يمكن للأطراف أن تحدد أن للمحكمين سلطة الفصل في جزء من المنازعة كالفصل في مسألة اختصاصها أو تحديد القانون الواجب التطبيق أو تقرير مبدأ المسئولية من خلال إصدار المحكم لحكم منفصل يطلق عليه حكماً جزئياً. ومن أجل إزالة أي لبس أو غموض فإن أحكام التحكيم الجزئية تقابل احكام التحكيم الكلية أو الشاملة لموضوع الدعوى، ولا تقابل أحكام التحكيم النهائية، فلفظ حكم التحكيم النهائي يشير إلى الأثر المترتب على حكم التحكيم، حتى لو كان هذا الحكم جزئياً يفصل في جزء من المنازعة المعروضة على المحكم.
وفي حالة عدم منح اتفاق الأطراف على منح المحكم السلطة السابقة، فإن للمحكمين أنفسهم أن يفسروا ما إذا كان هناك محل عند التصدي للمنازعة، بأن يتم الفصل في بعض ما تثيره من مسائل من خلال إصدار أحكام جزئية.
ولقد نص القانون المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بشأن التحكيم على سلطة المحكم في إصدار أحكام جزئية وذلك في المادة ٤٢ منه. إذ نصت على "أنه يجوز أن تصدر هيئة التحكيم أحكاماً وقتية أو في جزء من الطلبات وذلك قبل إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها".
كذلك نصت المادة ۲۲ - ۳ من قانون التحكيم المصري على أن "لهيئة الفصل في الدفوع المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة قبل الفصل في الموضوع أو أن تضمها إلى الموضوع لتفصل فيهما معاً، فإذا قضت يرفض الدفع، فلا يجوز التمسك به إلا بطريق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم المنهي للخصومة كلها وفق المادة ٥٣ من هذا القانون».
ولقد عنيت بعض القوانين الوضعية الأخرى كذلك بالنص صراحة على منح المحكمين هذه الحرية، ولكن بقيود معينة. فالقانون الدولي الخاص المادة ۱۸۸ على أن المحكمة التحكيم أن تصدر احكاما جزئية ما لم يوجد اتفاق مخالف.
وكذلك فإن المادة ١٤٩٥ من قانون الإجراءات المدنية الهولندي تخول للمحكمين أيضاً هذه السلطة وأيضاً القانون البلجيكي في المادة ١٦٩٩.
ويقرر القانون الإنجليزي ذات الحل لمتقدم فيعترف للمحكمين بسلطة إصدار أحكام جزئية طالما لم يوجد اتفاق مخالف من قبل الأطراف. وعلى الرغم من أن قانون الإجراءات المدنية الفرنسي الجديد لا يتضمن نصاً صريحاً يمنح المحكمين هذه السلطة، فإن جانباً من الفقه الفرنسي يرى أن القاعدة المتقدمة تسري بالنسبة للقانون الفرنسي بشأن التحكيم.
ويؤكد جانب من الفقه على ما سبق أن أشرنا إليه سابقاً من أهمية التفرقة بين أحكام التحكيم بالمعنى الفني الدقيق والقرارات الأخرى الصادرة عن المحكم، إذ يذهب إلى القول بضرورة التفرقة بين أحكام التحكيم التمهيدية والجزئية والمقرارات التمهيدية أو الجزئية. فالحكم التحكيمي الجزئي، شأنه في ذلك شأن الحكم التحكيمي النهائي يجب أن يخضع لفحص من قبل محكمة التحكيم في غرفة التجارة الدولية بباريس. أما القرار التمهيدي فإنه يعد مجرد عمل إجرائي وبالتالي لا يخضع لرقابة هذه المحكمة.
والأصل أن تتمتع هيئة التحكيم بسلطة تقديرية في إصدار أحكام جزئية من عدمه وفقاً لظروف كل منازعة على حدة، ولا يمكن تقييد سلطة المحكم في إصدار الأحكام الجزئية إلا بناء على إرادة الأطراف.
ولذلك فأنه في قضية Eurodir، فإن وثيقة المهمة carte de mission وفقاً ان للتفسير الذي أعطته لها محكمة استئناف باريس، كانت نص للمحكمين الفصل في المنازعة من خلال إصدار أحكام مستقلة للفصل في مسألة الاختصاص للفصل في موضوع الدعوى.
ولقد استخلصت المحكمة أن هناك محلاً للقضاء بطلان الحكم التحكيمي الذي أغفل هذا النص، بالإعمال لنص المادة ١٥٠٢ فقرة ٣ من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد، لتجاوز المحكم المهمة المخولة إليه.
من الثابت أن محكمة النقض الفرنسية قد ألغت القضاء المتقدم وإذا كان بالاستناد إلى أن محكمة استئناف باريس ما كان يمكنها أن تصل إلى النتيجة المتقدمة إلا من خلال تفسيرها للالتزام بالفصل في المنازعة بأحكام مستقلة، وهو التزام لم تنص عليه الأطراف في وثيقة المهمة بمقتضى شرط صريح وواضح.
ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أن "وثيقة المهمة حددت المسائل المتنازع عليها والتي يتعين على محكمة التحكيم أن تفصل فيها. وإذا كانت هذه الوثيقة قد أشارت إلى أن هناك بعض المسائل الأولية بالنسبة للمسائل الأخرى، فإنها مع ذلك لم تتضمن شرطاً صريحاً محدداً يقتضي أن يتم الفصل في المسائل المتعلقة بالاختصاص بمقتضى حكم مستقل يتم صدوره قبل الحكم المتعلق بموضوع المنازعة.
