعدة يتضح أن قانون التحكيم المصري يفترض دوماً أن هناك مدة محددة لصدور الحكم في جميع الأحوال، فحتى في حالة إتفـاق الأطـراف لا يجوز وفقاً لهذا القانون الإتفاق على ألا تكون هناك مدة، فالفقرة الأولى تلزم هيئة التحكيم بإصدار الحكم خلال الميعاد الذي إتفق عليه الطرفان، وهذا بطبيعة الحال يفترض وجود إتفاق على مـدة معينة وليس مجرد إتفاق على إطلاق يد الهيئة دون قيام الأخيرة بتحديد ميعاد. كمـا تـنص ذات الفقرة على أن حق الهيئة في تحديد ميعاد إصدار الحكم لفترة ستة أشهر بعد إثني عـشـر شـهراً على بدء الإجراءات مقيد بعدم إتفاق الطرفين على مدة تزيد عن ذلك وهو ما يفترض أيضاً وجود إتفاق على أجل معين.

   وصفوة القول، أن القاعدة المقررة بالمادة (45) وإن كانت قاعدة مكملة لا تتعلـق بالنظـام العام، إلا أن الطابع الأمر يلحق بشق واحد فقط من هذه القاعدة وهو الخاص بـضرورة تـوافر ميعاد معين لإصدار الحكم أياً كان هذا الميعاد. ومن ثم، فإنه وفقاً للتفسير الصحيح لنص المـادة (45) لا يجوز للأطراف الإتفاق على ألا يكون هنالك ميعاد، ولكن يكفي الإتفاق على أي ميعـاد معيار محدد له بقطع النظر عن طول أو قصر ذلك الميعاد.

   وهذا الطابع المزدوج للقاعدة المقررة بالمادة (45) تمليه الإعتبارات الداعية لعـدم إطـلاق إجراءات التحكيم، إذ لا بد من تحديد مدة أو تخويل هيئة التحكيم سلطة تحديد المدة وقيامها بذلك ولو منحت مكنة تمديد المدة لأسباب تراها سائغة.

    ومن ثم، فإن تكييف القاعدة الواردة بالمادة (45) على أنها قاعدة آمرة خالـصة أو مكملـة خالصة إنما هو تكييف منقوص إذ تجمع القاعدة المذكورة بين الوصـفين، فهـي مكملـة  خصوص المدة التي يجب أن يصدر خلالها الحكم وآمرة في خصوص إشتراط وجود اجل أو مدة معينة إبتداء أيا كانت تلك المدة.

   وبالرغم من التحليل السابق، تجدر الإشارة الى أن محكمة النقض المصرية قد أكدت مجدداً في حكم حديث إنتفاء الطابع الأمر عن القاعدة المقررة بالمادة (45)، وهو ما حدا بها الى نقـض حكم محكمة الإستئناف الصادر بإنهاء الإجراءات، علماً بأن الحكم الأخير كان بصدد تحكيم حـر وليس مؤسسياً، ومن ثم فهو يخضع لأحكام قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994. إلا أن ذلك لم يحل دون نقض الحكم إذ إرتأت محكم النقض – وبحق – أن سـكوت الخـصـم عـن الإعتراض على تجاوز مدة التحكيم المتفق عليها وحتى صدور الحكم المنهي للخصومة كلها يعد نزولاً عن الحق في الإعتراض وفقاً للمادة (8) من قانون التحكيم المصري المشار اليهـا آنفـاً وهو ما يستتبع أن إهدار حكم المادة (45) في هذه الحالة لا ينهض سبباً كافيـاً لإبطـال حك التحكيم. وإذا كانت وقائع تلك الدعوى تبرر الحكم المذكور إلا أنها لا تبرر إطلاق نفي الوصـف الأمر بتلك القاعدة الواردة بالمادة (45) على نحو ما سلف بيانه.

   وبناء على ما تقدم، يمكن القول بأنه حتى فيما يتعلق بتلك النصوص الصريحة التـي تلـزم هيئة التحكيم بمدة لإصدار الحكم، فإنها لا ترقي – بحسب الأصل – فيما يتعلق بالنطاق الزمني لتلك المدة الى مرتبة القواعد الآمرة، إذ يمكن تمديدها إتفاقاً أو قضاء، ولكنه بإنقضاء تلك المـدد الإتفاقية والقانونية وتخلف التجديد الضمني في حق الأطراف تبقى حقيقة مؤكدة لا ريب فيهـا ألا وهي إنتفاء ولاية هيئة التحكيم في الإستمرار في الإجراءات بما يستوجب إنهائها. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يلزم التعرض بإيجاز لسلطة القضاء (قضاء دولة مقر التحكـيم بإعتبـاره صـاحب الإختصاص) في الأمر بإنهاء الإجراءات توطئة لتبيان أثر ذلك على شرط التحكيم من حيث بقائه أو إنقضائه.

