برئاسة السيـد القاضي/ نبيـل عمـران نائب رئيس المحكمة
وعضوية السـادة القضاة/ محمود التركاوى، د. مصطفى سالمان، صـلاح عصمت ود. محمـد رجاء
نـواب رئيس المحكمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١-٩) تحكيم " شرط التحكيم " " مشارطة التحكيم " " التحكيم المؤسسي: المحكمة الدولية للتحكيم " " اتفاقية نيويورك ١٩٥٨ ". " . نقـض " الخصوم في الطعن بالنقض: الخصوم بصفة عامة " " أسباب الطعن بالنقض ". حكم " بطلان حكم "
(١) الاختصام في الطعن بالنقض. شرطه. لمن كان خصماً في النزاع الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه. اختصام من لم يقض له أو عليه بشيء. غير مقبول.
(٢) عدم القضاء للمطعون ضده الثاني بصفته أو عليه بشيء. مؤداه. ليس خصمًا حقيقيًا في النزاع. أثره. عدم قبول اختصامه في الطعن.
(٣) اتفاق التحكيم. شرط أو مشارطة. ماهيته. عقد حقيقي له سائر شروط وأركان العقود عمومًا. التراضي. ركن لا يقوم بدونه اتفاق التحكيم. جوهرة. تلاقى إرادتين على اتخاذ التحكيم وسيلة لتسوية المنازعات الناشئة عن تلك العلاقة أيا كان أساسها. شرطه. تدخل في المسائل التي يجوز بشأنها التحكيم وفقًا للمادة ١١ من ق التحكيم.
(٤) اتفاقية الأمم المتحدة للاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها نيويورك ١٩٥٨. استخدمت مصطلحًا واحدًا هو "اتفاق التحكيم". شرط التحكيم ومشارطته. اختلافهما. ماهيته. شرط التحكيم عقدًا مستقلًا داخل العقد الأصلي موضوعًا وسببًا وسابق على قيام النزاع والمشارطة لاحقــــة عليه. لازمه. احتفاظ كل منهما بخصائصه المميزة.
(٥) ثبوت اتفاق التحكيم بالأوراق والحكم الابتدائي وتسليم الطاعنة والمطعون ضدها باتفاقهما علــى أن الالتجاء إلــى التحكيم كان سابقًا على قيام النزاع بينهما. شرطًا كافيًا بذاته في الدلالة على اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية النزاع الذي قد ينشأ في المستقبل. لازمه. الامتناع عن إقامة الدعوى بالنزاع محل اتفاق التحكيم أمام القضاء. م١٣(١) من ق التحكيم. أثره. الحكم بعدم قبول الدعوى لو خالف أحدهما ذلك الالتزام السلبي ودفع بعدم قبول الدعوى قبل إبداء أي طلب أو دفاع. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضاءه بقبول الدفع المبدئ من المطعون ضدها الأولى بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم والتفاته عن دفاع لا يستند إلى أساس قانوني صحيح.
(٦) التزام الخصوم أنفسهم بتقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون. عدم إيداع الطاعنة وقت تقديم صحيفة الطعن بالنقض صورة من عقد النزاع وترجمته الرسمية. النعي على شرط التحكيم مفتقرًا لدليله. علة ذلك. م ٢٥٥ مرافعات.
(٧) التحكيم المؤسسي. هو الذي يتفق فيه الأطراف على أن يتم التحكيم بواسطة ووفقًا للقواعد الاجرائية بمؤسسة أو مركز دائم للتحكيم سواء كانت وطنية أو إقليمية أو دولية. م ٢٥ ق ٢٧ لسنة ١٩٩٤. إمكانية تعيين المحكمين أو أحدهم حسب اتفاق الطرفين أو مراجعة حكم التحكيم وفقًا للائحته. أهميته. حيازة ثقة المتعاملين في مجال الأعمال والتجارة الدولية والاستثمار. علة ذلك. توافر لها لوائح ونظم داخلية وأجهزة إدارية مستقرة صقلتها الخبرة العملية والتواتر على إدارة القضايا التحكيمية. أثره. شعور الأطراف بالأمان القانوني والإجرائي لأطراف التحكيم.
(٨) المحكمة الدولية للتحكيم مؤسسة تحكيم. ماهيتها. جهاز إداري مهمته الإشراف على سير إجراءات التحكيم التي تُجرَى طبقًا لقواعد التحكيم بغرفة التجارة الدولية. م ١ من قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية الصادرة ١٩٩٨ والمادة ١/٣ من الملحق رقم ١والمادتين ٢/ ٣ ،٤ و٦ من الملحق رقم ٢ من ذات القواعد. مؤداه. ليست جهة قضاء ولا تفصل في قضايا التحكيم. اقتصار عملها على التأكد من سلامة حكم التحكيم وخلوه من أسباب العوار التي تعرضه للبطلان في دولة إصداره أو التي تؤدى إلى رفض تنفيذه. علة ذلك.
