الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • حكم التحكيم / مدة التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / مدة التحكيم في ضوء قواعد اليونسترال للتحكيم )اقتراحات في شأن تعديل النصوص)

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    363

التفاصيل طباعة نسخ

مقدمة: معطيات المسائل المطروحة:

    اثارت العلاقة بين قواعد اليونسترال للتحكيم وقواعد التحكيم المصري، فيما يتعلـق بأحـد المسائل المرتبطة بمدة التحكيم، جدلاً فقهياً وبرزت بشأنها اتجاهات قضائية مختلفـة اختـارت محكمة النقض احدها بإعتباره الحكم الواجب الاتباع طبقاً للقانون المصري. فقد أثيـر الـتـساؤل حول مصدر القاعدة الواجبة الاتباع في حالة عدم اتفاق طرفي التحكيم على مدة محددة لـصدور حكم التحكيم في نفس الوقت الذي اتفق فيه على خضوع اجراءات التحكيم لقواعـد اليونـسترال (وهي القواعد النافذة في مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجارى الـدولي). وإذا كانـت قواعـد اليونسترال تتيح لهيئة التحكيم اصدار الحكم في الميعاد الذي تراه مناسباً لظـروف الـدعوى، وبالتالي لا تكون مدة التحكيم محددة على نحو قاطع في بداية اجراءات التحكيم، فهل يتعين فـي هذه الحالة، وحيث يجرى التحكيم في مصر، التقيد بالمدة التي أوردها هذا القانون (م45/1) بحيث إذا لم يصدر الحكم خلال هذه المدة جاز لرئيس المحكمة المختصة، بناء على طلب أحد طرفـي التحكيم، الأمر بإنهاء إجراءات التحكيم (م45/2).

    وعندما عرضت هذه المسائل على القضاء المصري تفرقت أوجه النظر فيها بين درجاتـه فعلى حين أن رئيس محكمة استئناف القاهرة (بصفته صاحب السلطة المنصوص عليها في المادة  45/2 تحكيم) أصدر أمراً اجرائياً برفض إنهاء اجراءات التحكيم، في الحالة المذكورة آنفاً، رأت محكمة استئناف القاهرة عندما طرح التظلم من أمر الرفض المذكور عليها، أن الحكـم الواجـب التطبيق هو ذلك الوارد في القانون المصري (م45/1) ومن ثم الغت هذا الامر الصادر من رئيس المحكمة وقضت بإنهاء الاجراءات، وعندما جرى الطعن على حكم محكمة استئناف القاهرة على محكمة النقض قضت بالغاء هذا الحكم وتأييد الأمر بإنهاء إجراءات التحكيم.

    فنحن اذن امام اتجاهين بشأن أثر الاتفاق على تطبيق قواعد اليونسترال، التي لا تضع مـدة محددة لإصدار حكم التحكيم، اعمال سلطة رئيس المحكمة المختصة المتعلقة بإنهـاء اجـراءات التحكيم. ثمة اتجاه أول يذهب إلى أن للتحكيم نطاقاً زمنياً يتقيد به، باعتباره طريقاً استثنائياً لتسوية المنازعات لا يجوز التوسع فيه، ويتعين من ثم التقيد بالمدة التي حددها قانون التحكيم في حالـة عدم اتفاق طرفي التحكيم على تحديدها، بحيث إذا لم يصدر الحكم خلالها جاز لرئيس المحكمـة المختصة اعمال سلطته في إنهاء إجراءات التحكيم. وفي المقابل برز اتجاه آخر يذهب أنـصـاره إلى أن اتفاق طرفي التحيكم على تطبيق قواعد اليونسترال على الإجراءات، وهو اتفـاق يجيـزه قانون التحكيم، يلغى أحد مقومات الفرض الذي تنطبق عليه قواعد تحديد المدة وجزاءها في قانون التحكيم، وبالتالي لا محل لأعمال سلطة رئيس المحكمة المختصة في انهاء اجـراءات التحكيم وهذا الاتجاه الثاني هو الذي تبنته محكمة النقض استناداً إلى أنه يتعين اعمال قواعد اليونسترال، في حالة الاتفاق على تطبيقها على إجراءات التحكيم ما دامت لا تتعارض مع قاعدة اجرائية آمرة في مصر، وحيث نفى المشرع المصري (م45/1) عن ميعاد اصدار حكم التحكيم وصف القاعدة الإجرائية الأمرة – ومؤدي ذلك. حسب قضاء محكمة النقض – أن المشرع المصري وقد تـرك أمر تحديد ميعاد اصدار حكم التحكيم لإرادة الاطراف ابتداء وانتهاء، وكانت قواعد اليونـسترال تمنح هيئة التحكيم سلطة تقدير المدة اللازمة لاصدار حكمها وفقا لظروف كل دعوى وبما لا يخل بحقوق الدفاع، فإن الحكم المطعون فيه الذي أصدرته محكمة استئناف القاهرة بإنهاء اجـراءات التحكيم أعمالاً لنص القانون التحكيم المصري (م45/2) يكون قد خالف القانون واخطأ في تطبيقه لأنه غلب حكم هذا القانون على قواعد اليونسترال دون سند من اتفاق أو نص يجيز ذلك.

    ويبين من مطالعة قضاء الاحكام المذكورة ان اختلافها يدور حول مسألة مـصدر القواعـد الواجبة الاتباع في شأن تحديد مدة اصدار مدة التحكيم في حالة محددة هي حين يجرى الاتفـاق بين طرفي التحكيم على خضوع اجراءات التحكيم الذي يجري في مـصر لقواعـد اليونـسترال للتحكيم كما يطبقها مركز القاهرة للتحكيم. ولكي تكون المسألة محل البحـث مكتملـة يجـب أن تتضمن عنصراً جوهرياً يدور حول طبيعة القواعد المحددة لمدة التحكيم في قانون التحكـيـم مـن حيث كونها آمرة أو مكملة. ذلك أنه يبين من التحليلات التي ساقها الاتجاه الذي أيدتـه محكمـة النقض، أن القواعد المرتبطة بتحديد مدة التحكيم وبالتالي سلطة رئيس المحكمة المختصة في حالة مخالفتها لا تدخل في نطاق القواعد الأمرة التي تضمنها هذا القانون. ومثل هذا التحليل في حاجة أولاً إلى التحري عن مدى دقته خصوصاً فيما يتعلق بتحديد الجهة التي يسند اليها القانون سـلطة توقيع الجزاء على مخالفة قواعد تحديد مدة اصدار حكم التحكيم وثانياً إلى البحـث عـن مـدى ضرورة جعل نص القانون نصاً أمراً.

