۱ - التحكيم أداة متميزة لحل المنازعات بين الأطراف ، لذلك يرفض سيادته النظرية التعاقدية للتحكيم . فالعقد فى نظره ليس هو جوهر التحكيم ، ويستدل على ذلك بأنه لا يوجد فى التحكيم الإجبارى ، كما أن المحكمين لا يعينون دائما باتفاق الأطراف إنما قد يتم تعيينهم بواسطة المحكمة المختصة أو مراكز للتحكيم . ولكن هذا لا يعنى فقدان التحكيم لذاتيته واندماجه في القضاء كما ترى النظرية القضائية ، وذلك لأن القضاء سلطة عامة من سلطات الدولة يباشرها القاضى بهدف تحقيق سيادة القانون على المصالح المتنازعة فى العلاقات الاجتماعية . أما التحكيم فيرمي إلى تحقيق وظيفة اجتماعية واقتصادية متميزة ، وهى التعايش السلمي بين أطراف النزاع في المستقبل ، فضلا عن العدل .
۲- ويرى سيادته ، أن التحكيم ، قد ظهر في المجتمعات البدائية قبل القضاء ، ونشأ نشأة مستقلة عنه ، واستمر قائما بعد ظهور القضاء لأنه يشبع حاجة اجتماعية مختلفة لا يحققها القضاء . وهذا يقتضى تمييزه عن القضاء وخضوعه لنظام خاص ، يحتفظ له بمرونته بعيدا عن نظام القضاء بضماناته الكثيرة وقواعده الجامدة .
٣- يختلف التحكيم فى نظر سيادته عن القضاء في بنائه الداخلي ، إذ يتولى قانون المرافعات تنظيم القضاء المدنى عضويا وإجرائيا ، عن طريق قواعد عامة مجردة . وهكذا تحدد قواعد النظام مباشرتها ، وآثارها وأن المحكم ليس سوى شخص مفوض من الطرفين لحل النزاع القضائي المحاكم المختلفة ، وتبين تشكيل كل منها ، كما تحدد قواعد الاختصاص بالدعاوى التى تدخل فى نطاق سلطة كل محكمة ، وتبين قواعد التقاضي المبينة فى قانون المرافعات أى أن طريق القضاء هو طريق إجرائي عامة الحماية الحقوق يخضع لقواعد مجردة بينما يعد التحكيم طريق خصوصي مفصل عضويا وإجرائيا للفصل في نزاع معين
4 - اعتبار المحكم قاضيا خاصا ، تكذبه قواعد القانون الوضعي ، التي تخضع المحكم لنظام قانونى مغاير للذى يخضع له القاضي ، من حيث صلاحيته ومسئوليته وسلطته . فلا يشترط في المحكم ، ما يشترط في القاضي من حيث السن ، أو الجنسية ، أو الجنس ، أو المؤهلات ، أو الخبرة ، فيجوز أن يكون المحكم أجنبيا أو إمرأة أو غير قانوني أو غيـر مؤهل بالمرة ، كما لا يحلف يمينا قبل مباشرته عمله ، وإنما يلزم قبوله للتحكيم .
5 - كما أن اعتراف القانون بالتحكيم لا يخلع عليه الطبيعة القضائية بصورة آلية ، ولا يعنى أنه أصبح المصدر المباشر لسلطات المحكمين ، وإنما يظل اتفاق التحكيم هو المصدر المباشر والواقعي لسلطات المحكمين . كما أن الإرادة حرة تملك الاتفاق على التحكيم ، أو عدم الاتفاق عليه .
مثالب نظرية الطبيعة المستقلة
ويمكن لنا توجيه الانتقادات الآتية إلى نظرية الطبيعة المستقلة :
1 - إذا كنا لا نقبل نظرية الطبيعة العقدية ونظرية الطبيعة المختلطة لحكم التحكيم ، نظرا للانتقادات المشار إليها آنفا ، فنحن أيضا لا نقبل نظرية استقلال حكم التحكيم ، لأن القاضى فى حالة عدم وجود نص ، فإنه يستطيع الاستناد إلى العرف أو قواعد العدالة . كما أن أول سؤال يتبادر إلى ذهن القاضى عند تكوين رأى فى النزاع هل هذا الحكم يتفق مع قواعد العدالة أم لا .
2- إن خصوصية وضع المحكم واختلافه عن وضع القاضي ، يرجع لأنه قاض خاص يبحث عن عدالة تصون وتحمى علاقات الأطراف ، بحكم سريع ، يقتصد فى النفقات ، ويتسم بالسرية والخصوصية ، ولا يبرر ذلك فكرة الطبيعة المستقلة لحكم التحكيم
3- وإذا كان أنصار نظرية الاستقلال يستندون إلى كون التحكيم أسبق من القضاء ، فكيف يكتسب الأقدم فى النشأة طبيعة الأحدث . فهذه الحجة مردود عليها، بأنه عندما ظهر التحكيم ، لم يجد الدولة التي تتعهده، وتشرف عليه ، ولما ظهرت الدولة إلى حيز الوجود ، هيمنت على القضاء كما أسبغت على التحكيم القواعد ، التي تتفق مع الفلسفة التي يقوم عليها . فالخلاف إذن فى وجود أو عدم وجود الدولة ، ولا يغير هذا مطلقا من كونهما من طبيعة واحدة هي الطبيعة القضائية .
الخلاصة
أخلص من كل ما سبق إلى القول بأن هناك اتجاها فقهيا يذهب إلى القول بأن حكم التحكيم له طبيعة عقدية ، بينما يذهب اتجاه آخر إلى القول بتمتعه بالطبيعة المختلطة ( الاتفاقية القضائية) ، بينما يذهب اتجاه ثالث إلى القول بأن له طبيعة قضائية ، وأخيرا يذهب اتجاه رابع إلى القول بالطبيعة المستقلة لحكم التحكيم وأعتقد أن الطبيعة القضائية هي التي يمكن إسباغها على حكم التحكيم، حيث أنها الأقرب إلى صميم جوهره وحقيقية مضمونه.