(٩) ارتضاء الطاعنة إخضاع إجراءات التحكيم للقواعد الواردة بنظام الحكم الخاص بغرفة التجارة الدولية بباريس وللمحكمة الدولية للتحكيم بها. مؤداه. قبولها اختصاصات هذه المحكمة. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١-المقرر أنه لا يجوز أن يُختصم في الطعن إلا من كان خصمًا في النزاع الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه، وأن الخصم الذي لم يُقض له أو عليه بشيء لا يكون خصمًا حقيقيًا ولا يُقبل اختصامه في الطعن.
٢-إذ كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الثاني بصفته وزير الصحة لم يكن خصمًا حقيقيًا في النزاع الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه، إذ لم يُقض له أو عليه بشيء، ومن ثم يكون اختصامه في الطعن غير مقبول.
٣-النص في المادة ١٠ من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ على أن " (١) اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية. (٢) يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقًا على قيام النزاع سواء قام مستقلًا بذاته أو ورد في عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين، وفى هذه الحالة يجب أن يُحدد موضوع النزاع في بيان الدعوى المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة ٣٠ من هذا القانون، كما يجوز أن يتم اتفاق التحكيم بعد قيام النزاع ولو كانت قد أقيمت في شأنه دعوى أمام جهة قضائية، وفى هذه الحالة يجب أن يحدد الاتفاق المسائل التي يشملها التحكيم وإلا كان الاتفاق باطلًا"، يدل على أن جوهر اتفاق التحكيم، شرطًا كان أم مشارطة، أنه عقد حقيقي له سائر شروط وأركان العقود عمومًا، وأنه تراض بين طرفي علاقة قانونية معينة، وتلاقى إرادتيهما على اتخاذ التحكيم وسيلة لتسوية المنازعات الناشئة عن تلك العلاقة، أيًا كان أساس تلك العلاقة القانونية، طالما أنها تدخل في المسائل التي يجوز بشأنها التحكيم وفقًا للمادة ١١ من ذات القانون.
٤- قد يكون الاتفاق (اتفاق التحكيم) سابقًا على نشوء النزاع بين الطرفين، وهو ما يسمى بشرط التحكيم clause compromissoire وهو ولئن كان بندًا أو شرطًا من شروط العقد إلا أنه يعد في ذاته عقدًا مستقلًا داخل العقد الأصلي، له موضوعه وسببه المختلفان عن موضوع وسبب العقد الأصلي؛ فموضوعه هو تسوية النزاع بين الطرفين بطريق التحكيم، أما سببه فهو رغبة الطرفين في سلب النزاع من قضاء الدولة وتخويل سلطة الفصل فيه لقضاء التحكيم. وقد يكون اتفاق التحكيم لاحقًا على نشوء النزاع ووقوع الخلاف بين أطراف العلاقة القانونية، وهو ما يُسمى بعقد التحكيم أو مشارطة التحكيم compromis فيكون عقدًا حقيقيًا قائمًا بذاته. ولقد حرصت اتفاقية الأمم المتحدة للاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها "نيويورك ١٩٥٨"، United Nations Convention on the Recognition and Enforcement of Foreign Arbitral Awards (New York, ١٩٥٨)، على تجنب استعمال مصطلحي "شرط التحكيم" و"مشارطة التحكيم"، واستخدمت مصطلحًا واحدًا هو "اتفاق التحكيم" يستوعبهما معًا مع احتفاظ كل منهما بخصائصه المميزة.
٥-إذ كان الثابت بالأوراق ومدونات الحكم الابتدائي، وعلى ما تسلم به الطاعنة في صحيفة أسباب طعنها والمطعون ضدها في مذكرة ردها وبما لا خلاف عليه بينهما، أن اتفاق الطرفين علــى الالتجاء إلــى التحكيم كان سابقًا على قيام النزاع بينهما واتخذ صورة شرط التحكيم الوارد بالبند ٢٣ من عقد النزاع والذى نص على أن " أي نزاع بين الطرفين يتعلق بهذا الاتفاق لا يمكن تسويته وديًا، يتم تسويته باللجوء إلى التحكيم، من هيئة مكونة من ثلاثة مُحَكَمين يجيدون الإنجليزية بطلاقة، بموجب قواعد الصلح والتحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس". وكان هذا الشرط كافيًا بذاته في الدلالة على اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية النزاع الذي قد ينشأ في المستقبل بخصوص ذلك العقد، بما يرتب التزامًا عليهما بالامتناع عن إقامة الدعوى بالنزاع محل اتفاق التحكيم أمام القضاء، ولو خالف أحدهما ذلك الالتزام السلبي ورفع دعواه إلى محاكم الدولة ودفع أمامها الطرف الآخر بعدم قبول الدعوى قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى، وجب عليها – عملًا بالمادة ١٣(١) من قانون التحكيم المصري - أن تحكم بعدم قبول الدعوى. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بقبول الدفع المبدئ من المطعون ضدها الأولى بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ولا عليه إن التفت عن دفاع لا يستند إلى أساس قانوني صحيح، ويضحى النعي عليه على غير أساس.
