الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • حكم التحكيم / الحكم الوقتي / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 51-52 / دور إرادة الأطراف في إتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية قبل تشكيل هيئة التحكيم دون اللجوء إلى القضاء (تحكيم الطوارئ)

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 51-52
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    59

التفاصيل طباعة نسخ

    لقد إستعرضنا من قبل أن إحدى أهم العقبات التي قد تحول دون إمكانية إتفاق على إستبعاد إختصاص القضاء في التدابير الوقتية والتحفظية هي الحاجة إلى إتخاذ هذه التدابير قبل تشكيل هيئة التحكيم، لذلك فالسؤال المطروح هنا هو هل يمكن للأطراف إتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية قبل تشكيل هيئة التحكيم ودون اللجوء إلى القضاء؟

    سوف نجيب عن هذا السؤال من خلال إستعراض آلية جديدة تم إستحداثها في مراكز التحكيم الدائمة للتغلب على مثل هذه العقبة وتسمى بتحكيم الطوارئ، وسوف نتحدث في البداية عن ماهية تحكيم الطوارئ ثم سنستعرض أهم مراكز التحكيم التي تبنت هذه الآلية، ثم سنلقي الضوء على أهم القواعد القانونية المنصوص عليها في هذه المراكز والتي تضمن فاعلية هذا النظام وتحقيقه الكفاءة المنشودة من قبل الأطراف في إتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية قبل تشكيل هيئة التحكيم ودون الحاجة للجوء إلى القضاء، ثم سنستعرض نموذجاً لإحدى أهم القضايا التي أثبتت فاعلية هذا النظام الجديد ونوضح الخطوات المتبعة عند نظر مثل هذه القضايا أمام مراكز التحكيم بالتفصيل، وفي نهاية هذا الفصل سوف نستعرض إمكانية إتفاق الأطراف على تفعيل هذا النظام (تحكيم الطوارئ) في مصر.

مبحث تمهيدي: نشأة تحكيم الطوارئ :

   نظراً لزيادة أهمية الدور الذي تمارسه التدابير الوقتية والتحفظية في التحكيم الدولي في السنوات الأخيرة، وكثيرا ما يرى الأطراف أنه من الضروري طلب إتخاذ تدابير وقتية أو تحفظية قبل بدء إجراءات التحكيم، لذلك فإن أهم العقبات التي قد تواجه هيئة التحكيم في إتخاذ التدابير الوقتية أو التحفظية هي المرحلة التي تسبق تشكيل هيئة التحكيم. ففي النزاعات الدولية، من المعتاد أن يستغرق تعيين المحكم عدة أسابيع، إن لم يكن أشهر، وخاصة إذا كان إتفاق التحكيم ينص على أن تتكون هيئة تحكيم من ثلاثة محكمين بالإضافة لإحتمال أن يكون أحد الطرفين غير متعاون أو يسعى إلى عرقلة تشكيل هيئة التحكيم. وبالنظر إلى أن الوقت الأكثر حرجة لطلب إتخاذ تدابير وقتية يكون غالبا في بداية النزاع قبل تشكيل هيئة التحكيم، وما قد يترتب على تعذر إتخاذ هذه التدابير من نتائج وخيمة على أحد الأطراف، وفي أسوأ الأحوال، قد يؤدي ذلك إلى إحباط قدرة هيئة التحكيم على إتخاذ حكم تحكيم نهائي فقال (على سبيل المثال، إذا قام أحد الأطراف متعمدة بتبديد أصوله). وإزاء ذلك أمام الطرف الراغب في إتخاذ تدابير وقتية أو تحفظية قبل تشكيل هيئة التحكيم أحد الخيارات الآتية وهي: إما أن ينتظر لحين تشكيل هيئة التحكيم أو يلجأ إلى القضاء الوطني لطلب إتخاذ هذه التدابير منه مباشرة

    ولما كان نظام التحكيم التجاري في تطور مستمر ودائم ويسعى دائما إلى إيجاد الحلول الملائمة للعقبات التي قد تواجه العملية التحكيمية، وأحدث الحلول التي تم إبتكارها هي ما يعرف بنظام تحكيم الطوارئ.

