الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • حكم التحكيم / حكم التحكيم / الاحكام القضائية / محكمة النقض بالجمهورية المصرية العربية / الطعن رقم ٩٩٦٨ لسنة ٨١ قضائية

  • الاسم

    محكمة النقض بالجمهورية المصرية العربية
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    1

التفاصيل طباعة نسخ

 

 الحكم

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المقرر / أحمد العزب "نائب رئيس المحكمة" والمرافعة وبعد المداولة.

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أن الشركة المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم ١٢ لسنة ١٢٧ ق لدى محكمة استئناف القاهرة على الشركة الطاعنة وآخرين بطلب الحكم بما يلى: أولاً، بصفة مستعجلة (١) وقف تنفيذ الأمر الوقتي الصادر من هيئة التحكيم بتاريخ ٩ / ٥ / ٢٠١٠ في الدعوى التحكيمية رقم ٦٣٣ لسنة ٢٠١٠ تحكيم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي والمذيل بالصيغة التنفيذية بالأمر رقم ٩ / ١٢٧ ق القاهرة الصادر بتاريخ ٢٣ / ٥ / ٢٠١٠؛ (٢) وقف السير في إجراءات الدعوى التحكيمية لحين الفصل في الموضوع؛ ثانيًا، وفى الموضوع ببطلان الأمر الوقتي سالف البيان وما يترتب عليه من آثار لحين الفصل في الطلبات الموضوعية بدعوى التحكيم. وبيانًا لذلك قالت الشركة المطعون ضدها إن الطاعنة أقامت عليها الدعوى التحكيمية رقم ٦٣٣ لسنة ٢٠١٠ أمام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بشأن الخلاف بينهما حول تنفيذ العقد المؤرخ ٥ / ٣ / ٢٠٠٨ والمتضمن شرط التحكيم وطلبت فيها استصدار أمر وقتي بعدم تسييل خطاب ضمان الدفعة المقدمة الصادر لصالح المطعون ضدها من البنك الأهلي المتحد بناءً على أمرها. وأضافت أنه بتاريخ ٩ / ٥ / ٢٠١٠ أصدرت هيئة التحكيم بصفة مؤقتة أمرًا بإلزام الشركة المطعون ضدها بوقف تسييل خطاب الضمان البالغ قيمته ٤٩ / ١١,٥٧٧,٢٤٤ جنيهًا وإلزام الشركة الطاعنة بتمديد خطاب الضمان المذكور لحين الفصل في الطلبات الموضوعية بدعوى التحكيم. وإذ رأت الشركة المطعون ضدها أن الأمر الوقتي قد شابه البطلان لعدم اختصاص هيئة التحكيم بإصداره نظرًا لعدم اتفاق الطرفين على منحها سلطة إصدار الأوامر الوقتية وصدوره في مسألة لم يشملها اتفاق التحكيم وبالمخالفة للنظام العام وفى غير الحالات التي يجوز فيها إصدار الأوامر الوقتية فضلاً عن عدم التحقق من توافر شرط الاختصاص النوعي بإصدار الصيغة التنفيذية ووضعها عليه بالمخالفة للقانون، ومن ثم أقامت الدعوى. وبتاريخ ٦ من إبريل سنة ٢٠١١ أجابت المحكمة المطعون ضدها إلى طلبها ببطلان الأمر الوقتي موضوع الدعوى تأسيسًا على بطلان تشكيل هيئة التحكيم التي أصدرت الأمر، باعتبار أنها ضمت في عضويتها قاضيًا (المحكم المسمى من قِبل الشركة الطاعنة) لم يحصل على موافقة مجلس القضاء الأعلى قبل تولى مهمة التحكيم. طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد تنعىَ به الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، إذ قضى – من تلقاء نفسه وبغير نعى من جانب الشركة المطعون ضدها صاحبة الصفة والمصلحة - ببطلان الأمر الوقتي الصادر من هيئة التحكيم بوقف تسييل خطاب الضمان، بدعوى مخالفة ذلك الأمر الوقتي للنظام العام في مصر استنادًا للمادة ٦٣(١) من القانون رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ بشأن السلطة القضائية لعدم حصول المُحَكَم المستشار / ..... على موافقة مجلس القضاء الأعلى - على مباشرة التحكيم إلا في تاريخ لاحق على إصدار الأمر الوقتي بما يُبطل تشكيل الهيئة التي أصدرته، كما اعتبر الحكم المطعون فيه أن غياب الموافقة السابقة من مجلس القضاء الأعلى بمثابة بطلان في إجراءات التحكيم أثر في الحكم لأنه بطلان متعلق بالنظام العام وفقًا للمادتين ٥٣(١)(ز) و٥٣(٢) من القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بشأن إصدار قانون في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية، مع أن هذا البطلان - بفرض وجوده - غير متعلق بالنظام العام، فضلاً عن أن الموافقة اللاحقة كالإجازة السابقة تتحقق بها الغاية من الإجراء، ولا يترتب على تخلفها البطلان، ولا تؤثر في صحة حكم التحكيم الذى اشترك القاضي كَمُحَكَم في إصداره طالما توافرت له شروط الصلاحية لأن يكون مُحًكَمًا، لاسيما وأن تلك الموافقة لا تعدو أن تكون تنظيمًا لعلاقة القاضي الوظيفية بمجلس القضاء الأعلى بما يخرجها عن نطاق شروط الصلاحية للتحكيم، وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن النص في المادة ٦٢ من قانون السلطة القضائية على أنه "يجوز ندب القاضي مؤقتًا للقيام بأعمال قضائية أو قانونية غير عمله أو بالإضافة إلى عمله وذلك بقرار من وزير العدل بعد أخذ رأى الجمعية العامة التابع لها وموافقة مجلس القضاء الأعلى ...."، والنص في المادة ٦٣ من ذات القانون على أنه "لا يجوز للقاضي، بغير موافقة مجلس القضاء الأعلى، أن يكون محكمًا ولو بغير أجر، ولو كان النزاع غير مطروح على القضاء، إلا إذا كان أحد أطراف النزاع من أقاربه أو أصهاره حتى الدرجة الرابعة بدخول الغاية. كما لا يجوز بغير موافقة المجلس المذكور ندب القاضي ليكون محكمًا عن الحكومة أو إحدى الهيئات العامة متى كانت طرفًا في نزاع يراد فضه بطريق التحكيم، ...."، يدل في جلاء على أن خطاب المشرع في هاتين المادتين - بإجازة ندب القاضي لتولى مهمة التحكيم بشرط الحصول على موافقة مجلس القضاء الأعلى - موجه إلى القاضي وحده دون غيره من أطراف التحكيم. وبذلك، فإن حصول القاضي على تلك الموافقة من عدمه يعد شأنًا من شئون عمله القضائي لا يخص طرفي الخصومة التحكيمية من قريب أو بعيد. ومن ثم فإن اضطلاع القاضي بدور المُحَكَم بغير هذه الموافقة – وإن كان يعرضه لاحتمال المساءلة – لا يمكن أن ينال من صلاحيته لأن يكون مُحَكَمًا أو رئيسًا لهيئة التحكيم ولا يستطيل ببطلان إلى حكم التحكيم ذاته.