٦-المقرر أن الشارع عد من الإجراءات الجوهرية في الطعن بطريق النقض أن يُناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون. لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تودع قلم كتاب هذه المحكمة وقت تقديم صحيفة الطعن بالنقض، عملًا بالمادة ٢٥٥ من قانون المرافعات المدنية والتجارية، صورة من عقد النزاع المؤرخ ١/١/١٩٩٦ وترجمته الرسمية، مذيلة بعبارة "صورة لتقديمها لمحكمة النقض"، والذي تقول إن شرط التحكيم الذي تضمنه العقد خولها الحق في اللجوء إلى أي محكمة ذات اختصاص قضائي، حتى يمكن التحقق من صحة ما تنعاه على الحكم المطعون فيه، فإن نعيها في هذا الخصوص يكون مفتقرًا لدليله.
٧-المادة ٢٥ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ تنص على أنه " لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم، مع مراعاة أحكام هذا القانون، أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة". وكان التحكيم المؤسسي Institutional Arbitration هو التحكيم الذي يتفق فيه الأطراف على أن يتم التحكيم بواسطة مركز دائم للتحكيم أو مؤسسة تحكيم دائمة، سواء كانت وطنية أو إقليمية أو دولية، فيتم التحكيم وفقًا لنظام هذه المؤسسة وقواعدها الإجرائية التي يجب اتباعها في التحكيم، فقد تقوم تلك المؤسسة بتعيين المحكمين أو أحدهم حسب اتفاق الطرفين، أو تقوم بمراجعة حكم التحكيم حسبما تنص عليه لائحتها، غير أن أهم ما يميزها هو أنها تحوز ثقة المتعاملين – عبر السنين- في مجال الأعمال والتجارة الدولية والاستثمار، لما توافر لها من لوائح ونظم داخلية، وأجهزة إدارية مستقرة صقلتها الخبرة العملية والتواتر على إدارة القضايا التحكيمية، بما يوفر – في نهاية الأمر- الأمان القانوني والإجرائي لأطراف التحكيم.
٨- إذ كان لا خلاف بين الطرفين على أن شرط التحكيم، الوارد كبند في العقد المبرم بينهما عام ١٩٩٦، تضمن أن تسوية النزاع تكون طبقًا لقواعد محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية (ICC)في باريس. وبالرجوع إلى قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية الصادرة عام ١٩٩٨ المنطبقة على واقعة النزاع -والتي تم تعديلها لاحقًا عامي ٢٠١٢ و٢٠١٧ – يبين أن المادة الأولى المعنونة "محكمة التحكيم الدولية" International Court of Arbitration، تنص على أن " ١- محكمة التحكيم الدولية" ("المحكمة") المنبثقة عن غرفة التجارة الدولية هي جهاز التحكيم المستقل التابع لغرفة التجارة الدولية ... . ٢- لا تفصل "المحكمة" بنفسها في المنازعات. لكن وظيفتها هي ضمان تطبيق قواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية ... . ومن بين ما تضمنته تلك "القواعد" أن يقبل الأطراف، بمجرد الاتفاق على التحكيم وفقًا "للقواعد"، أن تقوم "المحكمة" بإدارة عملية التحكيم". وأن تكون قرارات "المحكمة" نهائية فيما يتعلق بتعيين المحكم أو تأكيده أو رده أو استبداله. وإذا لم يتفق الأطراف على عدد المحكمين تعين "المحكمة" مُحَكَمًا منفردًا إلا إذا تبين لها أن المنازعة من شأنها أن تستدعى تعيين ثلاثة مُحَكَمين. وإذا لم يُسَم أحد الأطراف مُحَكَمًا عنه تقوم "المحكمة" بالتعيين appointment، كما أنها هي التي تُعين المُحَكَم الثالث. وإذا رأى الأمين العام عدم تثبيت confirmation عضو هيئة تحكيم أو مُحَكَم منفرد أو رئيس هيئة تحكيم، يعرض الأمر على "المحكمة". وفى حالة تقدم طلب رد challenge أحد المُحَكَمين تُصدر "المحكمة" قرارها بشأن قبول طلب الرد. كما أن لها سلطة تحديد مكان التحكيم place of the arbitration إذا لم يتفق عليه الأطراف. وبعد أن تتلقى "المحكمة" من هيئة التحكيم وثيقة المهمة terms of reference تكون لها سلطة اعتمادها. وهي المنوط بها تدقيق حكم التحكيم Scrutiny