الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • حكم التحكيم / حكم التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 27 / أول حكم تحكيم صادر استنادا إلى اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي لعام 1981 حول الإستثمارات

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 27
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    67

التفاصيل طباعة نسخ

هشام طلعت م. الوراق ضد اندونيسيا، حكم حول الإعتراضات الأولية حول الإختـصاص وحول القبول، صادر بتاريخ 21 يونيو 2012، عن السيد برناردو م. كريمادس (رئيس محكمـة التحكيم)، السيد مايكل هوانغ S.C والسيد فالي س. ناريمان S.C (محكمين).

1. إن منظمة التعاون الإسلامي هي منظمة إقليمية تم التوقيع على ميثاقها التأسيسي بتاريخ 25 سبتمبر 1969 من قبل 25 دولة مؤسسة أثناء قمة عقدت في الرباط، في مملكة المغـرب2. تم تعديل هذا الميثاق مرات عدة. حصل التعديل الأخير وقت انعقاد القمة الإسلامية الحادية عشرة في داكار بتاريخ 13 و14 مارس 2008. إن عدد الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي لم يتوقف عن الإزدياد منذ تأسيسها. في الوقت الحاضـر، إن منظمـة التعـاون الإسلامي OCI هي ثاني أكبر المنظمات الحكومية الدولية بعـد الأمـم المـتحـدة إذ تـضم عضوية 57 دولة موزعين على 4 قارات. في الأصل، كانت المنظمة تحمل إسـم منظمـة المؤتمر الإسلامي. لكن مع انعقاد الجلسة الثامنة والثلاثين لمجلس وزراء الخارجيـة فـي أستانا بتاريخ 28 يونيو 2011، قرروا تغيير إسم المنظمة ليصبح "منظمة التعاون الإسلامي" مع الإحتفاظ بنفس الإختصار.

2. تهدف منظمة التعاون الإسلامي إلى تعزيز التضامن والتعاون بين الدول الأعـضاء. فهـي تؤمن صون وحماية مصالحها بنية تعزيز السلام الدولي والتناغم بين مختلف شعوب العالم. على الصعيد الإقتصادي، إن ميثاق منظمة التعاون الإسلامي يحدد كهدف تعزيـز التعـاون الإقتصادي والتجاري في ما بين البلدان الإسلامية، لتحقيق تكامل إقتصادي مـن شـأنه أن يؤدي إلى إيجاد سوق إسلامي مشترك.

3. تسهل منظمة التعاون الإسلامي التفاوض بشأن إتفاقيات التعاون بين الدول الأعضاء. لذلك، فهي كانت حاضنة المفاوضات لعدد من الإتفاقيـات الدوليـة، بـالأخص علـى الـصعيد الإقتصادي، ومن بينها الإتفاقية لتشجيع وحماية وضمان الإستثمارات بين الدول الأعـضاء في منظمة التعاون الإسلامي. صدقت هذه الإتفاقية بموجب القرار 12/7-E واعتمدت أثناء المؤتمر الثاني عشر للوزراء الإسلاميين للشؤون الخارجية، الذي عقد في بغداد، في العراق بين 1 و5 حزيران 1981. إن الإتفاقيات المبرمة تحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي لا تفرض تلقائياً على كل الدول الأعضاء ولكن فقط على الدول التي وقعتها وصدقتها.

4. بالتالي، إن الإتفاقية الإسلامية حول الإستثمار لم توقعها سوى 33 دولة ولم تصدق عليهـا سوى 27 دولة. دخلت الإتفاقية حيز التنفيذ بتاريخ 23 سبتمبر 1986 بعد التصديق العاشر عليها. في الواقع، وفق المادة 21، تدخل الإتفاقية الإسلامية حول الإستثمار حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من إيداع وثائق التصديق من قبل عشر دول أعـضـاء فـي منظمـة التعـاون الإسلامي. تصبح الإتفاقية قابلة للتنفيذ بالنسبة لكل دولة جديدة تنضم لها بعد ثلاثة أشهر من تاريخ إيداع وثائق تصديقها عليها. تنص المادة 25 أن الإتفاقية الإسلامية حررت باللغـات العربية والإنكليزية والفرنسية وأن لكل منها حجية كاملة.

