الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • حكم التحكيم / أحكام التحكيم المستعجلة / الكتب / قضاء التحكيم / سلطة هيئة التحكيم في اتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية

  • الاسم

    م.د محمد ماهر ابو العنين
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    مؤسسة دار الكتب
  • عدد الصفحات

    1156
  • رقم الصفحة

    743

التفاصيل طباعة نسخ

سلطة هيئة التحكيم في اتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية

    استقر الرأى فى الفقه والقضاء على أن اختصاص هيئة التحكيم بموضوع النزاع الذي أبرم بشأنه اتفاق التحكيم لا يسلب قاضي الأمور المستعجلة سلطة الأمر باتخاذ أي تدابير من التدابير الوقتية أو التحفظية، إذ تولي محكمة التحكيم لموضوع النزاع لا يعني تخلي قضاء الدولة عن سلطة اتخاذ التدابير، إلا أنه متي لجأ أحد الخصوم إلى القضاء بقصد استصدار تدبير معين فيشترط في هذا التدبير أن يكون ذو طابع مستعجل وألا يتضمن مساساً بأصل الحق موضوع الدعوي لأن سلطة الفصل في موضوع الدعوي إنما تنعقد لمحكمة التحكيم وحدها بناء علي اتفاق التحكيم، وعلي هذا جري نص المادة ٢٤ فقرة ١ من قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ والتي نصت علي أن " يجوز لطرفي التحكيم الإتفاق علي أن يكون لهيئة التحكيم، بناء على طلب أحدهما أن تأمر أي منهما باتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع وأن تطلب تقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدبير الذي تأمر به وعلي ذلك يجوز لمحكمة التحكيم بناء علي اتفاق التحكيم، أن تأمر أحد الطرفين بأداء نفقة وقتية أو تأمر بتعيين حارس علي المال موضوع النزاع أو إثبات حالته أو تعيين خبير للقيام بإثبات الحالة كإجراء وقتي وذلك بناء طلب الطرف الآخر.

     لكن هذه السلطة التي يقررها اتفاق التحكيم لمحكمة التحكيم لا تمنع مع ذلك، أحد الطرفين من اللجوء إلى قاضي الأمور المستجلة لطلب اتخاذ أي إجراء من الإجراءات المتقدمة، إذ لايجوز أن يسلبه هذا الاتفاق سلطة الأمر باتخاذ الاجراءات الوقتية أو التحفظية، لأن القول بغير ذلك يحرم الطرف من الحماية القضائية الواسعة التي يقررها له قانون المرافعات في حالات الاستعجال خاصة عندما يتعر علي محكمة التحكيم الأمر باتخاذ هذه الاجراءات لسبب أو لآخر. بالتالي إذا لم يتمكن أحد الطرفين من الحصول من محكمة التحكيم على أمر باتخاذ التدبير الوقتي أو التحفظي في الوقت المناسب وخالف مرور الوقت الذي يلحق له ضررا إذا لم يتخذ ذلك التدبير في وقت معين جاز له اللجوء إلى قاضي الأمور المستجلة للأمر بهذا الإجراء طالما توافر له طابع الاستعجال ولم يتضمن مساسا بموضوع النزاع المعروض علي محكمة التحكيم.

    كذلك لا مناص امام أحد الطرفين من اللجوء إلى القضاء العادي لاتخاذ إجراء وقتي لا يدخل في سلطة محكمة التحكيم ، كإجبار خصم علي تقديم مستند أو دليل تحت يده ، حيث لا تتمتع محكمة التحكيم بسلطة إصدار أو امر الأداء والأمر باتخاذ إجراءات الحجز التحفظي والحجز التنفيذي علي أموال أحد الطرفين ، وذلك دون مزاحمة من محكمة التحكيم ، ومن ثم لا يسع هذه الأخيرة إلا أن تأذن الأحد الطرفين باللجوء إلى قضاء الدولة لإتخاذ تلك الاجراءات التحفظية أو التنفيذية ، وعلي ذلك انعقد الرأي في فرنسا والكويت. أما في مصر فقد عرض المشرع المصري لهذه المشكلة بنصه في المادة ٢/٢٤ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤.

الخلاصة: أن سلطة إتخاذ تدابير وقتية أو تحفظية هي سلطة خاصة بقاضي الأمور المستعجلة ، إلا أنه استثناء من ذلك يجوز لأطراف التحكيم الاتفاق علي تخويل المحكم سلطة اتخاذ بعض التدابير الوقتية أو التحفظية،  ومع ذلك وبالرغم من وجود مثل هذا الاتفاق فإن ذلك لا يسلب القاضي المستعجل سلطة اتخاذ مثل هذه التدابير إذا ما لجأ إليه أحد أطراف خصومة التحكيم.

الجهة المختصة بإصدار التدابير الوقتية :

    تختلف الجهة المختصة بإصدار مثل هذه التدابير حسب الوقت المطلوب فيه استصدار التدابير الوقتية فإذا كان قبل تشكيل هيئة التحكيم فإن القضاء الوطني هو المختص بإصدار تلك التدابير ، أما إذا كان الوقت المطلوب اتخاذ التدبير فيه بعد تشكيل هيئة التحكيم، فهنا يكون هناك اختصاص مشترك بين كل من هيئة التحكيم والمحاكم الوطنية في استصدار مثل هذه التدابير كل ذلك نتناوله بإذن الله وفقا لما يلى :

السلطة المختصة بإتخاذ التدابير الوقتية قبل تشكيل هيئة التحكيم :

     لم يثر هذا الفرض أيه مشكلات في الواقع العملي أو بين الفقهاء إذ أجمع الفقه على أن مجرد الاتفاق علي التحكيم شرطاً كان أو مشارطة لا من اللجوء للقضاء لطلب استصدار أمر وقتي أو للفصل في أمر مستعجل من الأمور التي يخشي عليها فوات الوقت طالما أن هيئة التحكيم لم تشكل بعد واستند يمنع الخصوم الفقه في ذلك إلى الآتي:

    من ناحية أولي : أن اختصاص هيئة التحكيم او محاكم الموضوع في نظر الدعوي لا يؤثر على وظيفة القضاء المستعجل في نظر الأمور الوقتية المستعجلة وتبقي له هذه السلطة عند حلول أي هيئة محل محاكم الموضوع.

    من ناحية ثانية: فإن الابقاء علي اختصاص القضاء المستعجل رغم وجود اتفاق على التحكيم تبرره الضرورة العملية التي تنتج عن وجود حالة الاستعجال والتي تتطلب إجراءات خاصة سريعة وفعالة بخلاف إجراءات التقاضي العادية ، والتحكيم - خاصة قبل تشكيل هيئة التحكيم - لا يوفر للخصوم هذه الاحتياجات ولا يقدم لهم الضمانات الكافية لمواجهة هذه الحالة، فكان لابد من الابقاء علي سلطة القضاء المستعجل حتى عند اللجوء إلى التحكيم حتى يجد الخصوم دائما قاضيا متفرغا يفصل في طلباتهم المستعجلة ويأمر بما يراه ملائما من إجراءات تحفظية أو وقتية.

