بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر / أحمد العزب " نائب رئيس المحكمة "، والمرافعة، وبعد المداولة. حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية. وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت أمام محكمة استئناف القاهرة الدعويين رقمي ………، ………. لسنة ١٣٢ ق على الشركتين المطعون ضدهما بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ حكم التحكيم رقم …….. لسنة ٢٠٠٦ الصادر من مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بتاريخ ١٧ من ديسمبر سنة ٢٠١٤، وفي الموضوع ببطلانه. وقالت بيانًا لذلك إنه بموجب عقد مؤرخ ٢٩ من يوليو سنة ٢٠٠٠ أسندت الطاعنة إلى المطعون ضدهما مقاولة إتمام تطوير ما بُدِء في تنفيذه من أعمال تشييد وخرسانة وأعمال معمارية والكتروميكانيكية في مشروع سكنى فندقي إداري تجارى والمعروف باسم " …………. "، وتضمن العقد في البند (٦٧) منه الاتفاق على حسم أي نزاع ينشأ عنه بطريق التحكيم أمام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، وإزاء اختلاف الطرفين حول بعض التزامات المقاولة وآجال تنفيذها حررا بتاريخ ٢٤ من أكتوبر سنة ٢٠٠٢ مذكرة تفاهم تضمنت تعديلًا في بعض شروط المقاولة واتفقا فيها على تسوية المنازعات بينهما بطريق التحكيم الخاص مع تسمية السيد / ………….. محكمًا وحيدًا بشرط استمراره في مهمته، وبتاريخ ٢٣ من يونيو سنة ٢٠٠٤ اتفق الطرفان على تعديل مذكرة التفاهم سالفة البيان بجعل التحكيم الخاص بهيئة تحكيم ثلاثية يرأسها المحكم المذكور كمحكم مرجح ويتولى كل طرف تسمية مُحَكِّمُه وعدم خضوعه لقواعد مركز القاهرة للتحكيم، ونفاذًا لهذا التعديل لجأ المطعون ضدهما إلى التحكيم الحُر ضد الطاعنة وشُكِّلت هيئة التحكيم وباشرت مهمتها حتى تنحى محكم المطعون ضدهما، وبتاريخ ٢٦ من يناير سنة ٢٠٠٦ أقام المطعون ضدهما على الطاعنة الدعوى التحكيمية رقم ............ لسنة ٢٠٠٦ أمام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي استنادًا للبند (٦٧) من عقد المقاولة الأصلي، كما أقامتا تحكيمًا إضافيًا بتاريخ ٢٧ من إبريل سنة ٢٠٠٦ أمام ذات المركز قُيِّد برقم ………… لسنة ٢٠٠٦ تم ضمُّه للتحكيم الأول، تشكلت هيئة التحكيم وإبان مباشرة إجراءات الدعوى التحكيمية وبتاريخ ٢٦ من يوليو سنة ٢٠٠٧ استقال المحكم المرجح في التحكيم الحُر السابق من مهمته، وبتاريخ ٢٨ من يوليو سنة ٢٠١٠ حكمت هيئة التحكيم بصحة إجراءات الدعوى التحكيمية الأولى وبعدم اختصاصها بدعوى التحكيم الإضافي لتعييب تشكيل هيئة التحكيم لابتنائه على بند التحكيم الخاص، وتواصل السير في إجراءات التحكيم الأول بهيئة تحكيم مغايرة والتي أصدرت حكمها بتاريخ ١٧ من ديسمبر سنة ٢٠١٤ بإلزام الطاعنة بالعديد من الالتزامات المالية، وإذ شاب هذا الحكم البطلان فقد أقامت الدعويين ببطلانه، ضمت المحكمة الدعويين وقضت بتاريخ ١٧ من ديسمبر سنة ٢٠١٥ برفضهما . طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرِضَ الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة، حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها، وبجلسة ٢٣ من مايو سنة ٢٠١٧ قدمت الطاعنة مذكرة قررت فيها بأنها تتضمن أسبابًا متعلقة بالنظام العام وهو ما خلت منه . وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت في دفاعها أمام هيئة التحكيم ومحكمة الاستئناف ببطلان تشكيل هيئة التحكيم لمخالفته لاتفاق الخصوم ونصوص المواد ٤ / ١، ١٠ / ١، ١١، ١٢، ١٥ / ١، ٥٣ / ١ – (أ)، (ه) من قانون التحكيم، ذلك إن اتفاق التحكيم بين طرفي التداعي تضمنته ثلاثة محررات موقعة منهم هي البند (٦٧) من ملحق عقد المقاولة، وتم