    ولم تعرف التشريعات وقواعد التحكيم المختلفة تحكيم الطوارئ، إلا أن أحد الفقهاء عرف محگم الطوارئ بأنه "الشخص الطبيعي الذي يتم إختياره بناءاً على طلب أحد الطرفين لتناط به مجموعة من الإختصاصات والصلاحيات التي منحت له لغرض مواجهة الظروف الطارئة الوقتية والمستعجلة قبل تشكيل هيئة التحكيم بصيغتها النهائية".

     إن الغرض الرئيسي من هذا النظام الجديد هو تزويد مستعملي التحكيم بألية فعالة يمكن بموجبها للطرف الذي يحتاج إلى إتخاذ تدبير وقتي عاجل ألا ينتظر تشكيل هيئة التحكيم، فيمكن أن يطلب تعيين "محكم الطوارئ" الذي يتمتع بسلطة إتخاذ مثل هذه التدابير في غضون مهلة قصيرة جدة، حيث أنه قد يلحق بأحدهم أضرارا بالغة نتيجة الإنتظار لحين تشكيل هيئة التحكيم، ثم إن هذا النظام الجديد سيحقق غاية أخرى وهي الإبتعاد عن سلطات القضاء العادي وتدخلاته التي قد يجد أطراف النزاع أنها تؤثر على أسرارهم التجارية وسمعتهم في مجال الإستثمار، حيث إن التحكيم وكما هو معلوم يوفر الى حد كبير السرية المطلقة في كل شيء .

    ولقد نصت العديد من مراكز التحكيم الدولية والإقليمية على هذه الآلية في قواعدها المنظمة للتحكيم والتي تسمح للأطراف بطلب إتخاذ تدابير وقتية أو تحفظية من محكم الطوارئ وقبل تشكيل هيئة التحكيم.

    حيث نصت المادة 1 في الجدول الثالث من الفصل الثالث لقواعد التحكيم بمركز كوالالمبور الإقليمي للتحكيم KLRCA) 2017 على أنه: "يجوز لأي طرف في حاجة إلى تدابير وقتية طارئة، بالتزامن مع أو بعد تقديم طلب التحكيم، ولكن قبل تشكيل هيئة التحكيم، تقديم طلب للحصول على تدابير وقتية طارئة".

المبحث الأول: القواعد الأساسية لتحكيم الطوارئ:

   سوف نستعرض أمثلة لبعض القواعد المتبعة في تحكيم الطوارئ في مراكز التحكيم المختلفة والتي توضح مدى كفاءة هذا النظام في إتخاذ التدابير الوقتية أو التحفظية قبل تشكيل هيئة التحكيم ودون الحاجة إلى اللجوء للقضاء:

1- أنواع التدابير الوقتية والتحفظية التي يمكن إتخاذها :

    لم تنص القواعد المنظمة لتحكيم الطوارئ في مختلف المراكز على تدابير وقتية أو تحفظية معينة على سبيل الحصر، بل تركت المجال مفتوح أمام محكم الطوارئ لإتخاذ أية من التدابير الوقتية أو التحفظية المطلوبة من قبل الأطراف، بما يغني الأطراف عن الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء لطلب إتخاذ هذه التدابير، حيث نصت المادة 4/6 من قواعد التحكيم في المركز الدولي لفض المنازعات (ICDR) سنة 2014 على أنه يكون لمحكم الطوارئ سلطة إصدار التدابير الوقتية أو التحفظية التي رآها المحكم ضرورية.... ".

2- حيدة واستقلال ورد محكم الطوارئ:

   نتيجة ضرورة إحترام مبدأ المساواة بين الأطراف، فقد حرصت مراكز التحكيم على أن يكون محكم الطوارئ محايدة ومستقلا عن الأطراف كما هو متبع عند تشكيل هيئة التحكيم والا حق لأي طرف أن يرده، حيث نص الجدول 5/1 من قواعد مركز سنغافورة للتحكيم الدولي (SIAC

2016. على أنه "قبل قبول التعيين، يجب على محكم الطوارئ أن يكشف لرئيس المركز عن أي ظروف قد تثير شكوك مبررة فيما يتعلق بنزاهته أو إستقلاله. ويجب تقديم أي طلب لرد محكم الطوارئ في غضون يومين من إبلاغ المركز إلى الأطراف بتعيين محكم الطواري ".