of the Award، إذ يتعين على هيئة التحكيم، قبل توقيع أي حكم تحكيم، أن تقدم مشروعه إلى "المحكمة". و"للمحكمة" أن تُدخل تعديلات تتعلق بشكل الحكمas to the form ، ولها أيضًا -دون المساس بما لهيئة التحكيم من حرية الفصل في المنازعة- أن تلفت انتباه الهيئة إلى مسائل تتعلق بالموضوع. ولا يجوز أن يَصدر أي حكم تحكيم من هيئة التحكيم حتى تعتمده "المحكمة" من حيث الشكل. و"للمحكمة" أيضًا سلطة اعتماد أي حكم تصدره هيئة التحكيم، من تلقاء نفسها، بتصحيح أي خطأ كتابى أو حسابي أو مطبعي أو أية أخطاء ذات طبيعة مماثلة وردت في حكم التحكيم. وإذا قُدم طلب لتصحيح خطأ مماثل أو لتفسير حكم تحكيم من قبل أحد الأطراف، تعرض هيئة التحكيم مشروع قرارها المتعلق بالطلب على "المحكمة". كما أنه "للمحكمة" سلطة تحديد قيمة الدفعة المقدمة لتغطية مصاريف التحكيم. وهي التي تحدد مصاريف التحكيم التي تشمل أتعاب المحكمين ومصاريفهم والنفقات الإدارية لغرفة التجارة الدولية. ومن ناحية ثانية، فإن المادة ١(٣) من الملحق رقم (١) المعنون "النظام الأساسي للمحكمة الدولية للتحكيم" تنص على أن " أعضاء "المحكمة" مستقلون عن اللجان الوطنية والمجموعات التابعة لغرفة التجارة الدولية". وكان الملحق رقم ٢ المعنون "القواعد الداخلية للمحكمة الدولية للتحكيم" ينص في مادته الثانية المعنونة "مشاركة أعضاء محكمة التحكيم الدولية في التحكيم بغرفة التجارة الدولية" في الفِقرة الثالثة منه على أنه " عندما يكون الرئيس أو أحد نوابه أو عضو من أعضاء "المحكمة" على علاقة، بأية صفة كانت، بإجراءات تحكيم معروضة على "المحكمة" يجب على هذا الشخص، بمجرد علمه بهذه العلاقة، إعلام الأمين العام "للمحكمة" بهذه العلاقة". كما ينص في الفِقرة الرابعة منه على أنه " يجب على هذا الشخص عدم حضور جلسة "المحكمة" في أي وقت تنظر فيه "المحكمة" في الدعوى ولا يجوز له أن يشارك في مناقشات أو قرارات "المحكمة" في هذا الشأن". وأخيرًا فتنص المادة ٦ من هذا الملحق المعنونة "تدقيق أحكام التحكيم" Scrutiny of Arbitral Awards على أنه " عند تدقيق "المحكمة" لمشاريع أحكام التحكيم طبقًا للمادة الرابعة والثلاثين من "القواعد" تراعى المحكمة بقدر الإمكان متطلبات القانون الآمرة المعمول بها بمقر التحكيم".
ويبين مما تقدم أن المحكمة الدولية للتحكيم "المحكمة" ليست جهة قضاء ولا تفصل في قضايا التحكيم، وأنها لا تشترك مع هيئة التحكيم في إصدار حكم التحكيم؛ فهي على الرغم من تسميتها "بمحكمة" ليست محكمة بالمعنى المعروف، وإنما هي مؤسسة تحكيم arbitral institution، فهي جهاز إداري مهمته الإشراف على سير إجراءات التحكيم التي تُجرَى طبقًا لقواعد التحكيم بغرفة التجارة الدولية، ولا شأن لـها بموضوع القضية التحكيمية أو مدى أحقية كل طرف فيها فيما يدعيه أو ما تنتهى إليه هيئة التحكيم من قضاء في موضوع النزاع، وعملها في خصوص مراجعة حكم التحكيم مقصور على التأكد من سلامته من حيث الشكل وخلوه من أسباب العوار التي تعرضه للبطلان أو تلك التي تؤدى إلى رفض تنفيذه طبقًا لقانون البلد التي سينفذ في إقليمها، وإن كان لها تقديم ملاحظات بشأن سلامة الحكم من الناحية الموضوعية إلا أن هذه الملاحظات غير ملزمة بأي حال لهيئة التحكيم، ومع ذلك فهي تتم لصالح أطراف النزاع لضمان سلامة حكم التحكيم الذي يصدر، لذلك فإن المراجعة المذكورة ضرورية كذلك حتى في مشروع الحكم الذي يقتصر على مجرد إثبات ما اتفق عليه الطرفان لإنهاء التحكيم صلحًا، ومن ناحية أخرى يحقق مراجعة مشروع حكم التحكيم فائدة لنظام التحكيم أمام غرفة التجارة الدولية بباريس عن طريق ضمان جودة الأحكام وقلة احتمالات الطعن فيها أو عدم تنفيذها بما يحفظ لنظام التحكيم بالغرفة السمعة الدولية التي يتمتع بها في أوساط التجارة الدولية.
