إن قانون التحكيم أخضع حكم التحكيم لرقابة القضاء بطريقين أحدهما طلب إبطالـه عـن طريق رفع دعوى البطلان، وثانيهما عند طلب تنفيذ حكم التحكيم وفقاً لمـا ورد بالمـادة(59) تحكيم.
(المحكمة العليا بأمانة العاصمة، الدائرة التجارية، الهيئـة (ب) ، الطعـن التجـاري رقـم 49177 تاريخ 2012/6/4 ) .
.......
.......
الوقائع والإجراءات:
استمعت الدائرة إلى التقرير الذي أعده عضو الدائرة مشتملاً على الآتي: بموجب وثيقة تحكيم (صورة) تضمنت أنه: في يومنا 11/6/2008م تم الاتفاق في مكتب الأخ/ مدير إدارة البحث الجنائي م/عدن بـين كل من:
1) عادل علي الواقدي 2 )محمد عبد االله البعسي 3 )عبد االله علي حسين،
علـى أن يحلّـوا المشكلة التي بينهم ودياً، وعلى أن يتم الخضوع لحل هذه المشكلة بالتحكيم، حيث وافق جميع الأطراف المذكورة بأن يكون:
العقيد صالح المنصب صالح علي الهجري
محمد عمر البكري نبيل مهدي الفقيه
حسين الهجري
المحكمين في القضية برضاء جميع الأطراف وقناعتهم خلال الفترة من اليوم حتى ظهر يوم غد على أن تقوم لجنة التحكيم بالتوقيع على صياغة .. والحكم، وأي امتناع لأي طرف من هـذه الأطراف على لجنة التحكيم تحال القضية إلى البحث الجنائي أو منطقة الاختصاص لتحقق فيهـا والتصرف القانوني بها.
توقيع الأطراف توقيع المحكمين
وبتاريخ 12/6/2008م صدر حكم التحكيم بتوقيع:
1 -عقيد صالح المنصب.
2 -مقدم حسين الهجري.
3 -محمد عمر البكري.
4 -صالح علي حسن.
5 -نبيل مهدي الفقيه.
6 -صالح أحمد عبد االله.
قضى منطوق الحكم بالآتي:
1) تعتبر وثيقة الشراكة بين الأخ عادل الواقدي والأخ محمد البعسي ملزمة للطرفين بتنفيذ بنودها.
2) يعتبر عبد االله الهجري خارج الشراكة كلياً بينه وبين الطرفين مقابل اتفاقية التـزم بهـا عادل الواقدي بما يراه مناسباً.
3) يلتزم الأخ عادل الواقدي بدفع ما هو بالـسند، لـلأخ عبـد االله الهجـري، المـؤرخ 18/6/2008م مبلغاً قدره مليونا ريـال، كما يلتزم بدفع مبلغ مليونين ومائتي ريــال بتاريخ 15/8/2008م وأي التزامات بخصوص الخردة على عادل الواقدي الإيفاء بهـا أمام الطرف الثالث عبد االله الهجري.
4) على الطرف الثاني محمد البعسي الشريك الممول بدفع أي التزامات على الأخ عـادل الواقدي أمام الغير فيما يتعلق بخردة الحديد بحسب السندات أو الاتفاقيات المحررة فـي تاريخ 2/4/2008م دون شرط أو قيد في مواعيدها.
5) أي ربح أو خسارة تكون على الطرفين فيما يتعلق بالـشراكة مناصـفة حـسب العقـد 2008/4/2م .
6) على الطرفين اختيار ممثلين عنهما عند العمل أثناء عدم حضورهما في موقع العمـل، وفي حالة توقف العمل على الطرف الأول الحضور إلى موقع العمل أو مـن ينوبـه، وعلى الطرف الثاني الاستمرار في التمويل حسب الاتفاق وعلى أي طـرف يتخلـف غرامة خمسة ملايين ريـال.
7) أتعاب لجنة التحكيم تقدر ستمائة ألف ريـال على كل طرف.