الجهة المختصة باتخاذ التدابير الوقتية بعد تشكيل هيئة التحكيم:

    في هذا التوقيت - أي بعد تشكيل هيئة التحكيم - يكون هناك اختصاصاً مشتركاً بين كل من القضاء الوطني وهيئة التحكيم ولك علي التفصيل الآتي :

أولا : دور القضاء في إصدار التدابير الوقتية في خصومة التحكيم:

     تباينت التشريعات المقارنة في مدي إمكانية إصدار القضاء للتدابير الوقتية في خصومة التحكيم فذهبت بعض التشريعات إلى عدم اختصاص القضاء بإصدار تدابير وقتية في خصومة التحكيم ومن ذلك القانون الإنجليزي حيث تقرر المادة ٥/٤٤ منه بأنه " لا يجوز للمحكمة أن تأمر بإتخاذ إجراء وقتي أو تحفظي طالما كانت هناك هيئة تحكيم اتفق الأطراف علي اختصاصها بالفصل في النزاع ، إلا إذا كانت هذه الهيئة غير قادرة أو لا يمكنها اتخاذ الإجراء المطلوب بشكل فعال في الوقت المناسب" ، وأكثر من ذلك تقرر الفقرة التالية من المادة المذكورة - وهي الفقرة السادسة - بأنه " إذا أمرت المحكمة باتخاذ تدبير معين وفقاً لأحكام هذه المادة فإن أثر هذا التدبير يتوقف - كلياً أو جزئياً - علي السلطة التقديرية لهيئة التحكيم".

    وعلى العكس من هذا الإتجاه ذهبت بعض التشريعات الآخري إلي الاختصاص الحصري للقضاء بإصدار مثل تلك التدابير ومن ثم يمتنع علي هيئة التحكيم إصدار مثل تلك التدابير ومن هذه التشريعات التشريع إذ أن المادة الليبي ١/٧٥٨ من قانون المرافعات الليبي تنص علي عدم وجود سلطة للمحكمين في  إصدار إجراءات تحفظية.

    وهناك إتجاه ثالث من التشريعات - ومن ذلك قانون التحكيم المصري - أعطي لكل من القضاء وهيئة التحكيم سلطة اتخاذ تلك الاجراءات وفقا لضوابط معينة نعرضها بإذن الله وفقا لما يلي :

    تنص المادة ١٤ من قانون التحكيم المصري علي أنه " يجوز للمحكمة المشار إليها في المادة (۹) من هذا القانون أن تأمر ، بناء علي طلب أحد طرفي التحكيم ، باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سیرها .

    فهذه المادة وضعت شروطا لتدخل القضاء بإصدار تدابير وقتية أو إجراءات تحفظية هذه الشروط تنحصر في الآتي :

 1- التقدم بطلب من أحد طرفي التحكيم :

    لا تستطيع المحكمة مباشرة سلطتها في اتخاذ الإجراءات التحفظية والوقتية من تلقاء نفسها، وإنما يتعين أن يلجأ إليها أحد طرفي التحكيم - أو كلاهما معاً - للمطالبة بذلك. فالفرض أن موضوع النزاع غير مطروح أساساً أمام المحكمة، وإنما أمام هيئة التحكيم ومن ثم فهى ليست على صلة أو صلة حتى على علم بمضمونه، لذلك كان التقدم إليها بطلب هو أول الشروط اللازمة لنهوضها بسلطتها في الأمر بإتخاذ التدابير التحفظية التي تراها ضرورية لصيانة حقوق الطرفين.

     ويقدم الطلب في صورة عريضة إلي المحكمة المختصة وفقاً للأوضاع المقررة في المادة ۱۹٤ من قانون المرافعات التي تنص علي أنه " في الأحوال التي ينص فيها القانون علي أن يكون للخصم وجه في استصدار أمر، يقدم عريضة بطلبه إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة المختصة، أو إلي رئيس الهيئة التي تنظر الدعوي، وتكون هذه العريضة من نسختين متطابقتين ومشتملة علي وقائع الطلب ،وأسانيده وتعيين موطن مختار للطالب في البلدة التي بها مقر المحكمة وتشفع بها المستندات المؤيدة لها".

     وهكذا يجب أن يقدم الطلب الوقتي علي عريضة مكونة من نسختين متطابقتين، ومشتملة علي :

أ - بيانات العارض واسمه عنوانه وموطنه المختار في البلدة التي بها مقر المحكمة.

ب بيانات المعروض ضده، اسمه عنوانه وموطنه إن أمكن.

ج وقائع الطلب وأسانيده.

د - المستندات المؤيدة للطلب

2 - أن يكون موضوع الطلب هو الأمر بإتخاذ تدابير تحفظية أو وقتية :

     إن الموضوع الذي تتصدي المادة ١٤ لمعالجته هو تقرير مدي إمكانية اختصاص المحاكم بالأمر بالتدابير التحفظية والوقتية سواء قبل تشكيل هيئة التحكيم أو حتى بعد تشكيلها، لذلك يجب أن يكون محتوي الطلب المقدم للمحكمة منصباً – على وجه التحديد علي المطالبة باتخاذ الإجراءات التحفظية والوقتية - التي تقتضيها طبيعة النزاع، دون انحراف للمساس بموضوع النزاع الي تختص به هيئة التحكيم، وتحقيقاً لهذه الغاية يتعين علي المحكمة - من ناحية أخري - الالتزام بمضمون الطلب دون تجاوز لأصل الحق، حيث تقتصر سلطتها علي اتخاذ ما يعد- فقط - من التدابير التحفظية أو الوقتية دون مساس بموضوع النزاع.

   وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض - في أكثر من مناسبة – بخصوص هذا الاختصاص بأنه :

أ-  فالطلب لا يقدر إلا " تقديراً وقتياً عاجلاً يتحسس به القاضي المستعجل ما يبدو للنظرة الأولي أن يكون هو وجه الصواب في خصوص الإجراء المطلوب مع بقاء أصل الحق سليماً يناضل فيه ذوو الشأن.

 ب- إن اختصاص المحكمة بنظر هذه التدابير يعد بمثابة " اختصاص نوعي محدد، هو إصدار حكم وقتي يرد به عدواناً باديا للوهلة الأولى من أحد الخصوم علي الآخر، أو يوقف مقاومة أحدهما علي الثاني ظاهرة بأنها بغير حق أو يتخذ إجراء عاجلاً يصون به موضوع الحق أو دليلا من أوجه الحق.