 رابعاً: إنهاء الإجراءات لتجاوز المدة ومسؤولية هيئة التحكـيم و/أو مؤسسات ومراكز التحكيم:

    أن سلطة القضاء بشأن إنهاء إجراءات التحكيم هي بحسب الأصل سلطة تقديرية، إذ يجـب على القاضي تقييم طلب إنهاء إجراءات التحكيم من حيث جديته وملاءمته في ضوء ما آلت إليـه إجراءات التحكيم وما إنتهت إليه هيئة التحكيم وما إذا كان إنقضاء المدة راجعـاً الـى خطـأ أو غش أو إهمال جسيم. ومن ثم، فإن الحكم بإنهاء أو إستمرار الإجراءات لا يرتكن الى إعتبـارات قانونية مجردة، بل ينبني أيضاً – وبصورة جوهرية – على إعتبارات العدالة والملاءمة والتـي قد تحول دون الإنهاء المبتسر، لا سيما لو كـان تجـاوز المـدة الإتفاقيـة و/أو القانونيـة و/أو المعقولة (إن لم يكن هنالك نص ينظم مدة التحكيم أو الحكم) يرجع بصفة أساسـية الـى خطـأ طالب الإنهاء أو غشه أو إهماله. ففي تلك الأحوال، فإن إعتبــارات المنطـق القـانوني القـويم ومقتضيات العدالة يقتضيان رفض طلب الإنهاء إذ لا يجوز لشخص أن يستفيد بخطئـه، بمـا يستتبع القضاء بإستمرار الإجراءات معاملة له بنقيض مقصوده. فقد يعمد طرف الـى عرقلـة الإجراءات والتأخر في تقديم دفوعه أو أوراق ومستندات منتجة في الدعوى بما يتعذر معه علـى هيئة التحكيم – رغم بذلها العناية اللازمة – إصدار الحكم النهائي في الأجل المحدد. هـذا مـن ناحية أولى.

    ومن ناحية ثانية، ليس بمستبعد أن يكون تجاوز الميعاد راجعاً لخطأ الطرفين المشترك كأن يعمد كلا الطرفين الى عرقلة الإجراءات أو إطالتها أو أن يكونا قد إتفقا علـى جـدول زمنـي لمباشرة إجراءات الدعوى بما يجاوز أية مدة قانونية آمرة، إن وجدت. ففي تلـك الأحـوال، لا يستقيم قبول أي طلب منفرد بإنهاء الإجراءات. فمن سعى الى نقض ما تم علـى يديـه فـسعيه مردود عليه . ومن ناحية ثالثة، قد يتم تجاوز المدة دونما خطأ من جانب أحد الأطراف أو هيئة التحكيم إذ أن موضوع النزاع وفنياته وتعقيداته الإجرائية والقانونية قد حالت دون صدور حكم، بما قد يجد القاضي معه مبررا للحكم بإستمرار الإجراءات ورفض طلب الإنهاء.

    ومن ناحية رابعة، قد يكون تجاوز المدة راجعاً بصفة أساسية لإهمال أو خطأ هيئة التحكـيم أو مركز التحكيم في أحوال التحكيم المؤسسي، وهو ما يثير مسألة جد شائكة تتعلـق بمـسؤولية هيئة التحكيم ومركز التحكيم في أحوال التحكيم المؤسسي بالرغم من الحصانة – شبه المطلقة – عادة ما يتمتع بها المحكمون ومراكز التحكيم. وقبل أن نعرض لذلك الفرض الأخير الشائك، التي يلزم إستظهار حدود السلطة التقديرية القضائية فيما يتعلق بطلب الإنهاء.