٩-ليس للطاعنة التنصل من شرط التحكيم الوارد في عقد النزاع إذ بموجبه ارتضت إخضاع إجراءات التحكيم للقواعد الواردة بنظام التحكيم الخاص بغرفة التجارة الدولية بباريس وإسناد إدارتها إلى مؤسسة التحكيم المسماة "المحكمة الدولية للتحكيم" ومؤدى هذا القبول ولازمه قبولها لاختصاصات هذه المؤسسة وقراراتها، ولا على الحكم المطعون فيه من بعد إن هو التفت عن دفاع الطاعنة في هذا الخصوص والذي لا يستند إلى أساس قانونياً سليم، ومن ثم يكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر/ د. محمد رجاء أحمد حمدي نائب رئيس المحكمة والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت على المطعون ضدهما الدعوى رقم ١٢٢١ لسنة ٢٠٠٥ تجارى كلى جنوب القاهرة الابتدائية، بطلب الحكم بصحة ونفاذ العقد المؤرخ ١/١/١٩٩٦، وإلزام الشركة المطعون ضدها الأولى بتنفيذ هذا العقد، مع التزامها دفع غرامة تهديدية مقدارها عشرون ألف جنيه عن كل أسبوع في حالة امتناعها عن التنفيذ، وإلزامها بمبلغ عشرة ملايين جنيه تعويضًا ماديًا وأدبيًا، وبيانًا لذلك قالت إنه بموجب العقد المشار إليه حصلت على ترخيص من المطعون ضدها الأولى بتصنيع منتجاتها الدوائية في جمهورية مصر العربية وتصديرها، غير أن الأخيرة امتنعت عن إرسال المواد الخام اللازمة للتصنيع، وأنهت التعاقد في ١٥/٦/٢٠٠٥ بإرادتها المنفردة، فكانت الدعوى. دفعت المطعون ضدها بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، وحكمت المحكمة بقبول الدفع. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم ١٦٠٧ لسنة ١٣٤ق القاهرة، فقضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إنه من المقرر أنه لا يجوز أن يُختصم في الطعن إلا من كان خصمًا في النزاع الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه، وأن الخصم الذي لم يُقض له أو عليه بشيء لا يكون خصمًا حقيقيًا ولا يُقبل اختصامه في الطعن. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الثاني بصفته وزير الصحة لم يكن خصمًا حقيقيًا في النزاع الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه، إذ لم يُقض له أو عليه بشيء، ومن ثم يكون اختصامه في الطعن غير مقبول.
وحيث إن الطعن - فيما عدا ما تقدم - استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطاعنة تنعَى بالوجه الأول من سبب الطعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف بأن المشرع أوجب في المادة ١٠(٢) من قانون التحكيم المصري تحديد موضوع النزاع في اتفاق التحكيم وإلا كان الاتفاق باطلًا، ومع ذلك فقد جاء شرط التحكيم الوارد في العقد المحرر بين الطاعنة والمطعون ضدها في عبارة عامة فضفاضة ولم يتضمن أي تحديد لموضوع النزاع وطبيعته، غير أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع إيرادًا أو ردًا على الرغم من جوهريته، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأن النص في المادة ١٠ من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ على أن " (١) اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية. (٢) يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقًا على قيام النزاع سواء قام مستقلًا بذاته أو ورد في عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين، وفى هذه الحالة يجب أن يُحدد موضوع النزاع في بيان الدعوى المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة ٣٠ من هذا القانون، كما يجوز أن يتم اتفاق التحكيم بعد قيام النزاع ولو كانت قد أقيمت في شأنه دعوى أمام جهة قضائية، وفى هذه الحالة يجب أن يحدد الاتفاق المسائل التي يشملها التحكيم وإلا كان الاتفاق باطلًا"، يدل على أن جوهر اتفاق التحكيم، شرطًا كان أم مشارطة، أنه عقد حقيقي له سائر شروط وأركان العقود عمومًا، وأنه تراض بين طرفي علاقة قانونية معينة، وتلاقى إرادتيهما على اتخاذ التحكيم وسيلة لتسوية المنازعات الناشئة