   يتعين اذن في التصدي للمسائل محل البحث النظر في قواعد الإجراءات المحتملة التطبيـق عليها من حيث مصادرها وترتيب تطبيقها كما حددها اتفاق التحكيم أو في حالة غياب هذا التحديد بمقتضى قواعد قانون التحكيم المصري.

    من المقرر في قانون التحكيم (م25) أن لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم وهو ما يشمل حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمـة أو مركز تحكيم سواء في مصر أو خارجها. وبالتطبيق لذلك نص القانون (م6) على أنـه إذا اتفـق طرفا التحكيم على خضوع العلاقة القانونية بينهما، خصوصاً فيما يتعلـق بتـسوية المنازعـات، لإحكام وثيقة معينة، ففي هذه الحالة يجب العمل بهذه الأحكام بما تشمله مـن أحكـام خاصـة بالتحكيم. فإذا اتفق طرفا النزاع على إخضاع إجراءات التحكيم فيه لقواعد اليونسترال المتعلقـة بالتحكيم مثلاً، فإن هذه القواعد تكون هي الواجبة التطبيق على إجراءات التحكيم وذلك في الحدود التي لا تتعارض مع نص في قانون التحكيم المصري مما لا يجوز للطرفين مخالفته.

    وهكذا فإنه لا محل لتطبيق القواعد التي أوردها قانون التحكيم، فيما يتعلق بإجراءات التحكيم شاملة مدة إصدار الحكم، طالما جرى الاتفاق على مصدر آخر لقواعد الإجراءات ما دامت هـذه القواعد لا تتعارض مع نص آمر في قانون التحكيم مما لا يجوز الاتفاق على مخالفتـه. ومـن الواضح إذن أن قواعد الإجراءات التي اتفق طرفا النزاع على تطبيقها في التحكيم تـأتـي فـي الترتيب سابقة على القواعد التي أوردها قانون التحكيم، وبالتالي فإنه إذا لم يوجد نص في القواعد التي حددها اتفاق التحكيم، لحكم مسألة معينة من مسائل الإجراءات، فإنه يرجـع إلـي القـانون الواجب التطبيق على الإجراءات. وإزاء تحديد أطراف التحكيم لمصدر آخر لقواعد الإجراءات خلاف قانون التحكيم المصري، فإن تقدير مدى سريان هذه القواعد فيما يتعلـق بمـدة التحكـيم يتطلب البحث في طبيعة القواعد التي أوردها هذا القانون بشأن هذه المسألة من حيث كونها قاعدة آمرة أو غير آمرة.

    وقد أفاد الأمر الإجرائي – الذي أصدره رئيس محكمة استئناف القاهرة – أنـه بـرغم أن قواعد اليونسترال تركت تحديد مدة إصدار الحكم للسلطة التقديرية للمحكمين إلا أن هذه القواعـد قيدت هذه السلطة بحيث لا تتجاوز مدة التحكيم المهلة المعقولة أو المناسبة لظروف الدعوى وإلا فإنه يصار، طبقاً للمادة 13/2 من قواعد الاونسترال، إلى اتخاذ إجراءات رد المحكمين وتبديلهم طبقاً لما جاء في هذا الشأن في هذه القواعد. وهنا أيضاً يثور التساؤل حول ما إذا كانت إجراءات إعمال هذا الجزاء تتوافق مع القواعد الآمرة التي احتواها القانون المصري بشأن رد المحكمين.

    وعلى هذا الأساس فإن تقييم الاتجاهات القضائية من حيث مدى صحة النتيجة التي انتهـت إليها في ضوء القواعد الواجبة التطبيق على الإجراءات يقتضي أولا التعرض لكيفية تحديد مدة أو ميعاد إصدار حكم التحكيم وثانياً البحث في القيود الواردة على سلطة هيئة التحكيم في تحديـد مدة التحكيم. ويستهدف البحث بيان مدى الحاجة إلى ضبط القواعد المحددة لميعاد اصدار حكـم التحكيم في ضوء حرية طرفي التحكيم في اختيار قواعد اليونسترال لتحكم سير الاجراءات.

اولاً: تحديد مدة (ميعاد) إصدار حكم التحكيم:

     القاعدة أن ميعاد إصدار حكم التحكيم يتحدد بمقتضي اتفاق التحكيم سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة بالإحالة إلي لائحة تحكيم مؤسسي محدد أو نظام تحكيم معين، وفي حالة عدم وجود نص في هذا المصدر الأول يحكم المسألة فانه يصار إلي تطبيق القواعد الـواردة فـي القـانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم. وسوف نقتصر في هذا البحث على التركيز على الأحكام الواردة في تلك المصادر بالقدر الذي يخدم الهدف من البحث. ولهذا الغرض فإنه يعنينا الكـشف عن الأساس الفني الذي يضفي على هيئة التحكيم سلطة تقدير ميعاد إصدار الحكم وه نفـس الأساس الذي تستمد منه قيود هذه السلطة.

(1) تحديد ميعاد إصدار الحكم بمقتضى اتفاق طرفي التحكيم:

(أ) صور الاتفاق على ميعاد إصدار الحكم

    يشمل الاتفاق على مدة إصدار الحكم تحديد هذه المدة مباشرة في اتفاق التحكيم أو في وثيقة لاحقة (مثل محاضر جلسات التحكيم) أو تحديدها بطريق غير مباشر حين يتفق طرفـا التحكـيم على الإحالة إلى قواعد الإجراءات الواردة في لائحة تحكيم أو نظام تحكيمي معين، أو حين يتفقا على تفويض هيئة التحكيم في تحديد المدة" وفي حالة التحديد الاتفاقي غير المباشر لمدة التحكـيم يكون هناك قبولا ضمنياً من طرفي التحكيم على ما يحدده النظام التحكيمي المحال إليه أو ما تراه هيئة التحكيم .

    وهذا الأسلوب في تحديد مدة التحكيم يقره القانون المصري حين نص (م5) على أن حـق طرفي التحكيم في اختيار الإجراء الواجب الاتباع في مسألة معينة يتضمن حقهما في التـرخيص للغير في اختيار هذا الإجراء. وقد عبر الأمر الإجرائي – المشار اليه آنفاً – عن هذا الحكم بقوله أن "اختيار الأطراف لقواعد اليونسترال يعتبر ارتضاء منهما بما قضت به هذه القواعد من مـنـح المحكمين سلطة تحديد المواعيد التي يرونها مناسبة"، وبناء عليه فإن "المواعيـد التـى يقررهـا المحكمون تستمد قوتها الإلزامية في حقيقة الأمر من التفويض الممنوح للمحكمـيـن مـن جـانـب الأطراف انفسهم عند قبولهم التحكيم وفقاً لقواعد (الأونسترال)"، وبـذلك فـإن الأجـل الممتـد لإجراءات التحكيم يستوعبه في حالة اختيار هذه القواعد قبول ضـمنـي مـن جانـب الخـصوم أنفسهم.