5. تؤمن الإتفاقية الإسلامية حول الإستثمار للمستثمرين المشمولين بها حماية مهمة. حتى لو كانت الاتفاقية لا تنص على معاملة عادلة ومنصفة، إلا أنها تشير إلـى موجـب الحمايـة والضمان. تمنع الإتفاقية نزع الملكية المباشر أو غير المباشر غير المصحوب بتعويض نشير بالنسبة لهذه النقطة أن المادة 10 تمنع نزع الملكية الجزئي. إضافة إلى ذلك، تـنص الإتفاقية الإسلامية على حرية تحويل رؤوس الأموال، التعويض على المستثمرين في حال حصول أعمال عدائية أو أعمال عنف ذات طابع عام أو اضطرابات أهلية وذلك وفق معاملة لا تقل عن المعاملة التي تمنحها الدولة المضيفة للمستثمرين من مواطنيها كما تنص على بند الدولة الأكثر تفضيلاً. غير أن هذه المعاملة لا تطبق إلا على الإمتيازات التي تمنح إلى دول غير طرف في الإتفاقية .

6. تتضمن الإتفاقية الإسلامية عدة نصوص مبتكرة. فهي تنص على تعريف خاص للإستثمار الذي يتمتع بالحماية، خلافاً لأغلبية معاهدات الإستثمار التي تعرف الإستثمار بالإشارة إلـى مفهوم الملكية، تنص المادة 1(5) على أن الإستثمار هو استخدام رأس المال فـي إحـدى المجالات المسموح بها في إقليم متعاقد بقصد تحقيـق عائد مجز أو تحويلـه إليـه لـذلك الغرض وفقاً لأحكام هذه الإتفاقية ". كذلك، تنص الإتفاقية صـراحة علـى أن الحكومـات والكيانات العامة هي من المستثمرين الذين يتمتعون بالحماية. لهذا، تنص المادة 1(6) على أن مفهوم المستثمر يشمل "حكومة أي طرف متعاقد أو الشخص الطبيعي أو المعنوي التابع لأي طرف متعاقد والذي يمتلك رأس المال ويقوم باستثماره في إقليم طرف متعاقد آخر"، إن إدخال الكيانات العامة في تعريف المستثمر الذي يتمتع بالحماية هو نص نجـده فـي عـدة اتفاقیات حول الإستثمار مبرمة من قبل الدول العربية والإسلامية. ويفسر هذا الـنـص مـن خلال تطور الإستثمارات المحققة عن طريق أموال سيادية وكيانات عامة فى الخـارج تشير أخيراً إلى أن الإتفاقية الإسلامية هي من الإتفاقيات النادرة حول الإستثمار التي تنص على إلتزامات يتحملها المستثمرون. وفقاً للمادة 9، يلتزم المستثمر بالقوانين واللوائح القائمة والسارية في الدولة المضيفة ويمتنع عن القيام بأي أعمال من شأنها الإخلال بالنظام العـام والآداب العامة والإضرار بالصالح العام. ويمتنع كـذلك عـن ممارسـة أعمـال مقيـدة "activités contraignantes" وعن محاولة الكسب بوسائل غير مشروعة"، صـحيح أن عدداً من معاهدات الإستثمار تنص على استثناء عام يتعلق بالنظــام العـام. غيـر أن الإتفاقية الإسلامية تُكرس مقاربة مختلفة من خلال رفع احترام النظام العـام إلـى مرتبـة موجب سلوك يفرض على المستثمر. تذكر المادة 9 بالمادة 14 التي نجدها فـي الإتفاقيـة العربية حول الإستثمارات لعام 1980. ليس ذلك مستغرباً لأن الإتفاقيـة الأخيرة كانـت مصدر الإلهام لواضعي الإتفاقية الإسلامية.

