ينتمى التحكيم إلى نظام قانوني معين وبالتالي إلى دولة معينه ويتمتع بجنسية هذه الدولة وبالتالي فهذا التحكيم هو وطني بالنسبة للدولة المتمتع بجنسيتها وأجنبي بالنسبة لبقية الدول.
المقصود بالتحكيم الأجنبي في الفقه والتشريعات الوطنية:
في التشريعات الوطنية فنجد ذلك من خلال المادة (۲۹۹)۔ من قانون المرافعات المصري حيث نصت على إنه " تسري أوكا المواد السابقة على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي ويجب أن يكون الحكم صادرا في مسألة يجوز التحكيم فيها الجمهورية" فيلاحظ من خلال هذا النص أن المعيار الذي اعتمده المشرع المصري لاعتبار الحكم أجنبي هو مكان صدو أي صدوره خارج إقليم مصر.
فالمشرع المصري أعطى الأفضلية للمكان الذي يجري فيه التحكيم على المكان الذي يصدر فيه حكم التحكيم، ويظهر هذا التعارض عند تحليل نص المادة (۲۹۹) من قانون المرافعات حيث تعتبر حكم التحكيم الذي يصدر خارج مصر اجنبيا بجميع الأحوال بينما المادة (1) من قانون التحكيم اعتبرت حكم التحكيم الذي يصدر في الخارج وطنيا لكون التحكيم جرى في مصر واعتبرت أن مجرد صدوره في الخارج بمحض الصدفة لايغير من وصف حكم التحكيم ولا يعتبره تحكيما أجنبيا فيری صاحب هذا الرأي أنه يجب عند وضع تعريف الحكم التحكيم الداخلي، وحكم التحكيم الأجنبي، التنسيق بين المادة الأولى من قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنه ۱۹۹4 والمادة رقم ۲۹۹ من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وبالتالي تكون جميع أحكام التحكيم داخل جمهورية مصر العربية أحكام داخلية أو وطنية.
أما في التشريع الأردني فنجده في نص المادة (۲) من قانون لتنفيذ الأحكام الأجنبية رقم (8) لسنة ۱۹۰۲ قد أفرد حكما خاصا يسري على كافة الأحكام الأجنبية بما في ذلك أحكام التحكيم حيث نصت هذه المادة على أنه " تعنی عبارة الحكم الأجنبي في هذا القانون كل حكم صدر في محكمة خارج المملكة الأردنية الهاشمية ..... ويشمل قرار المحكمين في إجراءات التحكيم إذا كان ذلك القرار قد أصبح بحكم القانون المعمول به في البلد الذي جرى فيه التحكيم قابلا للتنفيذ قرار صدر من المحكمة في البلد المذكور".
وبالرجوع أيضا إلى التشريع الكويتي وبالأخص نص المادة (۲۰۰) من قانون المرافعات الكويتي، والتي نصت على أن حكم المادة السابقة على أحكام المحكمين الصادرة ف ويجب أن يكون حكم التحكيم صادرا في مسألة يجوز الت وفقا للقانون الكويتي وقابلا للتنفيذ في البلد الذي صدربه. نجد بانه قد اعتمد معیار مکان صدور حكم التحكيم.
وكذلك التشريع الإماراتي حيث نص في المادة رقم 4/۲۱۲ من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي رقم 11 لسنة ۱۹۹۲ على أنه ويجب أن يصدر حكم المحكم في دولة الإمارات العربية المتحدة ، والا اتبعت في شأنه القواعد المقررة لأحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي" فحكم التحكيم الاجنبي هو الحكم الصادر خارج دولة الإمارات العربية المتحدة.
قد يثور التساؤل التالى عند صدور حكم تحكيم خارج مصر بصدد علاقة تجارية دولية وفق احكام القانون المصري الذي اختاره الطرفان لتسوية نزاعهم فماهي القواعد المختصة عند تنفيذ هذا الحكم في مصر، من خلال هذا التساؤل يتضح أن التحكيم قد اكتسب صفة الأجنبية لصدوره خارج مصر وصفة الدولية كونه بصدد علاقة تجارية دولية واتفق اطرافه على اخضاعه لأحكام قانون التحكيم المصري، يظهر التنازع في هذه الحالة عند تقديم طلب بتنفيذ هذا الحكم في مصر.. هل يتم تطبيق قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹4 على هذا التحكيم، أم تطبيق اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية لعام ۱۹۵۸م لكون هذا الحكم أجنبي بالنسبة لجمهورية مصر العربية الصدوره في الخارج؟ هل يتم تغليب الصفة الأجنبية للحكم على الصفة الدولية؟ أجابت على كل هذه التساؤلات المادة الأولى من قانون التحكيم المصري") . بقولها "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون.."