    والواقع أن الاتفاق أو القبول الضمني لطرفي التحكيم لما يقع عليه اختيار غيرهما (خصوصاً هيئة التحكيم) في شأن إجراءات التحكيم له تطبيقات عديدة خصوصاً في مسألة مد ميعاد التحكيم الأصلي كما أن هذا القبول الضمني يستمد من مسلك طرفا التحكيم أنفسهما، مثـال ذلـك أن يستمر الطرفان في متابعة إجراءات التحكيم دون تحفظ رغم انقضاء الميعاد الأصـلي". وقـد قضت محكمة النقض بأن تحديد ميعاد حكم التحكيم بحكم القانون لا يحجب إرادة الطرفين فـي مده سواء بأنفسهم أو بتفويض وكلائهم أو محكميهم في ذلك، وكما يكون الاتفاق على مد الأجـل صريحاً فإنه يستفاد ضمناً من حضور الطرفين أمام هيئة التحكيم والمناقشة فـي القـضية بعـد الميعاد". ومتى تحددت مدة التحكيم بالاتفاق الضمني لإطرافه فأنـه لا محـل للـشكوى مـن استطالتها في بعض القضايا (مثل التحكيم في منازعات البناء والتشييد) أو في بعـض الظـروف (مثل تعقد القضية وحاجة دراستها للاستعانة بالخبرة الفنية)، إذ يستطيع طرفا التحكيم تقييد سلطة المحكمين فيما يتعلق بمواعيد الإجراءات وأيضاً ميعاد إصدار الحكم، فهذه السلطة مستمدة أصلاً من رضاء طرفي التحكيم .

(ب) السلطة التقديرية لهيئة التحكيم:

    بعد أن استعرض الأمر الإجرائي – محل البحث - النصوص الواردة في قواعد اليونسترال بشأن سلطة هيئة التحكيم في تحديد مواعيد بعض إجراءات التحكيم (في حالة عدم وجود اتفاق بين طرفي التحكيم – م 1 من القواعد) انتهى إلى أنه من غير المقبول أن تلتزم هيئـة التحكـيم بمدة جامدة لإصدار الحكم لأن ذلك يتعارض مع منح هيئة التحكيم الصلاحية والسلطة في تحديد مواعيد إجراءات التحكيم وفقاً لما تقضي به الظروف الخاصة بكل قضية على استقلال. والواقع أن العديد من القوانين الوطنية وأنظمة التحكيم تمنح سلطة واسعة لهيئـة التحكـيم فـي تـسيير الإجراءات وهو ما يخولها اتخاذ القرارات بشأن تنظيم الإجراءات ومواعيدها في ضوء ظـروف كل قضية وتوقعات الأطراف، هذا مع مراعاة الحاجة إلى تسوية عادلة للنزاع في وقت مناسـب وتكلفة معقولة ويندرج في هذا الاتجاه النص في المادة 15 من قواعد اليونسترال على أنه "مع مراعاة أحكام هذه القواعد لهيئة التحكيم ممارسة التحكيم بالكيفية التي تراها مناسبة شـريطة أن يعامل الطرفان على قدم المساواة وأن تهيئ كل منهما في جميع مراحل الإجـراءات فرصـة كاملة لعرض قضيته".

     وهذه السلطة التقديرية التي تتمتع بها هيئة التحكيم في تحديد ميعاد إصدار الحكم لا تقوم إلا في حالة غياب اتفاق بين طرفي التحكيم – سواء اتفاق صريح أو اتفاق ضمني – بشأن تحديـد المدة. فإذا خلت الوقائع مما يفيد قيام الطرفين بتفويض هيئة التحكيم في تحديد المدة أو مدها فإنه يصار إلى تطبيق الحكم الوارد في القانون الواجب التطبيق على الإجراءات. وتختلف التشريعات الوطنية وأيضاً أنظمة التحكيم في تحديد مدة التحكيم فبعضها يحدد مهلة معينة. وقـد اعتبـرت محكمة النقض المصرية أن أجل إصدار التحكيم المحدد قانوناً في قانون المرافعات الملغـى لا يمتد إليه المكنة التي خولها هذا القانون لطرفي التحكيم من حيث إعفاء المحكمين مـن تطبيـق قواعد قانون المرافعات وفي قانون التحكيم المصري (م45) تتحدد مدة التحكيم قانونـا بـسنة يجوز لهيئة التحكيم مدها لمدة ستة شهور، ويجوز للمحكمة المختصة إصدار أمـر بمـنـح أجـل إضافي. ومن هذا نرى أن قانون التحكيم يمنح هيئة التحكيم سلطة تقدير مد مدة التحكـيم ولكنـه يقيدها بحد أقصى هو ستة شهور.

    وفي المقابل فإن بعض التشريعات التي لم تحدد ميعاداً لإصدار حكم التحكيم تـنص علـى وجوب إصداره خلال مدة معقولة.

    أما بالنسبة لأنظمة التحكيم فإن بعضها لا يفرض مدة محددة لإصدار الحكم (مثـل قواعـد مركز الوايبو للتحكيم والتوفيق) في حين أن بعضها الآخر وإن كان يحدد مدة لإصدار الحكـم إلا أنه يتيح مدها". وبالنسبة لقواعد التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية فقد حـددت ( م24) ميعـاد إصدار الحكم بستة شهور من تاريخ استكمال أو استيفاء وثيقة تحديد مهمة المحكمـين والتوقيـع عليها، ويكون لمحكمة تحكيم الغرفة مد هذا الميعاد بناء على طلب المحكمين أو من تلقاء نفـسـها إذا رأت أن ذلك ضروري. وهذا القيد الزمني لا يمنع أطراف المحتكم من تعديل المدد الزمنيـة المختلفة المنصوص عليها في القواعد . وإذا كانت قواعد نظام تحكيم غرفة التجـارة الدوليـة تعطى سلطة التقدير لمحكمة التحكيم (وهي هيئة تراقب عمل هيئة التحكيم) إلا أن البعض يـرى أنه من الأفضل أن يحتفظ لهيئة التحكيم بقدر من حرية التقدير في تسيير الإجراءات دون حاجـة لاستشارة الأطراف. ويستوجب تحديد قواعد التحكيم في غرفة التجارة الدولية لميعاد إصـدار الحكم أن تضـع هيئـة التحكيم في وقت مبكر جدولاً زمنياً للإجراءات فــي مـستنـد مـستقل (م18/4)، وجاء تبريراً لذلك في أحد الأوامر الإجرائية الذي أصدرته أحدى هيئات التحكـيم هذا الإجراء يساعد الأطراف على أخذ فكرة عن المدة التي تستلزمها الإجراءات لحين صـدور أن الحكم.