ج- ولهذه الأسباب تهدف الإجراءات التحفظية والوقتية بصفة عامة إلى المحافظة علي الوضع الذي كان عليه المتنازعان لحظة وقوع النزاع، ولذا يعبر عن وظيفتها كثيراً بعبارة " إبقاء الوضع علي ما هو عليه".

    وقد يعد ما رفضت المحكمة اتخاذه من قبيل الإجراءات الضرورية التي تبيح للقضاء التدخل في فروض أخري كفرض الحراسة وتعيين حارس قضائي، ولكن ربما رأت المحكمة أنه ليس هناك ضرورة - في هذا الفرض - تبرر اتخاذ هذه الإجراءات تحت مسمي التدابير التحفظية والوقتية ، فربما كان الفندق يدار بطريقة جيدة، علي نحو لا يخل بتحصيل إيراداته وسداد التزاماته. وبذلك قد يختلف الإجراء المتخذ باختلاف كل دعوي علي حده، وحسب الظروف والملابسات المحيطة بالطبيعة الخاصة بكل نزاع.

   وقد ذهبت محكمة النقض من ناحية أخري إلى أن تجاوز المحكمة لصفتها بإعتبارها محكمة أمور مستجلة عند نظرها لطلبات الأمر باتخاذ التدابير التحفظية والوقتية - وإصدارها لحكم ماس بالموضوع يجعل هذا الحكم " صادراً مما لا يملكه، ويبقي موضوع الحق محفوظا لهيئة التحكيم للفصل فيه .

3- تقديم الطلب للمحكمة المختصة :

     يشترط ثالثاً وأخيراً لتهوض القضاء بمهمته في اتخاذ الإجراءات التحفظية والوقتية استناداً لنص المادة ١٤ تحكيم أن يتم تقديم الطلب للمحكمة المختصة. ويعد هذا شرطاً منطقياً ، إذ كيف يطلب من محكمة ما اتخاذ إجراء معين في حين لا يدخل هذا الإجراء في النطاق المحدد لاختصاصها ؟!

    والمحكمة المختصة هي المحكمة المشار إليها في المادة (۹) وتحدد هذه المادة- ضمن ما تحدد - الاختصاص بنظر طلبات الأمر بالتدابير التحفظية والوقتية علي النحو التالي : " (1) يكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون إلي القضاء المصري للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع. أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً، سواء جري في مصر أو في الخارج فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان علي اختصاص محكمة استئناف أخري في مصر. . (2) وتظل المحكمة التي ينعقد لها الاختصاص وفقاً للفقرة السابقة دون غيرها صاحبة الاختصاص حتى انتهاء جميع إجراءات التحكيم". وهكذا يفرق النص في طياته بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي فيما يتعلق بتحديد المحكمة المختصة بالمسائل التي يثيرها اتفاق التحكيم، ويقرر القانون إحالتها للقضاء ومن بينها بطبيعة الحال طلبات الأمر باتخاذ التدابير التحفظية والوقتية.

أ- المحكمة المختصة في التحكيم الداخلي :

    إذا تطلب الأمر ضرورة اتخاذ بعض التدابير التحفظية والوقتية التي تقتضيها طبيعة النزاع في مسائل التحكيم الداخلي دخل اتخاذ هذه التدابير في اختصاص المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، وهي المحكمة التي كان من المفترض أن تطرح أمامها الدعوي من البداية فيما لو لم تعرض على قضاء التحكيم، سواء لعدم وجود اتفاق تحكيم من حيث المبدأ، أو حتى مع وجود هذا الاتفاق ولكن فضل المتخاصمان مع ذلك اللجوء للقضاء العادي، ويستنتج هذا الحكم من نص المادة ۱/۹ حين نصت علي أنه " يكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون إلى القضاء المصري للمحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع. أما إذا كان التحكيم تجاريا دوليا .... فيكون الاختصاص ..... فلا شك أن العبارة الأولي تفيد علي سبيل القطع تحديد المحكمة المختصة بمسائل التحكيم الداخلي بالمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع ، في حين غاير المشرع في العبارة الثانية بشأن المحكمة المختصة بالمسائل التي يثيرها التحكيم التجاري الدول ومن بينها - علي ما سنري - الاختصاص بالتدابير التحفظية والوقتية.

    وتحديد المحكمة المختصة لا يثير صعوبة فيمكن معرفة ذلك بالرجوع لموضوع النزاع قبل عرضه علي هيئة التحكيم وتحديد المحكمة المختصة علي أساس الاختصاص الولائي أو النوعي أو القيمي للمحاكم المصرية.

    فالمادة ٤٢ من قانون المرافعات تنص علي أن : " تختص محكمة المواد الجزائية بالحكم ابتدائياً في الدعوي المدنية والتجارية التي لا تجاوز قيمتها أربعين ألف جنيه ويكون حكمها انتهائيا إذا كانت قيمة الدعوي لا تجاوز خمسة آلاف جنيه وذلك مع عدم الإخلال بما للمحكمة الابتدائية من اختصاص شامل في الإفلاس والصلح الواقي وغير ذلك مما ينص عليه القانون".

    وقد أرست المادة ٤٩ من قانون المرافعات القاعدة العامة في الاختصاص المحلي بنصها علي أنه " يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي عليه ما لم ينص القانون علي خلاف ذلك. فإن لم يكن للمدعي عليه موطن في الجمهورية يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم". وبهذه المثابة ينعقد الاختصاص بالأمر بالتدابير التحفظية والوقتية التي يحيلها قانون التحكيم إلى القضاء المصري - كقاعدة عامة - للمحكمة الابتدائية التي يقع في دائرتها موطن المدعي عليه، وفي حالة تعدد المدعي عليهم يثبت الاختصاص للمحكمة الابتدائية التي يقع في دائرتها موطن أحدهما، دون أن يشترط إقامة باقي المدعي عليهم في دائرة اختصاص نفس المحكمة.

    ورغم ذلك فالغالب في التحكيم أن أطرافه شركات أو جمعيات أو مؤسسات مالية كبري، وليس مجرد أشخاص طبيعيين، لذا يتعين البحث في قانون المرافعات عن القواعد الأخري التي تحدد الاختصاص بالتدابير التحفظية والوقتية في التحكيمات الداخلية التي يكون أطرافها شركات أو مؤسسات أو التي يكون موضوعها مقاولات أو توريدات أو علاقات تجارية بصفة عامة. وبالفعل تم تحديد هذه القواعد على النحو التالي :

- في الدعاوي المتعلقة بالشركات أو الجمعيات القائمة أو التي في دور التصفية أو المؤسسات الخاصة، يكون الاختصاص المحكمة التي يقع في دائرتها مركز إدارتها سواء أكانت الدعوي علي الشركة أو الجمعية أو الأعضاء أم من شريك أو عضو على آخر. ويجوز رفع الدعوي إلي المحكمة التي يقع في دائرتها فرع الشركة أو الجمعية أو المؤسسة وذلك في المسائل المتصلة بهذا الفرع المادة) ٥٢) مرافعات. وهكذا يفرق النص بين الشركة الأم وباقي فروعها، إذ يتقرر الاختصاص بالتدابير التحفظية والوقتية للمحكمة التي يقع في دائرتها مركز إدارة الموسسة أو الجمعية أو الشركة الأم، في حين تختص هذه المحكمة أيضا أو المحكمة التي يقع في دائرتها الفرع بنظر التدابير التحفظية والوقتية المتعلقة بالتحكيمات الخاصة بذلك الفرع.