   إذا كان الأصل كما سلف البيان، أن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية إزاء طلب الإنهاء، فإنـه مما لا شك فيه أن بعض القوانين الوطنية تحد من تلك السلطة وتقيدها. فعلى سبيل المثال، يتعذر القول بأن سلطة القاضي المصري إزاء طلب الإنهاء سلطة مطلقة. فوفقاً لصريح نـص المـادة (45) المشار إليها أنفاً، تظل سلطة القاضي المصري – وأقرانه من قضاة الأنظمة القانونية التي تبنت النص المصري – مقيدة بمضمون الطلب، فلا يجوز له إذا ما تقدم طرف واحد فقط بطلب لإنهاء الإجراءات أن يحكم بتحديد ميعاد إضافي فذلك حكم بغير ما يطلبه الخصوم، اللهـم إلا إذا كان الطرف الآخر قد تقدم بدوره بطلب تحديد ميعاد إضافي لإصدار الحكم. ففي تلك الحالـة - فقط – يجوز للقاضي أن يحكم بميعاد إضافي أو بالإنهاء أو برفض الطلبين، إذ أن الطلبـين قـد طرحا عليه ليقدر بدوره أيهما أجدر بقضائه.

    إضافة الى ذلك، لا يملك القاضي وفقاً لصريح نص المادة (45) من قانون التحكيم المصري أن يمنح ميعاد إضافي أكثر من مرة، فإذا أصدر أمراً بتحديد ميعاد إضافي، ولم تـصدر هيئـة التحكيم الحكم المنهي للخصومة في هذا الميعاد، فليس للقاضي سلطة إصدار الأمر بميعاد إضافي آخر. ذلك أن المادة (45/2) تنص على أنه في حالة " وإذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعـاد المشار إليه في الفقرة السابقة" وهو ما يستتبع أنه لا يمكن القول بأن للقاضي سلطة إعطاء ميعاد إضافي آخر في حالة عدم صدور الحكم خلال الميعاد الإضافي الأول. وجدير بالذكر، أنـه بالرغم من تماثل حكم المادة (45) مع المادة (37) من قانون التحكيم الأردني، إلا أنه فيما يتعلق بمدى قدرة القاضي الأردني على منح ميعاد إضافي أكثر من مرة، فذلك ليس محل شك إذ نصت الفقرة الثانية من المادة (37) على أنه: واذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار اليه في الفقرة (أ) من هذه المادة جاز لأي من طرفي التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة المختصة، ان يصدر أمراً لتحديد موعد اضافي أو أكثر أو بإنهاء إجراءات التحكيم".

     أما فيما يتعلق بمسؤولية هيئة التحكيم و/أومركز التحكيم في أحوال التحكيم المؤسسي متى كان من الممكن نسبة ثمة خطأ إلى هيئة التحكيم و/أومركز التحكيم، فإن الأصل هو الإعفاء مـن المسؤولية حسبما هو مقرر بالعديد من القواعد المؤسسية. إلا أنه يمكن التمييز بين ثلاث فئـات أساسية فيما بتعلق بتنظيم مسؤولية المحكمين ومراكز التحكيم:

   الفئة الأولى: لم تنظم هذه المسألة كقواعد مركز حسم منازعات الاستثمار (الإكسيد)، قانون المرافعات الفرنسي، قانون التحكيم المصري، القانون الدولي الخاص الفدرالي السويسري.

   الفئة الثانية: بعض القواعد نصت على الإعفاء الكامل من أية مسؤولية ناشئة عن التحكيم أو متعلقة به، كقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس فقد نصت المادة (34) على أنه:

    "لا يكون المحكمين، أو محكمة التحكيم أو أحد أعضائها، أو الغرفة التجاريـة الدوليـة أو العاملين، أو إحدى اللجان الوطنية للغرفة التجارية الدولية مسئولين لأي شخص عن أي فعل أو امتناع متعلق بالتحكيم".

   من الجدير بالذكر، أن القضاء الفرنسي قد أصدر عدة أحكام نصت على عدم التزام المحاكم الفرنسية بتطبيق هذا النص الخاص بالإعفاء الكامل من المسؤولية. ومن ناحية أخـرى، نـصت قواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي أيضاً على الإعفاء الكلي من المسؤولية.

    الفئة الثالثة: غالبية القواعد قد نصت على تحديد وليس إعفاء كامل من المسؤولية، أي أنـه بإستثناء حالات معينة، كالإهمال الجسيم و الخطأ العمدي والغش، يتمتـع المحكمـون ومركـز التحكيم بحصانة تحول دون مسؤوليتهم. ومثال ذلك: نص المادة (31.1) من قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي الذي يعفي محكمة لندن للتحكيم الدولي وأعضائها والمحكمون والخبراء من أيـة مسؤولية عن أي فعل أو امتناع يتعلق بأي تحكيم وفقاً للقواعد، بإستثناء إذا مـا كـان الفعـل أو الإمتناع يشكل خطأ عمدياً من قبل الشخص المدعي بمسؤوليته. وقد تبنـت ذات المبـدأ قواعـد التحكيم السويسرية، وقواعد التحكيم الخاصة بمركز ستوكهولم، وقواعد مركز هونج كونج للتحكيم الدولي .

