بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر / خلف غيضان " نائب رئيس المحكمة "، والمرافعة، وبعد المداولة .
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعن بصفته أقام على المطعون ضدهما الدعوى ١٠٤٣ لسنة ٢٠٠٢ مدنى محكمة شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزام المطعون ضدها الأولى بأن تؤدى إليه مبلغ ٧٠١٨٧٥ جنيهاً، وعوض التأخير من تاريخ الاستحقاق وحتى تمام السداد، وذلك على سند من أن البنك الذى يمثله يداين المطعون ضده الثاني بهذا المبلغ، وقد التزمت المطعون ضدها الأولى بموجب العقد المؤرخ ٧ / ٧ / ١٩٩٩ بكفالة مديونيته لديه كفالة تضامنية، وإذا تقاعست عن سدادها رغم إنذارها فقد أقامت الدعوى . ندبت المحكمة خبيراً، وبعد أن أودع تقريره أجابت الطاعن لطلباته بحكم استأنفته المطعون ضدها الأولى بالاستئناف ٩٢٨٥ سنة ٩ ق استئناف القاهرة، وبتاريخ ٢٣ / ١ / ٢٠٠٨ قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفضه، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة أمرت باستبعاد الوجه الأول من السبب الأول من أسباب الطعن لعدم قبوله، وحددت جلسة لنظر ما عداه من الأسباب والتزمت النيابة رأيها .
وحيث إن الطاعن بصفته ينعى على الحكم المطعون فيه بالشق الثاني من الوجه الثاني من السبب الأول، وبالوجه الأول من السبب الثاني مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، والفساد في الاستدلال، والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق، والإخلال بحق الدفاع، وفى بيان ذلك يقول إن البين من عقد الكفالة المبرم مع المطعون ضدها الأولى أن نية طرفيه لم تنصرف إلى إحالة المنازعات الناشئة عنه إلى التحكيم، بل إلى التوفيق بحلها قبل اللجوء إلى القضاء، وليس أدل على ذلك من أنهما لم يحددا موضوع النزاع المراد عرضه على التحكيم، وأن العقد خلا من توقيع المحكمين عليه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم قبول الدعوى لوجود شرط تحكيم بالعقد موضوع التداعي، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .
وحيث إن هذ النعي مردود، ذلك بأنه وإن كان الأصل في التحكيم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية، وما تكفله من ضمانات، ومن ثم فهو مقصور حتماً على ما تنصرف إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم، إلا أن المستفاد من نصوص القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية، أن المشرع لم يوجب تضمين اتفاق التحكيم ( مشارطة التحكيم )، تعييناً لموضوع النزاع إلا في حالة واحدة وردت في الفقرة الثانية من المادة العاشرة من ذات القانون، وهى عندما يتم اتفاق التحكيم بعد قيام النزاع، حتى وإن كانت قد أُقيمت بشأنه دعوى أمام القضاء، ففي هذه الحالة يجب أن يحدد الاتفاق على التحكيم المسائل التي يشملها التحكيم، وإلا كان الاتفاق باطلاً، أما في حالة ما إذا كان الاتفاق عل التحكيم عند المنازعة قد تم قبل وقوع النزاع، سواء كان هذا الاتفاق مستقلاً بذاته أو ورد في عقد محرر بين طرفيه وتم الاتفاق فيه على اللجوء إلى التحكيم بشأن كل أو بعض المنازعات التي قد تنشأ بينهما، فإن المشرع لم يشترط في هذه الحالة أن يكون موضوع النزاع محدداً سلفاً في الاتفاق المستقل على التحكيم أو في العقد المحرر بين الطرفين، واستعاض عن تحديده سلفاً في خصوص هذه الحالة بوجوب النص عليه في بيان الدعوى المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة ٣٠ من هذا القانون، والذى يتطابق في بيانه مع بيانات صحيفة الدعوى، من حيث إنه بيان مكتوب يرسله المدعى خلال الميعاد المتفق عليه بين الطرفين، أو الذى تعينه هيئة التحكيم إلى المدعى عليه، وإلى كل من المحكمين يشتمل على اسمه وعنوانه واسم المدعى عليه وعنوانه وشرح لوقائع الدعوى وتحديد للمسائل محل النزاع وطلباته الختامية، وفى حالة وقوع مخالفة في هذا البيان فقد أوجبت الفقرة الأولى من المادة ٣٤ من ذات القانون على هيئة التحكيم إنهاء إجراءاته ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك، لئن كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم نصوص شرط التحكيم، والتعرف على ما قصد منه، دون التقيد بألفاظه، بحسب ما تراه أوفى إلى نية أصحاب الشأن مستهدية في ذلك بوقائع الدعوى، وما أُثبت فيها ولا رقابة عليها في ذلك، ما دامت قد بينت الاعتبارات المقبولة التي دعتها إلى الأخذ بما لديها والعدول عما سواه . وكان الحكم المطعون فيه – وعملاً بما لمحكمة الموضوع من سلطة في هذا الشأن - قد خلص من بنود عقد الكفالة المؤرخ ٧ / ٧ / ١٩٩٩ - وموضوع التداعي - إلى أن طرفيه قد اتفقا على اختيار طريق التحكيم للفصل في نزاعاتهم بشأنه، وأنه لا يلزم الاتفاق مسبقاً على النزاع الذى سيطرح على التحكيم، وأنتهى تأسيساً على ذلك إلى القضاء بعدم قبول الدعوى لعدم اللجوء إلى التحكيم المتفق عليه، وكان هذا الذى خلص إليه سائغاً، وموافقاً لصحيح القانون وفيه الرد الضمني المسقط لما يخالفه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو وأن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب غير مقبول .