3- میعاد تعيين محكم الطوارئ:

     حرصت مراكز التحكيم على وضع قواعد تضمن سرعة الإستجابة لطلب الأطراف في إتخاذ التدابير الطارئة، حيث حددت هذه القواعد مواعيد معينة يجب أن يتم خلالها تعيين محكم الطوارئ من قبل هذه المراكز دون تأخير. حيث نصت المادة 5 من الجدول 4 من قواعد مركز التحكيم الدولي بهونغ كونغ (HKIAC) 2013 على أنه يجب على مركز التحكيم الدولي بهونغ كونغ تعيين محكم الطوارئ في غضون يومين بعد إستلام الطلب".

4- البيانات الواجب تقديمها عند تقديم طلب تحكيم الطوارئ:

     نصت قواعد تحكيم الطوارئ في العديد من مراكز التحكيم على أنه يتعين على الطرف الراغب في إتخاذ تدابير وقتية أو تحفظية طارئة قبل تشكيل هيئة التحكيم أن يتقدم إلى المركز بطلب متضمنة عدة بيانات، وتهدف هذه البيانات إلى تسهيل مهمة محكم الطوارئ في الإحاطة بالتفاصيل اللازمة لإتخاذ القرار المناسب فيما يتعلق بالتدابير الطارئة، وهناك إختلاف بين المراكز في نوع هذه البيانات إلا أنها تتفق في الغالبية منها. 

وسوف نستعرض مثالاً على طبيعة هذه البيانات كتلك الواردة في المادة 3 من الجدول الخامس من قواعد غرفة التجارة الدولية بباريس (ICC) 2012، والتي يتعين فيها على مقدم طلب تعيين محكم الطوارئ، أن يضمن طلبه عددا من البيانات منها.

  1. الإسم بالكامل والوصف والعنوان وتفاصيل الإتصال الأخرى لكل من الطرفين.

 2- الإسم الكامل والعنوان وتفاصيل وتفاصيل الإتصال الأخرى لأي شخص (أشخاص) يمثلون مقدم الطلب.

3- وصف للظروف التي أدت إلى النزاع الأساسي الحال إلى التحكيم.

4- طلب يوضح طبيعة التدابير الطارئة المطلوبة.

5- الأسباب التي تدعو مقدم الطلب إلى طلب إتخاذ تدابير وقتية أو تحفظية طارئة لا يمكن أن تنتظر تشكيل هيئة التحكيم.

6- أي إتفاقات ذات صلة، ولا سيما إتفاق التحكيم.

7- أي إتفاق بشأن مكان التحكيم أو قواعد القانون المعمول بها أو لغة التحكيم.

8- إثبات دفع المبلغ المشار إليه في المادة 7 (1) من الجدول الخامس.

9- أي طلب للتحكيم وأية طلبات أخرى تتعلق بالنزاع الأساسي، والتي تم تقديمها إلى الأمانة من قبل أي من الأطراف.

10- أي مستندات أخرى يعتبرها الطالب ملائمة لطلبه.

5- میعاد صدور التدبير الوقتي:

    حرصت مراكز التحكيم على تحديد ميعاد معين يلزم محكم الطوارئ بإتخاذ التدابير خلاله وذلك الضمان صدور هذه التدابير بالسرعة المطلوبة، وتحقيق الهدف المنشود للإغاثة العاجلة للطرف المتضرر، حيث نصت المادة 8/9 من قواعد التحكيم في محكمة لندن للتحكيم الدولي (LCIA) 2014 على أنه يجب على محكم الطوارئ أن يصدر التدبير في أقرب وقت ممكن، ولكن في موعد لا يتجاوز 14 يوماً من تاريخ تعيين محكم الطوارئ. لا يجوز تمديد هذا الموعد النهائي إلا من قبل محكمة لندن للتحكيم الدولي في ظروف إستثنائية (عملاً بالمادة 22.5) أو بالإتفاق الكتابي لجميع الأطراف في إجراءات الطوارئ ".

