الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • حكم التحكيم / الطبيعة القانونية لحكم التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / المسؤولية الإجرائية والميدانية للمحكم ( دراسة تأصيلية وتحليلية في يالفقة الإسلامي والقانون الوضعي) / طبيعة التحكيم القانونية

  • الاسم

    محمود علي عبدالسلامي وافي
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    770
  • رقم الصفحة

    369

التفاصيل طباعة نسخ

رأي الباحث :

 يتضح لنا من استعراض النظريات الفقهية الأربعة سالفة الذكر رجحان نظرية استقلال التحكيم على غيرها من النظريات ، وذلك لقوة الأسانيد التي تأسست عليها بالإضافة إلى ضعف أسانيد ما عداها من نظريات ويضاف إلى ذلك :

لا يمكن القول بازدواج الطبيعة القانونية لنظام قانوني واحد ، فوحدة النظام القانوني تستتبع وحدة الطبيعة القانونية.

طبيعة عقدية قضائية والصحيح أن يبحث في العناصر الداخلة في تكوين النظام  القانوني.

 ۲- اختلاف الإطار القانوني للتحكيم عما هو مقرر في خصوص القضاء وذلك من الناحيتين الموضوعية والإجرائية ، فأسلوب تطبيق القواعد الموضوعية على النزاع في التحكيم يختلف عما هو مقرر في القضاء ؛ إذ يمكن الخروج عل القواعد غير المتعلقة بالنظام العام (التحكيم بالصلح) بل يجوز تطبيق قانونا أجنبيا على نزاع وطني - خلافا لما هو مقرر في خصوص القضاء - كما يختلف النظام الإجرائي لخصومة التحكيم بصورة واضحة عما هو متبع أمام القضاء ، حيث تتأسس الإجراءات في التحكيم على مبدأين هما سلطة الإرادة والتحرر من الشكلية المقررة أمام القضاء.

 ٣- مزجت النظرية العقدية بين طبيعة التحكيم ووجود قدرا واسعا للإرادة في

التحكيم مما استتبع القول بالطبيعة العقدية له ، ولا يصح ذلك إذ يوجد للإرادة أمام القضاء دورا واضحا من مظاهره جعل حكم أول درجة انتهائيا بالاتفاق ، وترك الخصومة ، وقبول الحكم مما يحول دون الطعن فيه ، والتصالح علی الحق محل التداعي مما ينهي القضية ، ورغم هذا فإن أحدا لم يقل بالطبيعة العقدية للقضاء ، كما أنه في خصوص التحكيم يتضاعل دور الإرادة بمجرد

تشكيل هيئة التحكيم والبدء في مباشرة إجراءات التحكيم.

 4- تمشي نظرية استقلال التحكيم مع المنطق القانوني والواقع العملي والأصل التاريخي لكل من القضاء والتحكيم ، فالمنطق القانوني يستلزم اختلاف الطبيعة إذا ما اختلف النظام القانوني ، ومن المقرر اختلاف النظام القانوني للتحكيم عن القضاء ؛ مما يستتبع - منطقيا - القول باختلافهما في الطبيعة ، كما أن الواقع العملي يؤكد هذا الاستقلال حيث أن التنظيم العملي الواقعي لبدء وسریان وانتهاء المنازعة التحكيمية يختلف كثيرا عما هو مقرر في خصوص القضاء ، كما أنه لا بتمشي مع الأصل التاريخي القول بالطبيعة القضائية التحكيم زغم أن التحكيم أسبق تاريخيا من القضاء.

مقارنة بين الفقه الإسلامي و القانون الوضعي:

 من خلال استعراض الخلاف الفقهي الذي أثير في شأن تحديد طبيعة التحكيم

كلا النظامين الشرعي والوضعي وجود تباين واضح بين النظامين المذكورين،

ولهذا التباين. في أن طبيعة التحكيم في مفهوم الفقه الشرعي دارت بين ساعتين القضائية والنيابية ، بينما انصب الخلاف الفقهي في خصوص هذه الطبيعة في القانون الوضعي على الطبيعة القضائية والطبيعة العقدية والطبيعة الاستقلالية ، ففي نطاق الفقه الشرعي لم يقل أحد بالطبيعة العقدية التحكيم أو بالطبيعة الاستقلالية له ، كما أنه في نطاق القانون الوضعي لم يقال بالطبيعة النيابية للتحكيم.