تعديله بمذكرة التفاهم المؤرخة ٢٤ من أكتوبر سنة ٢٠٠٢ وآخرها مذكرة التعديل المؤرخة ٢٣ من يوليو سنة ٢٠٠٤، وهى تعد بمثابة اتفاق تحكيم جديد قائمًا بذاته وناسخًا لما قبلها، وتضمنت الاتفاق على أن يجرى التحكيم أمام هيئة خاصة من ثلاثة محكمين يرأسها المحكم المرجح السيد / ………….. ولا يسجل التحكيم في مركز القاهرة للتحكيم التجاري الدولي ولا يخضع لقواعده إلا في حالة عدم قيام أحد المحكمين بمهمته أو استحالة قيامه بها وعدم تسمية بديل عنه فيتولى المركز تعيين محكم خلفًا له، بيد أن التحكيم مثار النزاع تم بناء على المناقشات الواردة بمحضر جلسة ٢٢ من يونيو سنة ٢٠٠٥ الإجرائية أمام هيئة التحكيم الخاص والموقع من المحكم المرجح فقط دون طرفي التحكيم بما ينطوي على تعديل شرط التحكيم الوارد في مذكرة التعديل الأخيرة دون تفويضه في ذلك أو موافقتهما على تعديل تشكيل الهيئة التي أصدرت حكم التحكيم المنهي للخصومة التحكيمية وهو ما يؤدى إلى بطلانه لصدوره من هيئة لا ولاية لها لعدم وجود اتفاق تحكيم مؤسسي لدى مركز القاهرة للتحكيم وطبقًا لقواعده، سيما وأن حكم التحكيم الأول الصادر في ٢٨ من يوليو سنة ٢٠١٠ قضى ببطلان البندين (٢، ٢٢) من محضر جلسة التحكيم الخاص المشار إليه سلفًا اللذين أخضعا التحكيم لقواعد المركز . وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدعوى ببطلان حكم التحكيم تأسيسًا على اتفاق طرفي التحكيم خلال المناقشات أمام هيئة التحكيم الخاص على حصول التحكيم في نطاق مركز القاهرة للتحكيم دون أن يبين المصدر الذى استقى منه هذا الاتفاق، واعتبر أن استقالة رئيس هيئة التحكيم الخاص يترتب عليها إلغاء شرط التحكيم الذي تضمنته مذكرة التفاهم وتعديلها والعودة إلى شرط التحكيم الأصلي الوارد بالبند (٦٧) من ملحق عقد المقاولة رغم خلو الأوراق مما يفيد هذه الاستقالة، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه . وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن التحكيم هو طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات، وإذ كان اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في النزاع المعروض عليها يرتكن أساسًا إلى حكم القانون الذى أجاز استثناءً سلب ولاية جهات القضاء، إلا أن التنظيم القانوني للتحكيم إنما يقوم على رضاء الأطراف وقبولهم به كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهم بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية، فإرادة المتعاقدين هي التي تُوجِد التحكيم وتُحَدَّد نطاقه سواء من حيث المسائل التي يشملها والقانون الواجب التطبيق وتشكيل هيئة التحكيم وسلطاتها وإجراءات التحكيم أو من حيث أطراف الخصومة التحكيمية، وأن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم نصوص شرط التحكيم والتعرف على ما قُصِد منه، دون التقيد بألفاظه، بحسب ما تراه أوفى إلى نيَّة أصحاب الشأن مستهدية في ذلك بوقائع الدعوى وما أُثبِت فيها ولا رقابة عليها في ذلك مادامت قد بيَّنت الاعتبارات المقبولة التي دعتها إلى الأخذ بما لديها والعدول عما سواه . لما كان ذلك، وكان الواقع الثابت في الدعوى وبما لا خلاف عليه بين طرفيها أن اتفاق التحكيم بينهما انتظمته ثلاثة محررات موقعة منهم، أولها الوارد في البند (٦٧) من ملحق الشروط العامة لعقد المقاولة بتسوية المنازعات الناشئة عن العقد بموجب قواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي أمام هيئة تحكيم مكونة من ثلاثة محكمين يتم تعيينهم وفقًا لقواعد المركز، والمحرر الثاني هو مذكرة التفاهم المؤرخة ٢٤ من أكتوبر سنة ٢٠٠٢ والتي عدَّلت اتفاق التحكيم المؤسسي ليكون تحكيمًا خاصًا