بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المقرر / أحمد العزب " نائب رئيس المحكمة "، والمرافعة، وبعد المداولة .
حيث إن الطعن استوفى أوضاع الشكلية .
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام لدى محكمة استئناف القاهرة الدعوى رقم ٤٦ لسنة ١٢٩ ق على الشركة الطاعنة بطلب الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم في الدعوى التحكيمية رقم ٧٢٤ لسنة ٢٠١٠ الصادر بتاريخ ٧ من مارس سنة ٢٠١١ وتصحيحه وتفسيره الصادر بتاريخ ٢٨ من مارس سنة ٢٠١١ من مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي وفي الموضوع ببطلانهما، وقال بياناً لذلك أن الطاعنة لجأت إلى التحكيم بناء على شرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بينهما بتاريخ ٢٣ من يناير سنة ٢٠١٠ والذي اسندت إليه بموجبه إخراج مسلسل تلفزيوني، وأصدرت هيئة التحكيم حكمها بإلزام المطعون ضده بأن يرد للشركة الطاعنة مبلغ ٥٨٢٥٩٠ جنيه والفوائد القانونية بواقع ٥% سنوياً من تاريخ المطالبة الحاصل في ١٠ من يناير سنة ٢٠١١ وحتى تاريخ الحكم، وبإلزامه بأن يدفع لها مبلغ ٢٠٠٠٠٠ جنيه تعويضاً عما لحقها من أضرار، وإلزامه بالمصروفات وأتعاب التحكيم، ثم أصدرت حكمها بتصحيح وتفسير الحكم سالف البيان، وإذ شاب حكم التحكيم البطلان لعدم إعلانه بإجراءات الدعوى التحكيمية إعلاناً صحيحاً مما حال دون تقديم دفاعه فيها ولتجاوزه حدود اتفاق التحكيم، فقد أقام الدعوى ببطلانه . وبتاريخ ٦ من فبراير سنة ٢٠١٣ قضت المحكمة ببطلان حكم التحكيم الصادر في دعوى التحكيم رقم ٧٢٤ لسنة ٢٠١٠ بتاريخ ٧ من مارس سنة ٢٠١١ والصادر له حكم تصحيح وتفسير بتاريخ ٢٨ من مارس سنة ٢٠١١ من مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي. طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه جزئياً، وإذ عُرِضَ الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة، حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعي الطاعنة بالسبب الأول والوجه الأول من السبب الثالث منها على الحكم المطعون فيه البطلان للتناقض والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع ومخالفة الثابت في الأوراق، وفي بيان ذلك تقول أنها تمسكت بالدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد فوات أكثر من تسعين يوماً من تاريخ إعلان حكم التحكيم للمطعون ضده وفقاً للمادة ٥٤ / ١ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤، إلا أن الحكم المطعون فيه قضى بقبول الدعوى شكلاً لعدم اتصال علم المطعون ضده بحكم التحكيم بما يجعل ميعاد الطعن عليه مفتوحاً أخذاً بالشهادة الصادرة من إدارة البريد بارتداد الخطاب المسجل بإعلانه بالحكم على عنوانه المدون في عقد الإخراج مثار النزاع – بعد تسليمه لجهة الإدارة لغلق المسكن – مؤشراً عليه بعبارة " عزِّل "، في حين أنه اعتد