حكم التحكيم / حكم التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 42 -43 / قـرار تحكيـمـي - الطعـن فـيـه يـكـون عـن طـريـق الإبطال- الإبطال ليس طريقا لإعادة نظر الموضوع
إن قرار هيئة التحكيم وفقاً للمادة 40 من قانون التحكيم لسنة 2005 لا يقبل الطعن فيـه، إلا عن طريق دعوى البطلان.
بينت المادة 41/1 من القانون الأسباب التي يجوز بناء عليها للمحكوم ضده طلـب الغـاء حكم هيئة التحكيم وليس من بينها أن تكون طريقاً لنظر موضوع النزاع والفصل فيه.
(المحكمة القومية العليا – الدائرة المدنية، الطعن رقم 150/2014) .
تعليق المحامي فاضل حاضري (سوريا)
الأصل في التحكيم، هو إرادة طرفي العلاقة التعاقدية في تسوية المنازعات التي قـد تثـور بينهما، عن طريق التحكيم، فهو وسيلة اختيارية لفض المنازعات، لا تنشأ إلاّ عن الإرادة الحـرة لأطرافه .
وقد دأبت العديد من أحكام المحاكم في التأكيد على مبدأ حجية أحكام التحكيم ، إ ذ قضت بأن أحكام المحكمين شأنها شأن أحكام القضاء، تحوز حجية الشيء المحكوم به بمجـرد صـدورها، وتبقى هذه الحجية ما دام أن الحكم قائم .
ولئن كان حكم التحكيم لا يتمتع بكافة الخصائص الذاتية لحكم القضاء ولا يصدر من محاكم الدولة ولا بإسمها، فإن المشرع يمنحه حجية مبا شرة بمجرد صدوره ويجعله حجة على الخصوم مفترضاً صحة ما انتهى إليه من قبول أو رفض.
وتستند هذه الحجية في الأساس إلى إراد ات الأطراف، ذلك أن مجرد اتفاق هؤلاء على التحكيم يعني صراحة منحهم هيئة التحكيم ولاية نظر نزاعهم وسلطة إصدار حكم "تحكيمي" ملزم لهم .
والواقع أن المشرع السوداني قد أخذ بفكرة فعالية التحكيم وأكَّد على السرعة باعتبارها ميزة أساسية للتحكيم وأن حكم التحكيم يعد مبرماً ويتمتع بحجية الأمر المقضي به ، وأنه قابل للتنفيـذ تلقائياً من قبل الأطراف أو بصفة إجبارية إذا رفض المحكوم تنفيذه طوعاً بعد اكـسائه صـيغة التنفيذ .
والحقيقة أن دعوى بطلان حكم المحكم لها طبيعة خاصة تختلـف عـن دعـاوى بطـلان التصرفات القانونية، وتختلف عن طرق الطعن العادية وغير العادية في الحكم القضائي مـع أن بعض الفقه يعتبرها درباً من دروب الطعن بسبب أن الطلبات التي تعد مقبولة هي الطلبات التي ترمي إلى الابطال لا إلى الإصلاح أو تعديل حكم المحكمين.
والجدير بالذكر أن الطعن بالبطلان الذي أورده المشرع السوداني هـو الطريـق الوحيـد للطعن على حكم التحكيم وبالتالي لا يجوز الرجوع على هذا الحكم بأي وجه من أوجه الرجـوع الأخرى كالاستئناف والطعن بإعادة المحاكمة.
ونحن نؤيد المحكمة حينما علّلت قراراها:
".. أن قرار هيئة التحكيم، وفقاً للمـادة40 مـن قانون التحكيم لسنة 2005 لا يقبل الطعن فيه، إلا عن طريق دعوى البطلان، وقد بينـت المـادة 41/1 من القانون الأسباب التي يجوز بناء عليها للمحكوم ضده طلب الغاء حكم هيئـة الت حكـيم، وليس من بينها أن تكون طريقاً لنظر موضوع النزاع والفصل فيه.. "
لأن حدود دعوى البطلان تنحصر فقط في المجال الهيكلي الجامع المحدد لها فـي قـانون التحكيم، وبالتالي فلا يجوز لأي من الخصوم أن يبدي من الطلبات أو الدفوع أو أوجه دفاع مـا يكون من شأنه توسيع هذا النطاق التشريعي ، فهم لا يملكون في خـصومة الـبطلان الحقـوق والمزايا التي كانت مقررة لهم أمام التحكيم .
والجدير بالذكر أن معظم الحالات التي يقضي فيها القضاء السوداني بعـدم قبـول دعـوى بطلان حكم التحكيم استناداً إلى أن حالات البطلان واردة في القانون على سبيل الحصر، وغالبـاً ما يتمسك مدعي البطلان إما إلى مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو استناد المدعي إلى عـدم فهم المحكم للوقائع أو خطأه في تكييفيها، وهذه كلها أسباب لا تؤدي إلى البطلان ولا تعد سبباً من الأسباب التي نص عليها المشرع السوداني في المادة 41/1 من قانون الت حكيم الـسوداني لـسنة 2005 .
ويتبين من كلّ ما تقدم، أن قرار المحكمة القومية العليا محلّ هذا التعليق، قد تطرق إلى نقطة قانونية مهمة.
وقد جاء هذا الحكم ليؤكّد أن القضاء يحصن القرارات التحكيميـة ضـد دعـاوى البطلان غير المبررة لأنّه يعتبر أن التحكيم والقضاء هما وسيلتان متكاملتان لفض النزاعات فـي المجتمع.