القوة التنفيذية لحكم التحكيم لا تقرر إلا بعد الالتجاء إلى القضاء للأمر بتنفيذه.
حجية الحكم القضائي متعلقة بالنظام العام بينما يمكن الاتفاق بين الأطراف على إعادة التحكيم بعد الفصل فيه بينما تحول حجية الحكم القضائي دون ذلك.
أصحاب النظرية الذاتية يرون صعوبة تكييف الطبيعة القانونية للتحكيم في ظل المفاهيم التقليدية السائدة ويسعون عن كشف النقاب عن كافة العناصر المكونة للتحكيم وردها إلى عناصرها المميزة مع تحديد دور كل عنصر ومظهره في كل مرحلة من المراحل المختلفة مع الأخذ في الاعتبار هدف التحكيم والمزايا العملية التي تعود على الأطراف من ولوجه عوضا عن المحاكم القضائية .
ففي تصورهم الفلسفي، التحكيم هو ظاهرة تلقائية قائمة بذاتها على أساس نفعي أو أساس حضاري.
( أ ) النظرية الذاتية النفعية :
تقوم هذه النظرية على تصور مفاده أن الطبيعة القانونية للتحكيم لا يمكن تحديدها إلا من خلال إمعان النظر في هدف التحكيم ومنافعه التي يحققها، فالتحكيم ظاهرة اقتضتها ضرورة العمل التجاري بين رجال الأعمال ليحكم منازعاتهم وهم الذين ينشئون هيئاته للفصل في تلك المنازعات، فهو بذلك يحقق غاية نفعية اقتضتها بيئة الأعمال التجارية الدولية القائمة على ضرورة التبادل التجاري .
لا يعني ذلك عندهم أن التحكيم بعيد عن القانون والإجراءات وإنما هو نظام أملته ضروريات التجارة سعيا للمنافع التي يحققها والمتمثلة في السرعة والسرية، ويفسرون التزام الأطراف باتفاق التحكيم والحكم الذي يصدره المحكم بكونه لازما لنجاح الحراك الدقيق للتجارة الدولية، والذاتية المطلقة للتحكيم عند أصحاب هذه النظرية هي التي تكسبه علوية على الدولة نفسها.
النقد الذي وجه لهذه النظرية يتمثل في الآتي:
1- من الناحية القانونية لا يوجد ما يسمى بمجتمع التجار أو رجال الأعمال خارج مجتمع الدولة أو بين الدول وبالتالي لا وجود أصلا لقانون أو هيئات خاصة به ومن خلفه بما في ذلك التحكيم.
2- لا تعترف هذه النظرية بالأنظمة القانونية الوطنية وهي بذلك تخرق مبدأ سيادة الدولة وهو مبدأ من مبادئ القانون الدولي العام.
(ب) النظرية الحضارية للحكيم :
فكرة غياب قواعد القانون الموضوعي في نطاق التحكيم تأصل للأفكار التالية:
عدم جواز الطعن في حكم التحكيم بسبب مخالفة قواعد قانون موضوعي أي بسبب خطأ في تطبيق أو تفسير أو تأويل قواعد قانون موضوعي بمعناه الفني.
فاتفاق التحكيم من الاتفاقات الإجرائية التي تنصرف لإحداث أثر إجرائي واحد ينصرف إلى الطرفين معا في نفس الوقت وموضوعه هو تعيين المهمة التحكيمية موضوعا بتعيين النزاع وإجرائيا بتعيين القواعد التي بمقتضاها يفض النزاع. التحكيم باعتباره فكرة استثنائية لا يقوم على فكرة قاضي مزود بسلطة القضاء ويعلم القانون ويلتزم بتطبيقه في الحالات الواقعية الخاصة في شكل حكم قضائي يخضع لرقابة عليه في شأن مطابقته لصحيح القانون الموضوعي وإنما يقوم على فكرة عون قضائي لا يفترض علمه بالقانون الموضوعي وفكرة لا حلف لليمين سواء بالنسبة للمحكم أو الشاهد أو الخبير أو الخصم والدعوى التحكيمية هي بطبيعتها دعوى مدنية حتى لو تعلقت بمنازعة في عقد إداري لذلك فإن التحكيم يعقد الاختصاص لجهة القضاء المدني وهى بطبيعتها موضوعية فهي أبدا لا تكون دعوى وقتية.
في رأيي بعد أن أفردت تلك النظريات بالبحث وناقشت الحجج التي تستند عليها كل نظرية والانتقادات التي وجهت لكل نظرية أطرح التساؤل الآتي: ما هي طبيعة القرار الذي يصدره المحكم هل هو أثر من آثار عقد التحكيم؟ أم هو عمل قضائي بحت؟ أم خليط بين الاثنين؟ أم له طبيعة خاصة؟
1- النظرية التعاقدية للتحكيم تعتبر أن الحكم التحكيمي أثرا من آثار إرادة الأطراف وبالاستقراء نجد أن المحكم عندما يصدر حكمه ليس ملزما أن يطبق على النزاع ما تتجه إليه إرادة الأطراف وإنما يطبق القواعد الموضوعية التي تحكم النزاع بصرف النظر عما إذا كان هذا التطبيق يوافق رغباتهم أم لا .
2- اللجوء إلى التحكيم يعنى إسناد مهمة للمحكم كانت في الأصل من اختصاص القضاء، فالمحكم وإن لم يكن قاضيا بالمعنى الوظيفي إلا أنه واستنادا للمهمة التي يتولاها يكون في حكم القاضي.
الخلاصة أن التحكيم درب من حروب القضاء وأن المحكم يتولى بصدد النزاع المعروض عليه مهمة القاضي ، وان حكم التحكيم الذي يصدر عنه هو عمل قضائي.