    أما بالنسبة لقواعد اليونسترال فقد مر بنا أنها لم تتضمن نصاً صريحاً يحدد ميعـاداً جـامـداً لإصدار الحكم فيما خلا ما يحدده طرفا التحكيم، وهو الأمر الذي يبرز اتجاه هذه القواعد إلى منح سلطة تقديرية لهيئة التحكيم في تحديد ميعاد إصدار الحكـم. غيـر أن هـذا لا يمنـع ، طبقـاً لملاحظات اليونسترال على تنظيم إجراءات التحكيم (بند 9/3) من أن تضع هيئة التحكيم جـدولاً زمنياً للمذكرات المكتوبة مع إعطائها سلطة تقديرية لقبول المذكرات المتأخرة إذا وجدت مبـرراً لذلك (ولكن النص يجيز لهيئة التحكيم إلا تضع مواعيد للمذكرات بحيث يجري تحديدها في ضوء تطور الإجراءات) كما أن سلطة التقدير الممنوحة بموجب القواعد لهيئة التحكيم لا يمنعها مـن إعطاء طرفي النزاع، من وقت لآخر، توضيحات أو إشارات حول تنظيم الإجراءات والطريقـة التي سوف يجرى بها تسيير الإجراءات. وتشير ملاحظات اليونـسترال إلـى أهميـة هـذه التوضيحات خصوصاً في التحكيمات الدولية حيث تختلف طريقة التعامل مع الإجراءات بإختلاف جنسية أطرافها، كما أنه بغير هذه الإرشادات قد يجد أحـد الأطـراف صـعوبة فـي الإعـداد للإجراءات وهو ما يؤدي إلى استطالة الإجراءات وزيادة تكلفتها.

ثانيا: قيود سلطة هيئة التحكيم في تحديد ميعاد اصدار الحكم:

    تتقيد السلطة التقديرية التي قد تثبت لهيئة التحكيم في تسيير الإجـراءات وتحديـد مـدتها، شاملة ميعاد إصدار الحكم، بما قد يرد من قيود في نظام التحكيم الذي تجري الإجراءات تحـت لوائه وأيضاً بما قد يرد من قواعد آمرة في القانون الوطني المطبق على الإجـراءات. وتعـرف التشريعات الوطنية وأنظمة التحكيم طرقاً عديدة لرقابة أسلوب هيئة التحكيم في تسيير الإجراءات خصوصاً فيما يتعلق بمدتها فتتيح لطرفي التحكيم التظلم من هذه الطريقة إلى الجهة التي يحددها النظام الخاضع له التحكيم. وتتراوح صور هذه الرقابة بين إنهاء إجـراءات التحكيم (م 45/2 قانون تحكيم مصري) ورد المحكمين وتبديلهم ومسئوليتهم عن الضرر الذي عسى أن يصيب المحتكمون من جراء تأخرهم في إصدار الحكم وقد أشار الأمر الإجرائي – محل البحـث إلي انه اتساقا مع اتجاه قواعد اليونسترال في ترك السلطة كاملة لهيئة التحكيم فيما يتعلق بتحديـد ميعاد إصدار حكم التحكيم جاء قانون اليونسترال النموذجي للتحكيم التجـاري الـدولي (1985) متجنباً الإشارة إلى أي جزاء قد يترتب على انتهاء المهلة التي قد يتفق عليها الأطراف وترك لهم كيفية التعامل هذه المسألة، مع ولذلك أجاز لهم هذا القانون (م14) حالة تخلف المحكم عن القيـام بمهمته الاتفاق على إنهاء مهمته، فإن لم يحدث اتفاق على ذلك بينهم جاز لأي منهما أن يطلـب إلى المحكمة المختصة أن تقضي بإنهاء ولاية المحكم. وكما هو واضح فإن هذه الإجراءات تحمل معنى الجزاء على تخلف المحكم عن إصدار الحكم في الميعاد المتفق عليه أو في المهلة المعقولة. وقد استخلص الأمر الإجرائي – محل التعليق – من ذلك أن اتفاق الأطـراف علـى إخـضاع إجراءات التحكيم لنظام تحكيم اليونسترال يفيد اتفاقهم على عدم تحديد مهلة معينة لإصدار الحكم، وهو ما يجيزه لهم قانون التحكيم المصري (م5)، وبالتالي لا محل لتطبيق الجـزاء المنـصوص عليه في المادة (45) على هذا القانون بإعتبار أن القواعد الواردة في هذا النص ليست من القواعد الآمرة. وفي اعتقادنا أن التحليل الذي ساقه الأمر الإجرائي – محل التعليق - والذي قـاده إلـي النتيجة المذكورة في حاجة إلي مناقشة بهدف إلقاء مزيد من الإيضاح عليه ومن ثم تقيـيم تلـك النتيجة. يشجعنا على هذه المناقشة ان حكم النقض، الذي انتهى إلى نفس النتيجة، تجنب الخوض في التفاصيل التي ساقها الامر الإجرائي الذي أصدره رئيس محكمة استئناف القاهرة لتبريـر النتيجة التي توصل اليها.

    وعلى هذا الأساس فإنه بعد أن نعرض لجزاء فوات مدة التحكيم المحددة أو المعقولة نتصدى لمؤدي ترتيب مصادر الإجراءات فيما بين قواعد الاونسترال للتحكيم وقواعـد قـانون التحكـيم المصري الواجبة التطبيق على الإجراءات.

(1) جزاء فوات مدة التحكيم المحددة أو المعقولة:

   تتضمن قواعد التحكيم، سواء في التشريعات الوطنية أو في أنظمة التحكيم، أنواعاً مختلفـة من الجزاء على عدم إصدار حكم التحكيم في الميعاد المحدد اتفاقاً أو قانوناً، وهذا الجزاء يتمثـل عموماً في بطلان الحكم في حالة صدوره أو إنهاء إجراءات التحكيم قبل صـدوره. وقـد ثـار التساؤل عن ماهية الجزاء الواجب تطبيقه طبقاً لقواعد اليونسترال حالة استطالة إجراءات التحكيم فيما يجاوز المدة المعقولة. قد يكون من المفيد قبل التصدي لهذا التساؤل التعرض لمصير حكـم التحكيم الذي يصدر بعد فوات الميعاد المحدد اتفاقاً أو قانوناً، وهذا في غير الحالات التي تملـك فيها هيئة التحكيم سلطة تقدير مدة إصدار الحكم.