عن تلك العلاقة، أيًا كان أساس تلك العلاقة القانونية، طالما أنها تدخل في المسائل التي يجوز بشأنها التحكيم وفقًا للمادة ١١ من ذات القانون. فقد يكون الاتفاق سابقًا على نشوء النزاع بين الطرفين، وهو ما يسمى بشرط التحكيم clause compromissoire وهو ولئن كان بندًا أو شرطًا من شروط العقد إلا أنه يعد في ذاته عقدًا مستقلًا داخل العقد الأصلي، له موضوعه وسببه المختلفان عن موضوع وسبب العقد الأصلي؛ فموضوعه هو تسوية النزاع بين الطرفين بطريق التحكيم، أما سببه فهو رغبة الطرفين في سلب النزاع من قضاء الدولة وتخويل سلطة الفصل فيه لقضاء التحكيم. وقد يكون اتفاق التحكيم لاحقًا على نشوء النزاع ووقوع الخلاف بين أطراف العلاقة القانونية، وهو ما يُسمى بعقد التحكيم أو مشارطة التحكيم compromis فيكون عقدًا حقيقيًا قائمًا بذاته. ولقد حرصت اتفاقية الأمم المتحدة للاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها "نيويورك ١٩٥٨"، United Nations Convention on the Recognition and Enforcement of Foreign Arbitral Awards (New York, ١٩٥٨)، على تجنب استعمال مصطلحي "شرط التحكيم" و"مشارطة التحكيم"، واستخدمت مصطلحًا واحدًا هو "اتفاق التحكيم" يستوعبهما معًا مع احتفاظ كل منهما بخصائصه المميزة. لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق ومدونات الحكم الابتدائي، وعلى ما تسلم به الطاعنة في صحيفة أسباب طعنها والمطعون ضدها في مذكرة ردها وبما لا خلاف عليه بينهما، أن اتفاق الطرفين علــى الالتجاء إلــى التحكيم كان سابقًا على قيام النزاع بينهما واتخذ صورة شرط التحكيم الوارد بالبند ٢٣ من عقد النزاع والذى نص على أن " أي نزاع بين الطرفين يتعلق بهذا الاتفاق لا يمكن تسويته وديًا، يتم تسويته باللجوء إلى التحكيم، من هيئة مكونة من ثلاثة مُحَكَمين يجيدون الإنجليزية بطلاقة، بموجب قواعد الصلح والتحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس". وكان هذا الشرط كافيًا بذاته في الدلالة على اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية النزاع الذي قد ينشأ في المستقبل بخصوص ذلك العقد، بما يرتب التزامًا عليهما بالامتناع عن إقامة الدعوى بالنزاع محل اتفاق التحكيم أمام القضاء، ولو خالف أحدهما ذلك الالتزام السلبي ورفع دعواه إلى محاكم الدولة ودفع أمامها الطرف الآخر بعدم قبول الدعوى قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى، وجب عليها – عملًا بالمادة ١٣(١) من قانون التحكيم المصري - أن تحكم بعدم قبول الدعوى. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بقبول الدفع المبدئ من المطعون ضدها الأولى بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم، فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ولا عليه إن التفت عن دفاع لا يستند إلى أساس قانونيا صحيح، ويضحى النعي عليه على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعَى بالوجه الثاني من سبب الطعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وبيانًا لذلك قالت إن شرط التحكيم بالعقد أعطى لها الحق في اللجوء لأي محكمة ذات اختصاص قضائي.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك بأنه من المقرر أن الشارع عد من الإجراءات الجوهرية في الطعن بطريق النقض أن يُناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون. لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تودع قلم كتاب هذه المحكمة وقت تقديم صحيفة الطعن بالنقض، عملًا بالمادة ٢٥٥ من قانون المرافعات المدنية والتجارية، صورة من عقد النزاع المؤرخ ١/١/١٩٩٦ وترجمته الرسمية، مذيلة بعبارة "صورة لتقديمها لمحكمة النقض"، والذي تقول إن شرط التحكيم الذي تضمنه العقد خولها الحق في اللجوء إلى أي محكمة ذات اختصاص قضائي، حتى يمكن التحقق من صحة ما تنعاه على الحكم المطعون فيه، فإن نعيها في هذا الخصوص يكون مفتقرًا لدليله.