ولقد خلا قانون التحكيم المصري، بحسبانه الشريعة العامة للتحكيم في مصر، من النص صراحة أو ضمنًا على قبول دعوى البطلان عند غياب موافقة مجلس القضاء الأعلى بالنسبة للمُحَكَمين من رجال القضاء والنيابة العامة، أو غياب موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية بالنسبة للمحكمين من قضاة مجلس الدولة. ولا يغير من ذلك النص في المادة ٥٣(١)(ه) من قانون التحكيم على قبول دعوى بطلان حكم التحكيم "إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المُحَكَمين على وجه مخالف للقانون ...."؛ إذ إن تقرير مدى سلامة تشكيل هيئة التحكيم إنما يكون بالنظر إلى نصوص القانون الذى يحكم إجراءات التحكيم lex arbitri في المقام الأول، باعتباره قانونًا خاصًا lex specialis فيما يتعلق بكافة مسائل التحكيم. وقد اقتصرت المادة ١٦(١) من ذات القانون – وهو القانون الحاكم لإجراءات القضية التحكيمية الماثلة – على بيان الشروط العامة لصلاحية المُحَكَم بالنص على أنه "لا يجوز أن يكون المُحَكَم قاصرًا أو محجورًا عليه أو محرومًا من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بسبب شهر إفلاسه ما لم يُرَدُ إليه اعتباره."، وذلك اتساقًا مع ما اتفقت عليه القوانين المقارنة من اشتراط توافر الأهلية الكاملة في المُحَكَم باعتبار أنه سيقوم بأعمال قضائية.