وجاء في الحكم أنه بعد قراءة ما لدى الأطراف من وثـائق واتفاقيـات شـراكة وسـندات والتفحص والتدقيق فيها والاستماع إلى الأطراف والشهود والنزول إلى الموقـع مـع الأطـراف والطرح الشفوي من جميع الأطراف، واستناداً إلى وثائق الشراكة والسندات وجدنا شراكة محررة في 2/4/2008م بين:
عادل علي ناجي الواقدي ومحمد عبد االله البعسي وبحضور الشهود : عقيد أحمد محمد العمري وعقيد ركن سليمان البعيس ووثيقة محررة بتاريخ 27/9/2005م بين جمال جبير الخولاني وعادل الواقدي بشأن الحديد الخردة المتواجد في جزيرة العمـال جـوار معهـد الأسماك ووثيقة تعهد من محمد عبد االله البعسي بتقديم مبلغ مليوني ريـال لعبد االله علي الهجري بحسب الاتفاقية المحررة على الأخ عادل علي الواقدي بتاريخ18/6/2008م ووثيقة ضمانة على الأخ عادل الواقدي محررة 7/3/2008م من قبل الشيخ صـالح ناصـر صـلاح بمبلـغ قـدره ( 5,325,000 )ريـال، وقد التزم محمد عبد االله البعسي بالتسديد. وتقدم الأطراف الثلاثة بثلاثة طلبات:
تقدم عادل الواقدي بأن الطرف الثاني(محمد عبد االله البعسي) شريك بالعمل بحسب الإتفاقية وأنه شريك ممول وأن خسارته /-( 8,460,000 )ريـال وأنه ملتزم بينه وبين الطرف الثاني.
الطرف محمد عبد االله البعسي طلب أنه على استعداد لتنفيذ ما هو بعقد الشراكة وأنه شريك ممول مقابل 50 %من الحديد الخردة وأنه قدم خمسة ملايين ريـال بالسندات الرسـمية، وأن لا علاقة له بالتزامات عبد االله الهجري.
الطرف عبد االله علي الهجري قال إن لديه وثيقتين أساسيتين بالسند المـؤرخ18/6/2008م بمليوني ريـال بالتسديد، ووثيقة ضمانة بإسم الشيخ صالح ناصر صلاح بمبلغ خمـسة ملايـين ريـال وثلاثمائة وخمسة وعشرين ريالاً.. كانت المبالغ مساهمة بشراكة الطرف الأول في الحديد الخردة.
وخلص الحكم إلى أنه: بعد التفحص والتداول مع جميع الأطـراف والـشهود ومـا لـدى المحكّمين من وثائق أصدرنا هذا الحكم .ا. هـ.
ولعدم قبول محمد عبد االله البعسي بحكم التحكيم تقدم بدعوى بطـلان الحكـم– بواسـطة محاميه- بالعريضة المؤشر عليها 11/1/2009م من رئيس الشعبة التجارية باستئناف م /عـدن، واختصم المدعي كلاً من عبد االله علي حسين الهجري وعادل علي ناجي الواقدي. وخلاصة أهم ما ورد بأسباب البطلان:
أولاً: الخطأ في إجراءات التحكيم لقيام اللجنة بالسير في الإجراءات رغم عدم وجود اتفاقية تحكيم موافقة لما حدده القانون لما يلي:
1 -يتطلب القانون في اتفاقية التحكيم أن تكون مكتوبة ومحـدداً بهـا موضـوع التحكـيم (م 15 تحكيم) وإلا كان التحكيم باطلاً.
وبالرجوع إلى اتفاقية التحكيم الباطلة سنجدها كتوجيهات وأوامر ملزمة على المـدعي المسلوبة إرادته، فهي كانت في إدارة البحث الجنائي وفـي الاتفاقيـة أنـه : ((يجـب الخضوع...، ما لم... فعلى لجنة التحكيم إحالة المدعي– وهو المقصود بالذات – إلى إدارة البحث الجنائي أو منطقة الاختصاص للتحقيق معه ...))، والواضح من ذلـك أن المدعي لم يوقّع على الإتفاقية بمحض إرادته المعتبرة شرعاً وقانوناً.. أي أن الاتفاقيـة ركن الإرادة مما يجعلها باطلة.
