بل هم أفراد يعهد اليهم بمهمة تنفيذ الاتفاق، وحيث أن نظام التحكيم ذو طبيعة تعاقدية ، فان الاطراف بتعاقدهم هذا يقومون بالتخلي عن بعض الضمانات القانونية والاجرائية التي يحققها النظام القضائي، وذلك بهدف تحقيق مبادئ العدالة ولاتباع اجراءات سريعة تكون اقل تعقيدا من اجراءات المحاكم ، ولم يكتف انصار هذه النظرية بإبراز الدور الكبير الذي تجسده الإرادة في تحديد الطبيعة القانونية لقرار التحكيم ، بل حاولوا اظهار الفرق بين التحكيم والقضاء من خلال عمل هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع ، والمختلف في طبيعته عن عمل قاضي الدولة .
فهو ليس عملاً قضائياً، وإنما عملاً مختلفاً ، يتجسد أساسه فــــي عقد يستند إلى ارادة الاطراف ، ويستمد اثاره من الاتفاق على التحكيم ، وتتشابه وظيفة المحكم مع وظيفة القاضي تشابها ظاهرياً لا يصلح ان يكون اساسا لتحديد الطبيعة القانونية للتحكيم.
فالقاضي تعينه الدولة، ويتقاضى اتعابه منها ، بينما المحكم يقوم بوظيفته بناءً على اتفاق خاص يتم تعيينه بموجبه ، ويتقاضى أتعابه من أطراف هذا الاتفاق .
وان اتفاق أطراف النزاع على اللجوء الى التحكيم يتضمن تنازلاً ضمنياً عن اللجوء الى القضاء ، وهذا الاتفاق يخول المحكم سلطة مصدرها إرادة أطراف النزاع ، وهذه السلطة لا يمكن ان تكون قضائية لأنها تقوم على إرادة الأطراف.
كما أن لهذه النظرية ، الفضل في ابراز الدور الذي يؤديه اتفاق التحكيم في نظام التحكيم ، وان مبالغة أصحاب هذه النظرية في إبراز هذا الدور ادت الى أن وجهت لها عدة انتقادات منها:
١. المبالغة في إعطاء الدور الأساسي لإرادة أطراف النزاع في تحديد الطبيعة القانونية لنظام التحكيم ، فالمحكم عندما يفصل في النزاع يطبق إرادة القانون دون الاهتمام بما اتجهت اليه ارادة الخصوم.
فالمحكم شأنه شأن كل شخص مخاطب بالقانون ، لا يمكنه أن يؤدي مهمة التحكيم إلا إذا اجاز القانون ذلك ، ووفقاً للشروط التي يحددها ، اما اذا حظر قانون الدولة التحكيم فلا يمكن ممارسته على إقليمها.