وليس ثمة محل لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن عدم حصول القاضي على موافقة مجلس القضاء الأعلى لمباشرة التحكيم يعد بطلانًا في إجراءات خصومة التحكيم على نحو يؤثر في الحكم وفقًا للمادة ٥٣(١)(ز) من قانون التحكيم؛ ذلك أن معيار بطلان حكم التحكيم بموجب المادة ٥٣(١)(ز) هو معيار مزدوج two - pronged test يفترض (أولاً) وقوع عيب في إجراءات خصومة التحكيم من شأنه أن يؤدى إلى بطلانها، و(ثانيًا) أن يكون هذا البطلان قد أثر في حكم التحكيم، بمعنى أن يكون ما شاب الإجراء من بطلان قد انعكس على حكم التحكيم. وبإعمال هذا المعيار، فإنه ولئن كان اختيار المحكمين هو إجراء من إجراءات الخصومة التحكيمية إلا أن القول بمدى سلامته من عدمه يكون بالنظر إلى مدى موافقته للقانون الذى يحكم إجراءات التحكيم، وهو هنا قانون التحكيم المصري؛ ومدى موافقته لاتفاق طرفي التحكيم سواء كان في صورة شرط تحكيم arbitration clause أو مشارطة تحكيم submission agreement؛ وكذلك مدى موافقته لقواعد التحكيم arbitration rules التي تم الاتفاق عليها، مؤسسية institutional كانت أو غير مؤسسية ad hoc؛ وأخيرًا موافقته لتلك القواعد التي تعبر بحق عن النظام العام public policy للمجتمع المصري. وبهذه المثابة فإن مخالفة القاضي لقانون السلطة القضائية بعدم حصوله على موافقة مجلس القضاء الأعلى قبل مباشرة التحكيم لا يمكن أن تعد من قبيل البطلان الإجرائي من الأساس، ومن ثم فإن تلك المخالفة لا يمكنها التأثير في صحة حكم التحكيم الذى يصدره أو يشترك في إصداره رجل القضاء، ومن ثم تنتفى شروط إعمال المعيار المشار إليه.

وغير صحيح كذلك ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن عدم حصول القاضي على موافقة مجلس القضاء الأعلى لمباشرة التحكيم يعد بطلانًا متعلقًا بالنظام العام وفقًا للمادة ٥٣(٢) من قانون التحكيم؛ ذلك أنه لا يمكن تبعيض فكرة النظام العام غير القابلة للانقسام بطبيعتها، فلا يتصور ربط هذه الفكرة بالحصول على إذن أو تصريح من السلطة المختصة، فمرة يعد الإجراء موافقًا للنظام العام إذا ما صدر الإذن أو التصريح، ومرة يعد الإجراء ذاته مخالفًا للنظام العام إن لم يصدر الإذن أو التصريح. وعلى قاعدة من هذا الفهم، فإن الإجراء المخالف للنظام العام بحق لا يمكن أن يصححه الإذن ابتداءً أو الإجازة اللاحقة انتهاءً. لما كان ما تقدم، فإن مباشرة القاضي لمهمة التحكيم بغير موافقة مجلس القضاء الأعلى لا تمس النظام العام ولا تنال من صحة تشكيل هيئة التحكيم ولا تؤثر في حكم التحكيم ذاته، إذ ليس في ذلك إخلال بالضمانات الأساسية للتقاضي طوال العملية التحكيمية ولا تهديد المصالح العليا للمجتمع أو قيمه الأساسية، بما لا يصح معه استدعاء فكرة النظام العام وإرهاقها في غير ضرورة.

وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر المتقدم، وانتهى في قضائه إلى بطلان الأمر الوقتي الصادر في القضية التحكيمية المقيدة برقم ٦٣٣ لسنة ٢٠١٠ بمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي لبطلان تشكيل هيئة التحكيم التي أصدرته بطلانًا متعلقًا بالنظام العام لعدم حصول المحكم المسمى من قِبل الشركة الطاعنة على موافقة مجلس القضاء الأعلى لمباشرة التحكيم إلا في تاريخ لاحق على إصدار الأمر الوقتي، فإنه يكون معيبًا بمخالفة القانون بما يوجب نقضه على أن يكون النقض مع الإحالة.

لذلك

نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وألزمت الشركة المطعون ضدها المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة للفصل فيها مجددًا بهيئة أخرى.

أمين السر نائب رئيس المحكمة