2 -جاء في المادة (53/هـ) تحكيم أن حكم التحكيم يكون باطلاً إذا تم تشكيل لجنة التحكيم بصورة مخالفة لإتفاق التحكيم. ففي اتفاقية التحكيم الباطلة نجد أن عدد المحكمين خمسة، أما الموقعـون علـى حكـم التحكيم المطعون ببطلانه فعددهم ستة محكمين.
3 -بالاطلاع على حكم التحكيم نجده خالياً من الوقائع ووسائل الدفاع الجوهريـة وماهيـة النزاع والأسباب التي اعتمدت عليها لجنة التحكيم لإصدار حكمها ... مما يجعل الحكـم باطلاً لمخالفة المادة (53 /و ) تحكيم.
4 -مخالفة لجنة التحكيم للقانون للسير في إجراءات باطلة مخالفة لقواعد التقاضي وأصولها عند السير في إجراءات مستعجلة خلال(24) ساعة، مما أخل بـالإجراءات القانونيـة المطلوبة بموجب المادة (33 ) تحكيم.
ومدعي البطلان لم يحصل على نسخة من حكم التحكيم إلاّ بعد دفع مـا حكمـت بـه اللجنـة من أتعاب قدرتها بستمائة ألف ريـال مخالفـة نـص المـادة(14) تحكـيم وتعديلاته. ويطلب المدعي:
1 .قبول الدعوى شكلاً وموضوعاً.
2 .إلغاء حكم المحكمين الصادر في 12/6/2008م بكامل فقراته.
3 .الحكم للمدعي بنفقات التقاضي والمخاسير وأتعاب المحاماة.
4 .الأمر بوقف تنفيذ حكم التحكيم.
5 .الأمر باسترداد المبالغ المأخوذة بإسم حكم التحكيم وتسليمها للمدعي.
6 .تغريم المحكّمين والمدعى عليه مبلغ عشرة ملايين ريـال تعويضاً عن الأضرار التـي تكبدها المدعي.
رد المدعى عليه الأول عبد االله محمد حسن الهجري– بواسطة محاميه – على الدعوى في شكل دفع بعدم قبول الدعوى لتقديمها بعد انتهاء المدة القانونية للطعن، موضحاً أن المـادة(54) تحكيم تنص على أنه: ((ترفع دعوى البطلان إلى محكمة الاسـتئناف خـلال مـدة الاسـتئناف القانونية...)) وبالرجوع إلى المادة (276) مرافعات فإن ميعاد الطعن يبدأ مـن تـاريخ اسـتلام المحكوم عليه نسخة الحكم أو من تاريخ إعلانه بها إعلاناً صحيحاً ..))، وقد تسلّم المدعي نـسخة من حكم التحكيم في 21/6/2008م لذلك فإن الدعوى المؤرخة 10/1/2009م تكون قد قدمت بعد الميعاد القانوني، مما يستدعي رفض دعوى البطلان. واستناداً إلى المادة (185) مرافعات فإن الدفع السابق يعتبر من النظام العام ممـا يقتـضي الفصل فيه على استقلال قبل الخوض في الموضوع.
وطلب المدعى عليه رفض دعوى البطلان والحكم بالمخاسير والمصاريف والأتعاب .
ناهض المدعي ما ورد بالدفع موضحاً الآتي:
1) كان المدعي يطالب بنسخة من الحكم لكن لجنة التحكيم رفضت تسليمه إلا بعد أن يدفع أتعابها المقدرة بستمائة ألف ريـال، فدفع مبلغاً قدره مائتا ألف ريــال، وبعـد فتـرة زمنية فوجئ بإعلانه بالتنفيذ الإجباري في 18/12/2008م فتسلّم نسخة من حكم التحكيم في 4/1/2009م فشرع في إعداد دعوى البطلان، مما يعنـي تقـديمها خـلال المـدة القانونية.
2) يحاول المدعى عليه التهرب من نظر دعوى البطلان نظراً لما شاب حكم التحكيم مـن أخطاء قانونية.