6- تسبيب محكم الطوارئ للتدابير الوقتية أو التحفظية الصادرة عنه:

    حرصت مراكز التحكيم على ضمان إتخاذ محكم الطوارئ للتدابير الوقتية أو التحفظية بناء على أسباب صحيحة، وذلك لمنح هذا النظام المصداقية الكاملة في مواجهة جميع الأطراف. لذلك نصت قواعد هذه المراكز على ضرورة تسبيب محكم الطوارئ للتدابير الصادرة عنه. حيث نصت المادة 2/3/ج في الجدول الأول لقواعد تحكيم الطوارئ في المركز الأسترالي للتحكيم التجاري الدولي ACICA 2016 على أنه يجب أن يسبب محكم الطوارئ التدابير الصادرة عنه".

 

7- مكان إنعقاد الجلسات:

    نصت قواعد بعض مراكز التحكيم على منح محكم الطوارئ سلطة تحديد مكان إنعقاد جلسات تحكيم الطوارئ في المقام الأول، في حين نصت قواعد بعض المراكز الأخرى على منح المحكم هذه السلطة إذا لم يتفق الأطراف على تحديدها، حيث نصت المادة 49/ج من قواعد التحكيم في المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) 2014 على أنه "إذا إتفق الطرفان على مكان التحكيم، يكون ذلك المكان مكان إجراءات للتدابير الطارئة. في حالة عدم وجود مثل هذا الإتفاق، يقرر المركز مكان إجراءات الطوارئ، مع مراعاة أي ملاحظات يقدمها الطرفان".

8- الإجراءات الواجب إتباعها أثناء نظر طلب التدابير الطارئة:

    إتجهت أغلب مراكز التحكيم إلى النص في قواعدها على منح محگم الطوارئ سلطة تحديد هذه الإجراءات ووضع الجدول الزمني المناسب الذي سوف يتم إتباعه أثناء فحص طلب إتخاذ هذه التدابير ودون تقييده بإجراءات محددة قد لا تتناسب مع الأطراف. حيث نصت المادة 6/43 من القواعد السويسرية يونيو 2012 على أنه يجوز لمحكم الطوارئ إتخاذ الإجراءات اللازمة في حالات الطوارئ على النحو الذي يراه محكم الطوارئ مناسبة ".

المبحث الثاني: قضية تحكيم الطوارئ: TSKINVEST LLC ضد : THE REPUBLIC OF MOLDOVA

    کتطبيق عملي يوضح أهمية ونجاح نظام تحكيم الطوارئ وآلية تنفيذه وفقاً للقواعد التي إستعرضناها سابقاً، وكيف يمكن الإستغناء بهذا النظام عن اللجوء إلى محاكم الدولة قبل تشكيل هيئة التحكيم سوف نستعرض نموذجاً عن إحدى أهم القضايا الخاصة بتحكيم الطوارئ، ويمكن الإطلاع على القرار الصادر عن محكم الطوارئ وذلك في قضية تحكيم الطوارئ رقم EA 2014/053 : TSKINVEST LLC ضد THE REPUBLIC OF MOLDOVA، أمام معهد التحكيم بغرفة استكهولم للتجارة (SCC).

    وسوف نستعرض في البداية موجزة عن هذه القضية، ثم سنستعرض عقب ذلك تفاصيل هذه القضية بالكامل والتي تعد بمثابة تطبيق عملي يوضح كافة الخطوات المتبعة أمام مركز التحكيم منذ تقديم طلب تعيين محكم الطوارئ إلى صدور التدبير الوقتي الطارئ.

 

   فوفقاً للمعاهدة المبرمة بين حكومة الإتحاد الروسي وحكومة جمهورية مولدوفا بشأن الترويج والإستثمارات المتبادلة الموقعة في 17 مارس 1998 والتي تنص المادة 10 منها على أنه (أي نزاع ينشأ بين طرف متعاقد ومستثمر من الطرف المتعاقد الآخر الذي نشأ فيما بينهما يتعلق بالإستثمار .. وتسعى أطراف النزاع إلى حل هذا النزاع بالوسائل الودية حيثما أمكن. واذا لم يحسم النزاع على هذا النحو في غضون ستة أشهر من تاريخ الإخطار الخطي المشار إليه في الفقرة الأولى من هذا المادة، يعرض على معهد التحكيم في غرفة التجارة في ستوكهولم ويكون قرار التحكيم نهائية وملزمة لكلا طرفي النزاع). قام TSKINVEST LLC (مستثمر روسي) بالإستثمار في جمهورية مولدوفا من خلال الإستحواذ على عدد من الأسهم ("الإستثمار") في بنك BC Victoriabank SA التابع لمولدوفا، وبلغت مساهمته في رأس مال البنك حوالي 4.16 %، والتزم المستثمر الروسي بكافة الإجراءات الواجب إتباعها في شرائه لهذه الأسهم ومنها إبلاغ البنك المركزي في مولدوفا، وقام البنك المركزي بالموفقة على ذلك، إلا أن البنك المركزي قام في وقت لاحق بإصدار قرار (رقم 19) يوم 5 فبراير 2014 يحرم فيه المستثمر الروسي من حقه في التصويت في الاجتماع العام غير العادي المساهمي البنك BC Victoriabank SA، بل وتضمن القرار إتهامات للمستثمر الروسي بمخالفة القواعد الواجب إتباعها لشراء الأسهم، ومنح القرار للمستثمر الروسي مهلة ثلاثة أشهر لبيع حصته من الأسهم في البنك والتي حصل عليها بصورة غير قانونية.