وحيث إن حاصل النعي على الحكم المطعون فيه بالشق الأول من الوجه الثاني من السبب الأول مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم قضى بعدم قبول الدعوى لعدم اللجوء إلى طريق التحكيم، وأطرح دفاعه أمام محكمة الاستئناف بسقوط حق المطعون ضدها الأولى في التمسك بشرط التحكيم لسبق إقامتها الدعوى رقم ١٧٠٨٨ لسنة ٢٠٠٠ مدني كلي جنوب القاهرة بفسخ عقد الكفالة مثار النزاع، مما ينطوي على موافقتها على طرح النزاع بشأنه على القضاء، والتنازل عن شرط التحكيم، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن التحكيم هو طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية، وما تكفله من ضمانات، وإذا كان اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في النزاع المعروض عليها يرتكن أساسها إلى حكم القانون الذى أجاز استثناءً سلب ولاية جهات القضاء، إلا أن التنظيم القانوني للتحكيم إنما يقوم على رضاء الأطراف وقبولهم به كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهم بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية، فإرادة المتعاقدين هي التي تُوجد التحكيم وتُحدد نطاقه من حيث المسائل التي يشملها والقانون الواجب التطبيق وتشكيل هيئة التحكيم وسلطاتها وإجراءات التحكيم وغيرها، وعلى ذلك فمتى تخلف الاتفاق امتنع القول بقيام التحكيم، وهو ما يستتبع نسبية أثره فلا يحتج به إلا في مواجهة الطرف الذى ارتضاه وقبل خصومته، كما أن من المقرر أيضاً أنه إذا رفعت الدعوى بطلب الحكم على المدعى عليهما متضامنين، فإنه كلاً منهما يكون مستقلاً عن الآخر في الخصومة، وفى مسلكه فيها، والطعن على ما يصدر فيها من أحكام، وأن الكفيل المتضامن بوجه عام في حكم المدين المتضامن من حيث جواز مطالبة الدائن له وحده بكل الدين، دون التزام بالرجوع أولاً على المدين الأصلي أو حتى مجرد اختصامه في دعواه بمطالبة ذلك الكفيل بكل الدين، وأن إسقاط الحق بوصفه تعبيراً عن إرادة صاحبه في التخلي عن منفعة مقررة يحميها القانون لا يكون إلا صراحة أو باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود منه، وهو مما تستقل بتقديره محكمة الموضوع مادامت قد أقامت قضاءها في ذلك على أسباب سائغة، ولها أصلها الثابت في الأوراق وتكفى لحمله . لما كان ما تقدم، وكان شرط التحكيم المدرج بعقد الكفالة موضوع التداعي والمبرم بين البنك الذى يمثله الطاعن بصفته والشركة المطعون ضدها الأولى والتزمت الأخيرة بموجبه بوصفها كفيلاً متضامناً مع المطعون ضده الثاني – المدين الأصلي - عن سداد مديونياته لدى البنك – هو شرط نسبى الأثر، ولا يُلزم إلا طرفيه دون سواهما، ومن ثم فإن سبق إقامة المطعون ضده الثاني بشخصه - وعن نفسه - الدعوى رقم ١٧٠٨٨ لسنة ٢٠٠٠ مدنى كلى جنوب القاهرة لا يستطيل أثره إلى المطعون ضدها الأولى ولا يُمكن اعتباره تنازلاً من جانبها عن شرط اللجوء إلى التحكيم، ولا يُغير من ذلك كونه ممثلاً لها، وكان الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع المبدى من البنك الطاعن بسقوط حق المطعون ضدها الأولى في التمسك بشرط التحكيم، على سند من مغايرة الصفة كل من الدعويين، فإنه يكون قد التزم صحيح القانون، ويضحى النعي عليه بهذا السبب على غير أساس .
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالوجه الثاني من السبب الثاني الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ومخالفة الثابت بالأوراق ذلك أنه أغفل الرد على دفاعه الوارد بالمذكرة المقدمة بجلسة ٢٥ / ١٠ / ٢٠٠٧ ولم يرد على ما قدمه من مستندات مما يعيبه ويستوجب نقضه .
حيث إن هذا النعي غير مقبول . ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن صحيفة الطعن بالنقض يجب أن تحدد أسباب الطعن وتعرفه تعريفاً واضحاً كاشفاً عن المقصود منها كشفاً وافياً نافياً عنها الغموض والجهالة، وأن يبين منها العيب الذي يعزوه الطاعن إلى الحكم وموضعه منه وأثره في قضائه. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يبين ماهية المستندات والدفاع التي أغفلها الحكم وموضع ذلك منه وأثره في قضائه، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون مجهلاً، ومن ثم غير مقبول.
وحيث إنه لما تقدم. يتعين رفض الطعن.
لذلك
حكمت المحكمة برفض الطعن وألزمت الطاعن المصاريف مع مصادرة الكفالة.