من المعلوم أن غياب أحد الأطراف عن حضور جلسات التحكيم ليس من شأنه أن يؤدي إلى عرقلة إجراءات التحكيم. إذ أنه يكفي لتحقق الاعتبارات الخاصة باحترام المساواة بين الأطراف وحقوق الدفاع، أن يكون لكل طرف فرصة متساوية في تقديم حجبه وأوجه دفاعه في ظل ظروف متماثلة.
فغياب أحد الأطراف لا يحول دون صدور الحكم التحكيمي. ويلاحظ أن حكم التحكيم الصادر في غيبة أحد الأطراف لا يتمتع بأية خصوصية بالمقابلة بالحكم التحكيم الذي يصدر في الفروض الأخرى التي يحرص فيها جميع الأطراف على المثول أمام المحكم. ففي كلتا الحالتين، تكون الإجراءات المتبعة إجراءات contradictoire أي روعي فيها احترام مبدأ المواجهة.
وقد نص قانون التحكيم المصري في المادة 34\2 على أنه: وإذا لم يقدم المدعي عليه مذكرة بدفاعه وفقاً للفقرة الثانية من المادة 30 من هذا القانون وجب أن تستمر هيئة التحكيم في إجراءات التحكيم دون أن يعتبر ذلك بذاته إقرار من المدعي، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك".
وقد نصت المادة 35 من ذات القانون على أنه:" إذا تخلف أحد الطرفين عن حضور إحدى الجلسات أو عن تقديم طلب منه من مستندات جاز لهيئة التحكيم الاستمرار في إجراءات التحكيم وإصدار حكم في النزاع استناداً الى عناصر الإثبات الموجودة أمامها".
كما تنص قواعد تحكيم اليونسترال على أن " عدم حضور أحد الطرفين أو عدم إبداء دفاعه لا يعتبر تسليماً منه بادعاءات الطرف الآخر وإذا لم يحضر أحد الطرفين أو لم يبد دفاعه في أي مرحلة من مراحل الإجراءات يجوز للطرف الآخر أن يطلب من المحكمة أن تفصل في المسألة المطروحة عليها وتصدر حكماً. ويجب على المحكمة قبل أن تصدر حكماً أن تخطر الطرف الذي لم يحضر أو لم يبد دفاعه وأن تعطيه مهلة، إلا إذا كانت مقتنعة أن ذلك الطرف ليس في نيته أن يقوم بذلك".
وإلى جانب أحكام التحكيم المتقدمة يوجد نوع آخر من أحكام التحكيم يعرف باسم أحكام التحكيم الاتفاقية.
أحكام التحكيم الاتفاقية
تنص المادة ٤١ من القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بشأن التحكيم في المسائل المدنية والتجارية على أنه: "إذا اتفق الطرفان خلال إجراءات التحكيم على تسوية تنهي النزاع كان لهما أن يطلبا إثبات شروط التسوية أمام هيئة التحكيم، التي يجب عليها في هذه الحالة أن تصدر قراراً يتضمن شروط التسوية وينهي الإجراءات، ويكون لهذا القرار ما لأحكام المحكمين من قوة بالنسبة للتنفيذ".
فقد يحدث أثناء سير الإجراءات التحكيمية، أن تتوصل الأطراف المتنازعة إلى نوع من التسوية. وفي مثل هذا الفرض، فإنه يمكن لهم أن يقتصروا على إفراغ التسوية الذي تم التوصل إليه في شكل عقد وإنهاء إجراءات التحكيم. وقد تذهب الأطراف إلى اتباع مسلك آخر، مفضلة أن يتم تتويج ما توصلوا إليه من اتفاق من خلال إصدار حكم تحكيمي يقرر هذا الصلح. ويطلق على الحكم التحكيمي الصادر في هذا الشأن حكم التحكيم الاتفاقي.
والميزة الذي يستهدف هذا الإجراء تحقيقها هي تمتع الاتفاق الذي تم بين الأطراف بالحجية والآثار المترتبة على الحكم التحكيمي.
ویری جانب من الفقه الفرنسي أنه إذا كان الاتفاق نفسه يخضع للقانون الفرنسي، فإنه سوف يتمتع بحجية الشيء المقضي به شأنه في ذلك شأن الأحكام النهائية. واندماج الاتفاق في الحكم التحكيمي لا يضيف إليه أية ميزة هذه الزاوية. وتهدف الأطراف من خلال اتباع هذا المسلك، إلى استفادة الاتفاق الذي تم التوصل إليه من إجراءات الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم المنصوص عليها في المعاهدات الدولية المصدق عليها على نحو واسع بين العديد الدول.
والسؤال الذي يتعين إثارته هو معرفة ما إذا كان المحكمون ملزمين بإصدار حكم تحكيمي اتفاقي بمجرد أن تلتمس من الأطراف إصدار مثل هذا الحكم.