- في المنازعات المتعلقة بالتوريدات والمقاولات .... يكون الاختصاص المحكمة موطن المدعي عليه أو للمحكمة التي تم الاتفاق أو نفذ في دائرتها متي كان فيها موطن المدعي المادة ٥٦) مرافعات. ويحدد هذا النص قواعد الاختصاص المتعلقة بالمنازعات التي يكون موضوعها توريدات أو مقاولات، وهنا يثبت لطرفي التحكيم حرية الاختيار بين :

1- محكمة موطن المدعى عليه ويتفق هذا الحكم مع القاعدة العامة الواردة في العادة ٤٩ السابق بيانها.

 2- المحكمة التي تم الاتفاق الأصلي في دائرتها بشرط أن تكون في ذات الوقت هي:  محكمة موطن المدعي.

 3- المحكمة التي نفذ الاتفاق في دائرتها بشرط أن تكون أيضاً هي محكمة موطن المدعي.

     ومن ثم ينعقد الاختصاص بطلبات اتخاذ التدابير التحفظية والوقتية للتحكيمات الداخلية التي موضوعها الأصلي توريدات أو مقاولات لإحدى المحاكم المذكورة حسبما يتراءي لطرفي التحكيم على سبيل الاختيار.

     وبصفة عامة، وفي غير الحالتين السابقتين، فإنه في المواد التجارية يكون الاختصاص لمحكمة المدعى عليه أو للمحكمة التي تم الاتفاق ونفذ كله أو بعضه في دائرتها أو للمحكمة التي تم الاتفاق ونفذ كله أو بعضه في دائرتها للمحكمة التي يجب تنفيذ الاتفاق في دائرتها( المادة ٥٥ مرافعات).

   أضف إلى ما سبق أن محكمة القضاء الإداري هي المختصة بنظر المسائل المتفرعة عن التحكيم في العقود الإدارية متي كان التحكيم داخليا وذلك لأن محكمة القضاء الإداري هي المختصة بنظر منازعات العقود الإدارية التي تزيد قيمتها عن خمسة آلاف جنيه أما العقود ذات المبالغ الأقل من هذا – والتــي لـم تعـد متصورة الوجود أصلاً - فيختص بنظرها المحاكم الإدارية.

 وعلي هذا ففي التحكيم التجاري الدولي فإن الأصل هو إختصاص محكمة استئناف القاهرة بإتخاذ التدابير الوقتية أما الإستثناء هو ما إذا إتفق الأطراف علي إختيار أي محكمة إستئناف أخري.

   كذلك تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الإدارية العليا هي المختصة بنظر المسائل المتفرعة عن التحكيم في العقود الإدارية إذا ما كان التحكيم تجارياً دولياً وعلي هذا تكون المحكمة الإدارية العليا هي المختصة بإصدار التدابير الوقتيـــة والتحفظية إذا تعلق الأمر بعقد إداري يوجد بصدده تحكيم تجاري دولي.

ثالثا : الأثر المترتب على توافر الشروط السابقة :

    إذا توافرت الشروط الثلاثة السابقة، بأن تقدم أي من طرفي التحكــ للمحكمة المختصة وفقا للمادة 9 للمطالبة بإتخاذ تدابير ذات طبيعية تحفظية أو وقتية، جاز للمحكمة أن تأمر بالتدابير التي تراها ضرورية لصيانة حقوق الطرفين حسب ظروف وملابسات كل نزاع علي حده وتجدر الإشارة إلي أن سلطة المحكمة في هذا الخصوص سلطة جوازية حسبما يتراءي لها، فهي ليست ملزمة بمجاراة مقدم الطلب، فقد تري - في ضوء الملابسات - أنه لا ضرورة تبرر إتخاذ الإجراء المطلوب ، وهنا يتعين عليها رفضه، ويتأكد هذا الحكم بنص المادة ١٤ تحكيم التي تقرر أنه " يجوز للمحكمة المشار إليها في المادة (٩) من هذا القانون أن تأمر "، فالنص يفتتح مضمونه بعبارة "يجوز للمحكمة وليس "يتعين علي المحكمة.

    أما إذا رأت المحكمة أن هناك محلاً لإتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية المطلوبة، قضت بها بيد أنه تجدر الإشارة إلى أن الاختصاص ينعقد لهذه المحكمة - وهي المحكمة المشار إليها في المادة 9 - بوصفها محكمة للأمور المستعجلة وليس بوصفها محكمة ، موضوع، سواء أكانت محكمة جزئية أم إبتدائية أم إستئناف، وسواء أكان التحكيم داخلياً أم دولياً. وتأسيساً علي ذلك :

 1 - بما أن الطلب الذي تقدم به أحد طرفي التحكيم للمطالبة بإتخاذ التدابير التحفظية كان مقدماً - - وفقا للمادة ١٩٤ رافعات - علي عريضة مكونة من نسختين متطابقتين، فإنه " يجب علي القاضي أن يم أمره بالكتابة علي إحدي نسختي العريضة في اليوم التالي لتقديمها علي الأكثر ولا يلزم ذكر الأسباب التي بني عليها الأمر إلا إذا كان مخالفاً لأمر سبق صدوه فعندئذ يجب ذكر الأسباب التي اقتضت إصدار الأمر الجديد وإلا كان باطلا" (المادة ۱۹٥) مرافعات. ونلاحظ حرص النص علي تقرير الفصل.

2 - يجب علي قلم الكتاب تسليم الطالب النسخة الثانية من عريضته مكتوباً عليها صورة الأمر وذلك في اليوم التالي تفصل بين تقديم الطلب واستلامه عباة عن يومين فقط بخلاف يوم التقديم، وقد تهبط هذه المدة إلي حدها الأدني لتصير يوما واحدا في الأحوال التي يفصل القاضي في الطلب فى نفس يوم تقديمه مع حصول الطلب علي النسخة الثانية من عريضته في نفس يوم صدور قرار المحكمة.