أمام هيئة تحكيم مشكلة من محكم فرد هو السيد / ……………، أما المحرر الثالث فهو تعديل مذكرة التفاهم المؤرخة ٢٣ من يونيو سنة ٢٠٠٦ وتضمنت الاتفاق على أن يجرى التحكيم أمام هيئة تحكيم خاص مكونة من ثلاثة محكمين يرأسها السيد / ……………. كمحكم مرجح، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في قضائه إلى صحة تشكيل هيئة التحكيم بما استخلصه من عبارات مذكرة التفاهم وتعديلها بأن التحكيم الخاص مرهون برئاسة السيد / ………….. لهيئة التحكيم لثقة الطرفين في شخصه ولذلك تم اختياره عند الاتفاق على تعديل شرط التحكيم الأصلي، وإنه يترتب على عدم استمراره في مباشرة التحكيم – لاستقالته أو تنحيه أو عزله – زوال بند التحكيم الخاص والعودة إلى التحكيم المؤسسي في إطار مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي وفقًا لشرط التحكيم الوارد بالبند (٦٧) من ملحق الشروط العامة لعقد المقاولة، وكان هذا الاستخلاص سائغًا ولا خروج فيه عن المعنى الظاهر الذي قصده طرفا العقد وله معينه من الأوراق، فإن النعي عليه في هذا الصدد يكون على غير أساس . وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت في دفاعها أمام محكمة الاستئناف ببطلان حكم التحكيم لاستبعاد محكمها وإلزامها بتعيين آخر بدلًا منه، بناء على طلب الرد المقدم من المطعون ضدهما، وذلك بموجب قرار مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي - رغم انتفاء ولايته بالفصل في طلب الرد – دون إحالة طلب الرد إلى محكمة استئناف القاهرة بالمخالفة للمادة ١٩ / ١ من قانون التحكيم المعدلة بالقانون رقم ٨ لسنة ٢٠٠٠ وهى ذات طبيعة آمرة تتعلق بالنظام العام، فضلًا عن إنه كان يتعين إعادة إجراءات التحكيم التي اتخذت قبل رد المحكم عملًا بالمادة ١٩ / ٣ من ذات القانون . وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدعوى ببطلان حكم التحكيم لهذا السبب تأسيسًا على اتفاق الطرفين على إخضاع التحكيم لقواعد مركز القاهرة للتحكيم ومنها القواعد الخاصة برد المحكمين والتي لا تتعلق بالنظام العام، واعتد بإجراءات التحكيم التي اتخذت قبل رد المحكم، بما يعيبه ويستوجب نقضه . وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك إن النص في الفقرتين الأولى والثالثة من المادة ١٩ من القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية المعدل بالقانون رقم ٨ لسنة ٢٠٠٠ على أن " ١ يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبينًا فيه أسباب الرد خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد، فإذا لم يتنح المحكم المطلوب رده خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تقديم الطلب، يحال بغير رسوم إلى المحكمة المشار إليها في المادة (٩) من هذا القانون للفصل فيه بحكم غير قابل للطعن . ٢ ........ ٣ لا يترتب على تقدم طلب الرد وقف إجراءات التحكيم وإذا حكم برد المحكم ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من إجراءات التحكيم بما في ذلك حكم المحكمين كأن لم يكن. " استهدف المشرع به حماية نظام التحكيم الاختياري من شبهة الهوى لدى المحكمين ورد شكوك الخصوم في حيادهم حتى يتساوى مع النظام القضائي المطبق بالنسبة لقضاة المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها بحيث إذا ما استشعر الخصم بأنه لن يتحصل على حقه بالنظر إلى ريبته في المحكم وكانت له مبرراته أن يتقدم بطلب كتابي إلى هيئة التحكيم خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ علمه بتشكيلها أو بالظروف المبررة للرد مبينًا فيه الأسباب التي يستند إليها في عدم اطمئنانه إلى حيدة المحكم المطلوب رده وإذا لم يتنح الأخير خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تقديم طلب الرد فيتعين على هيئة التحكيم إحالة الطلب بغير رسوم إلى المحكمة المشار إليها في المادة (٩) من قانون التحكيم للفصل فيه دون أن يؤثر ذلك على استمرار إجراءات التحكيم، ويعتبر اختصاص هذه المحكمة بطلب الرد اختصاصًا نوعيًا متعلقًا بالنظام العام، ومفاد ذلك إنه يفترض في تقديم طلب الرد واتباع إجراءات الرد الواردة في المادة (١٩) سالفة البيان أن تكون هيئة التحكيم قد اكتمل تكوينها، فلا يجوز تقديم طلب رد المحكم قبل تمام تشكيل هيئة التحكيم باعتبارها الجهة التي اختصها المشرع بتلقي هذا الطلب وإحالته إلى المحكمة المختصة . لما كان ذلك، وكان الثابت في الأوراق أن اعتراض المطعون ضدهما على محكم الطاعنة وقبول هذا الاعتراض من جانب مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي وهو ما حدا بالطاعنة إلى اختيار محكم بديل عنها، تم قبل اكتمال تشكيل هيئة التحكيم واتفاق محكمي الطرفين على اختيار رئيس هيئة التحكيم، بما لا محل معه لتطبيق قواعد وإجراءات الرد المنصوص عليها في المادة ١٩ من قانون التحكيم، وإذ عرض الحكم المطعون فيه لدفاع الطاعنة الوارد بسبب النعي، واطرحه، استنادًا إلى أن إجراءات الرد التي اتخذت في الدعوى التحكيمية تمت صحيحة وفقًا لقواعد مركز القاهرة للتحكيم التي اتفق الطرفان على تطبيقها، فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة لا يعيبه قصوره في أسبابه القانونية المؤدية لها، إذ لمحكمة النقض أن تستكمل هذه الأسباب بما تصلح لها على نحو يقومه دون أن تنقضه . وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الأول من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون ومخالفة الثابت في الأوراق، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف ببطلان حكم التحكيم لعدم توقيع أعضاء هيئة التحكيم على جميع صفحاته المشتملة على أسبابه ومنطوقه واقتصار توقيعهم على الصفحة الأخيرة منه والتي جاءت خالية من الأسباب والمنطوق وذلك بالمخالفة للمادة ٤٣ / ١ من قانون التحكيم، باعتبار أن التوقيع على هذا النحو هو الضمانة الوحيدة التي يمكن عن طريقها التثبت من حصول المداولة بينهم ويترتب على تخلفها البطلان المطلق المتعلق بالنظام العام، وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض هذا الدفع استنادًا إلى أن تحقق الغاية من الإجراء بالتثبت من صحة الإجراءات التي بوشرت في الدعوى التحكيمية وتمام المداولة بين هيئة التحكيم التي أصدرت الحكم يغنى عن التوقيع على كافة أوراق حكم التحكيم ولا يؤدى إلى بطلانه اكتفاء بالتوقيع على صفحته الأخيرة ولو كانت غير مشتملة على جزء من الأسباب أو المنطوق، فإنه يكون معيبًا بما يستوجب نقضه . وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن النص في المادة (٤٠) من القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية على أن " يصدر حكم هيئة التحكيم المشكلة من أكثر من محكم واحد بأغلبية الآراء بعد مداولة تتم على الوجه الذى تحدده هيئة التحكيم، ما لم يتفق طرفا التحكيم على غير ذلك . " وفي الفقرة الأولى من المادة (٤٣) من ذات القانون على أنه " يصدر حكم التحكيم كتابة ويوقعه المحكمون ". يدل على أن المشرع اشترط لصدور حكم هيئة التحكيم المشكلة من أكثر من محكم واحد أن يصدر الحكم بعد مداولة قانونية، إلا أنه أناط بهيئة التحكيم تحديد الكيفية التي تجرى بها المداولة، وكان مناط حصول الاشتراك في المداولة بين من أصدروا الحكم – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو توقيعهم على مسودته التي أوجب المشرع على النحو المبين بالمادة ١٧٥ من قانون المرافعات إيداعها عند النطق بالحكم ضمانًا لأن يكون الحكم قد صدر بعد مداولة شملت أسبابه ومنطوقه واكتفى بذلك لإثبات أن الإجراءات قد روعيت دون حاجة لإثبات أي بيان آخر حتى لو خلا الحكم من بيان أنه صدر بعد المداولة، وأن النص في المادة (٢٠) من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أن " يكون الإجراء باطلًا إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء، ولا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء " . يدل على أن الأساس في تقرير البطلان هو تحقق الغاية من الشكل أو عدم تحققها دون تفرقة بين حالة النص على البطلان أو عدم النص عليه وذلك أيًا كان العمل الإجرائي ولو كان حكمًا قضائيًا، وسواء تعلق الشكل بالمصلحة الخاصة، أو بالنظام العام حماية للمصلحة العامة، عندما تكون مخالفة الشكل من شأنها المساس بأسس التقاضي وضمانات المتقاضي، كتخلف مبدأ المواجهة القضائية سواء في الإجراءات أو في الإثبات بما يسمى حضورية الأدلة، وكل ما يخل بحق الدفاع، ويعتبر تفسير ما هي الغاية من الشكل القانوني مسألة قانونية يخضع فيها القاضي لرقابة محكمة النقض، فلا يستطيع أن يذهب إلى أن الغاية من الشكل هي غاية معينة غير تلك التي أرادها المشرع، بيد أن تحقق الغاية في حالة معينة أو عدم تحققها مسألة موضوعية من سلطة قاضى الموضوع الذى لا يلزم إلا بتسبيب حكمه تسبيبًا كافيًا بأن يبين بطريقة محددة تحقق الغاية من عدمه، فإذا حكم بالبطلان المنصوص عليه رغم تحقق الغاية أو رفض الحكم بالبطلان غير المنصوص عليه رغم إثبات تخلف الغاية كان الحكم مخالفًا للقانون واجب الإلغاء إذا طعن فيه .
لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة حكم التحكيم موضوع التداعي المحرر باللغة الإنجليزية – والمقدم من الطاعنة رفق صحيفة الطعن بالنقض – أن صفحته الأخيرة اشتملت على توقيع أعضاء هيئة التحكيم التي أصدرته، وهو ما يدل على حصول المداولة بينهم فيما تضمنه أسباب الحكم ومنطوقه على النحو الذى تطلبه القانون وتتحقق به الغاية التي استهدفها المشرع من النص على توقيع المحكمين على حكم التحكيم – دون أن يشترط توقيعهم على جميع صفحاته – وهى التحقق من حدوث مداولة قبل إصداره، وإذ لم تثبت الطاعنة أو تدع عدم حصول مداولة بين أعضاء هيئة التحكيم قبل إصدار حكم التحكيم فإنه يكون مبرءً من عيب البطلان لهذا السبب، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه في قضائه إلى هذه النتيجة التي تتفق وصحيح القانون فإن النعي عليه يضحى على غير أساس . وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الثاني من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ومخالفة الثابت في الأوراق، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت في دفاعها أمام محكمة الاستئناف ببطلان حكم التحكيم لمخالفته نص المادتين ٤٣ / ١، ٥٣ / ١ (ف) من قانون التحكيم، إذ أثبت فيه على خلاف الحقيقة أنه صدر في القاهرة في حين أن رئيس هيئة التحكيم ومحكم المطعون ضدهما لم يكن أي منهما متواجدًا في مصر يوم صدور الحكم، وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض دعوى البطلان لهذا السبب استنادًا إلى أن مصر تعتبر المقر القانوني للتحكيم – وليس الجغرافي – حتى وإن لم يتواجد أعضاء هيئة التحكيم بها وقت إصدار الحكم فإنه يكون معيبًا بما يستوجب نقضه . وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان التحكيم كأصل هو تخويل المتعاقدين الحق في الالتجاء إليه لنظر ما قد ينشأ بينهما من نزاع كانت تختص به محاكم الدولة وهو ما يستتبع أن اختصاص هيئة التحكيم في نظر النزاع وإن كان يرتكن