ويرى جانب من الفقه الفرنسي أن القانون الفرنسي للتحكيم الدولي القائم على احترام إرادة الأطراف يميل إلى قبول مثل هذا الالتزام الواقع على عاتق المحكم.
وتذهب بعض لوائح التحكيم إلى تبني هذا الاتجاه داعية المحكمين صراحة إلى تقرير اتفاق الأطراف. فتنص لائحة التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية بباريس في المادة ٢٦ على أنه: "إذا اتفقت الأطراف، وكان الملف موجوداً أمام المحكم، فإن هذا الاتفاق تتم ترجمته من خلال إصدار حكم تحكيمي يكرس هذا الاتفاق".
كذلك تتضمن لائحة التحكيم الخاصة بمحكمة لندن للتحكيم الدولي ولائحة التحكيم الخاصة بمعهد التحكيم الخاص بغرفة التجارة في استوكهولم ولائحة التحكيم لغرف التجارة الأوروبية العربية نصوصاً مشابهة بينما يذهب نظام التحكيم الذي وضعه المركز الدولي لفض المنازعات الناشئة عن الاستثمار إلى اعتبار أن اتفاق الأطراف لا يكون محل للتكريس بواسطة حكم تحكيمي وإنما من خلال إصدار مجرد أمر ordannance .
ويثور التساؤل عن موقف المعاهدات الدولية ولوائح التحكيم من مسألة مدى تمنع هذه الأحكام بآليات الاعتراف والتنفيذ التي تسري على أحكام التحكيم العادية، تلك الآليات المنصوص عليها في المعاهدات المختلفة القائمة في هذا الصدد، وأيضاً مدى تمتعها بقواعد الاعتراف والتنفيذ السارية في الدول المختلفة، والتي تهدف الأطراف باتخاذها لهذا المسلك إلى الاستفادة منها.
لم تتعرض لا معاهدة نيويورك الموقعة في ٢٠ يونية ١٩٥٨، ولا معاهدة جنيف الموقعة في ٢١ ابريل١٩٦١، صراحة لهذا الموضوع.
ويذهب جانب من الفقه إلى القول بأن الفصل في المسألة المعروضة على نطاق البحث، ومعرفة ما إذا كان هناك مجال لإعمال المعاهدات، يتم تفسير نصوص هذه المعاهدات ذاتها وليس بالإشارة إلى المفهوم الذي تعتنقه دولة من الدول التي صدرت فيها أحكام التحكيم محل المنازعة.
بينما يذهب جانب آخر من الفقه إلى القول بأن حكم التحكيم القائم على اتفاق الأطراف يمكنه أن يستفيد من معاهدة نيويورك إذا كان يعد وفقا للدولة التي صدر فيها بمثابة حكم تحكيمي.
والواقع أن عدم وجود قضاء يحسم المسألة المعروضة يفسر التردد الذي يعاني منه الفقه من اتخاذ موقف واضح بشأن هذه المسألة.
والواقع من الأمر أن التعريف المضيق لفكرة الحكم التحكيمي واعتبار هذا الأخير بمثابة القرار الذي وفقاً له يفصل المحكمون بشكل جزئي أو على نحو كلي في المنازعة المعروضة عليهم يؤدي إلى التشكيك في إمكانية اعتبار القرار الصادر على المحكم والذي يقتصر دوره على تكريس ما توصلت إليه إرادة الأطراف من اتفاق بمثابة حكم تحكيمي بالمعنى الضيق.
وعلى الرغم من الحقيقة السابقة، فإن القانون النموذجي للتحكيم الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، يعد عاملاً حاسماً لصالح تطبيق النظام المعتاد الذي يسري على أحكام التحكيم التي يقتصر دورها على تقرير اتفاق الأطراف.
إذ تنص المادة ٣٠ فقرة ٢ منه على أن أي قرار تحكيم بشروط متفق عليها يجب ان يصدر وفقاً لأحكام المادة ۳۱ وينص فيه على أنه قرار تحكيم. ويكون لهذا القرار نفس الصفة ونفس الأثر الذي لأي قرار تحكيم آخر يصدر في موضوع الدعوى.
وبالتالي فإنه بالنسبة للدول التي تبنت القانون النموذجي للتحكيم أو تأثرت به كمصر، فإن المسألة المطروحة على نطاق البحث يتم الفصل فيها
بتطبيق النصوص المعتاد تطبيقها بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم العادية.
ويذهب جانب من الفقه إلى القول بأن القاعدة المنصوص عليها في المادة ٣٠ فقرة ٢ من القانون النموذجي للتحكيم يعبر عن وجود نوع من الرضاء العام الصالح الحل المتقدم، على نحو يمكن معه التمسك به بشأن تفسير المعاهدات الأخرى.