أحيانا يمكن الوصول إلى اختصار الوقت والنفقات عن طريق تجزئة النزاع إلى مسائل منفصلة وإصدار حكم مؤقت في مسألة أولية.
إلا أن هذا الوضع لا تسمح به جميع التشريعات، فالقانون الكويتي مثلاً يستبعد التحكيم في المسائل المستعجلة أو اتخاذ إجراءات وقتية تتعلق بموضوع النزاع على النحو الذي حدده أطرافه ما لم يتفقوا صراحة وعلى خلاف ذلك نص القانون المصري الصادر عام 1994 بشأن التحكيم على سلطة المحكم في إصدار أحكام مؤقتة وذلك في المادة 42 منه إذ نصت على أنه: «يجوز أن تصدر هيئة التحكيم أحكاماً وقتية أو في جزء من الطلبات وذلك قبل إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها».
كذلك، نصت المادة 3/22 من قانون التحكيم المصري على أن لهيئة التحكيم سلطة الفصل في الدفوع المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة قبل الفصل في الموضوع، أو أن تضمها إلى الموضوع لتفصل فيهما معاً فإذا قضت رفض الدفع، فلا يجوز التمسك به إلا بطريق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم المنهي للخصومة كلها، وفق المادة 53 من هذا القانون». فإذا أنه بحسب القانون الكويتي، أن محكمة التحكيم لا تملك بدون موافقة أطراف التحكيم ان توصي أو تأمر بأي إجراء وقتي أو مستعجل قبل إصدار حكمها، ولذا كان على أي طرف يرغب في حماية نفسه أن يقدم طلباً للمحكمة المدنية المختصة للحصول منها على الأمر القضائي للازم بموجب قواعد المحكمة العادية، فإذا رغب أطراف النزاع في إعطاء الاختصاص للمحكمة التحكيمية بإصدار أمر أو حكم مؤقت، وجب عليهم النص صراحة على ذلك في اتفاق التحكيم.
ولقد عنيت بعض القوانين الوضعية بالنص صراحة على منح المحكمين هذه الحرية، ولكن بقيود معينة، فالقانون الدولي السويسري الأخير نص في وبحثنا سيتناول هنا حكم المحكمين الصادر في الخصومة موضوع التحكيم، إما كقرار وقتي - عارض - أثناء النظر في النزاع، وإما كقرار يضع حلا للمنازعات بين الأطراف المتنازعة والذي قد يكون ملزماً لها، فينفذ رأسا، إذا أعطي الصيغة التنفيذية. وقد يكون قابلا للطعن عليه أمام المحاكم الوصفة
المختصة.
بكلام أوضح إن المحكم يملك أصلاً إصدار مختلف أنواع الأحكام فهو يملك إصدار أحكام قطعية أو غير قطعية ووقتية ويملك إصدار أحكام قبل الفصل في الموضوع كإصدار أحكام تتعلق بسير الإجراءات أمامه أو تتعلق بإثبات الدعوى، أي أن له سلطة إصدار أي حكم يتفق مع حقيقة مطلب أطراف التحكيم وينطبق على أسس قانون أصول المحاكمات. فمثلاً إذا قدم له خصم طلب وقتي، كان له أن يصدر فيه حكماً وقتياً، وإذا قدم إليه خصم بطلب فرعي كان له أن يصدر فيه حكمه كذلك، شرط أن يكون كل هذا متعلقاً بالنزاع المتفق عليه في التحكيم ، أما إذا احتوى الحكم على مسألة قانونية، فإنه يحيلها إلى المحكمة المختصة لإصدار حكم فيها .
وهذا، يعطي القانون للمحكم سلطة اختيار نوع الحكم الذي يراه مناسباً لظروف القضية المعروضة أمامه، وعليه هو أن يحسن بالاختيار، لأنه إن أساء في ذلك، جره عن غير قصد إلى صعوبات قد تؤدي إلى تأخير البت بالنزاع ويضيع القصد من اللجوء إلى التحكيم .