 3- لما كانت المحكمة المختصة تنقلب إلى محكمة أمور مستعجلة، فإن جميع القرارات الصادرة عنها تعتبر واجبة التنفيذ بمجرد صدورها وبغير كفالة ما لم تقرر المحكمة تقديم كفالة نقدية وفقاً لأحكام المادتين ۲۸۸، ۲۸۹ من قانون المرافعات.

4 - إذا كانت سلطة المحكمة في إصدار التدابير التحفظية والوقتية تمتد لتشمل مختلف مراحل النزاع علي هذا النحو، فإن ثمة تساؤلاً يظل - مع ذلك - قائما، هل يحق لذوي الشأن التظلم من قرارها الصادر سواء بالأمر بإتخاذ التدبير اللازم أو برفض اتخاذه؟

    لا تتضمن نصوص قانون التحكيم أي نص يشير من قريب أو من بعيد للإجابة عن هذا التسؤل، ومن ثم لا مناص من الرجوع لقانون المرافعات باعتباره الشريعة العامة في هذا الصدد، وبالرجوع لأحكام هذا القانون نجد أنه يقرر طريقتين للتظلم :

- لذوي الشأن الحق في التظلم إلى المحكمة المختصة إلا إذا نص القانون علي خلاف ذلك. ويكون التظلم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوي أمــام المحكمة خلال عشرة أيام من تاريخ صدور الأمر بالرفض أو من تاريخ البدء في تنفيذ الأمر أو إعلانه بحسب الأحوال. وتحكم المحكمة فيه بإصدار الأمر أو بتأييد الأمر الصادر أو بتعديله أو بإلغائها" (المادة ۱۹۷). "

- لذوي الشأن، بدلا من التظلم للمحكمة المختصة الحق في التظلم منه لنفس القاضي الآمرن بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوي ويحكم القاضي في التظلم بتأييد الأمر أو بتعديله أو بإلغائه ويكون حكمه قابلا لطرق الطعن المقررة للأحكام ( المادة ۱۹۹).

    وتطبيقا لذلك حدث بمناسبة إحدي الدعاوي أن تم الاتفاق بين شركتين علي  أن تقوم الشركة الثانية بأعمال بناء فندق مع التزامها بتقديم مجموعة من خطابات الضمان مقابل التأمين النهائي وضمان الدفعات المقدمة إلا أنها عندما شرعت في التنفيذ فوجئت بالجهة الإدارية تكلفها بوقف أعمال البناء لمخالفة الشركة الأولي للشروط المقررة في الاتفاق الأصلي مع هذه الجهة فامتثلت الشركة الثانية وأخطرت الشركة الأولى بذلك، إلا أنها حاولت تسييل خطابات الضمان بطريق الغش علي حساب ما تدعي الشركة الأخيرة التي سارعت باللجوء إلي رئيس محكمة استئناف القاهرة للمطالبة - بأمر علي عريضة - بإتخاذ تدبير وقتي تحفظي قوامه وضع قيمة خطابين من هذه الخطابات علي سبيل الأمانه لدي أحد البنوك. وبالفعل – وتحديدا في ۲۳ مايو ۱۹۹۵ - أصدر رئيس محكمة إستئناف القاهرة الأمر رقم 8 لسنة ۱۹۹٥ بوضع قيمة هذين الخطابين أمانة لدي أحد البنوك. لم ترتض الشركة الثانية هذا الأمر فقامت - وفقاً لأحكام قانون المرافعات السابق بيانها - بالتظلم منه أمام محكمة إستئناف القاهرة، بالإستئناف رقم ١٢ لسنة ۱۹٩٥ تحكيم، ولما باشرت المحكمة سلطتها المخولة لها بمقتضي الأحكام المذكورة، قضت في ۲٥ ديسمبر ۱۹۹۵ بتأييد الأمر المتظلم منه. فقامت الشركة المتضررة بالطعن - وفقاً للقواعد السابقة - علي هذا الحكم بالنقض، وقامت محكمة النقض علي حسب ما سيأتي لاحقاً - بإصدار حكمها في هذا الخصوص.

    يبقى أن نشير إلى تساؤل هام هو هل اختصاص المحكمة المشار إليها في المادة 9 من النظام العام؟ أم تجوز مخالفته؟

    ربما يكون الدافع إلى التساؤل أن المادة ٤٥ من قانون المرافعات تحــد الجهات صاحبة الاختصاص العام بنظر التدابير التحفظية والوقتية بنصها على أنه يندب في مقر المحكمة الابتدائية قاض من قضاتها ليحكم بصفة مؤقتة ومع عدم المساس بالحق فى المسائل المستعجلة التى يخشى عليها من فوات الوقت. أما فى خارج دائرة المدينة التى بها مقر المحكمة الابتدائية فيكون هذا الاختصاص لمحكمة المواد الجزئية على أن هذا لا يمنع من اختصاص محكمة الموضوع أيضاً بهذه المسائل إذا رفعت لها بطريق التبعية".

   بيد أن مطالعة نص المادة ۲/۹ من قانون التحكيم - السابق عرضه - يدل على سبيل القطع على منع القضاء المستعجل من اتخاذ التدابير التحفظية والوقتية المتعلقة بخصومة التحكيم، سواء أكان هذا التحكيم داخلياً أم دولياً، فهذا النص يقرر أنه وتظل المحكمة التى ينعقد لها الاختصاص وفقاً للفقرة السابقة دون غيرها صاحبة الاختصاص حتى انتهاء جميع الإجراءات". وتأسيساً على ذلك:

- تظل المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع دون غيرها صاحبة الاختصاص باتخاذ التدابير التحفظية والوقتية المتعلقة بالتحكيم الداخلي حتى انتهاء جميع مراحله  .

- تظل محكمة الاستئناف التى تم الاتفاق عليها - فإن لم يكن فمحكمة استئناف القاهرة دون غيرها - صاحبة الاختصاص باتخاذ التدابير التحفظية والوقتية المتعلقة بالتحكيم التجارى الدولى حتى انتهاء جميع مراحله، وذلك دون مشاركة - في الحالتين - من أية محكمة أخرى مهما كانت درجتها أو طبيعتها. ورغم أن هذا الحكم تؤكده المادة ٢/٩، فإنه إن لم يرد في قانون التحكيم لتأكد بمقتضى القواعد العامة التي تقضى بأن:

- الخاص يقيد العام والخاص هنا هو اختصاص المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع بالنسبة للتحكيم الداخلى ومحكمة الاستئناف بالنسبة ) الدولي وفقا لنص المادة ١/٩ فى حين أن العام هو نص المادة ٤٥ مرافعات التي تحدد الجهات صاحبة الولاية العامة بنظر المسائل للتحك المستعجلة، ومن هنا يتقيد نص المادة ٤٥ بالحكم الذي تقرره المادة ١/٩.