وحيث إن الطاعنة تنعَى بالوجه الثالث من سبب الطعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفى بيان ذلك تقول إنها تمسكت بدفاع أمام محكمة الاستئناف مؤداه بطلان شرط التحكيم، باعتبار أنه يتعين على هيئة التحكيم، في التحكيم الذي يتم طبقًا لقواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس، أن تعرض مشروع حكمها على المحكمة الداخلية بالغرفة، عملًا بالمادة ٢٧ من تلك القواعد، لتبدى رأيها فيه قبل النطق بالحكم، وهو ما يؤدى حتمًا إلى بطلان حكم التحكيم، إذ إن قانون التحكيم المصري لا يسمح لغير المُحَكَمين أن يشتركوا في إصدار الحكم، ومع ذلك فقد التفت الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع فلم يعرض له إيرادًا أو ردًا، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المادة ٢٥ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ تنص على أنه " لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم، مع مراعاة أحكام هذا القانون، أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة". وكان التحكيم المؤسسي Institutional Arbitration هو التحكيم الذي يتفق فيه الأطراف على أن يتم التحكيم بواسطة مركز دائم للتحكيم أو مؤسسة تحكيم دائمة، سواء كانت وطنية أو إقليمية أو دولية، فيتم التحكيم وفقًا لنظام هذه المؤسسة وقواعدها الإجرائية التي يجب اتباعها في التحكيم، فقد تقوم تلك المؤسسة بتعيين المحكمين أو أحدهم حسب اتفاق الطرفين، أو تقوم بمراجعة حكم التحكيم حسبما تنص عليه لائحتها، غير أن أهم ما يميزها هو أنها تحوز ثقة المتعاملين – عبر السنين- في مجال الأعمال والتجارة الدولية والاستثمار، لما توافر لها من لوائح ونظم داخلية، وأجهزة إدارية مستقرة صقلتها الخبرة العملية والتواتر على إدارة القضايا التحكيمية، بما يوفر – في نهاية الأمر- الأمان القانوني والإجرائي لأطراف التحكيم. لما كان ذلك، وكان لا خلاف بين الطرفين على أن شرط التحكيم، الوارد كبند في العقد المبرم بينهما عام ١٩٩٦، تضمن أن تسوية النزاع تكون طبقًا لقواعد محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية (ICC)في باريس. وبالرجوع إلى قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية الصادرة عام ١٩٩٨ المنطبقة على واقعة النزاع -والتي تم تعديلها لاحقًا عامي ٢٠١٢ و٢٠١٧ – يبين أن المادة الأولى المعنونة "محكمة التحكيم الدولية" International Court of Arbitration، تنص على أن " ١- محكمة التحكيم الدولية" ("المحكمة") المنبثقة عن غرفة التجارة الدولية هي جهاز التحكيم المستقل التابع لغرفة التجارة الدولية .... ٢- لا تفصل "المحكمة" بنفسها في المنازعات. لكن وظيفتها هي ضمان تطبيق قواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية .... ومن بين ما تضمنته تلك "القواعد" أن يقبل الأطراف، بمجرد الاتفاق على التحكيم وفقًا "للقواعد"، أن تقوم "المحكمة" بإدارة عملية التحكيم". وأن تكون قرارات "المحكمة" نهائية فيما يتعلق بتعيين المحكم أو تأكيده أو رده أو استبداله. وإذا لم يتفق الأطراف على عدد المحكمين تعين "المحكمة" مُحَكَمًا منفردًا إلا إذا تبين لها أن المنازعة من شأنها أن تستدعى تعيين ثلاثة مُحَكَمين. وإذا لم يُسَم أحد الأطراف مُحَكَمًا عنه تقوم "المحكمة" بالتعيين appointment، كما أنها هي التي تُعين المُحَكَم الثالث. وإذا رأى الأمين العام عدم تثبيت confirmation عضو هيئة تحكيم أو مُحَكَم منفرد أو رئيس هيئة تحكيم، يعرض الأمر على "المحكمة". وفى حالة تقدم طلب رد challenge أحد المُحَكَمين تُصدر "المحكمة" قرارها بشأن قبول طلب الرد. كما أن لها سلطة تحديد مكان التحكيم place of the arbitration إذا لم يتفق عليه الأطراف. وبعد أن تتلقى "المحكمة" من هيئة التحكيم وثيقة المهمة terms of reference تكون لها سلطة اعتمادها. وهي المنوط بها تدقيق حكم التحكيم Scrutiny of the Award، إذ يتعين على هيئة التحكيم، قبل توقيع أي حكم تحكيم، أن تقدم مشروعه إلى "المحكمة". و"للمحكمة" أن تُدخل تعديلات تتعلق بشكل الحكمas to the form ، ولها أيضًا -دون المساس بما لهيئة التحكيم من حرية الفصل في المنازعة- أن تلفت انتباه الهيئة