أ - هل يعد فوات مدة التحكيم سببا لبطلان الحكم:

    الاتجاه السائد في قضاء محكمة استئناف القاهرة أن "المشرع لم يرتب البطلان على مخالفة نص المادتين 45، 48 من قانون التحكيم ولم يجعل مخالفتهما سبباً من أسباب البطلان المنصوص عليها في المادة (253)" ، وقد عبرت نفس المحكمة عن ذات النتيجة بقولها أن "مـؤدي تحديـد حالات بطلان حكم التحكيم في المادة (53) من القانون على سبيل الحصر أنه لا يجوز الطعـن بالبطلان لأي سبب آخر خلافاً لما أورده نص هذه المادة "وبالتالي فإن انتهاء مدة إصـدار حكـم التحكيم لا يشكل سبباً لبطلانه. ويساق تبريراً لهذا الحكم أن المشرع لو كان يقصد جعل هـذا الأمر سبباً للبطلان لنص عليه صراحة، والحاصل أن المشرع نص في المادة (45) على أسلوب إجرائي لإنهاء إجراءات التحكيم قبل صدور حكم التحكيم عن طريق تقديم طلـب إلـى رئـيس المحكمة المختصة بإصدار أمر بإنهاء الإجراءات، فإذا لم يتبع هذا الإجراء واستمر الطرفان في التحكيم فإنه لا يجوز لهما النعي على الحكم الصادر بعد ذلك. وكما هو واضح فإن هذا التبرير يندرج تحت فكرة القبول الضمني لطرفي التحكيم للإجراء ما دام لم يصدر منهما تحفظ عليـه وهو ما تبناه قانون التحكيم بالنص (م8) على أنه إذا استمر أحد طرفي التحكيم (أو كلاهما) فـي إجراءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة لشرط في اتفاق التحكيم أو لحكم من أحكام هذا القانون مما يجوز الاتفاق على مخالفته ولم يقدم اعتراضاً على هذه المخالفة في الميعاد المتفق عليـه أو في وقت مقبول عند عدم الاتفاق، اعتبر ذلك نزولاً منه عن حقه في الاعتراض. وقـد عبـرت محكمة استئناف القاهرة عن هذه القاعدة بقولها أن "سكوت الخصم عن الاعتراض على الإجـراء مع قدرته على إبدائه يعد قبولاً ضمنياً بصحة الإجراء" واتساقاً مع اتجاه صحة حكم التحكـيم الذي يصدر بعد انقضاء مدة التحكيم رفضت إحدى محاكم نيويورك الحكم ببطلان مثل هذا الحكم ما دام لم يثبت أن هناك تحيزاً لأحد الأطراف:

    وبالتطبيق لذلك فإن عدم الاعتراض على استمرار الإجراءات بعد انتهـاء مـدة التحكـيم، بالأسلوب الذي نص عليه القانون، يعتبر قبولاً ضمنياً لامتداد مدة التحكيم.

    وفي مقابل هذا الاتجاه يذهب البعض إلى أن حكم التحكيم الذي يصدر بعد الميعاد يقع باطلاً كونه قد صدر من هيئة انحسرت عنها السلطة التي خولها لها أطراف التحكيم، ولأن ميعاد إصدار الحكم يحدد الإطار الزمني لممارسة هيئة التحكيم للاختصاص الاستثنائي المخول لهـا أو المهمـة الموكولة إليها بحيث يترتب على انقضاء الميعاد المحدد بإتفاق الطرفين سقوط هذا الاتفاق وثمـة تشريعات تأخذ بهذا الاتجاه من ذلك مثلاً النص في مرسوم التحكيم الدولي الصادر فـي فرنسا (1981 – م 1502/أ) على أنه يترتب على صدور الحكم بعد فوات الميعاد بطلانه إذا كان صادراً في فرنسا، أما إذا صدر خارجها فإن مصيره هو رفض الاعتراف به ورفض تنفيذه في فرنسا .

    وفي اعتقادنا أنه ولئن كان يترتب على انقضاء الميعاد الذي حدده طرفا التحكيم، سواء فـي اتفاق التحكيم أو في اتفاق لاحق، سقوط هذا الاتفاق وهو ما يعتبر سبباً لبطلان الحكم طبقاً للمادة 53/4 من قانون التحكيم، إلا أن استمرار طرفي التحكيم في الإجراءات دون اتخاذ الإجراء الذي سمه القانون للاعتراض على استطالة الإجراءات فيما يجاوز المواعيد المحددة يفيد قبولهما مـد المدة المحددة اتفاقاً وبالتالي فإن الحكم الذي يصدر في مثل هذه الحالة لا يقع باطلاً لأنه صـدر خلال المدة التي وقع الاتفاق عليها ضمناً بين طرفي التحكيم. وهذه النتيجة هـي التـي يميلهـا الاتجاه الذي تبناه قانـون التحكيم (م8) والذي مؤداه أن عدم اعتراض طرفا التحكيم أو أحـدهما على وقوع مخالفة لاتفاق التحكيم أو لنص غير آمر في قانون التحكيم يعتبر نزولاً عن الحق في الاعتراض، ومن ثم لا يجوز أن يتمسك بهذه المخالفة بعد صدور الحكم.

    والواقع أن الخلاف بين الاتجاهين المشار إليهما في مسألة مصير حكم التحكيم الذي يصدر بعد الميعاد يمكن تبريره بالنظر إلي مصدر سلطة أو اختصاص هيئة التحكـيم بنظـر النـزاع وإصدار حكم فيه مكملاً بالإطار الزمني الذي تمارس فيه سلطتها أو اختصاصها. فالاتجاه الأول (عدم بطلان الحكم) يتأسس على القبول الضمني لأطراف التحكيم في حين أن الاتجـاه الثـاني (بطلان الحكم) يستند إلى انحسار سلطة هيئة التحكيم خارج الإطار الزمني لها، وإذا كان مصدر السلطة المخولة لهيئة التحكيم في الفصل في النزاع المطروح عليها هو اتفاق التحكيم ذاته، فـإن الإطار الزمني لهذه السلطة يتحدد بما عسى أن يرد في هذا الاتفاق (خصوصاً مشارطة التحكيم) بشأن تحديد مدة إصدار الحكم. وقد يحدث أن تختلف مدة سريان عقد الأساس (مقاولة مثلاً) الذي يتضمن اتفاق التحكيم عن المدة التي حددها طرفا النزاع (في مشارطة التحكيم مثلاً) لإصـدار حكم التحكيم، فهل يترتب على انقضاء مدة سريان العقد إنتهاء سلطة هيئة التحكيم في الفصل في النزاع. يتعين في التصدي لهذا التساؤل التمييز بين انقضاء مدة اتفاق التحكيم قبل بدء الإجراءات وبين انقضاء مدة التحكيم بعد بدء الإجراءات وقبل صدور الحكم.  