- اللاحق ينسخ السابق فيما بينهما من تعارض واللاحق هنا هو نص المادة مـن V ١/٩ تحكيم الذي صدر في ١٨ ابريل ۱۹۹٤ - وعمل به بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشره – في حين أن السابق هو نص المادة ٤٥ قانون المرافعات الذي صدر في ٧ مايو ١٩٦٨ وعمل به بعد ستة أشهر من تاريخ نشره. وهكذا ينسخ نص المادة ۱/۹ نص المادة ٤٥ فيما يتعلق بالمسائل المستعجلة في مجال التحكيم، في حين يظل هذا النص الأخير صاحب الولاية العامة فى تحديد الاختصاص بالمسائل المستعجلة في مجالات القانون الأخرى.

ثانياً: دور هيئة التحكيم في إصدار التدابير الوقتية في خصومة التحكيم :

   تنص المادة ٢٤ من قانون التحكيم المصرى على أنه (۱) يجوز لطرفي التحكيم الاتفاق على أن يكون لهيئة التحكيم، بناء على طلب أحدهما، أن تأمر أى منهما باتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع وأن تطلب تقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدبير الذي تأمر به (۲) وإذا تخلف من صدر إليه الأمر عن تنفيذه، جاز لهيئة التحكيم، بناء على طلب الطرف الآخر أن تأذن لهذا الطرف في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، وذلك دون إخلال بحق هذ الطرف في أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (٩) من هذا القانون الأمر بالتنفيذ.

   وعلى هذا فإن شروط إصدار هيئة التحكيم للتدابير الوقتية تنحصر في الآتي:

(1) اتفاق أطراف التحكيم على تخويل هيئة التحكيم سلطة إصدار مثل تلك التدابير :

    فالشرط الأساسى هنا هو اتفاق أطراف التحكيم على منح هيئة التحكيم مثل هذه السلطة. ويمكننا القول بأن الأصل هو عدم أحقية هيئة التحكيم في إصدار التدابير الوقتية والاستثناء من ذلك هو إعطاء هيئة التحكيم مثل هذه السلطة متى اتفق أطراف التحكيم على ذلك. كذلك يمكننا القول بأن سلطة هيئة التحكيم في إصدار التدابير الوقتية مشروطة بموافقة أطراف التحكيم المسبقة على منح هيئة التحكيم مثل هذه السلطة ومن ثم فى حالة عدم اتفاق أطراف التحكيم أو سكوتهم عن الاتفاق على تخويل هيئة التحكيم مثل هذه السلطة، فإن هيئة التحكيم لا يمكنها إصدار تدابير وقتية. واتفاق الأطراف على منح هيئة التحكيم سلطة إصدار تدابير وقتية قد يرد فى اتفاق التحكيم أو فى اتفاق منفصل أو في مكاتبات متبادلة.

(2) التقدم بطلب لهيئة التحكيم للمطالبة باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية :

    فإذا انتفى الطلب، انتفت سلطة الهيئة فى الأمر باتخاذ هذه التدابير. وتأسيساً على ذلك لا يجوز لهيئة التحكيم ممارسة هذه السلطة من تلقاء نفسها، ولو لذلك فعلاً. فكما يستمد المحكم سلطته من إرادة الأطراف، فإنه يستمد مدى تلك السلطة من هذه الإرادة أيضاً، ومن ثم يلزم أن يتقدم أحد الطرفين للمطالبة باتخاذ التدابير اللازمة. فاختصاص الهيئة - في هذا الصدد - كان هناك مبرر ليس اختصاصاً آلياً، يترتب بمجرد الاتفاق عليه، وإنما هو رهن بمبادرة من أحد الطرفين.

    ولا يوجد شكل معين لهذا الطلب الذى يقدم لهيئة التحكيم لاستصدار أمر وقتى منها ومن ثم نرى إمكانية أن يتقدم صاحب الشأن بهذا الطلب كتابة لهيئة التحكيم دونما اشتراط لإفراغه فى شكل معين فالمهم هو أن يكون صريحاً وواضحاً في طلب استصدار الأمر . كذلك نرى إمكانية تسجيل هذا الطلـب ، في محضر الجلسة متى كان المحكم قد قرر العمل بنظام محاضر الجلسات وأن يوقع عليه الطرف طالب الأمر وبذلك يعتبر الطلب وكأنه قد قدم كتابة.

(3) أن يكون موضوع الطلب هو إجراء وقتى :

    وهو ما يستتبع عدم تعرض هيئة التحكيم لأصل الحق أثناء إصدار الأمر الوقتى ولا يعتبر هذا الحكم دليلاً على النتيجة النهائية للحكم الفاصل في موضوع النزاع ذاته فإذا أصدرت هيئة التحكيم حكمها في الطلب الوقتى لمصلحة الطرف " أ " ضد الطرف "ب"، فليس معنى ذلك أن الطرف " أ " يعد كاسبا للدعوى أو أن هذا الحكم يعد أمارة على كسب " أ " وخسارة "ب" للحكم النهائي، إذ لا علاقة بين المسألتين. فالحكم فى الطلب الوقتى - وحسبما أكدت محكمة النقض على ما سبق بعد البيان - لا يصدر إلا بناء على مجرد :

- بحث عرضى عاجل يتحسس به ما يحتمل لأول نظرة أن يكون هو وجه الصواب في الطلب المعروض مع بقاء الموضوع محفوظا سليما يتناضل فيه ذوو الشأن.

- تقدير وقتى عاجل يتحسس به ما يبدو للنظرة الأولى أن يكون هو وجه الصواب في خصوص الإجراء المطلوب مع بقاء أصل الحق سليماً يناضل فيه ذوو الشأن.

الأمر بتقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدبير :

    قد يرتبط الحكم بالإجراءات التحفظية والوقتية بضرورة توفير نفقات معينة، كتلك التي يتطلبها ندب خبير أو سماع شاهد أو صيانة مصنع أو تخزين بضاعة أو اتخاذ الإجراءات المناسبة لبيعها. لذلك أجاز قانون التحكيم أن تطلب هيئة التحكيم تقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدبير .

     ونرى أن لهيئة الحكم سلطة تقديرية واسعة في تحديد أى من الأطراف يلتزم بتحمل تلك النفقات إذ أن المحكم هو من يقرر ما إذا كان طالب الأمــر هـو الملتزم بسداد الضمان إذا ما كان الأمر لصالحه، كما أن للمحكم تحميل جميع أطراف الخصومة بالنفقات متى رأى أن الأمر الوقتى سيكون في صالح جميع الأطراف ومن ذلك إذا قام بتعيين حارس على الأشياء المتنازع عليها فهنا يمكن أن يلزم جميع أطراف الخصومة بتحمل نفقات الحراسة حتى صدور حكم نهائي يفصل في الخصومة.