وبناء على ذلك فإن جانباً من الفقه الفرنسي يذهب إلى أنه إذا كانت شروط الأطراف في هذا الصدد واضحة ومحددة، فإنه يمكن الطعن بالبطلان على الحكم التحكيمي الذي يهدر هذه الشروط ويفصل في المنازعة المعروضة عليه بأحكام كلية على الرغم من انصراف إرادة الأطراف إلى الفصل في المنازعة بأحكام جزئية مستقلة تفصل بين القضاء في الاختصاص والقضاء في الموضوع.
وتتوقف مسألة الفصل في المنازعة المعروضة على محكمة التحكيم من خلال إصدار أحكام تحكيمية جزئية على ظروف كل منازعة.
وملاءمة الفصل بحكم جزئي في موضوع الاختصاص يتوقف على معرفة ما إذا كانت ذات الوقائع تؤثر في حل المسائل المتصلة بالاختصاص وأيضاً تلك المتصلة بالموضوع. ففي هذا الفرض، فإنه من الأفضل أن يتم إصدار حكم وحيد Sentence unique بشأن كل من مسألة الاختصاص وموضوع النزاع.
وقد يحدث ان مشكلة الفصل في موضوع اختصاص المحكم بشكل مستقل تماماً وأن يكون تأثير المسائل الخاصة بالموضوع من المكانة إلى نحو يدفع المحكمة في حالة تمسكها باختصاصها أن يكون من الملائم أن تفصل بحكمين منفصلين في كل من مسألة الاختصاص والموضوع.
ويبدو أن لائحة التحكيم التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي تشجع إصدار أحكام تحكيم جزئية بشأن الاختصاص وهو ما يذهب إليه أيضاً القانون الدولي الخاص السويسري في المادة ١٨٦ فقرة ٣ والتي تنص على أنه كقاعدة عامة: تفصل محكمة التحكيم في مسألة اختصاصها بحكم تمهيدي.
وعلى العكس من ذلك، فإن لائحة التحكيم لمعهد التحكيم الغرفة التجارة باستوكهولم تبدو أكثر تحفظاً بشأن إمكانية إصدار أحكام تحكيم جزئية في حالة عدم اتفاق الأطراف إذ أنها تقتضي في هذا العرض أن يبرز المحكمون (الأسباب الخاصة )التي تدفعه إلى التصرف على هذا النحو.
كذلك فإن مسألة الفصل فيما إذا كان من المناسب إصدار حكم تحكيمي جزئي بشأن تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع المنازعة يتعين تقديرها وفقاً لكل حالة على حدة.
فتحديد القانون الواجب التطبيق من خلال حكم تحكيمي مستقل، يجنب الأطراف ضرورة التعرض في حججهم لكل القوانين المحتملة التطبيق، بما في ذلك المبادئ العامة للقانون.
وقد يؤدي هذا الاختيار على العكس إلى تأجيل الفصل في المنازعة ويجبر المحكمين إلى اختيار القانون الواجب التطبيق دون التبصر بشكل كامل للآثار الناجمة عن هذا القرار على حل المنازعة.
كذلك فإن مدى تقدير مدى ملاءمة قيام المحكم بإصدار أحكام مستقلة فيما يتعلق بالفصل في مبدأ المسؤولية وبشأن تحديد قيمة التعويض لا يمكن الفصل فيها على نحو مجرد.
فصدور حكم تحكيمي جزئي بشأن مبدأ المسؤولية يمكنه أن يحبذ الوصول إلى تسوية ويسمح للمحكمين أن يحددوا بشكل دقيق مهمة الخبير.
وتلعب أحكام التحكيم الجزئية دوراً هاماً. حل المنازعات العقدية المركبة والمعقدة، والتي تتفرع عنها العديد من المشاكل المستقلة. إذ أنه بصدور هذه الأحكام الجزئية ولا سيما من قبل هيئات التحكيم ذات الخبرة قد يستعيد كل من طرفي المنازعة على المدى البعيد ولإظهار هذه الميزة التي تتمتع بها أحكام التحكيم الجزئية أعطى جانب من الفقه المثال الآني والذي فصلت فيه غرفة التجارة الدولية بباريس والذي أصدرت فيه هيئة التحكيم خمسة عشر حكماً تحكيمياً جزئياً وسمحت هذه الأحكام للطرف المتضرر من تغطية الأضرار التي لحقت به على نحو مباشر وبمجرد سماع كل من طرفي المنازعة.
واتباع المسلك المتقدم من قبل هيئة التحكيم سمح بالاستمرار في عقد التشييد محل المنازعة. فمن المعروف أن إمداد المشروع بالأموال يعتبر عماد الحياة بالنسبة للمقاولين المعهود إليهم بالتشييد وبدونه لا يمكن إنجاز ما تم الاتفاق عليه. ولقد تحقق هذا الإنجاز في واقع الحال بفضل اللجوء إلى إصدار أحكام التحكيم الجزئية.
ولا تقتصر أحكام التحكيم التي تصدر من قبل المجكم أو هيئة التحكيم على الأحكام النهائية أو الجزئية ولكن تشمل أيضاً ما يعرف بأحكام التحكيم الغيابية.