(ب) مدة التحكيم ومدة اتفاق التحكيم:

    يعتبر استقلال اتفاق التحكيم (في صورتيه بند تحكيم – مشارطة تحكيم) عن عقد الأسـاس مبدأ مقرراً في معظم أنظمة التحكيم، وبالتالي فان انتهاء هذا العقد لأي سبب لا يؤثر علـى وجود اتفاق التحكيم أو صحته (م 23 قانون التحكيم المصري). وعلى ذلك فان توقف سريان عقد الأساس لأي سبب لا يمنع من إعمال اتفاق التحكيم بصدد ما عسى أن ينشأ عـن العقـد مـن منازعات (وقد يكون موضوع المنازعة هو قيام أحد أطراف العقد بفسخه بإرادته المنفردة). ولكن إذا تضمن اتفاق التحكيم ميعاداً لبدء إجراءات التحكيم فإن انقضاء هذا الميعاد يترتب عليه سقوط اتفاق التحكيم ويبطل بالتالي حكم التحكيم الذي عسى أن يصدر بعد ذلك. ويتعين في هذا الصدد التمييز بين مدة اتفاق التحكيم وميعاد إصدار حكم التحكيم، فإذا بدأت الإجـراءات فـي الميعـاد المحدد في اتفاق التحكيم فإنها تكون صحيحة في مبدئها، ولكن إذا حدد طرفا التحكـيم ميعـاداً زمنياً لإصدار الحكم وتجاوزت هيئة التحكيم هذا الميعاد، فإن الإجراءات لا تبطـل مـا دام لـم  يعترض الطرفان أو أحدهما على استمرارها بعد الميعاد المحدد، هذا مع مراعاة أن القانون (مثل القانون المصري م45/2) قد يستلزم اتخاذ هذا الإجراء شكل طلب استصدار أمر على عريضة بإنهاء الإجراءات مقدم إلى جهة معينة.

    ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن قانون التحكيم المصري يرتب على صـدور أمـر بإنهـاء الإجراءات من رئيس المحكمة المختصة بناء على طلب أحد طرفي التحكيم حق أي منهمـا فـي رفع دعواه المختصة أصلاً بنظرها (م45/2)، وهو ما يعني انقضاء اتفاق التحكيم أو تجريده من آثاره. ويبدو هذا الحكم للوهلة الأولى متنافراً مع طبيعة اتفاق التحكيم بوصفه عقداً ملزماً لطرفيه خلال مدته  ، ومع ذلك فإنه لما كان من المقرر قانوناً (م148/1 مدني مـصري) أنـه يجـوز للقانون أن يضع حداً زمنياً لفاعلية العقد للأسباب التي يقررها، فإن النص الذي تضمنته المـادة (45/2 تحكيم) لا يعدو أن يكون تطبيقاً لهذا المبدأ.

(2) مؤدي ترتيب مصادر الإجراءات بين قواعد اليونسترال وقانون التحكيم:

    جاء في الأمر الإجرائي – الذي أصدره رئيس محكمـة اسـتئناف القاهرة – أن قواعـد اليونسترال وأن تركت تحديد مدة إصدار الحكم للسلطة التقديرية للمحكمين إلا أنها استلزمت عدم تجاوز هذه المدة القدر المعقول والمناسب لظروف الدعوى، ولذلك نصت المادة 13/2 من هـذه القواعد على أنه "في حالة عدم قيام أحد المحكمين بمهمته أو في حالة وجود استحالة قانونيـة أو فعلية تحول دونه والقيام بها، تطبق الإجراءات المنصوص عليها في المواد السابقة بـشأن رد المحكمين وتبديلهم". ولعل إخضاع السلطة التقديرية لهيئة التحكيم في تحديد ميعاد إصدار الحكـم طبقاً لهذا النص لرقابة الجهة التي تتولى شئون رد المحكمين يؤكد أن قواعد اليونسترال تتجه إلى ترتيب نوع من الجزاء على تجاوز مهلة إصدار حكم التحكيم حدود المعقول أو المناسب لظروف الدعوى. غير أن هذه النتيجة تثير التساؤل عن مدى اتساق هذا الجزاء مـع القواعـد الملزمـة الواردة في القانون الواجب تطبيقه على الإجراءات، وهو في حالتنا قانون التحكيم المصري.

يتعين في التصدي لهذا التساؤل التذكير بـأن صـياغة نـص المـادة 13/2 مـن قواعـد اليونسترال لم تتعرض مباشرة لجزاء حالة استطالة المدة بدون مبرر ولكنه يعالج حالة عدم قيـام أحد المحكمين بمهمته، ومن هنا يمكن الاستنتاج بأن قواعد اليونسترال لم تتعرض لجزاء الحالـة الأولى الأمر الذي قد يبرر تطبيق القواعد الواردة في المصدر التالي لقواعد الإجراءات وهو في حالتنا قانون التحكيم المصري الذي يجيز لأي من طرفي التحكيم استصدار أمـر مـن رئـيس المحكمة المختصة بإنهاء الإجراءات. وزيادة في إيضاح هذه الفكرة نقول أنه لا خلاف على أنه يلزم أن يكون هناك مدة لإصدار حكم التحكيم سواء جرى تحديدها مباشرة في اتفاق التحكـيم أو جرى تحديدها، في حالة غياب هذا التحديد، بالمدة المعقولة. فإذا لم يرد في اتفاق الطرفين تحديداً لمدة لإصدار الحكم وفي نفس الوقت خلا النظام التحكيمي الذي أحالا إليه من هذا التحديد، فإنـه يصار إلى تطبيق القانون الواجب التطبيق على الإجراءات .