أساسًا إلى حكم القانون الذى أجاز استثناءً سلب اختصاص جهات القضاء بما ينبئ مباشرة في كل حالة على حدة عن اتفاق الطرفين اللذين يكون لهما الاتفاق على تعيين محكم أو محكمين وفق شروط يحددانها ليفصل في النزاع القائم بينهما واختيار القواعد التي تسرى على إجراءات نظره بالدعوى التحكيمية وتلك التي تنطبق على موضوع النزاع مع تعيين مكان التحكيم واللغة التي تستعمل فيه، وذلك على نحو ما استهدفته أغلب نصوص قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ واعتبرت نصوصها مكملة لإرادة طرفي التحكيم لا تطبق إلا عند عدم الاتفاق عليها مع إيراد نصوص محددة تتصل بضمانات التقاضي الأساسية التي يتعين اتباعها اقتضتها المصلحة العامة باعتبار أن التحكيم يعد فصلًا في خصومة كانت في الأصل من اختصاص القضاء، وأن مفاد نص المادة ٢٨ / ١، ٢ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ أنه لطرفي التحكيم الاتفاق على مكان التحكيم في مصر أو خارجها، فإذا لم يوجد اتفاق عينت هيئة التحكيم مكان التحكيم مع مراعاة ظروف الدعوى وملاءمة المكان لأطرافها، وأنه من سلطة هيئة التحكيم أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبًا للقيام بأي إجراء من إجراءات التحكيم ومن ذلك إجراء المداولة بين أعضائها، فاختيار مكان معين للتحكيم لا يعنى وجوب اتخاذ جميع إجراءات التحكيم في هذا المكان، وتبرز أهمية تحديد مكان التحكيم في بيان ما إذا كان حكم التحكيم وطنيًا أم أجنبيًا، وهي مسألة يترتب عليها آثار قانونية بتحديد المحاكم ذات الولاية بالنسبة لبعض مسائل التحكيم، وتحديد المحكمة المختصة بالطعن في الحكم، وإجراءات تنفيذه .. ومن ناحية أخرى فإن اختيار الأطراف لمكان معين لإجراء التحكيم ينطوي ضمنًا على اختيارهم القانون الإجرائي لهذا المكان لتخضع له إجراءات التحكيم ما لم يعلنوا صراحة عن إرادتهم باختيار قانون آخر، ولهذا يجب التفرقة بين المكان المادي للتحكيم الذى تنعقد فيه جلسات التحكيم، وبين مكان التحكيم كفكرة قانونية – مقر التحكيم – تترتب عليها الآثار القانونية سالفة الذكر، فيجوز أن تنعقد جلسات التحكيم في أماكن مادية مختلفة ورغم ذلك يبقى مكان التحكيم كفكرة قانونية واحدًا، ومؤدى ذلك أن مخالفة هيئة التحكيم لمكان التحكيم الذى اتفق عليه الطرفان أو للمكان الذى قررت اختياره لا يترتب عليه بطلان الإجراءات، وإنما يتيح لأى من الطرفين مطالبة هيئة التحكيم بالتعويض عما أصابه من أضرار جراء هذه المخالفة، ما لم يتبين أن اختيار الهيئة مكانًا معينًا للتحكيم قد أخل إخلالًا جوهريًا بمبدأ المساواة بين الطرفين أو لم يُمَكِّن أحدهما من تقديم دفاعه .
لما كان ذلك، وكان الثابت في الأوراق أن اتفاق التحكيم بين الطرفين حدد مدينة القاهرة مكانًا للتحكيم والذى جرى طبقًا لقواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، وكان الثابت في حكم التحكيم مثار النزاع أنه صدر في القاهرة باعتبارها المقر القانوني للتحكيم، فإن قيام أعضاء هيئة التحكيم بإجراء المداولة فيما بينهم والتوقيع على حكم التحكيم خارج مدينة القاهرة وعدم تواجدهم بها وقت إصداره لا يترتب عليه بطلان الحكم، سيما وأن الطاعنة لم تدع أن اتخاذ تلك الإجراءات في الخارج – وهو ما خلت الأوراق من دليل إثباته – قد أخل إخلالًا جوهريًا بمبدأ المساواة بينها وبين المطعون ضدهما أو لم يُمَكِّنها من تقديم دفاعها، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى إلى رفض القضاء ببطلان حكم التحكيم لهذا السبب فإن النعي عليه بهذا الوجه يكون على غير أساس . وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الرابع من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام هيئة التحكيم ومحكمة الاستئناف بسقوط اتفاق التحكيم بانتهاء مدته المحددة في المادة ٤٥ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بما يبطل حكم التحكيم عملًا بالمادة ٥٣ / ١ (أ) من ذات القانون، إذ إن المطعون ضدهما قدما بيان دعواهما التحكيمية كاملًا في ٢٧ من سبتمبر سنة ٢٠١٢ بينما صدر حكم التحكيم بتاريخ ١٧ من ديسمبر سنة ٢٠١٤، إلا أن الحكم المطعون فيه قضى برفض هذا الدفع مفترضًا خضوع التحكيم لقواعد مركز القاهرة للتحكيم التجاري الدولي والتي لم تحدد ميعادًا لإصدار حكم التحكيم رغم عدم وجود اتفاق مكتوب في هذا الشأن، بما يعيبه ويستوجب نقضه . وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك إن النص في الفقرة الأولى من المادة ٤٥ من القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية على أن " على هيئة التحكيم إصدار الحكم المنهى للخصومة كلها خلال الميعاد الذى اتفق عليه الطرفان، فإن لم يوجد اتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال اثنى عشر شهرًا من تاريخ بدء إجراءات التحكيم، وفى جميع الأحوال يجوز أن تقرر هيئة التحكيم مد الميعاد على ألا تزيد المدة على ستة أشهر ما لم يتفق الطرفان على مدة تزيد على ذلك . " مؤداه أن المشرع قد ارتأى أمر تحديد الميعاد اللازم لإصدار حكم التحكيم المنهى للخصومة كلها لإرادة الأطراف ابتداءً وانتهاءً وبذلك يكون قد نفى عن الميعاد اللازم لإصدار هذا الحكم وصف القاعدة الإجرائية الآمرة، وكان النص في المادة ٢٥ من ذات القانون على أن " لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم، مع مراعاة أحكام هذا القانون، أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة . " يدل على أن المشرع منح لطرفي التحكيم حرية الاتفاق على الإجراءات التي يتعين على هيئة التحكيم اتباعها سواء تلك النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم في مصر أو خارجها، وفي حالة خلو الاتفاق من الأخذ بأي من هذه القواعد الإجرائية يكون لهيئة التحكيم مطلق الحرية في اختيار الإجراءات التي تراها مناسبة في حدود أحكام هذا القانون، ومؤدى ذلك أنه إذا اختار الطرفان إجراءات معينة للتحكيم أو اتفقا على خضوع التحكيم لقواعد مركز معين فإن هذا الاتفاق يتضمن خضوع ميعاد التحكيم لما تقضى به تلك الإجراءات أو قواعد ذلك المركز .
لما كان ذلك، وكان البند (٦٧) من ملحق عقد المقاولة المحرر بين طرفي خصومة الطعن والذى ينظم قواعد وإجراءات التحكيم – وعلى ما جاء بالرد على السبب الأول من أسباب الطعن – قد أجاز لكل منهما الحق في إحالة ما قد ينشأ بينهما من خلاف إلى التحكيم وفقًا لقواعد تحكيم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، فتكون تلك القواعد هي الواجبة الإعمال على إجراءات الدعوى التحكيمية متى كانت لا تتعارض مع قاعدة إجرائية آمرة في التشريع المصري وفقًا لحكم المادة ٢٢ من القانون المدني، وتضحى المواد ٢١، ٢٢، ٢٤، ٢٥ من قواعد المركز – بعد تعديلها في الأول من مارس سنة ٢٠١١ وهى تقابل المواد ١٩، ٢٠، ٢٢، ٢٣ من القواعد السابقة – والتي تمنح هيئة التحكيم سلطة تقدير المدة اللازمة لإصدار حكمها وفقًا لظروف كل دعوى والطلبات فيها وبما لا يخل بحق أي من الطرفين في الدفاع، هي التي تنظم ميعاد التحكيم، ومن ثم فإن تجاوز هيئة التحكيم للميعاد المقرر بالمادة ٤٥ / ١ من قانون التحكيم لإصدار حكم التحكيم لا يترتب عليه بطلانه مادام لم يخالف الضوابط سالفة البيان، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة تتفق وصحيح القانون، ويضحى النعي عليه بهذا السبب على غير أساس . ولما تقدم يتعين رفض الطعن .