. وطلب المدعي:
1 .رفض الدفع شكلاً وموضوعاً.
2 .السير في إجراءات نظر دعوى البطلان.
وبجلسة 15/11/2009م واجهت المحكمة المدعي بواقعـة اسـتلامه حكـم التحكـيم فـي 16/6/2008م فأفاد أن التزامه بتنفيذ الحكم حينئذ صحيح لكنه لم يتسلم نسخة من الحكم، فواجهته المحكمة بما تحرر في سند إسـتلامه للحكم في 21/6/2008م فأنكر توقيعه على الاستلام.
وبشأن توقيعه على حكم التحكيم المؤرخ12/6/2008م أفاد أن التوقيع كان تحت الـضغط والإكراه في إدارة البحث الجنائي ولم يقرأ الحكم.
تلا ذلك حجز الشعبة القضية للقرار في الدفع بالجلسة السابقة.
ثم فتحت المحكمة القضية وواجهت المدعي بتوقيعه على السند الخاص بإستلام نسخة مـن حكم التحكيم في 21/6/2008م فأنكر توقيعه، فقررت المحكمة إحالة السند إلى التكنيك الجنـائي لفحص ومضاهاة التوقيع.
وقد تسلّمت المحكمة تقرير إدارة الأدلة الجنائية م /عدن المؤرخ 23/1/2010م الذي خلص إلى الاستنتاج الآتي:
1 .الخط اليدوي في سند استلام حكم التحكيم يتفق مع نماذج الخطوط اليدويـة المـستكتبة للمدعو محمد عبداالله البعسي...
2 .التوقيع بالاسم الثلاثي (محمد عبد االله البعـسي) وبـشكل فرمـة، واللـذان يحمـلان تاريخ 21/6/2008م في سند استلام حكم التحكيم ويتفقـان مـع نمـاذج التوقيعـات المـستكتبة والحـرة بالاسـم الثلاثـي للمـدعو محمـد عبـد االله البعـسي وبـشكل فرمة... .ا هـ. وقد اطلع كل طرف على صورة من تقرير الأدلة الجنائية، فوافق محامي المـدعى عليـه واعترض محامي المدعي على التقرير موضحاً أن المحكّمين الذين هم من البحث الجنـائي لهـم تأثير على ما صدر من إدارة الأدلة الجنائية.
ولقد قدم المدعي – بواسطة محاميه – اعتراضه وطعنه في تقرير الأدلة الجنائية واختتمـه بطلب إصدار قرار بعدم الأخذ بالتقرير وإحالة الفحص إلى جهة محايدة من المحافظات الأخرى مع التحريض على عدم علم المدعى عليهما ومن إليهما بمكان توجه الفحص. وبجلسة 24/10/2010م حـضرت ممثلـة إدارة الأدلـة الجنائيـة عقيـد فـائزة أحمـد هادي الخضيري، وأفادت أنها تعمل في الإدارة منذ (25) سـنة ولـم يطعـن فـي تقاريرهـا إطـلاقاً، وأن إدارة الأدلة الجناية لا تخضع للبحث الجنائي، فالإدارة محايدة وتخـضع لجانـب مهني. تلا ذلك تقرير المحكمة حجز القضية للفصل في الدفع.
بتاريخ 13 محرم 1432هـ الموافق 19/12/2010م صدر حكم الشعبة التجارية برئاسـة القاضي فهيم عبد االله محسن وعضوية القاضي عبد االله صالح مخاشن والقاضي عـدنان محمـد أحمد عبد الغني، قضى منطوقه بالآتي:
1 -عدم قبول دعوى البطلان المقدمة من محمد عبد االله البعسي في مواجهة كل من عبد االله علي حسين الهجري وعادل علي ناجي الواقدي، وقبول الدفع المقدم من الأخيرين بفوات الميعاد.