وبما أن مصر وقعت على اتفاقية نيويورك في 9 مارس ۱۹م وبتطبيق نص المادة السابقة والتي أعطت الأفضلية للاتفاقية فإنه يتم تطبيق أحكام وقواعد اتفاقية نيويورك وبذلك تم تغليب الصفة الأجنبية للحكم على الصفة الدولية .
وهذا ما أكدته المذكرة الإيضاحية لقانون التحكيم المصری بقولها: "وجدير بالذكر أن دولية التحكيم التي يتناولها المشرع لا تتعارض مع الدولية المنصوص عليها في اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم الاجنبية وتنفيذها والمنضمة اليها مصر في 9 مارس ۱۹5۹. وذلك لأن الدولية في نظر هذه ما معني خاص هو (الأجنبية) أي صدور حكم التحكيم في دولة اللي يطلب فيها تنفيذ الحكم .... و إذا تحققت في حكم التحكيم الدولية الاتفاقية ودولية المشروع بأن كان الحكم صادر خارج مصر في أعقاب تحكيم يعتبر دولية في حكم المادة الثالثة من المشروع التي تقضي عند تطبيقه بمراعاة أحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية".
ونجد من خلال المذكرة الإيضاحية لقانون التحكيم المصری وبتحليلها لصفة الأجنبية في هذه الاتفاقية بأنها تعتبرها دولية ولكن الاتفاقية استخدمتها بمعنی خاص هو الأجنبية.
أما التشريع الوطني الأردني، فلم نجد فيه أي حد الصفة الدولية لحكم التحكيم وإنما اكتفى المشرع في المادة النانو قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية بتعريفه لحكم التحكيم الأجنبی ۔
سنحاول بحث هذه الحجية في كل من اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۵۸ لأهمية هذه الاتفاقية واختصاصها في الاعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية ، وكذلك بحث هذه الحجية في اتفاقية واشنطن لعام | ۱۹۹۵ الخاصة بتسوية منازعات الاستثمار.
أ- حجية أحكام التحكيم الأجنبية في اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۰۸::
يخضع التحكيم الأجنبي لهذه الاتفاقية ويتم تطبيق أحكامها وقواعدها على تنفيذه في الدولة التي يراد التنفيذ فيها. وقد نظمت هذه الاتفاقية ومن خلال المادة الثالثة بفقرتها الأولى حجية أحكام التحكيم الأجنبية والتي نصت على أنه: "تعترف كل من الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم وتأمر بتنفيذه طبقا لقواعد المرافعات المتبعة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ وطبقا للشروط المنصوص عليها في المواد التالية".
وبذلك يتمتع حكم التحكيم بالحجية والاعتراف في الدول المتعاقدة مالم تتوفر به أحد حالات الرفض المنصوص عليه بموجب المادة الخامسة من الاتفاقية.