وعليه، فإن الأحكام التي يصدرها المحكم تتوزع بين الحكم المؤقت والحكم الدائم وأحكام أخرى ، سوف نتناولهم بالدراسة في المطالب الثلاثة الآتية:
أما على الصعيد الدولي، فتبين أن المادة 26 من قواعد تحكيم لجنة الأمم المتحدة الخاصة بقانون التجارة الدولي، وهي المعدلة عن قواعد تحكيم لجنة من الأمم المتحدة الخاصة بالتجارة الدولية عام 1976، وقد تم تبنيها اعتباراً 1983/5/9)، هذه المادة (26) تنص على أنه بناء على طلب أحد طرفي تاریخ النزاع، فإن المحكمة التحكيمية قد تتخذ إجراءات مؤقتة تراها ضرورية لموضوع النزاع بما في ذلك الإجراءات الخاصة لحفظ البضاعة التي تشكل موضوع كالأمر مثلاً بإيداعها لدى طرف ثالث أو بيع البضائع القابلة للتلف.
إن مثل هذه الإجراءات يمكن أن تكون بشكل حكم مؤقت وقد تطلب المحكمة التحكيمية ضماناً تأمينياً في مقابل تكليف تلك الإجراءات. كما أن الطلب الذي يقدمه أحد أطراف النزاع إلى سلطة قضائية لاتخاذ إجراءات
مؤقتة لا يعتبر مخالفاً لاتفاق التحكيم أو أنه تنازل عن تلك الاتفاقية.
يذكر أن القانون النموذجي على خلاف بعض القوانين الوطنية قد خول المحكمة التحكيمية، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك اتخاذ الإجراءات المؤقتة الخاصة بالحماية إذا طلبها أحد أطراف النزاع .
وهكذا يلاحظ أن الأصل في التشريع الكويتي هو استبعاد الأحكام المؤقتة مع جواز الاتفاق على خلاف ذلك، بعكس بعض التشريعات الأخرى التي تجيز للمحكم إصدار أحكام مؤقتة إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك، وهو موضوع مقلوب، نرى أن تصحيحه يعتبر إنسجاماً مع الدولي في هذا الشأن، كما صارت الإشارة إليه قبل قليل.
من جهتها، عنيت بعض أنظمة التحكيم الدولية بالنص على سلطة المحكم في إصدار الحكم المؤقتة مثل المادة 1/21 من نظام التحكيم الخاص بغرفة التجارة الدولية في باريس.
المادة 188 منه، على أن «لمحكمة التحكيم أن تصدر أحكاماً غير نهائية أو جزئية، ما لم يوجد اتفاق مخالف».
وهذا ما يؤكده كل من قانون أصول المحاكمات الهولندي (المادة 1955) والقانون البلجيكي (المادة (1699) بالمقابل نجد أن المادة 14 من قانون التحكيم البريطاني لعام 1950، تعتبر حق المحكم أو المرجح في إصدار حكم مؤقت بمثابة شرط ضمني في كل اتفاقية تحكيم إذا رأى مناسبة لذلك، ما لم يوجد بين طرفي المنازعة شرط مخالف. ومثال ذلك، الحكم بمسؤولية المدعى عليه من حيث المبدأ، وتحديد مقدار مسؤولية دون تعقيب على ذلك، ومع أن الأحكام تصدر عادة بأداء النقود، فإن المادة 15 من قانون التحكيم البريطاني لعام 1950 المشار إليه أعلاه تعطي الحق للمحكم في أن يأمر بأداء معين، أي أنه على أحد الأطراف في النزاع أداء أعمال معينة أو تسليم بضائع معينة، وعادة ما يستبدل الحكم بأداء عمل بحكم نقدي نظراً لما يثيره الحكم بأداء عمل من مشاكل ناجمة عن الاختلاف في تقدير مستوى الأداء المطلوب.
وفي الحالات الاستثنائية التي يتفق فيها أطراف النزاع على أن يكون الحكم بأداء عمل معين فإن المحكم يوصي بأن يكون الحكم مؤقتاً، على أن يتحول إلى حكم دائم إذا أتم أداء العمل بشكل مقبول، وإذا ثار جدل حول مستوى أداء العمل قام المحكم بفحص العمل بنفسه وبوجود أطراف النزاع. ومن ثم يصدر حكماً نهائياً أو حكماً مؤقتاً حسب الأحوال.
ما تقدم ذكره، يمكننا من القول بأن الحكم المؤقت يستعمل لأغراض شتى قبل تقرير القانون واجب التطبيق على النزاع، تقرير المسؤولية على جانب معين من النزاع لا يؤثر بجانب آخر، أو إصدار حكم مؤقت حول مسألة من مسائل القانون أو الواقع، كما لو ادعي مثلاً بأن الدعوى قد سقطت بمرورالزمن.