2 -إلزام المدعي – مقدم ضده الدفع – بتحمل مصاريف ومخاسير التقاضي وقدرناها بمبلغ خمسين ألف ريـال.)). .ا هـ. وعللت الشعبة لحكمها بأن طعن المدعي أمامها بعدم صحة التوقيع على محضر تسليم حكم التحكيم لغرض إحالة المحضر إلى معمل الأدلة الجنائية .. وقد جاء تقرير الأدلة الجنائية م/عـدن مكذباً لما ذهب إليه المدعي وانتهى التقرير إلى أن التوقيع باستلام حكم التحكيم في 21/6/2008م هو توقيع محمد عبد االله البعسي (المدعي).
ولقد حاول محامي المدعي التشكيك في التقرير لكنه لم يقدم للمحكمة ما يؤيد ذلك سوى قوله إن موظفي إدارة الأدلة الجنائية مورست عليهم الضغوط من مدير إدارة البحث الجنائي الـسابق، وهذا القول لا يمكن قبوله دون دليل، وحيث لا دليل ولأن غاية المحكمة التوصل إلى قناعة فقـد استدعت خبيرة المعمل الجنائي فائزة عبد الهادي التي حضرت جلـسة 24/10/2010م وأكـدت على صحة تقريرها وقالت: إنه لم يمارس عليها أي ضغوط وأنها وزملاءها أصدروا التقرير وفقاً للأمانة المهنية.. ولقد تغيب المدعي ومحاميه عن جلسة مناقشة خبيرة الأدلة الجنائية.. وتكـرر الغياب، فقد دل الغياب على قصد إطالة أ مد التقاضي... وبذلك فإن المدعي قد أساء استعمال حقه المنصوص عليه في المادة (17) مدني، وهو ما لم تقبله المحكمة خاصة وسبق تكرار الغياب مما يجعل المحكمة تأخذ بالمادة (18) مرافعات بشأن ممارسة حق التقاضي على أساس حسن النيـة، وحكم المادة (20) مرافعات بشأن حرص المحكمة على كفالة حسن سير العدالة ومراقبة الخصوم في ممارسة الإجراءات طبقاً للقانون.
لذلك واستناد إلى حكم المادة (100) إثبات فإن تقرير الأدلة الجنائية باعتباره ورقة رسـمية صادرة من موظفين عموميين، ولما توصل إليه التقرير فإن المحكمة اطمأنت إلى ما انتهى إليـه التقرير مما يستوجب عدم قبول دعوى البطلان وقبول الدفع .ا. هـ. ولعدم قنوع محمد عبد االله البعسي بالحكم آنف الذكر تقدم بعريضة طعـن بـالنقض أمـام المحكمة العليا مختصماً عبد االله علي حسين الهجري وعادل علي ناجي الواقدي.
وقد استهل الطاعن عريضة طعنه بسرد أوليات العلاقة ا لتي نشأت مع المطعـون ضـدهما موضحاً أن الواقدي تعاقد مع المعهد التقني البحري الكائن في جزيـرة العمـال م /عـدن فـي 6/8/2005م وتجدد الاتفاق في 5/4/2008م بأن يسمح المعهد للواقدي باستخدام المنفذ البحـري الخاص بالمعهد لنقل الحديد الخردة من البحر ثم بيعها .. ولعدم السيولة المالية لدى الواقدي اتفـق مع المطعون ضده الأول الهجري ومع شخص يدعى الحمادي وكونوا شراكة في 20/2/2008م وتكون الإدارة للهجري لكن لم يتم استخراج أي كمية حديد من البحر.. وقد لجأ الواقدي إلى الطاعن عارضاً مشروع الشراكة وأغراه بالمكاسب الكبيرة التي ستعود عليه من المشروع، فتعاقد معه بعقد شراكة في2/4/2008م دون أن يوضح الواقـدي أن معـه شركاء آخرين أو أن الطاعن سينضم إلى الشراكة، وكان دور الطاعن الإ لتزام بالتمويل المـالي كلما طُلب منه على طريقة الدفع، وفي كل مرحلة يتم فيها بيع الحديد الخردة في السوق ولا يـتم دفع أي مبالغ مالية لمراحل تالية إلا بعد بيع الكميات المستخرجة لكل مرحلـة بحـسب الاتفـاق الملحق والموقّع من الطرفين.