بصحة إعلان المطعون ضده بإجراءات الدعوى التحكيمية على ذات العنوان، ورغم أن تذييل حكم التحكيم بالصيغة التنفيذية يُعد دليلاً قاطعاً على صحة إعلان المطعون ضده به وانقضاء ميعاد رفع دعوى البطلان عنه، الأمر الذي يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأن النص في الفقرة الأولى من المادة ٥٤ من القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية على أن " ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم خلال التسعين يوماً التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه " يدل على أن ميعاد إقامة دعوى بطلان حكم التحكيم لا ينفتح إلا بإعلان ذلك الحكم للمحكوم عليه، وأن إعلان الحكم إلى المحكوم عليه والذي يبدأ به ميعاد الطعن فيه في الأحوال التي يكون فيها المذكور قد تخلف عن حضور جميع الجلسات المحددة لنظر الدعوى ولم يقدم مذكرة بدفاعه يخضع – وعلى ما انتهت إليه هيئتا المواد الجنائية والمواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية لهذه المحكمة – لنص الفقرة الثالثة من المادة ٢١٣ من قانون المرافعات التي استوجبت إعلان الحكم لشخص المحكوم عليه أو في موطنه الأصلي لمن يقرر أنه وكيله أو أنه يعمل في خدمته أو أنه من الساكنين معه من الأزواج والأقارب والأصهار، وينبني على ذلك أنه عندما يتوجه المحضر لإعلان الحكم ويجد مسكن المحكوم عليه مغلقاً فإن هذا الغلق الذي لا تتم فيه مخاطبة من المحضر مع أحد ممن أوردتهم المادة العاشرة من قانون المرافعات لا يتحقق فيه لا العلم اليقيني للمحكوم عليه ولا العلم الظني، ومن ثم فإن إعلان الحكم في هذه الحالة لجهة الإدارة لا ينتج بذاته أثراً في بدء ميعاد الطعن فيه ما لم يُثبت المحكوم له أو صاحب المصلحة في التمسك بتحقق إعلان المحكوم عليه بالحكم أن الأخير قد تسلم الإعلان من جهة الإدارة أو الكتاب المسجل الذي يخبره فيه المحضر أن صورة الإعلان بالحكم سُلِّمت إلى تلك الجهة، فعندئذ تتحقق الغاية من الإجراء بعلمه بالحكم الصادر ضده عملاً بالمادة ٢٠ من قانون المرافعات وينتج الإعلان أثره وتنفتح به مواعيد الطعن . لما كان ذلك، وكانت الأوراق قد خلت من دليل على قيام الطاعنة بإثبات تحقق إعلان المطعون ضده بحكم التحكيم موضوع التداعي بتسلم الأخير الإعلان من جهة الإدارة أو الكتاب المسجل الذي يخبره فيه المحضر أن صورة الإعلان بالحكم سُلِّمت إلى تلك الجهة، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بقبول الدعوى شكلاً على سند من أن صورة إعلان حكم التحكيم سُلِّمت لجهة الإدارة مؤشراً عليها بإخطار المطعون ضده بذلك بكتاب مسجل وأفادت الإدارة العامة للبريد بارتداد هذا المسجل بتأشيرة " عزِّل " بما مفاده عدم اتصال علم المطعون ضده بحكم التحكيم ويظل ميعاد الطعن عليه مفتوحاً، فإنه يكون قد وافق صحيح القانون ويضحى ما تثيره الطاعنة بسبب النعي على غير أساس .