ولكن يبقى هناك وجه للتقارب والالتقاء بين هذين النظامين يمكن تلخيصه في أن طبيعة التحكيم - في النظامين - دارت بين القول بعدم تدخل الإرادة الخاصة للأشخاص في تحديد هذه الطبيعة ، وهنا نجد كلا من الفقه الإسلامي والقانون الوضعي قال بالطبيعة القضائية للتحكيم ، وبين الاعتراف بدور هام لهذه الإرادة في تحديد طبيعة التحكيم ، وهنا قال الفقه الإسلامي بالطبيعة النيابية و قال فقهاء القانون الوضعي بالطبيعة العقدية.

و بالرغم من اتفاق الفقه الإسلامي و فكر القانون الوضعي في وجود اتجاه يرى الاعتراف بذور الإرادة الخاصة في مجال تحديد طبيعة التحكيم إلا أن فارقا لايزال موجودا ، ويتمثل هذا الفارق في أن فقهاء الفقه الإسلامي الذين قالوا بأهمية الإرادة الخاصة في تحديد طبيعة التحكيم ترجموا هذا الدور في القول بالطبيعة النيابية للتحكيم بينما خالفهم في ذلك فقهاء القانون الوضعي إذ لم يقل أي منهم بأن المحكم وكيل عن المحتكمين ، وقد ترتب على هذا التباين والاختلاف بين الفقهين ان اجمع فقهاء القانون الوضعي على إلزامية حكم التحكيم حتى من قال بالطبيعة العقدية للتحكيم فقد أسس هذه الإلزامية على الإرادة المشتركة للمحتكمين ، بينما اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية في هذا الصدد وإن كان الراجح هو إلزامية حكم التحكيم ويرجع هذا الخلاف إلى تفسير الفقه الإسلامي لدور الإرادة الخاصة في طبيعة التحكيم ، فقد ذهب إلى أنها تنشئ علاقة وكالة يقوم فيها المحكم الوكيل؛ ولذا فقد كان منطقيا أن نرى في الفقه الإسلامي من يقول بعدم إلزامية ينتهي إليه المحكم في شأن موضوع النزاع إلا برضاء الخصوم إعمالا لأحك الوكالة ، بينما فسر فقهاء القانون الوضعي القائلون بالطبيعة العقدية للتحكيم دور الإرادة الخاصة على أنها تنشئ عقدا ملزما للطرفين وفقا للأحكام العامة للعقود في القانون والتي تقرر عدم جواز التحلل من الرابطة العقدية بالإرادة المنفردة لأحد العاقدين والتزام كل عاقد بتنفيذ العقد و ما يرتبه من التزامات دون توقف على اختياره بعد سبق تعبيره عن إرادته حين أقدم على الدخول في الرابطة العقدية. وأعتقد أن عدم تبني الفقه الإسلامي القول بالطبيعة الاستقلالية للتحكيم يرجع إلى البيئة التي عاش فيها هذا الفقه - خاصة وأن هذا القول إنما يرجع إلى حقبة زمنية مضى عليها عشرات القرون - والتي اختلف فيها النظام القضائي والتنظيم الإجرائي له وكذلك فلسفة التحكيم اختلافا جوهريا عما عليه الوضع في الحقبة الزمنية المعاصرة والتي قال فيها بعض فقهاء القانون الوضعي بالطبيعة الاستقلالية للتحكيم ، وهو ما يعني إمكان تجديد الفقه الشرعي في هذا الخصوص وقد جفت أقلام باحثي هذا الفقه عن منح فضل مدادها والإسهام في تنظيم التحكيم كألية معاصرة هامة و خطيرة لحسم المنازعات بالصورة التي تعكس رؤية واضحة ومستنيرة لفقه شرعي مستنير آلى على نفسه عبر العصور أن يؤدي دورا فاعلا في استنباط كل ما يسعد البشرية و يعمل على رقيها وتحضرها من التراث الشرعي الهائل الذي عم الكون بأحكامه وأسسه ومبادئه ، وهو ما أحاول توجيه الأنظار إليه في هذه الرسالة بخصوص فكرة المسئولية الإجرائية.