إلى مسائل تتعلق بالموضوع. ولا يجوز أن يَصدر أي حكم تحكيم من هيئة التحكيم حتى تعتمده "المحكمة" من حيث الشكل. و"للمحكمة" أيضًا سلطة اعتماد أي حكم تصدره هيئة التحكيم، من تلقاء نفسها، بتصحيح أي خطأ كتابي أو حسابي أو مطبعي أو أية أخطاء ذات طبيعة مماثلة وردت في حكم التحكيم. وإذا قُدم طلب لتصحيح خطأ مماثل أو لتفسير حكم تحكيم من قبل أحد الأطراف، تعرض هيئة التحكيم مشروع قرارها المتعلق بالطلب على "المحكمة". كما أنه "للمحكمة" سلطة تحديد قيمة الدفعة المقدمة لتغطية مصاريف التحكيم. وهي التي تحدد مصاريف التحكيم التي تشمل أتعاب المحكمين ومصاريفهم والنفقات الإدارية لغرفة التجارة الدولية. ومن ناحية ثانية، فإن المادة ١(٣) من الملحق رقم (١) المعنون "النظام الأساسي للمحكمة الدولية للتحكيم" تنص على أن " أعضاء "المحكمة" مستقلون عن اللجان الوطنية والمجموعات التابعة لغرفة التجارة الدولية". وكان الملحق رقم ٢ المعنون "القواعد الداخلية للمحكمة الدولية للتحكيم" ينص في مادته الثانية المعنونة "مشاركة أعضاء محكمة التحكيم الدولية في التحكيم بغرفة التجارة الدولية" في الفِقرة الثالثة منه على أنه " عندما يكون الرئيس أو أحد نوابه أو عضو من أعضاء "المحكمة" على علاقة، بأية صفة كانت، بإجراءات تحكيم معروضة على "المحكمة" يجب على هذا الشخص، بمجرد علمه بهذه العلاقة، إعلام الأمين العام "للمحكمة" بهذه العلاقة". كما ينص في الفِقرة الرابعة منه على أنه " يجب على هذا الشخص عدم حضور جلسة "المحكمة" في أي وقت تنظر فيه "المحكمة" في الدعوى ولا يجوز له أن يشارك في مناقشات أو قرارات "المحكمة" في هذا الشأن". وأخيرًا فتنص المادة ٦ من هذا الملحق المعنونة "تدقيق أحكام التحكيم" Scrutiny of Arbitral Awards على أنه " عند تدقيق "المحكمة" لمشاريع أحكام التحكيم طبقًا للمادة الرابعة والثلاثين من "القواعد" تراعى المحكمة بقدر الإمكان متطلبات القانون الآمرة المعمول بها بمقر التحكيم".
ويبين مما تقدم أن المحكمة الدولية للتحكيم "المحكمة" ليست جهة قضاء ولا تفصل في قضايا التحكيم، وأنها لا تشترك مع هيئة التحكيم في إصدار حكم التحكيم؛ فهي على الرغم من تسميتها "بمحكمة" ليست محكمة بالمعنى المعروف، وإنما هي مؤسسة تحكيم arbitral institution، فهي جهاز إداري مهمته الإشراف على سير إجراءات التحكيم التي تُجرَى طبقًا لقواعد التحكيم بغرفة التجارة الدولية، ولا شأن لـها بموضوع القضية التحكيمية أو مدى أحقية كل طرف فيها فيما يدعيه أو ما تنتهى إليه هيئة التحكيم من قضاء في موضوع النزاع، وعملها في خصوص مراجعة حكم التحكيم مقصور على التأكد من سلامته من حيث الشكل وخلوه من أسباب العوار التي تعرضه للبطلان أو تلك التي تؤدى إلى رفض تنفيذه طبقًا لقانون البلد التي سينفذ في إقليمها، وإن كان لها تقديم ملاحظات بشأن سلامة الحكم من الناحية الموضوعية إلا أن هذه الملاحظات غير ملزمة بأي حال لهيئة التحكيم، ومع ذلك فهي تتم لصالح أطراف النزاع لضمان سلامة حكم التحكيم الذي يصدر، لذلك فإن المراجعة المذكورة ضرورية كذلك حتى في مشروع الحكم الذي يقتصر على مجرد إثبات ما اتفق عليه الطرفان لإنهاء التحكيم صلحًا، ومن ناحية أخرى يحقق مراجعة مشروع حكم التحكيم فائدة لنظام التحكيم أمام غرفة التجارة الدولية بباريس عن طريق ضمان جودة الأحكام وقلة احتمالات الطعن فيها أو عدم تنفيذها بما يحفظ لنظام التحكيم بالغرفة السمعة الدولية التي يتمتع بها في أوساط التجارة الدولية.
لما كان ما تقدم، فإنه ليس للطاعنة التنصل من شرط التحكيم الوارد في عقد النزاع إذ بموجبه ارتضت إخضاع إجراءات التحكيم للقواعد الواردة بنظام التحكيم الخاص بغرفة التجارة الدولية بباريس وإسناد إدارتها إلى مؤسسة التحكيم المسماة "المحكمة الدولية للتحكيم" ومؤدى هذا القبول ولازمه قبولها لاختصاصات هذه المؤسسة وقراراتها، ولا على الحكم المطعون فيه من بعد إن هو التفت عن دفاع الطاعنة في هذا الخصوص والذي لا يستند إلى أساس قانونيا سليم، ومن ثم يكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
لـذلك
رفضت المحكمة الطعن وألزمت الشركة الطاعنة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة مع مصادرة الكفالة.