وحيث إن الطاعنة تنعي بالسبب الثاني من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول أن حكم التحكيم حدد عناصر الضرر المقضي عنه بالتعويض في أمور ووقائع منسوبة للمطعون ضده وحده ولم يستند إلى مسئولية الأخير كمخرج للعمل الفني عن تقاعس كاتب السيناريو – بوصفه تابعاً له – في إنجاز العمل المكلف به، بيد أن الحكم المطعون فيه حرَّف الواقع بإيراده أن حكم التحكيم أسَّس قضاءه بالتعويض على أحكام مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه ومن ثم قضى ببطلانه كلياً لتجاوزه حدود اتفاق التحكيم دون أن يورد سبباً لبطلان ذلك الحكم في شقه المتعلق برد ما تقاضاه المطعون ضده من مبالغ عن عقد الإخراج بعد انفساخه رغم إمكان فصله عن الشق الخاص بالتعويض، ورغم سقوط حق المطعون ضده في إبداء الدفع بتجاوز شرط التحكيم فيما يخص شق التعويض لعدم التمسك به أمام هيئة التحكيم، والذي قصر طلبه بالبطلان عليه، بما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي في أساسه سديد، ذلك بأنه لما كان النص في المادة ٥٣ (١) من القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بشأن التحكيم على أنه " لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية : (أ) ...... (ب) ..... (ج) ..... (د) ...... (ه) ..... (و) إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق. ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها (٢) وتقضى المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء ذاتها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية." مفاده أنه إذا فصل حكم هيئة التحكيم في مسائل خاضعة للتحكيم وأخرى غير خاضعة له أو إذا تضمن ما يخالف النظام العام في بعض أجزائه أو في شق منه وأمكن فصل بعضها عن البعض الآخر، فإن البطلان لا يقع إلا على أجزاء الحكم المتعلقة بالمسائل غير الخاضعة لاتفاق التحكيم وتلك التي خالفت النظام العام وحدها دون باقي أجزاء الحكم . لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى بطلان حكم التحكيم برمته لتجاوز حدود عقد الإخراج الذي تضمن شرط التحكيم بقضائه بإلزام المطعون ضده بالتعويض لمسئوليته عن خطأ كاتب السيناريو أخذاً بأحكام مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه حال إبرام الطاعنة عقداً مستقلاً مع الأخير غير خاضع لشرط التحكيم، ومدَّ البطلان إلى الشق الآخر من حكم التحكيم المتعلق بإلزام المطعون ضده برد ما تقاضاه عن عقد الإخراج بعد انفساخه دون أن يبين بمدوناته أسباب قضائه بالبطلان في هذا الشق، ورغم إمكان فصله عن الجزء المقال ببطلانه الخاص بالتعويض، بما يعيبه بالقصور في التسبيب الذي جرَّه إلى مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه مما يوجب نقضه جزئياً في هذا الخصوص .
وحيث إن الطاعنة تنعي بالوجه الثاني من السبب الثالث من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، إذ أغفل الرد على دفاعها ودفوعها الجوهرية المؤيدة بالمستندات الواردة بمذكرتها المقدمة بجلسة ٥ من يناير سنة ٢٠١٣ والتي أوضحت فيها كذلك أن مزاعم المطعون ضده في صحيفة دعواه تعد في حقيقتها تعييباً لقضاء التحكيم في موضوع النزاع وسلامة فهمه للواقع وهو ما لا تتسع له دعوى بطلان حكم التحكيم باعتبارها ليست طعناً بالاستئناف عليه، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن المادة ٢٥٣ من قانون المرافعات إذ أوجبت أن تشتمل صحيفة الطعن بالنقض على بيان الأسباب التي بنى عليها الطعن وإلا كان باطلاً إنما قصدت بهذا البيان أن تحدد أسباب الطعن وتعرفه تعريفاً واضحاً كاشفاً عن المقصود منه كشفاً وافياً نافياً عنه الغموض والجهالة بحيث يبين منها العيب الذى يعزوه الطاعن إلى الحكم المطعون فيه وموضعه منه وأثره في قضائه وإلا كان النعي غير مقبول، ومن ثم فإن كل سبب يراد التحدي به يجب أن يكون مبيناً بياناً دقيقاً ولا غنى عن ذلك حتى لو أحال الطاعن إلى ورقة أخرى قدمت في الطعن ذاته . لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تورد في صحيفة طعنها بالنقض مواطن القصور والخطأ الذي تنسبه إلى الحكم المطعون فيه وموضعه منه وأثره في قضائه، كما لم تفصح عن ماهية الدفاع والدفوع التي تعيب على الحكم أنه أغفل الرد عليها، فإن النعي عليه بهذا الوجه يكون مجهلاً ومن ثم غير مقبول .
لذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه جزئياً، وألزمت المطعون ضده المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة للفصل فيها مجدداً بهيئة مغايرة .