   كذلك تجدر الاشارة إلى أن الحكم بالضمان ليس حتمياً يتلازم مع ا الحكم بالأمر الوقتي إذ إن الحكم بالضمان يدخل ضمن سلطات المحكم والتي من الممكن أن يرى عدم ضرورة تقديم ضمان.

     كذلك قد لا يتعلق الأمر فى جميع الأحوال بمجرد الحكم بضمان مالي لتغطية النفقات المتعلقة بتنفيذ التدبير الذي تأمر به هيئة التحكيم، وإنما قد يترتب على اتخاذ هذا التدبير إلحاق أو احتمال إلحاق ضرر بالطرف الآخر، لذلك من المتصور أن تأمر هيئة التحكيم الطرف طالب التدبير بتقديم كفالة بنكية أو خطاب ضمان يكفل المحافظة على حقوق الطرف الآخر .

تخلف من صدر إليه الأمر عن التنفيذ:

    إذا توافرت الشروط السابقة وأقرت هيئة التحكيم الطالب في طلبه، وحكمت باتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية التى تقتضيها طبيعة النزاع، سواء مع تقديم ضمان مالى أم لا، فإن الأمر لا يخرج عن أحد فرضين: إما أن يبادر من صدر الأمر لمصلحته إلى تنفيذه، وهنا لا تثور أى مشكلة، وإما أن يتقاعس عن التنفيذ على الرغم من أنه هو الذي سعى إلى اتخاذ هذا الإجراء من البداية فهل يعنى هذا الوضع توقف تنفيذ التدابير التي تأمر بها الهيئة على محض إرادة الخصوم، بحيث يصير هذا التنفيذ ذا طبيعة اختيارية مقارنة بالتنفيذ الجبرى لأحكام المحاكم ؟

    يُعد هذا التساؤل انعكاساً لعدم امتلاك هيئة التحكيم لسلطة الجبر، التي تستطيع بمقتضاها إنزال العقاب اللازم على من لا يمتثل لما تأمر به. ورغم ذلك ينبغى الإشارة إلى أنه كمسألة عملية، كثيراً ما تكون التدابير المؤقتة الصادرة عن هيئات التحكيم نافذة بدون أى قسر من المحكمة ومن الظروف التي تعزز نفاذ التدابير مثلاً، أن الطرف لا يرغب في إثارة استياء هيئة التحكيم التي يرغب في إقناعها بأن موقفه مبرر، وأن هيئة التحكيم يمكن أن تستنتج استنتاجات سلبية من رفض الامتثال للتدبير (مثلاً) في حال صدور أمر بالحفاظ على أدلة معينة)، وأن هيئة التحكيم قد تعمد إلى إصدار قرار تحكيم استنادا إلى الأشياء الملموسة المعروضة أمامها، وأن هيئة التحكيم قد تُحمل الطرف المعاند المسئولية عن التكاليف أو الأضرار الناشئة عن عدم امتثاله للتدبير وتضمن قرار التحكيم تلك المسئولية. ومع ذلك، أشير إلى أن هنالك حالات كثيرة تظل فيها تدابير الحماية المؤقتة غير مكترث بها، وأن الحوافز الآنفة الذكر قد لا تكون كافية أو فعالة". وقد كان من نتائج ذلك أن نسبة التنفيذ الرضائي لقرارات هيئة التحكيم الصادرة في هذا الخصوص لم تتجاوز ۲۰% ، وهو ما يعنى فعلاً توقف نظام اتخاذ التدابير التحفظية والوقتية بواسطة هيئة التحكيم - بنسبة كبيرة – على التنفيذ الرضائي للخصوم.

     وعلاجاً لهذا الوضع، وحتى لا يتوقف هذا النظام على المساهمة الاختيارية للأطراف، كان المشرع قاطعاً - في نص المادة ٢/٢٤ – بأنه وإذا تخلف من صدر إليه الأمر عن تنفيذه، جاز لهيئة التحكيم بناء على طلب الطرف الآخر، أن تأذن لهذا الطرف فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، وذلك دون إخلال بحق هذا الطرف فى أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (۹) من هذا القانون الأمر بالتنفيذ".

المرحلة الأولى: اتخاذ الإجراءات التحفظية والوقتية قبل البدء في إجراءات التحكيم:

    لا خلاف على اختصاص المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع – علـــى سبيل الحصر - بمباشرة التدابير التحفظية والوقتية فى المرحلة السابقة على السير في إجراءات التحكيم، حيث تمارس المحكمة هنا اختصاصاً من اختصاصاتها الأصيلة بهدف المحافظة على حقوق الأفراد ويبدو هذا الاختصاص مؤيداً بحكـــم المنطق والقانون:

المرحلة الثانية: اتخاذ الإجراءات التحفظية والوقتية أثناء السير في إجراءات التحكيم

    هذا هو الفرض المثير للبس والتداخل فى الاختصاص بين كل من المحكمة وهيئة التحكيم، وأساس اللبس هو الصياغة الحالية للمادتين ١٤ و ٢٤، فالنص الأول يجيز للمحكمة - كما علمنا - اتخاذ الإجراءات التحفظية والوقتية على الإطلاق، فى أى وقت ودون تحديد لمدى زمنى معين. أما النص الأخير فيعهد بهذه السلطة في ذات الوقت لهيئة التحكيم ولكن فى مرحلة واحدة ومحددة انعقاد خصومة التحكيم، وهو ما يعنى إمكان تصور تنازع في الاختصاص بين المحكمة وهيئة التحكيم في هذه المرحلة. والحقيقة أننا نرى أن فض هذا التنازع لا يتقرر بحكم واحد، وإنما فى الأمر تفصيل على النحو التالي:

الفرض الأول: عدم اتفاق الأطراف على مد سلطة هيئة التحكيم لاتخاذ الإجراءات هي التحفظية والوقتية

    إذا لم يتفق الأطراف على مد سلطة هيئة التحكيم لتشمل الأمر باتخاذ التدابير التحفظية والوقتية، انتفى أى دور لهذه الهيئة فى مباشرة أى تدبير من التدابير المذكورة، بل إن هيئة التحكيم تعتبر - بالنسبة لهذه التدابير - وكأنها لم ولن تتشكل مطلقاً، لانعدام تصور اختصاصها من الناحية المنطقية بمباشرة الأمر باتخاذها. فالاتفاق الذى قرر إنشاءها وأحال إليها سلطة الفصل في موضوع النزاع قد ولد مبتوراً من أحد ساقيه، حيث لم يخولها سلطة إضافية – إلى جانب السلطة الأصلية بالفصل فى الموضوع - للفصل في طلبات اتخاذ هذه التدابير وهنا تستمر المحكمة المختصة - دون غيرها - فى مباشرة اختصاصها الأصيل في الأمر بالإجراءات التحفظية والوقتية.