   وابتداءاً من 12 فبراير 2014 سعى المستثمر الروسي إلى التواصل مع البنك المركزي في مولدوفا للإعتراض على هذا القرار ومحاولة إلغائه إلا أن محاولاته باءت بالفشل. 

   ثم قام المستثمر الروسي بإتباع الإجراءات المنصوص عليها بالمادة 10 من المعاهدة، حيث سعى إلى التواصل مع حكومة جمهورية مولدوفا إبتداءاً من 31 مارس 2014 إلى 18 أبريل 2014 دون أي جدوى.

    ونتيجة لما سبق تقدم المستثمر الروسي بطلب إلى معهد SCC لتعيين محكم الطوارئ وفقاً لأحكام المادة 9 (3) من الملحق الثاني لقواعد SCC. وذلك من أجل الحصول على أمر بوقف

العمل بالقرار رقم 19 إلى أن يتم حل النزاع الموضوعي أمام هيئة التحكيم التابعة لمركز SCC وذلك وفقا لنص المادة 10 من المعاهدة.

   وأكد المستثمر الروسي في طلبه أن الدافع وراء صدور هذا القرار هو منعه هو وعدد من المساهمين الأخرين الذين كانوا غير راضين على نحو مبرر من سوء إدارة البنك من ممارسة حقوقهم المشروعة والتصويت ليحلوا محل إدارة البنك. حيث كان الهدف من الإجتماع العام غير العادي لمساهمي البنك، الذي عقد في 6 فبراير 2014 بعد يوم واحد من اتخاذ القرار رقم 19 هو إجراء تصويت على تغيير إدارة البنك). كما يدعي المستثمر الروسي أن القرار 19 كان يهدف إلى إرغامه وعددا من المساهمين في البنك على بيع أسهمهم في البنك في ظروف يكون فيها سعر بيع أسهم البنك أقل بكثير من قيمتها الحقيقية ويقترب من قيمة رمزية.   

   وأضاف المستثمر الروسي أنه لم يخالف أية من القوانين التي إستند إليها القرار رقم (19)، وأن هذا القرار يعد خرقاً لنصوص المعاهدة السابقة، وأنه نتيجة لقرار رقم 19، عانى بالفعل ولا يزال يعاني من أضرار وخسائر جسيمة، وحتى تاريخه لم يتمكن حتى من المشاركة في الإجتماعات العامة لمساهمي البنك أو ممارسة حقوقه الأخرى كمساهم في البنك. كما يتعين عليه التصرف في حصصه في البنك بحلول 5 مايو 2014، وإلا سيؤدي ذلك إلى خسائر أخرى يتعذر إصلاحها. 

   صرح معهد SCC أنه عملاً بالمادة ( 1/32) والمادة (2/1) من الملحق الثاني 20 لقواعد SCC يكون لمحكم الطوارئ سلطة منح أي تدابير وقتية يراها مناسبة"، وأنه قد تحقق من توافر حالة الإستعجال أو إمكانية حدوث ضرر لا يمكن إصلاحه إذا لم يتم منح التدبير المطلوب. وبناءاً على ذلك قام المجلس بتعيين محكم الطوارئ في 14 إبريل 2l2014. وقبل هذا التعيين، وقع محگم الطوارئ إقراراً يؤكد إستقلاليته ونزاهته، وقدم هذه البيانات إلى معهد SCC في اليوم نفسه ، وبما أن الطرفين لم يوافقا على مقر التحكيم، عين المجلس ستوكهولم مقراً لإجراءات الطوارئ.

