يتبين من القوانين محل الدراسة، وخاصة تلك المتعلقة بالمصادقة على حكم التحكيم وتنفيذه أو بطلانه، أن المقصود بحكم التحكيم، هو الحكم النهائي الذي تصدره هيئة التحكيم في موضوع النزاع، سواء كان الحكم شاملاً لكل النزاع أو لجزء منه، وسواء قبلت هيئة التحكيم طلبات أي من الطرفين كلها أو رفضتها كلها، أو قبلت جزءاً منها ورفضت الجزء الآخر . ففي النزاع المعروض على هيئة التحكيم، قد يطلب أحد الطرفين طلبات معينة يرفضها الآخر كاملة، بل ويتقدم بدعوى متقابلة. وبعد تبادل اللوائح والمذكرات وتقديم البينات، تحجز الهيئة الدعوى للحكم، وتصدر حكمها النهائي في كل طلبات الطرفين مرة واحدة وهذا هو الحكم النهائي الشامل
وإذا كان المعروض على هيئة التحكيم أكثر من نزاع، يمكن لهيئة التحكيم تسوية هذه النزاعات بحكم واحد، أو الفصل بينها وإصدار حكم تحكيم نهائي في كل نزاع على حدة ما دام بالإمكان ذلك. ومثاله أن يكون العقد مقاولة بناء، تعهد فيه المقاول بتوريد المواد وإنشاء البناء، وكان العقد ينص على شرط تحكيم لتسوية المنازعات حصل نزاع بين الفريقين حول أسعار المواد من جهة، ونوعية البناء من جهة أخرى، وتمت إحالته للتحكيم. في هذا المثال، يمكن للمحكم الفصل بمسألة أسعار المواد بحكم، وبمسألة نوعية البناء بحكم آخر، ما دام ذلك ممكناً؛ أو الفصل بهما معاً بحكم واحد ، حسبما يراه المحكم مناسباً. وإذا أصدر حكمه في بعض هذه الخلافات دون الأخرى على النحو المذكور، يكون الحكم قابلاً للطعن والمصادقة والتنفيذ بمعزل عن الخلافات الأخرى .
وقد تفصل هيئة التحكيم ببعض طلبات أحد الطرفين كمسألة أولية، في حين ترجئ البت في الطلبات الأخرى لتفصل بها في وقت لاحق. ومثال ذلك، أن يقوم (أ) بمطالبة (ب) بمليون دولار، فيقر الأخير بأن ذمته مشغولة بمائة ألف دولار فقط دون فوائد ، وينازع بالباقي والفوائد ، فيطلب (أ) الحكم له بالمائة ألف دولار بقرار أولي نهائي وتستجيب هيئة التحكيم لذلك. وفي وقت لاحق، تصدر قرارها النهائي بباقي المطالبة. في هذا الفرض نكون أمام حكمي تحكيم، يجب أن يتوفر في كل منهما شروط الحكم، كما يخضعان للقواعد الخاصة بأحكام التحكيم، من حيث تصديقها وتنفيذها أو الطعن بها.
وحكم التحكيم، على غرار الحكم القضائي، يجب أن يكون واضحاً وحاسماً وخاصة في منطوقه ، بحيث يبين بصورة لا تدع مجالاً للشك، الواجبات المفروضة على كل من الطرفين والحقوق المعطاة له ، وأن يردّ الحكم على كافة طلباتهما (الموضوعية) سلباً أو إيجاباً، وإلا كان عرضة للطعن به، مع اختلاف وسيلة الطعن كما سنرى بعد قليل.