وبرأي البعض، تتوقف مسألة الفصل في المنازعة المعروضة على محكمة التحكيم من خلال إصدار أحكام تحكيمية جزئية، على ظروف كل منازعة .
ويبدو أن لائحة التحكيم التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي تشجع إصدار أحكام تحكيم مؤقتة أو جزئية بشأن الاختصاص، بينما النظام العائد لغرفة تجارة استوكهولم يبدو أكثر تحفظا بهذا المجال في حال عدم الاتفاق بين أطراف عدا عن أنه يقتضي في هذا العرض أن يبرز المحكمون الأسباب الموجبة والمعللة التي تدفعهم التصرف على هذا النحو.
إن الأحكام التحكيمية المؤقتة تلعب دوراً هاماً في حل المنازعات العقدية المركبة أو المعقدة والتي تتفرع عنها العديد من المشاكل المنفردة بنفسها، ومثال على تلك الأحكام المؤقتة، إن أحدهما سمح بالاستمرار في عقد البناء موضوع الخلاف إذ من المعروف أن إمداد هكذا مشروع بالأموال يعتبر عماد العمل بالنسبة إلى المقاولين الذين يعهد إليهم بالتشييد، وبدونه لا يمكن إنجاز ما تم الاتفاق عليه، فتم هذا الإنجاز واقعيا بفضل اللجوء إلى إصدار أحكام تحكيمية مؤقتة.
ويؤكد بعض الفقهاء على ما سبق ذكره من أهمية التفرقة بين أحكام التحكيم بالمعنى الدقيق والقرارات الأخرى الصادرة عن المحكمين، إذ يذهب إلى القول بضرورة التفرقة بين أحكام التحكيم التمهيدية والقرارات التمهيدية أو الجزئية. فالحكم التحكيمي الجزئي، شأنه في ذلك شأن الحكم التحكيمي النهائي يجب أن يخضع لفحص من قبل محكمة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس، أما القرار التمهيدي فإنه يعد مجرد عمل إجرائي بالتالي لا يخضع لرقابة هذه المحكمة .
ويضيف هؤلاء الفقهاء بأن لهيئة التحكيم سلطة تقديرية في إصدار أحكام مؤقتة من عدم إصدارها، وذلك وفقاً لظروف كل منازعة على حدة، ولا يمكن تقييد سلطة المحكم في إصدار الأحكام الجزئية إلا بناء على إرادة الأطراف. مثال ما تقدم، قضية «Eurodif. وفيها، وثيقة المهمة» وفقاً للتعبير الذي أعطته لها محكمة استئناف باريس كانت تنص على أن للمحكم حق فصل المنازعة من خلال إصدار أحكام مستقلة للفصل في مسألة الاختصاص للفصل في موضوع الدعوى.
ولقد استخلصت المحكمة أن هناك محلاً للقضاء ببطلان الحكم التحكيمي الذي أغفل هذا النص بالإعمال لنص المادة 3/1502 من قانون أصول المحاكمات الفرنسي الجديد لتجاوز المحكم للمهمة المخولة إليه، فيما ذهبت محكمة النقص الفرنسية من جهتها لتقول بالقضية نفسها ما ترجمته:
«إن وثيقة المهمة قد حددت المسائل المتنازع عليها والتي يتعين على هيئة التحكيم أن تفصل فيها، وإذا كانت هذه الوثيقة قد أشارت إلى أن هناك بعض المسائل الأولية بالنسبة للمسائل الأخرى، فإنها مع ذلك لم تتضمن شرطاً صريحاً ومحدداً يقضي أن يتم الفصل في المسائل المتعلقة بالاختصاص بمقتضى حكم مستقل يتم صدوره قبل الحكم المتعلق بموضوع المنازعة .
المحاكمة وهي بالتالي مجردة أي طابع قضائي، ولا تكون قابلة لمراجعة الإبطال.
وفي هذا السياق قضت محكمة التمييز الفرنسية برد مراجعة إبطال القرار المحكمة الدائمة للتحكيم في غرفة التجارة الدولية والعائد لطلب عزل المحكم، إذ اعتبرت المحكمة العليا أن قرار محكمة التحكيم لغرفة التجارة الدولية هو قرار يتعلق بإدارة التحكيم وليست له طبيعة قضائية ولا يمكن وصفه بأنه حكم تحكيمي.