   وأرسل محكم الطوارئ رسالة إلى معهد SCC بتاريخ 24 أبريل 2014 وأنه من المقرر إتخاذ قرار الطوارئ بحلول 29 أبريل .2014

    ويرى محكم الطوارئ أيضاً أنه في حالات الطوارئ يتعين على أي طرف يطلب تدابير وقتية أن يحدد الطابع العاجل والوشيك للضر المحتمل وهو ما تحقق هنا في هذا الطلب، بعد أن قام محكم الطوارئ بتقييم الوقائع التي قدمها المستثمر الروسي والوثائق التي قدمها مع الطلب، رأي المحكم أن هناك إحتمالاً معقولاً بأن تحكم هيئة التحكيم بإلغاء القرار رقم 19.

   ونتيجة لما سبق أصدر محكم الطوارئ قرارة بالوقف المؤقت للقرار رقم 19 حتى يتم حل النزاع الموضوعي عن طريق هيئة التحكيم. وتكمن أهمية هذه القضية في أنها تعد تطبيق عملية لكافة القواعد الخاصة بتحكيم الطوارئ.

   وبعد هذا العرض لفكرة تحكيم الطوارئ في إطار مراكز التحكيم وإحدى القضايا التي أثبتت فعالية هذا النظام في الإستغناء عن اللجوء إلى القضاء قبل تشكيل هيئة التحكيم، يثور هذا التساؤل وهو هل يمكن للأطراف الاتفاق على تنظيم تحكيم الطوارئ خارج المراكز التي تتبنى هذه الآلية؟ هذا ما سوف نستعرضه في المبحث الثالث.

 

المبحث الثالث: دور إرادة الأطراف في الإتفاق على تنظيم تحكيم الطوارئ في مصر:

    نرى أنه وفقاً لطبيعة نظام التحكيم القائمة على إرادة الأطراف بالأساس، يمكن أن يتفق الأطراف على تحديد كافة القواعد المنظمة لتحكيم الطوارئ ابتداءاً من شروط إختيار محكم الطوارئ وصولاً إلى ميعاد صدور التدبير الوقتي، ويكون هناك مجال أكبر لإرادة الأطراف في إختيار هذه القواعد سواء من خلال الإستعانة بالقواعد الواردة في مراكز التحكيم أو بالإتفاق على قواعد جديدة تتناسب مع إحتياجاتهم.

    ووفقاً لما سبق أن إستعراضناه، وإزاء عدم وجود مراكز تحكيم تنظم تحكيم الطوارئ في مصر، وخلو قانون التحكيم المصري من الإشارة إلى هذه الآلية، فهل يجوز قانوناً إتفاق الأطراف على تنظيم تحكيم الطوارئ في مصر؟ 

    في البداية نود الإشارة هنا إلى أن القانون الذي يجب أن نرجع إليه لتحديد ما إذا كان يجوز للأطراف الاتفاق على تنظيم إجراءات تحكيم الطوارئ في مصر هو قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 الذي يحدد سلطة المحكم والقضاء في إصدار التدابير الوقتية والتحفظية في المادتين .(24 ،14)

    وإذا ما إستعرضنا نصت المادة (24) من قانون التحكيم المصري نجد أنها تنص على أنه يجوز لطرفي التحكيم الإتفاق على أن يكون لهيئة التحكيم بناءاً على طلب أحدهما أن تأمر أية منهما بإتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع وأن تطلب تقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدابير التي تأمر بها..."، ونصت المادة السابقة بوضوح على أن الجهة التي يمكن للأطراف الإتفاق على منحها سلطة إتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية هي هيئة التحكيم. وكما نرى فإن المادة (24) لم تتطرق إلى الحديث عن أصدار التدابير الوقتية والتحفظية في مرحلة قبل تشكيل هيئة التحكيم. ونحن نرى أن المادة (24) من قانون التحكيم المصري لم تنص كذلك على عدم إمكانية إتفاقية الأطراف على منح سلطة إتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية لجهة أخرى قبل تشكيل هيئة التحكيم.