ومن ناحية أخرى، تصدر هيئة التحكيم قرارات كثيرة أثناء الإجراءات، ويشمل ذلك مختلف القرارات الوقتية أو الجزئية أو الإجرائية، مثل القرارات الخاصة بتحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع، ومكان التحكيم، والاستماع للشهود، واللجوء للخبرة، ولغة التحكيم بما في ذلك لغة البينات وكيفية تقديمها، وتبادل المذكرات واللوائح وتواريخ تقديمها، والجدول الزمني للسير في إجراءات التحكيم. ومثل هذه القرارات التي لا تمس موضوع النزاع لا تعتبر، كما نرى قرارات تحكيم، وبالتالي لا يشترط أن يتوفر بها شروط الحكم، كما أنه لا يجوز الطعن بها بصورة مستقلة عن الحكم النهائي. والمسألة بالنسبة للقرارات الإجرائية البحتة، متفق عليها ولا خلاف حولها، مثل القرار بقبول بينة أو رفضها، أو تحديد مواعيد لجلسات المحاكمة، أو تحديد لغة ومكان التحكيم، أو رفض أو قبول طلب أحد الطرفين بتقديم مذكرة . وكما ذكرنا سابقاً، فإن هيئة التحكيم لها صلاحية الرجوع عن القرار الإجرائي البحت بافتراض أن مثل هذا الرجوع له ما يبرره ، في حين ليس لها ذلك في حكم التحكيم النهائي كقاعدة عامة.
تقضي المادة (5/213) من القانون الإماراتي بأنه يصدر حكم المحكمين بأغلبية الآراء وتجب كتابته مع الرأي المخالف ويجب أن يشتمل بوجه خاص على صورة من الاتفاق على التحكيم وعلى ملخص أقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه وتاريخ صدوره والمكان الذي صدر فيه وتوقيعات المحكمين. وإذا رفض واحد أو أكثر من المحكمين توقيع الحكم، ذكر ذلك فيه ويكون الحكم صحيحاً إذا وقعته أغلبية المحكمين".
وتقضي المادة (239) من القانون البحريني بأنه يصدر حكم المحكمين بأغلبية الآراء، وتجب كتابته، ويجب أن يشتمل بوجه خاص على صورة من الاتفاق على التحكيم وعلى ملخص أقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه وتاريخ صدوره وتوقيعات المحكمين. وإذا رفض واحد أو أكثر من المحكمين توقيع الحكم ذكر ذلك فيه. ويكون الحكم صحيحا إذا وقعته أغلبية المحكمين. ولا يقبل الاعتراض على الحكم الصادر في التحكيم".
وتقضي المادة (527) من القانون السوري بأنه:
"1- يصدر حكم المحكمين بالكتابة بعد المداولة بأكثرية الآراء أو بإجماعها.
2- يجب أن يتضمن الحكم صورة صك التحكيم وملخص أقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه وتاريخ ومكان صدوره وتوقيع المحكمين.
3- إذا رفض واحد أو أكثر من المحكمين توقيع الحكم ذكر ذلك فيه ويكون الحكم صحيحاً إذا وقعته أغلبية المحكمين".
وتقضي المادة (17) من نظام التحكيم السعودي بأنه "يجب أن تشتمل وثيقة الحكم بوجه خاص على وثيقة التحكيم، وعلى ملخص أقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه وتاريخ صدوره وتوقيعات المحكمين، وإذا رفض واحد منهم أو أكثر التوقيع على الحكم أثبت ذلك في وثيقة الحكم".
وتقضي المادة (270) من القانون العراقي بأنه:
"1- يصدر المحكمون قرارهم بالاتفاق أو بأكثرية الآراء بعد المداولة فيما
بينهم مجتمعين وطبقاً لما هو مبين في هذا القانون ويجب كتابته بالطريقة التي يكتب بها الحكم الذي يصدر من المحكمة.
2- يجب أن يشتمل القرار بوجه خاص على ملخص اتفاق التحكيم وأقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب القرار ومنطوقه والمكان الذي صدر فيه وتاريخ صدوره وتواقيع المحكمين".
وتقضي المادة (202) من القانون القطري بأنه "يصدر حكم
المحكمين بعد المداولة بأغلبية الآراء. ويجب أن يكون الحكم مكتوباً وأن يشتمل بوجه خاص على صورة من وثيقة التحكيم وعلى ملخص أقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه والمكان الذي صدر فيه وتاريخ صدوره وتوقيعات المحكمين. وإذا رفض واحد أو أكثر من المحكمين توقيع الحكم، ذكر ذلك فيه. ويكون الحكم صحيحاً إذا وقعته أغلبية المحكمين. ويعتبر الحكم صادراً من تاريخ توقيع المحكمين عليه بعد كتابته ولو قبل النطق به أو إيداعه".