    ويلاحظ في هذا الشأن، أن قواعد اليونسترال الأصلية لم تتضمن نصاً يتعلق بالإعفاء مـن المسؤولية، ولكن في التعديلات الأخيرة التي تمت في 2010 قد تضمنت مادة جديدة هي المنظمة لمسألة الإعفاء من المسؤولية وبالقدر الذي يسمح به القانون الواجب التطبيق، وبإستثناء إذا مـا كانت المسؤولية ناشئة عن خطأ عمدي. إضافة إلى ذلك، نصت المادة (29) من هذا قانون التحكيم الإنجليزي على إعفاء المحكمين، ومراكز التحكيم من أية مسؤولية تنشأ بمناسبة التحكيم، عن ما عدا حالات سوء النية.

    وبناء على كل ما سبق، يتضح أن إنهاء الإجراءات لتجاوز المدة المقررة ليس كفيلاً بذاته لإثارة مسؤولية المحكمين أو مراكز التحكيم، إذ يلزم إثبات نسبة غش أو خطأ إليهم – حسبما يتطلبه القانون الواجب التطبيق - وأن يكون ذلك هو السبب الجوهري والأساسي الذي أدى الى إنهاء الإجراءات. حينئذ فقط يمكن المطالبة بإسترداد ما سدد من أتعاب أو مصروفات والمطالبة بتعويض إن كان له مقتضى. إلا أن الواقع العملي يؤكد صعوبة إثبات ونسبة ذلك الى المحكمـين أو مراكز التحكيم. ففي قضية شهيرة بالولايات المتحدة الأمريكية فشل الأطـراف فى إثبـات مسؤولية هيئة التحكيم، حيث حكمت المحكمة بأن:

    "يتمتع بالحصانة... المحكمين المتأخرين (في إصدار الحكم) بما في ذلك هؤلاء الذين صدر منهم ثمة إهمال، ولكن لا يتمتع بها المحكم الذي يخفق تماماً في القيام بواجبه."

    وأياً كان وجه الرأي في تلك المسألة الشائكة، فإن ثمة تساؤل أخير يثـور بـشأن أثـر الإنهاء على إتفاق التحكيم ذاته. هل إنهاء الإجراءات يستتبع بالضرورة سـقوط إتفـاق التحكـيم المبرم بين الأطراف؟

خامساً: إنهاء الإجراءات لتجاوز المدة وإتفاق التحكيم بين الإبقاء والإنقضاء- خاتمة

   إن مسألة تأثر إتفاق التحكيم بالإجراءات التي تم إنهائها تتعلق بعدة أمور متشابكة. فبادئ ذي بدء، يجب التمييز بين شرط التحكيم ومشارطة التحكيم، ثم يجب تحليل صياغة الإتفـاق ذاتـه لإستظهار نية الأطراف، وأخيراً يجب الرجوع الى النصوص التشريعية الأمـرة إن وجـدت للإستيثاق والتحقق من أثر إنهاء الإجراءات لتجاوز المدة.

    فيما يتعلق بالتفرقة بين شرط ومشارطة التحكيم، فإن الأصل أن شرط التحكيم بإعتباره سابقاً على النزاع وليس مقصوراً عليه لا يدور وجوداً وعدماً مع إجراءات التحكيم. ومن ثم، فهـو لا يسقط بالضرورة بإنهاء الإجراءات إلا إذا إتفق الأطراف صراحة على ذلك أو كانـت صـياغة الشرط واضحة في إعتباره ساقطاً أو منتهياً بإنهاء إجراءات التحكـيم. أمـا المـشارطة، فهـي بحسبانها لاحقة على نشوء النزاع فإنها غالباً ما تكون محددة النطاق بالموضـوعات والمـسائل المعروضة على هيئة التحكيم. ومن ثم، فإنها قد تسقط بإنهاء الإجراءات تبعـاً للـصياغة التـى إعتمدها الأطراف. فقد يتبين أن الأطراف قد وضعوا نطاقاً واسعاً لها يشمل مسائل وأمـور لـم تعرض في التحكيم المنقضي، كما أنه ليس هناك ما يمنع على سبيل الإطلاق – اللهم إلا إذا وجد نص تشريعي آمر يقضي بغير ذلك – من إعادة طرح ذات الموضوع أو الموضوعات التي سبق عرضها أثناء التحكيم الذي أنهيت إجراءاته على هيئة تحكيم جديدة إذ الفرض أنه لم يصدر حكم نهائي في الموضوع بعد.