   وإذا ما إستعرضنا ما نصت عليه المادة (14) من قانون التحكيم المصري بأنه "يجوز للمحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون أن تأمر بناءاً على طلب أحد طرفي التحكيم بإتخاذ تدابیر مؤقتة أو تحفظية سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها"، وهذه هي المادة تتمثل

أهميتها في أنها منحت سلطة إصدار التدابير الوقتية والتحفظية لمحكمة المادة (9) سواء قبل أو بعد تشكيل هيئة التحكيم. ونحن نرى أنها لم تقصر صلاحية إتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية على محكمة المادة (9) قبل تشكيل هيئة التحكيم وبعده لإصدار هذه التدابير، حيث أن هذه المادة جاءت لتدعم مبدأ الإختصاص المشترك بين القضاء والتحكيم في إصدار التدابير الوقتية والتحفظية قبل تشكيل هيئة التحكيم، في الوقت الذي لم تبرز فيه مفهوم محكم الطوارئ.

    ونستنتج مما سبق أنه لا توجد نصوص في قانون التحكيم المصري تقيد إمكانية إتفاق الأطراف على منح محكم الطوارئ سلطة إصدار تدابير وقتية أو تحفظية قبل تشكيل هيئة التحكيم.

   وإزاء ما إستعرضناه سابقاً يبقى التساؤل كيف يمكن عملاً تنفيذ إتفاق الأطراف على تنظيم تحكيم الطوارئ في مصر؟

    نحن نرى أنه يمكن إنفاق الأطراف على تنظيم تحكيم الطوارئ في مصر في ظل مراكز التحكيم التي لم تنص على هذه الآلية، وسوف نستعرض نموذجين من مراكز التحكيم التي تسمح للأطراف الإتفاق على تنظيم تحكيم الطوارئ على الرغم من عدم تبني أيا من قواعدهما لنظام تحكيم الطوارئ، وهما مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم ومركز الإكسيد بواشنطن.

أولا- قواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم السارية في 1 مارس 2011:

    نصت المادة (1) من قواعد التحكيم في مركز القاهرة الإقليمي على أنه: "1- إذا إتفق الأطراف كتابة على إحالة ما ينشأ بينهم من منازعات بشأن علاقة قانونية معينة، عقدية كانت أو غير عقدية، إلى التحكيم وفقاً لقواعد تحكيم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، حسم هذه المنازعات عندئذ وفقا لهذه القواعد، مع مراعاة أية تعديلات قد يتفق عليها الأطراف كتابة. 2- إذا إتفق الأطراف على فض منازعاتهم عن طريق التحكيم وفقاً لهذه القواعد، فيعتبر أنهم قد أخضعوا هذه المنازعات لتلك القواعد السارية عند بدء إجراءات التحكيم، ما لم يتم الإتفاق على غير ذلك...). وهذا يعني أن هناك دور واضح الإرادة الأطراف في الإتفاق على مخالفة أو إضافة أو تعديل أي من قواعد التحكيم الخاصة بالمركز بما يتناسب مع إحتياجاتهم، أي أن قواعد التحكيم الخاصة بالمركز هي قواعد مكملة وليست ملزمة الإرادة الأطراف.

 

   فقد قضت محكمة الإستئناف بالقاهرة أنه في التحكيم بصفة عامة وحسب المادة 25 من قانون التحكيم فإن إلتجاء الأطراف إلى أي من مراكز التحكيم النظامي التي تطبق قواعد إجرائية خاصة بها - سواء داخل مصر أو خارجها - يعد قبوة صريحة من جانبهم لإعمال هذه القواعد (اللائحية) بالقدر الذي لم يتنازل به الأطراف تلك القواعد بالتعديل أو التكملة. في هذه الحال تصبح القواعد المختارة جزءا من مضمون إتفاق التحكيم ذاته، فيلتزم الأطراف وهيئة التحكيم بها ما دام لم يتم الإتفاق على ما يخالفها في أمر معين، فتطبق القواعد المتفق عليها إذن بما يكفل تحقيق مصلحة الأطراف الخاصة وما يناسب ظروفهم وطبيعة النزاع المردد بينهم ".