الفرض الثاني: اتفاق الأطراف على مد سلطة هيئة التحكيم لتشمل الإجراءات التحفظية والوقتية:

    إذا اتفق الأطراف - بصفة إضافية - على تخويل هيئة التحكيم سلطة اتخاذ الإجراءات التحفظية والوقتية ثبت للهيئة فى هذا الفرض الاختصاص بنظر النزاع من مختلف الموضوعية والمستعجلة، إذ لا خلاف على أن الاتفاق الأصلى باللجوء إلى التحكيم مزوداً بالاتفاق الإضافي - الذى قد يكون على استقلال أو حتى متمثلا فى مجرد شرط فى الاتفاق الأصلى - يخول للهيئة سلطة فض النزاع بصفة كاملة، ومن ثم ينعقد لها - بطبيعة الحال وحسبما تقضى به المادة ٢٤ - اتخاذ التدابير التي تقتضيها طبيعة النزاع. ونرى رغم ذلك أن هذا الاختصاص لا يسلب اختصاص المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع - وفقاً للمادة (٩) - باتخاذ التدابير التحفظية والوقتية للمحافظة على حقوق الأطراف إذا طلب منها ذلك، حيث ينعقد لهؤلاء الأطراف - فى هذا الفرض - حرية الاختيار بين

1- اللجوء لهيئة التحكيم للمطالبة باتخاذ التدابير التحفظية والوقتية تنفيذاً للاتفاق المبرم بينهم، وهنا ينعقد الاختصاص لهذه الهيئة بنظر طلبات اتخاذ تلك التدابير، وتترتب جميع النتائج الواردة في المادة ٢٤ وهي:

- الحكم بالتدابير التي تراها الهيئة متفقة  مع طبيعة النزاع.

- طلب تقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدبير الذي أمرت به.

- كل ذلك مع عدم الاخلال بحق هذا الطرف فى اللجوء لرئيس المحكمة المختصة لطلب الأمر بالتنفيذ.

2- اللجوء إلى المحكمة المختصة - وفقاً للمادة (۹) - للمطالبة باتخاذ التدابير المذكورة، وهنا نرى أن الاختصاص ينعقد لهذه المحكمة بالبت في الطلب ما لم يدفع الطرف الآخر باختصاص هيئة التحكيم باتخاذ الإجراءات التحفظية والوقتية استناداً إلى الاتفاق المبرم بينهما، حيث يتعين على المحكمة آنذاك أن تحكم بعدم قبول الطلب. أما إذا لم يدفع هذا الطرف باختصاص هيئة التحكيم، سقط حقه بالكلام فى الموضوع. ويتأسس هذا الرأى الذى نقول به على أن الاتفاق الأصلى على اللجوء إلى التحكيم لا يمنع الأطراف من اللجوء إلى القضاء المختص، فكذلك الاتفاق على اختصاص هيئة التحكيم بالإجراءات التحفظية والوقتية لا يجب أن يمنع الأطراف - من باب أولى - من اللجوء إلى القضاء المختص. يضاف إلى ذلك أن الحق في التحكيم يسقط من أساسه بالكلام في الموضوع دون الدفع بوجود اتفاق تحكيم وفقاً لنص المادة ۱/۱۳ من قانون التحكيم، التي تقضى بأنه يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أى طلب أو دفاع في الدعوى"، ومن ثم يكون من باب أولى أيضاً أن يترتب ذات الحكم فى حالة الإجراءات التحفظية والوقتية.

وعلى هذا فاللجوء إلى القضاء فى هذه الحالة يسقط الحق في اللجوء للتحكيم - للحصول على التدابير الوقتية - دون اشتراط أن يكون اللجوء صريحاً فيكفي اللجوء الضمني بالمضي قدماً في موضوع الطلب والتكلم في الموضوع.

المرحلة الثالثة: اتخاذ الإجراءات التحفظية والوقتية بعد انتهاء خصومة التحكيم

    تنتهى إجراءات التحكيم - بصفة عامة - بصدور الحكم المنهى للخصومة كلها أو بصدور أمر بإنهاء إجراءات التحكيم وفقاً للفقرة الثانية من المادة ٤٥ إلا أنه في الكثير من الأحيان ونظراً للوقت الذى يستغرقه تنفيذ حكم التحكيم – علـــى نحو ما سنرى بإذن الله لاحقاً - فإنه قد تظهر الحاجة إلى استصدار أمر وقتى كتعيين حارس على العقار بعد صدور حكم التحكيم ولا شك أنه لا مجال للحديث عن اختصاص هيئة التحكيم باتخاذ مثل هذه التدابير على اعتبار أن الهيئة قد أدت دورها ولم يعد لها وجود، ومن ثم لا مناص من الرجوع للقضاء باعتباره صاحب الولاية العامة في هذا الخصوص.

   ونرى عدم إمكانية الاتفاق على حرمان المحاكم من إصدار تدابير وقتية فى خصومة التحكيم وذلك لأن حق اللجوء إلى القضاء يُعد من الحقوق الأساسية التى يتعلق مضمونها بالنظام العام، وبالتالي لا يستطيع أحد تقييدها أو التنازل عنها ولو كان المضرور ذاته. فاللجوء إلى القضاء حق ثابت ودائم ومستمر، فكيف يتأتى بعد ذلك القطع بجواز اتفاق طرفي التحكيم صراحة على استبعاد محاكم الدولة من نظر طلبات الأمر باتخاذ الإجراءات التحفظية والوقتية ولو أثناء إجراءات التحكيم؟ بل إن بعض الفقه قد ذهب في هذا الاتجاه إلى أنه يكون لمحاكم الدولة اختصاص بنظر الدعوى المستعجلة أو بإصدار الأمر بالإجراء الوقتى، ولو اتفق الأطراف على قصر هذا الاختصاص على هيئة التحكيم.

   ومما هو جدير بالذكر فى هذا الشأن أنه فى سبيل الاعتراف المتبادل عبر الحدود بالإجراءات التحفظية والوقتية، وللوصول إلى صيغة مرضية بشأن المساعدة القضائية الدولية فى هذا المجال أرست رابطة القانون الدولي المبادئ الآتية:

- يجوز للمحكمة، بناء على طلب أحد الطرفين أن تأخذ في الاعتبار الأوامر الوقتية الصادرة من المحاكم الأجنبية في دعاوى مماثلة.

- ينبغي على المحكمة أن تتعاون عند الضرورة بشأن تحقيق فعالية الأوامر الصادرة عن المحاكم الأجنبية لدى اتخاذها تدابير تحفظية محلية.

- يستوجب ما سبق اعترافاً واسعاً بأوامر المحاكم الأجنبية، وكون الأمر مؤقتاً في طبيعته، بدلاً من كونه نهائياً وحاسماً لا ينبغي أن يشكل في حد ذاته عقبة أمام الاعتراف أو الإنفاذ.