إن الحكم النهائي الذي يصدره المحكم هو الذي بعد صدوره شيء إلا ويكون المحكم قد حسم النزاع حوله ولا بد من الإشارة هنا إلى ما يسمى بالقرار التحكيمي الجزئي، أي يجب أن يكون قانون التحكيم الذي يرعى العملية التحكيمية قد أجاز للمحكمين إصدار أحكام جزئية كي تكون هذه الأحكام صحيحة. وكثير من قوانين التحكيم الجديدة تركت الأمر لحرية إرادة الطرفين ( عبر الاتفاق التحكيمي ولكن إذا لم يتفق الطرفان فإن الحرية متروكة للمحكمين وهذا ما سار عليه القانون المصري والتونسي واللبناني والسويسري والهولندي والإنكليزي، وكذلك قواعد تحكيم اليونيسترال التي فرقت بين الحكم التحكيمي النهائي والحكم التحكيمي الذي يفصل في مسألة أولية كالاختصاص المادة 21 فقرة 4 من قانون اليونيسترال)، مكرسة شرعية الحكم الجزئي مجيزة للمحكمين إذا ارتضوا اللجوء إلى الحكم الجزئي لضرورات منفعة سير التحكيم في هذه الأمور الأولية كالاختصاص أو القانون المطبق أو البت بمسألة مكان إجراء التحكيم وما إلى ذلك.
من جهته نظام هيئة تحكيم غرفة التجارة الدولية قضى بأنه على المحكم قبل توقيع حكم جزئي أو نهائي أن يعرض مشروعه على الهيئة الدائمة التابعة تنظيمياً للغرفة المذكورة.
ومن الواضح، أن الحكم الجزئي هو نهائي، وهو يفصل جزءاً من النزاع، في حين يفصل الحكم النهائي بباقي النزاع بكامله وهو غير الحكم الوقتي الذي يتعلق بمسائل أولية تقليدية فالحكم الجزئي يفصل جزءا من الخلافات بشكل نهائي ولا يعود يثار ما صار البت به لاحقا.
وهناك أحكام تحكيمية لا طبيعة قضائية لها، مثل القرارات التي تنظم التحكيم ويكون لها طابعاً إدارياً مثل قرار البت بطلب عزل المحكم أو قرار منه يتعلق بإجراءات المحاكمة ،وبسيرها، فهذه القرارات على علاقة بإدارة ويرى بعض الفقه في فرنسا، أنه إذا كان الاتفاق نفسه يخضع للقانون الفرنسي، فإنه سوف يتمتع بحجية الشيء المقضي به شأنه في ذلك شأن الأحكام النهائية.
هذا، وإن اندماج الاتفاق بين الطرفين في الحكم التحكيمي لا يضيف إليه أية ميزة من هذه الزاوية، فهدف هؤلاء من خلال ما توصلوا إليه. استفادة الاتفاق الذي تم التوصل إليه من إجراءات الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم المنصوص عليها في المعاهدات الدولية المصادق عليها على نحو واسع بين الكثير من الدول المعنية .
لكن السؤال المطروح يصبح عما إذا كان المحكم ملزم بإصدار حكم تحكيمي اتفاقي بمجرد أن يطلب منه الأطراف ذلك؟
بعض الفقه الفرنسي، يرى أن القانون الفرنسي للتحكيم الدولي القائم على احترام إرادة الأطراف يميل إلى قبول مثل هذا الالتزام الواقع على عاتق المحكم ونجد ذلك في نظام التحكيم الخاص بغرفة التجارة الدولية في باريس حيث تنص المادة 17 على أنه: «إذا اتفقت الأطراف، وكان الملف موجوداً أمام المحكم، فإن هذا الاتفاق تتم ترجمته من خلال إصدار حكم تحكيمي يكرس هذا الاتفاق».
كذلك، يتضمن نظام التحكيم الخاص بمحكمة لندن الدولية للتحكيم التجاري، وذلك العائد لمعهد التحكيم الخاص بغرفة التجارة في استوكهولم والعائد كذلك لغرف التجارة الأوروبية العربية نصوصاً مشابهة، بينما يذهب نظام التحكيم الذي وضعه المركز الدولي لحل النزاعات الناشئة عن الاستثمار، إلى اعتبار أن اتفاق الأطراف لا يكون مكرساً بواسطة حكم تحكيمي وإنما من فغياب أحد الأطراف لا يحول إذن دون صدور الحكم التحكيمي.
ويلاحظ أن حكم التحكيم الصادر في غيبة أحد الأطراف لا يتمتع بأية خصوصية مقابل ذلك الحكم الذي صدر في حالات أخرى والتي يحرص فيها جميع الأطراف على المثول أمام المحكم، ففي كلتا الحالتين تكون الإجراءات المتبعة إجراءات متقابلة وأنه روعي فيها رغم الغياب احترام مبدأ الوجاهية.