وقد التزم الطاعن بالاتفاق ودفع مبالغ مالية كممول، لكن المطعون ضده الواقدي لم ينفّذ مـا التزم به ولم يستخرج الحديد.. وعاد مرة أخرى يطلب مبالغ مالية من الط اعن لتمويل الاستخراج فرفض الطاعن ذلك، ثم تحايل المطعون ضدهما على الطاعن للإ ستيلاء على ماله وذلك بادعـاء الهجري أنه منح الواقدي مبلغاً مالياً مقداره مليونا ريـال وأن المبلغ يخص اسـتخراج الحديـد الخردة، وتحت الضغط والإلحاح على الطاعن تم إلزامه بتحرير التزام بدفع المبلغ المذكور بمـا في ذمة الواقدي للهجري، وقد اشترط الطاعن في عجز الالتزام أن يدفع ذلك المبلغ من حـصة الواقدي من بيع الحديد الخردة.. إلخ.
ثم كان الوصول إلى البحث الجنائي عند نشوء الخلاف بين الأطراف.. إلخ.
وبعد صدور حكم التحكيم تقدم المطعون ضده الهجري في 28/12/2008م إلـى المحكمـة بطلب تنفيذ حكم المحكمين.. فتسلّم الطاعن نسخة الحكم في 4/1/2009م وتقدم بدعوى البطلان في 7/1/2009م أي أن الدعوى قدمت في الفترة القانونية.
أسباب الطعن بالنقض:
خلاصة أهم ما ورد بالأسباب:
1) بطلان الحكم المطعون فيه لمخالفته القانونوالخطأ في تطبيقه والعيب والقـصور فـي الإجراءات والخطأ والفساد في الاستدلال والتسبيب المبني على الخطأ في فهم الوقـائع والاستنتاج، الأمر الذي ترتّب عليه إهدار حقوق الطاعن وألحق به ضرراً فادحاً، فبعد إنكار الطاعن للتوقيع على مزعوم محضر استلام حكم التحكيم قررت الشعبة التجاريـة إحالة محضر الاستلام إلى التكنيك الجنائي التابع لإدارة البحث الجنائي م /عـدن، وقـد اعترض الطاعن على ذلك لأن التكنيك الجنائي يتبع إدارة البحث الجنائي التي ألزمـت الأطراف باللجوء إلى التحكيم بل وعينتهم من الإدارة وقال إنه (لا يطمئن لعمـل تلـك الإدارة ) ، وطلب الطاعن إحالة المحضر إلى جهة أخرى محايدة، والمادة(166) إثبات تجيز رد الخبير للأسباب التي يرد بها القاضي.. إلخ، فلم تستجب الشعبة لذلك.
2) عدم مناقشة الشعبة وسائل الدفاع الجوهرية، حيث تقدم الطاعن بالأسباب التـي حالـت دون تمكنه من استلام نسخة من حكم ا لتحكيم الباطل إلاّ عند تقديم طلب تنفيـذه ولقـد أحاط قانون التحكيم المحتكمين بالحماية الضرورية ضد جور المحكّ مين أصحاب النفوذ أو عديمي الكفاءة المناسبة، ومثال ذلك ما ورد بالمادة(60/3) تحكيم عندما يكون حكم التحكيم قد أصبح قابلاً للتنفيذ.
كما لم تستمع الشعبة التجارية للأسباب القهرية التي حالت دون تقديم الطـاعن دعـوى البطلان، حيث أوضح في عريضة الدعوى أنه لم يتمكن من استلام نسخة مـن حكـم التحكيم إلا بعد دفع أتعاب لجنة التحكيم.. كاملة.. فهو الوحيد الذي أُلزم بالدفع لأن لديه محل صرافة، كما أن بعض المحكّمين تابعون للبحث الجنائي منهم مدير إدارة البحـث الجنائي (سابقاً) ومدير مكتب نائب مدير الأمن بالمحافظة أخو المطعون ضده الهجري، والمادة (54) تحكيم صريحة في إمكان قبول دعوى البطلان بعد انقضاء الميعاد المحدد إن كان التأخير ناتجاً عن أسباب قهرية .. إلخ، وقدم الطاعن شاهدين على ذلـك همـا: صالح علي حسين وصالح المنصب (جلسة 1/3/2009م).