    صحیح أن قواعد اليونسترال لم تحدد مدة لإصدار الحكم وتركت ذلك لتقـدير المحكمـين ولكن إذا استطالت المدة التي قدرها المحكمون لإصدار حكمهم بدون مبرر معقول فإن علاج هذا الأمر أو جزاءه – حسبما جاء في الأمر الإجرائـي - محـل البحـث - هـو تطبيـق قواعـد اليونسترال بشأن رد المحكمين وتبديلهم (م13/2). غير أن مؤدي هذا التحليل، الـذي يفتـرض تطبيق النص المذكور على حالة تجاوز مدة التحكيم المدة المعقولة – تصادم هذا الـنص، حـين يحدد السلطة أو الجهة التي تتولى الفصل في طلب الرد، مع قاعدة آمرة فـي قـانون التحكـيم المصري، وفي هذه الحالة فإنه يجري طرح هذا النص برمته وتطبيق ما ينص عليـه قـانون التحكيم في حالة تجاوز هيئة التحكيم المدة المعقولة لإصدار الحكم. فقد عقدت قواعد اليونـسترال (م12/1) الاختصاص بنظر طلب الرد لسلطة التعيين التي اتفق الطرفان على تسميتها. هذا في حين أن قانون التحكيم المصري (م19) يعقد هذا الاختصاص إلى المحكمة المختصة التي حددها في المادة 9) لتصدر في طلب الرد حكم غير قابل للطعن. ومن الواضـح أن قواعـد الـرد الواردة في قانون التحكيم المصري هي قواعد آمرة، ومن ثم لا يجوز الاتفاق، سواء مباشـرة أو بالإحالة إلى قواعد اليونسترال للتحكيم، على تحديد سلطة أخرى لنظر طلب الرد. وعلـى هـذا الأساس فإن اتفاق طرفي التحكيم على تطبيق قواعد اليونسترال على إجراءات التحكيم لا يعنـي استبعاد قواعد الإجراءات التي نص عليها قانون التحكيم بشأن رد المحكمين وهـو الإجـراء (أو الجزاء) الذي رتبته قواعد اليونسترال، كما أشار إلى ذلك الأمر الإجرائي محل البحـث، علـى تجاوز إجراءات التحكيم للمدة المعقولة. أكثر من ذلك فإن استطالة مدة التحكيم لا تشكل طبقـاً لقانون التحكيم المصري سبباً لرد هيئة التحكيم، فقد حدد هذا القانون أسباب الرد بأنهـا ظـروف تثير "شكوكاً جدية في حيدة أو استقلال المحكم" ومن الصعب تصور انطباق هذا التحديـد علـى استطالة مدة التحكيم.

    وعلى العكس فإن نص قواعد اليونسترال (م12/2) على قيام سلطة التعيين، بعـد صـدور حكم من الجهة المختصة وفقاً لقانون التحكيم المصري برد المحكمين، بتعيين المحكم أو المحكمين البدلاء هو أمر لا مخالفة فيه لقاعدة آمرة في قانون التحكيم الذي يجيز ( م17/1) لطرفي التحكيم الاتفاق على كيفية اختيار المحكمين، وبالتالي فانه يصار إلى تطبيق قواعد اليونسترال فـي هـذا الشأن. ومن هذا نرى أن مصادر قواعد جزاء السلطة التقديرية التي تمنحها قواعد اليونـسترال لهيئة التحكيم تتوزع بين هذه القواعد وقانون التحكيم.

    نخلص مما تقدم إلى نتيجتين الأولى أن نصوص قواعد اليونسترال ولئن لم تتضمن جـزاءاً مباشراً على استطالة إجراءات التحكيم فيما يجاوز الأجل المعقول، وكان تطبيـق نـصوص رد المحكمين الواردة في هذه القواعد يتعارض مع قواعد آمرة واردة في قانون التحكيم المـصري، فأنه يتعين استبعاد قواعد اليونسترال في حدود هذا التعارض وتطبيق الجزاء المنصوص عليه في هذا القانون. أما النتيجة الثانية فهي أنه ولئن كان لا يترتب على استطالة الإجراءات فيما يجـاوز الأجل المعقول بطلان الحكم، سواء في قواعد اليونسترال أو قانون التحكيم المـصري، إلا أن تأصيل هذه النتيجة هو مما يحتمل أن تختلف فيه وجهات النظر، فطبقاً للأمر الإجرائـي محـل التعليق لا يوجد جزاء أصلاً على السلطة التقديرية لهيئة التحكيم، هذا في حـيـن أنـه لا محـل للبطلان بالنسبة لمخالفة قاعدة حدد لها القانون جزءا محدداً هو صدور أمر من المحكمة المختصة بإنهاء الإجراءات.

الخاتمـة :

    وهكذا فإن اختلاف وجهات النظر في شأن الجزاء الواجب تطبيقه وايضاً أساسه في حالـة عدم صدور حكم التحكيم في الميعاد المحدد اتفاقاً أو قانوناً وأيضاً عـدم صـدوره فـي المـدة المعقولة، حين يتفق طرفاً التحكيم على تطبيق قواعد اليونسترال على إجراءات التحكـيم، هـذا الاختلاف يقدم مبرراً إضافياً لأهمية ضبط العلاقة بين هذه القواعد وقانون التحكـيم المـصري باعتباره القانون الواجب التطبيق، في حالة عدم الاتفاق على خلافه، على اجـراءات التحكـيم وتتعين الاشارة هنا إلى أن النتيجة التي انتهت اليها محكمة النقض، وايضاً الاساس الذي استندت اليه في إلغاء حكم محكمة الاستئناف المطعون فيه امامها، قاما على اعتبار أن جـزاء اسـتطالة اجراءات التحكيم، فيما يجاوز الأجل المحدد أو المعقول، لم يرد بشأنه قاعدة آمرة فـي القـانون المصري. من هنا اعتبرت أن اتجاه محكمة الاستئناف الى تغليب نص القانون المـصـري علـى قواعد اليونسترال قد جاء بدون سند من اتفاق أو نص يجيز ذلك. ونستطيع أن نعتبر هذه الجزئية من حكم النقض كاشارة إلى أن اتجاه التعديل في النص المصري، ونحن بصدد ضـبط علاقتـه بقواعد اليونسترال، يمكن أن يتجه إلى جعل جزاء عدم صدور حكم التحكيم في الميعاد المعـين محلاً لقاعدة تكمل النقص في القواعد الاتفاقية.  