وهذا ماقضت به محكمة النقض المصرية حيث جاء بقرارها" - لما كان مؤدى نص المادتين الأولى والثانية من اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية التي انضمت إليها مصر بالقرار الجمهوري رقم ۱۷۱ لسنه ۱۹۵۹ الصادر في ۱۹۵۹/۲/۲ وأصبحت تشريعا نافذا بها اعتبارا من ۱۹۵۹/۹/۸ اعتراف كل دولة متعاقدة بحجية أحكام التحكيم الأجنبية والتزامها بتنفيذها طبقا لقواعد المرافعات المتبعة فيها والتي يحددها قانونها الداخلي، مالم يثبت المحكوم ضده في دعوى تنفيذ حكم التحكيم توافر أحدى الحالات الخمسة الواردة علي سبيل الحصر في المادة الخامسة فقرة أولى من الاتفاقية وهي: ( أ) – نقض أهلية أطراف التحكيم أو عدم ص حة انعقاده. (ب) - عدم إعلانه إعلانا صحيحا بتعيين المحكم أو بإجراءات التحكيم أو استحالة تقديم دفاعه بسبب آخر. (ج) مجاوزة الحكم في قضاءه حدود اتفاق أو شرط التحكيم (د) مخالفة تشكيل محكمة التحكيم أو إجرائه لاتفاق الطرفين أو لقانون البلد الذي يتم فيه التحكيم في حالة عدم الإتفاق (ه) صيرورة الحكم غير ملزم للطرفين أو إلغائه أو وقفه، أو تبين لقاضي التنفيذ - طبقا للفقرة الثانية من المادة المشار إليها - أنه لا يجوز قانونا الالتجاء الي التحكيم لتسوية النزاع أو أن تنفيذ الحكم يخالف النظام العام، وكانت أحكام المحكمين شأن أحكام القضاء تحوز حجية الشئ المحكوم به بمجرد صدورها وتبقي هذه الحجية - وعلي ماجرى به قضاء هذه المحكمة - طالما بقى قائما، ومن ثم لايملك القاضي عند الأمر بتنفيذها التحقيق من عدالتها أو ص حة ) قضائها في الموضوع لأنه لايعد هيئة استئنافية في هذا الصدد...."
أما عن حجية أحكام التحكيم الصادرة عن هذا المركز فقد اتها المواد ۱/5۳ و ۱/۵۶ من اتفاقية واشنطن حيث نصت المادة ۱/5۳ على أن: "يكون الحكم ملزما للطرفين ولا يمكن استئنافه أم طريقة الا في الحالات الواردة في هذه الاتفاقية وكل طرف . بتنفيذ الحكم طبقا لشروطه الا في حالة تأجيل التنفيذ طبقا لهذه الاحكام و الاتفاقية".
ونصت المادة 1/54 على أنه: "تعترف كل دولة متعاقدة الذي صدر بناء على أحكام هذه الاتفاقية وتضمن تنفيذ اس المالية التي يفرضها الحكم كما لو كان حكما نهائيا ص ادر م. محلية، وعلى الدولة المتعاقدة التي تتبع النظام الفيدرالی ض یا الحكم عن طريق محاكمها الفيدرالية، وأن تلزم هذه المحاكم هذا الحكم كحكم نهائي صادر من محاكم احدى الدول الفيدرالية"
بالرغم من أن هذه الاتفاقية من أهم الاتفاقيات في ذلك الوقت إلا أنه لم ينضم إليها عدد كبير من الدول ،وذلك لصعوبة التنفيذ الأحكام التحكيم الأجنبية بموجب نصوص هذه الاتفاقية بسبب ما فرضته هذه الاتفاقية من شروط بحيث يقع على عاتق طالب التنفيذ عبء الإثبات للشروط اللازمة للتنفيذ وكذلك اشتراطها أن يكون الحكم المراد تنفيذه صادرة من دولة متعاقدة وأن يصبح هذا الحكم قابلا للتنفيذ في دولة صدوره ودولة تنفيذه أي أن يكون هذا الحكم باتا.
ونظرا للتطور المذهل والنمو الكبير للعلاقات الاقتصادية الدولية أصبح المجتمع الدولي محتاجا إلى العديد من الاتفاقيات الدولية التي تنظم الاعتراف والتنفيذ الحكم التحكيم الأجنبي فظهرت اتفاقية نيويورك للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية لعام ۱۹۰۸ والاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجاري الدولي لعام ۱۹۹۱ واتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى لعام 1965 وغيرها العديد من الاتفاقيات إلا أننا سنقتصر هذه الدراسة على توضيح شروط تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي في كل من اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۵۸ واتفاقية واشنطن لعام 1965 واتفاقية جامعة الدول العربية لعام ۱۹۵۲ واتفاقية الرياض للتعاون القضائي لعام ۱۹۸۳ واتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لعام ۱۹۸۷ لأهمية هذه الاتفاقيات وانضمام العديد من الدول العربية إليها ومن ضمنها الأردن ومصر وحيث تعتبر القواعد الواردة في الاتفاقيات الدولية جزء من التشريع الوطني بل وتسمو عليه في التطبيق.