3) أن حكم التحكيم يعتبر منعدماً ويتجلى هذا في شقين: الأول: عدم تحديد النزاع في وثيقة التحكيم المزعومة، والثاني: الحكم على أحد الخصوم غير المذكورين في وثيقة التحكيم وهو المدعو محمد عبد االله عبد الوهـاب الحمـ ادي ودخوله في الحكم دون اختصام، والمادة(55) مرافعات تنص على أن الإنعدام وصف قانوني يلحق العمل القضائي ويجعله مجرداً من جميع آثاره القانونيـة.. والمـادة (56 ) مرافعات تنص على أنه إذا تعلّق الإنعدام بحكم قضائي.. فلا يكون له أي أثر قانوني.. إلخ.
فالملاحظ من حكم التحكيم أنه لم يأت محدداًالخصومة بذكر خردة الحديد واسـتخراجه من البحر، كما كان الحكم مشوباً بالجهالة وغير مسبب وجهالة الالتزامـات وأسـبابها وعدم معرفة مصدرها وذكره وثائق غير موجودة أصلاً.. إلخ.
4) خالف الحكم أحكام قانون المرافعات وقانون التحكيم : ذلك أن الشعبة لم تمكّن الطـاعن من مناقشة الخبراء في تقريرهم فلم تعد إعلانهم للحضور للمناقشة فإدارة الأدلة الجنائية تتبع إدارة البحث الجنائي الذي كان العقيد صالح أحمد عبد االله مديراً لها حينئذ، إضافة إلى أن المحكّم المقدم حسين الهجري هو مدير مكتب نائب مدير الأمن، والمقدم حـسين أخو المطعون ضده الأول.. يضاف إلى ذلك أن الإكراه الذي لحق بالطاعن منذ بدايـة التحكيم هو إكراه معنوي يستشف من وثيقة التحكيم التي أُجبر الطاعن على توقيعهـا، وأنه في حالة عدم التوقيع سيتم حبسه.. إلخ. وطلب الطاعن:
1 .قبول الطعن شكلاً وموضوعاً.
2 .وقف إجراءات تنفيذ حكم التحكيم.
3 .إلغاء حكم التحكيم لانعدامه ولأوجه بطلانه وفقاً للقانون.
4 .إلغاء الحكم المطعون فيه.
5 .الأمر بالمخاسير القضائية بمبلغ خمسة ملايين ريـال وأتعاب محاماة خمسة ملايين ريال.
6 .الأمر بتعويض الطاعن التعويض المناسب عن الأضرار التي لحقته جراء الإدعاء الكيدي من المطعون ضدهما.
وبموجب مذكرة الشعبة التجارية باستئناف م/عدن رقم 1/17/2011م وتاريخ 7/12/2011م لم يصل رد من المطعون ضدهما رغم مرور المدة القانونية..
حيثيات الحكم ومنطوقه:
لما كان الطعن قد استوفى شروط قبوله شكلاً وفقاً لقرار دائرة فحص الطعون الصادر برقم (44) وتاريخ 7/3/1433هـ الموافق 31/1/2012م اقتضى الفصل فيه من حيث الموضوع.
وعليه وبعد الرجوع إلى الأوراق – مشتملات الملف – وجدت الدائرة أن الطاعن نعى على الحكم المطعون فيه الأسباب المتحصلة إيجازاً في الآتي:
1 -بطلان الحكم المطعون فيه لمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والعيب والقـصور فـي الإجراءات.
2 -عدم مناقشة الشعبة وسائل الدفاع الجوهرية.
3 -اعتبار حكم التحكيم منعدماً .
4 -خالف الحكم المطعون فيه أحكام قانون المرافعات وقانون التحكيم.
كل ذلك على النحو الوارد في محصل الأسباب آنفاً.