وتقضي المادة (183) من القانون الكويتي بأنه يصدر حكم المحكمين بأغلبية الآراء، ويجب كتابته، ويجب أن يشتمل بوجه خاص على صورة من الاتفاق على التحكيم، وعلى ملخص أقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه وتاريخ صدوره والمكان الذي صدر فيه وتوقيعات المحكمين. وإذا رفض واحد أو أكثر من المحكمين توقيع الحكم ذكر ذلك فيه، ويكون الحكم صحيحاً إذا وقعته أغلبية المحكمين ويحرر الحكم باللغة العربية ما لم يتفق الخصوم على غير ذلك، وعندئذ يتعين أن ترفق عند إيداعه ترجمة رسمية، ويعتبر الحكم صادراً من تاريخ توقيع المحكمين عليه بعد كتابته".
وتقضي المادة (788) من القانون اللبناني بأنه " في حال تعدد المحكمين تجري المداولة بينهم سراً ويصدر القرار بإجماع الآراء أو بغالبيتها".
والمادة (790) بأنه : "يجب أن يشتمل القرار التحكيمي على:
1- اسم المحكم أو أسماء المحكمين الذين أصدروه.
2 مكان وتاريخ إصداره.
3- أسماء الخصوم وألقابهم وصفاتهم وأسماء وكلائهم.
4- خلاصة ما أبداه الخصوم من وقائع وطلبات وأدلة مؤيدة لها.
5- أسباب القرار وفقرته الحكمية.
والمادة (791) بأنه : "يوقع القرار التحكيمي المحكم أو المحكمون الصادر عنهم.
وتقضي المادة (760) من القانون الليبي بأنه يصدر حكم المحكمين بأغلبية الآراء بعد المداولة فيما بينهم مجتمعين ويجب كتابته كما يكتب الحكم الذي يصدر من المحكمة. ويجب أن يشتمل بوجه خاص على صورة من مشارطة التحكيم وعلى ملخص أقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه والمكان الذي صدر فيه وتاريخ صدوره وتوقيعات المحكمين. وإذا رفض واحد أو أكثر من المحكمين توقيع الحكم ذكر ذلك فيه ويكون الحكم مع ذلك صحيحاً إذا وقعته أغلبية المحكمين".
ويتبين من النصوص السابقة، أن القوانين العربية عموماً تتفق على شروط الحكم، لدرجة التطابق بينها في أغلب الشروط، وإن اختلفت الصياغة في ذلك. ويمكن تلخيص هذه الشروط، بوجوب صدور الحكم بالإجماع أو بالأغلبية، وأن يتضمن ملخصاً لأقوال الخصوم ومستنداتهم، وأسباب الحكم، ومنطوقه، وتاريخ صدوره، والتوقيع عليه، ووجوب صدوره خلال المدة المحددة لذلك في اتفاق الأطراف أو في القانون، حسب الحالة المعروضة . وهذه الشروط، متفق عليها في القوانين العربية.
وهناك شروط أخرى نصت عليها بعض هذه القوانين ولم تنص عليها قوانين أخرى وهي كتابة الحكم، ووجوب ذكر أسماء الخصوم والمحكمين في الحكم، والمداولة ومكان التحكيم. كما يوجد شرط نصت عليه أغلب القوانين، وهو وجوب أن يتضمن الحكم صورة عن اتفاق التحكيم، في حين اكتفى القانون العراقي بأن يتضمن الحكم ذاته ملخصاً عن اتفاق التحكيم. أما القانون اللبناني، فلا يتضمن حكماً حول هذه المسألة. وسنشير لكل هذه المسائل لاحقاً.
وهذه الشروط، هي الحد الأدنى التي يجب توفرها في حكم التحكيم. وعليه، يمكن إضافة بيانات أخرى في الحكم، سواء بناءً على اتفاق الأطراف، أو من المحكمين دون حاجة لاتفاق، مثل ملخص لإجراءات التقاضي والجلسات، وأسماء وعناوين وجنسية ممثلي أطراف النزاع والمحكمين. وقد عبرت عن ذلك بعض القوانين مثل الإمارات والبحرين وقطر والسعودية، عندما ذكرت عبارة "بشكل خاص، بالنسبة للبيانات التي يجب توفرها في الحكم، مما يعني جواز توفر بيانات أخرى غيرها.