   من المتصور أن يتجه ضبط العلاقة المذكورة في اتجاه تعديل صياغة المادة (45) في قانون التحكيم المصري بحيث تكرس فقرتها الأولى حرية الاطراف في تنظيم مدة التحكيم سـواء فـي شأن تحديدها أو جزاء مخالفتها ليكون اتفاقهما في هاتين المسألتين له أولوية التطبيق على نـص القانون المحدد لمدة التحكيم، فان خلا اتفاق الطرفين من تحديد مدة التحكيم وايضاً مـن تحـديـد اسلوب مواجهة استطالة الاجراءات في الوقت الذي جرى الاتفاق فيـه علـى تطبيـق قواعـد اليونسترال بوضعها القائم حاليا، فإنه يتعين قصر تطبيقها على مسألة تحديد ميعاد إصدار حكـم التحكيم دون الجزاء المترتب على صدوره بعد انتهاء هذا الميعاد بحيث تخضع هذه المسألة للفقرة الثانية من المادة. ومؤدي ذلك أنه في الوقت الذي يجيز فيه القانون لطرفي التحكيم الاتفـاق على تطبيق قواعد اليونسترال، وبالتالي يخضع تحديد مدة التحكيم لسلطة هيئة التحكيم، إلا أنه إذا قدر أحد طرفي التحكيم أن الاجراءات قد استطالت فيما يجاوز الأجل المعقول فأنه يكون لـه أن يطرح الأمر على المحكمة المختصة ويطلب انهاء الاجراءات ويمتنع عـن مـوالاة اجـراءات التحكيم أو يعترض على استمرارها. فإن فات عليه ذلك، رغم تمكنه من اتخاذ اجـراءات هـذا الطلب، فإن هذا يعد قبولاً ضمنياً منه لاستطالة الاجراءات بحيث لا يجوز له بعد صدور الحكـ طلب بطلانه. ومثل هذا التعديل المقترح يوجد له أساس في قانون اليونسترال النموذجي للتحكيم (م14).

    ومفاد ما تقدم أن المشاكل العملية التي ابرزها تطبيق نصوص قواعد اليونـسترال بـشأن تحديد مدة التحكيم وجزاء مخالفتها تبرر إعادة النظر أو تعديل أما نصوص قواعـد اليونـسترال

وإما قواعد قانون التحكيم المصري، بحيث تتحدد المدة المعقولة التي تشير اليها قواعد اليونسترال برقم معين (ليكن ستة شهور مثلاً) أو النص في قانون التحكيم المصري (م45/2) على احتفـاظ كل من طرفي التحكيم بحقه في اللجوء إلى القاضي المختص لطلب انهاء الإجراءات فـي حالـة عدم تمكنه من ذلك وفقاً للقواعد التي عسى أن يتفق طرفي التحكيم على خضوع إجراءات التحكيم لها.

     وبالاضافة إلى المبررات العملية للتعديل في النصوص فإن ثمة مبررات أخرى تنبـع مـن طبيعة التحكيم ذاته. إذ أن التحكيم بوصفه طريقاً استثنائياً لتسوية المنازعات يقتضي أن يكـون مقيداً في موضوعه واشخاصه ومدته وخاضعاً لرقابة قضاء الدولة، وبالتالي فـان القـول بـأن للتحكيم نطاقاً زمنياً لا يجوز أن يتعداه لا يمكن اعتباره مخالفاً لقواعد اليونسترال التـي جـاءت لتنظيمه بوصفه طريقاً اتفاقياً لتسوية منازعة معينة دون أن تمنع تدخل محاكم الدولة من رقابـة سير العملية التحكيمية. يجب أن يكون للتحكيم اذن نطاقاً زمنياً يتحــدد بمـدة معينـة أو بالمـدة المعقولة. وإذا كانت قواعد اليونسترال تقيد السلطة التقديرية لهيئة التحكيم، فيما يتعلـق بميعـاد اصدار الحكم، بأن يصدر في مدة معقولة، فأن رقابة المعقولية يجب أن تسند إلى جهة المحـاكم في الدولة التي يجري فيها التحكيم. ولذلك فربما كان من الجائز القول، توفيقا بين امكانية اتفـاق الطرفين على تطبيق قواعد اليونسترال على اجراءات التحكيم وحقهما في توقع صدور الحكم في مدة معقولة، بأنه يجوز لمن يرى من طرفي التحكيم أن مدة التحكيم قد تجاوزت المدة المعقولة أن يتقدم بطلب إلى المحكمة المختصة بطلب انهاء الإجراءات، على أن يخضع هذا الطلب لتقدير المحكمة فإن وجدت أن معطيات التحكيم لا تبرر استطالته على النحو المعروض عليها فإنها تأمر بإنهاء إجراءات التحكيم، وإلا فإنها ترفض الطلب إن وجدت توافر مبررات لاستمرار التحكـيم خصوصاً إذا ثبت لها أن الإجراءات قد قطعت شوطاً كبيراً. ولكن المشكلة في اعمال جهة رقابة المعقولية لسلطتها أن طلب انهاء الإجراءات يتقدم به الطالب في شكل طلب استصدار أمر علـى عريضة أي في غيبة الطرف الآخر وبالتالي فقد لا تقف جهة الرقابة على كافة معطيات التحكيم. ومع ذلك فإنه يجوز تغطية القصور المتحمل حصوله في هذا الشأن عن طريق التظلم من الامـر وبالتالي ابداء الظروف المبررة لاستمرار عملية التحكيم.

    وينبغي أن نشير إلى أن ضرورة تدخل جهة ما لرقابة مدة معقولية مدى التحكيم، وبصفة خاصة لجهة القضاء في الدولة التي يجري فيها التحكيم، لا تعني استبعاد قواعد اليونسترال المتفق على تطبيقها على الإجراءات، كل ما في الأمر أنه في نفس الوقت الذي يكون لهيئة التحكيم سلطة تقديرية في تحديد ميعاد اصدار الحكم، فأنه لا يوجد في هذه القواعد ما يمنع من اللجوء إلى سلطة الرقابة المختصة في الدولة التي يجري فيها التحكيم للنظر في مدى معقولية المدة التي استغرقتها عملية التحكيم. صحيح أن قواعد اليونسترال (م13/2) تخضع السلطة التقديرية لهيئة التحكيم في شأن ميعاد اصدار الحكم لرقابة الجهة التي تتولى شئون رد المحكمين، غير انه لما كان التحديـد الذي أوردته قواعد اليونسترال لجهة الرقابة يتصادم مع نص آمر في القانون المصري، فلا مفر والحالة هذه من استبعاد تطبيق هذه القواعد، وتطبيق القواعد المقررة في القانون المصري بشأن رقابة جهة القضاء على معقولية مدة التحكيم.

    هذه اذن مجرد مقترحات لتعديل النصوص دفعنا إلى إبدائها الخلافات التي شهدتها أروقـة المحاكم بشأن تطبيق قواعد اليونسترال بوضعها القائم. ومن الواضح أن توقيت ابدائها يتزامن مع المبادرات القائمة حاليا لإعادة النظر في بعض نصوص قواعد اليونسترال وايضاً تعديل بعـض نصوص قانون التحكيم المصري.