وحيث إن هذا الطعن يتعلق بمنازعة وصل الخلاف بين أطرافها إلى إدارة البحث الجنـائي بمحافظة عدن، قامت إدارة البحث بصياغة وثيقة التحكيم التي أوردنا نصها فـي مـستهل هـذا الحكم، وحددت الوثيقة مدة التحكيـم بيوم واحد فقط، وصدر الحكـم التحكيمي من ستة محكمين وقّعوا على الحكم بينما تحدد عدد المحكّمين في الوثيقة بخمسـة محكّمين وصدر حكم التحكيم في يوم واحد فقط. وحيث إن قانون التحكيم أخضع حكم التحكيم لرقابة القضاء بطريقين أحدهما طلب إبطالـه عن طريق رفع دعوى البطلان، وثانيهما عند طلب تنفيذ حكم التحكيم وفقاً لما ورد بالمادة(59) تحكيم.. ومراعاة لما سبق وتمكيناً للقضاء من إعمال رقابته فإن المادة(53) تحكيم جاء فيهـا مـا لفظه:
(... ويجوز للمحكمة أن تقبل رفع الدعوى بعد انقضاء الميعاد المحدد إن كان التأخير ناتجاً عن أسباب قهرية شريطة أن يقوم الطالب برفع الدعوى فـي أقـرب وقـت بعـد زوال هـذه الأسباب)).
وحيث إن عريضة دعوى البطلان اشتملت على عدد من الأسباب التـي تتطلـب التحـري والتدقيق من جانب الشعبة التجارية؛ كفالةً لإجراء الرقابة القضائية على حكم التحكيم ومن ذلك:
1 -إبرام اتفاق التحكيم في إدارة البحث الجنائي.
2 -صدور حكم التحكيم من ستة محكمين بدلاً من خمسة محكمين.
3 -عدم مراعاة الإجراءات التي يتطلبها قانون التحكيم لنظر خصومة التحكـيم والفـصل فيها.
4 -لكون أحد المحكّمين أخاً لأحد الخصوم.
وقد لاحظت الدائرة أن الشعبة التجارية لم تستبعد من المدة القانونية العطلة القضائية وأيـام الإجازات بما في ذلك يوم الخميس وهو ما كان سيقصر المدة القانونية لتقديم دعـو ى الـبطلان، والتجاوز عن الزيادة إعمالاً لحكم المادة(53) تحكيم فيما يتعلق بالقوة القاهرة، ومن ثم بحث هل الأسباب التي أوردها مدعي البطلان مقبولة لإبطال الحكم أم لا؟
لذلك فإن الدائرة تقبل الطعن بالنقض وتقرر نقض الحكم المطعون فيه، وإعادة الأوراق إلى الشعبة التجارية بإستئناف عدن لسماع دعوى البطلان والفصل فيها وفقاً للقانون.
تأسيساً على ما سبق وعملاً بحكمي المادتين (292 ،300 ) مرافعات وبعد المداولة.
يصدر الحكم الآتي:
1 -قبول الطعن موضوعاً لما عللنا.
2 -يعاد مبلغ الكفالة للطاعن.
3 -لا حكم في المصاريف في هذه المرحلة.
4 -إعادة الأوراق إلى الشعبة التجارية باستئناف م /عدن لسماع دعوى البطلان مراعية مـا ورد بالتوجيهات آنفة الذكر والفصل فيها وفقاً للقانون.
القاضي/ محمد راشد عبد المولى
رئيس الدائــــرة التجارية (ب)
القاضي / عبد االله علي العشملي عضو الدائرة التجارية (ب) عضو المحكمــــة العليــــا
القاضي / نعمان هزاع عبده علي عضو الدائرة التجارية (ب) عضو المحكمــــة العليــــا
القاضي / عبد القادر حمزة محمد عضو الدائرة التجارية (ب) عضو المحكمــــة العليــــا
القاضي / أحمد علي أحمد النعمي عضو الدائرة التجارية (ب) عضو المحكمــــة العليــــا
أمين ســـــــر الدائرة
زيد مطهـــــر أحمد الديلمي