    وإذا كان التحليل السابق لا يتعارض مع قواعد ومبادئ التحكيم، بل ويتفق مع الإعتبـارات القانونية والمنطقية والعملية، فإنه لا يتأتى إعماله إلا إذا تخلف وجود نص تشریعی مناقض لـه وعليه، فإن وجد نص صريح بالقانون الواجب التطبيق يرتب أثراً سلبياً بشأن إتفاق التحكيم حال إنهاء الإجراءات، أضحى هو الواجب الإعمال دون منازع. وفي هذا الصدد يمكن التمييـز بـين ثلاث إتجاهات سائدة دوليا:

    الإتجاه الأول: عدم تأثر إتفاق التحكيم ذاته وتلقائياً بالأمر الصادر بإنهاء الإجراءات. فإن لم تكن نية الأطراف قد إنصرفت صراحة إلى إسقاط إتفاق التحكيم بإستخدامه ولـو لـمـرة واحدة، فهو لن ينقضي تلقائياً بإنهاء الإجراءات، بل ويمكن إعادة طرح ذات النزاع على هيئة تحكيم جديدة إذ لم يتم حسم موضوع النزاع. ويمكن القول بأن هذا الإتجاه هو الإتجاه الـسائد عالمياً.

    الإتجاه الثاني: عدم تأثر إتفاق التحكيم ذاته وتلقائياً بالأمر الصادر بإنهاء الإجراءات، ولكن يوجد نص تشريعي آمر يمنع الأطراف من إعادة طرح ذات النزاع على هيئة تحكيم جديـدة، إذ يلزم حينئذ عرض النزاع على القضاء فقد إستنفذ التحكيم ولايته على هذا النزاع أو المنازعـات فحسب. ومن ثم، فإن إتفاق التحكيم ذاته لا يسقط بل يتضاءل نطاقه بخروج ما سبق طرحه على هيئة التحكيم السابقة التي أنهيت الإجراءات أثناء نظرها للدعوى. ومن التشريعات التي تبنت هذا الإتجاه: قانون التحكيم المصري 1994، وقانون التحكيم الأردني 2001، وقـانون التحكـيم العماني 1997.

    الإتجاه الثالث: سقوط إتفاق التحكيم ذاته وإنقضائه تلقائياً بالأمر الصادر بإنهاء الإجراءات إذ يوجد نص تشريعي يمنع الأطراف من إعادة طرح أية منازعات على هيئة تحكيم جديـدة إلا إذا أبرم إتفاق تحكيم جديد أو إتفق الأطراف صراحة على الإبقاء على الإتفاق القديم. وحري بالذكر أن هذا الإتجاه نادر الوجود إذ يفقد إتفاق التحكيم الأصلي سند وجوده دون مبرر مقبـول. ومـن أمثلة ذلك هو: القانون القضائي البلجيكي 35

   وصفوة القول، أن التحكيم يتنافى والتأبيد، بل إنه وجد لإيجاد حل سريع وناجع لمنازعـات التجارة الدولية، ومن ثم يجب أن يتسم بالتأقيت. ورغم ذلك فقد تبين لنا بإستقراء وتحليل مختلف القوانين والقواعد أن المدة أو الأجل الذي يلزم إصدار حكم التحكيم النهائي خلاله يثير العديد من المشكلات والمسائل الدقيقة والتي تستوجب دراسة متعمقة متأنية مثل تكييف التنظ يم التشريعي للمدة بين الطابع الأمر والمكمل، وسلطة القضاء إزاء طلب الإنهاء ومسؤولية هيئة التحكيم و/أو مؤسسات ومراكز التحكيم حال إنهاء الإجراءات، وأخيراً أثر الإنهاء على اتفاق التحكيم ذاته.

    وأخيراً، فإننا نرى أن أفضل تنظيم للمدة هو الذي يربط تاريخ إصدار الحكم النهائي بتاريخ إختتام الإجراءات، مع التأكيد على سرعة الإجراءات وإيجاد رقابة فعالة متوازنة من قبل القضاء، رقابة تكاملية لا تنافسية.