    وقضت محكمة الإستئناف بالقاهرة أنه "ولئن كانت لائحة مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم تتضمن قواعد إجرائية مفصلة تحدد وتضبط بدء الخصومة التحكيمية التي تجري في نطاقها وكيفية إنهاء الإجراءات التحكيمية، فإن القواعد المخصصة لهذه الأمور ليست آمرة في قانون التحكيم المصري، بل هي قواعد تكميلية إختيارية يجوز الإتفاق على خلافها ". 

   ووفق حكم تحكيم نهائي صادر عن مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بأنه الطرفي التحكيم تعديل بعض القواعد المتبعة في التحكيم المؤسسي ذاته. فمبدأ إحترام إرادة الأطراف هو من المبادئ العامة لقضاء التحكيم الذي حرص المشرع على تأكيده". 

   ووفقاً لنص المادة (1/26) من قواعد التحكيم بمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم فإنه الهيئة التحكيم أن تأمر، بناءا على طلب أحد الأطراف، بإتخاذ تدابير مؤقتة...". وحيث إن هذه المادة التي تتحدث عن سلطة الهيئة في إصدار التدابير الوقتية والتحفظية لم تنظم سوى المرحلة اللاحقة التشكيل هيئة التحكيم، ولم تتطرق للمرحلة السابقة على تشكيل هيئة التحكيم سوى بالإشارة في المادة (9/26) على أنه "لا يعتبر الطلب الذي يقدمه أحد الأطراف إلى سلطة قضائية بإتخاذ تدبير مؤقت مناقضة لإتفاق التحكيم أو نزولا عن ذلك الاتفاق".

 

   ووفقاً للنصوص والأحكام السابقة التي تؤكد على الطبيعة الإختيارية أو الغير إلزامية لقواعد التحكيم بمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم، وفي ظل عدم وجود قواعد خاصة بتحكيم الطوارئ في المركز وفي ضوء ما إستعرضناه سابقاً من دور إرادة الأطراف في مخالفة أو إضافة أو تعديل أي من قواعد المركز، فإنه يمكن للأطراف الإتفاق على تنظيم كافة إجراءات تحكيم الطوارئ في مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم، إبتداءاً من إختيار محكم من المحكمين العاملين بالمركز كمحكم طوارئ وتحديد صلاحياته وصولا إلى تحديد ميعاد صدور التدبير الوقتي.

ثانياً - مركز الإكسيد بواشنطن ICSID:

  نص المادة (6/39) من لائحة التحكيم بالمركز الدولي لتسوية المنازعات ICSID على أنه "لا يوجد في هذه القاعدة ما يمنع الطرفين، شريطة أن يكونا قد نصا على ذلك في الإتفاق الذي يثبت موافقتهما، من أن يطلب من أي سلطة قضائية أو سلطة أخرى أن تأمر بإتخاذ تدابير مؤقتة، قبل أو بعد إقامة الدعوى...".

   ونرى أن نص المادة السابقة وبالتحديد في عبارة "... أو سلطة أخرى أن تأمر بإتخاذ تدابير وقتية، قبل أو بعد إقامة الدعوى.."، أنه يمكن للأطراف الإتفاق على منح جهة معينة صلاحية إتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية في مرحلة قبل تشكيل هيئة التحكيم، وبالتالي يمكن للأطراف الإتفاق على تنظيم تحكيم الطوارئ في ظل قواعد التحكيم الخاصة بالمركز الدولي لتسوية المنازعات ICSID

    لقد قامت بعض الدول مثل سنغافورة وهونغ كونغ بإدخال تعديلات على قوانين التحكيم الخاصة بكل منهما للإعتراف بالتدابير الصادرة عن محكم الطوارئ. ففي قانون التحكيم الدولي في سنغافورة تم إعادة تعريف عبارة (هيئة التحكيم) لتشمل محكم الطوارئ، وبالتالي سوف يتم الإعتراف وتنفيذ التدابير الصادرة عن محكم الطوارئ كما لو كانت صادرة عن هيئة التحكيم. كما قامت هونغ كونغ بتعديل قانون التحكيم الخاص بها بإدخال الجزء 3 أ، والذي يسمح بالإعتراف وتنفيذ التدابير الوقتية أو التحفظية الطارئة الصادرة سواء في هونغ كونغ أو خارجها، من قبل محكم الطوارئ. كما نصت المادة b1043 من قانون التحكيم الهولندي الجديد صراحة على محكم الطوارئ .