7. على الصعيد الإجرائي، تنص المادة 17 من الإتفاقية الإسلامية على آليـة مبتكـرة لـحـل النزاعات. وفقاً لهذه المادة وإلى أن يتم إنشاء جهاز لتسوية المنازعات الناشئة عـن هـذه الإتفاقية يحل ما يكون من المنازعات عن طريق التوفيـق أو التحكـيم وفقاً للقواعـد والإجراءات الآتية:

1. التوفيق

 أ- في حالة إتفاق المتنازعين على التوفيق يجب أن يتضمن الإتفـاق وصـفاً للنـزاع ولمطالبات الطرفين فيه واسم الموفق الذي اختاراه، ويجوز للمتنازعين أن يطلبا مـن الأمين العام اختيار من يتولى التوفيق وتقوم الأمانة العامة بتبليغ الموفق نسخة مـن اتفاق التوفيق لمباشرة مهمته.

ب - تقتصر مهمة الموفق على التقريب بين وجهات النظر المختلفة وإبداء المقترحات الكفيلة بوضع حل ترتضيه الأطراف المعنية. وعلى الموفق أن يقدم خـلال المـدة المحـددة لمهمته تقريراً عنها يبلغ الأطراف المعنية ولا يكون لهذا التقرير آية حجية أمام القضاء فيما لو عرض عليه النزاع.

2. التحكيم:

أ- إذا لم يتفق الطرفان المتنازعان كنتيجة للجوئهما الى التوفيق... أو لم يتمكن الموفق من إصدار تقريره في المدة المحددة أم لم يتفق الطرفان على قبول الحلول المقترحة فيـه فلكل طرف اللجوء إلى هيئة التحكيم لإصدار الحكم النهائي في النزاع.

ب - تبدأ إجراءات التحكيم بإخطار يتقدم به الطرف الراغب في التحكيم إلى الطرف الآخر في المنازعة يوضح فيه طبيعة المنازعة واسم المحكم المعين من قبله. ويجـب علـى الطرف الآخر خلال ستين يوما من تاريخ تقديم ذلك الإخطار أن يبلغ طالب التحكـيم باسم المحكم الذي عينه. ويختار المحكمان خلال ستين يوماً من تاريخ تعيين آخرهمـا حكماً مرجحاً يكون رئيساً لهيئة التحكيم ويكون له صوت مرجح عند تــساوي الآراء. فإذا لم يعين الطرف الآخر محكماً أو لم يتفق المحكمان على تعيين المحكـم المـرجح خلال المواعيد المقررة لذلك، كان لكل طرف أن يطلب استكمال تشكيل هيئة التحكـيم او تشكيلها من الأمين العام.

ج - تنعقد هيئة التحكيم لأول مرة في الزمان والمكان اللذين يحددهما الحكم المرجح ثم تقرر الهيئة بعد ذلك مكان انعقادها ومواعيده كما تفعل في كل المسائل المتعلقة بإختصاصها.

د - أحكام هيئة التحكيم نهائية ولا يجوز الطعن فيها وهي ملزمة للطرفين اللذين عليهمـا احترام الحكم وتنفيذه. ولها قوة الاحكام القضائية وتلتزم الدول المتعاقدة بتنفيـذها أراضيها سواء كانت طرفاً في المنازعة أم لا وكان المستثمر الصادر في حقه الحك من مواطنيها أو مقيما فيها أم لا كما لو كان حكماً نهائياً واجب النفاذ صادراً من أحدى محاكمها الوطنية".

8. يكمن السؤال المطروح في معرفة ما إذا كانت هذه المادة تنطوي على عرض للتحكيم يجوز للمستثمرين إثارته للمباشرة بإجراءات تحكيمية خاصة ad hoc ضد الدول المتعاقدة. فى أطروحتنا التي تم تأييدها في العام 2003، تحت إشراف المرحوم فيليب فوشارد، أكـدنا أن الإتفاقية الإسلامية حول الإستثمار هي الإتفاقية الأولى المتعددة الأطراف حول الإستثمارات التي تتضمن عرضاً للتحكيم وأن اللجوء إلى التحكيم من طرف واحد تم النص عليه كحـل انتقالي بانتظار إنشاء جهاز خاص لتسوية المنازعات13. وينتج ذلك عن الفقرة 2 (أ) التـي تنص على أن "لكل طرف اللجوء إلى هيئة التحكيم لإصدار الحكم النهائي فـي النـزاع". يتعلق الأمر فعلاً بإجراءات تحكيمية عبر وطنية بين الدول والمستثمرين. هناك حجج ثلاث تبين أن المادة 17 لا تستهدف فقط النزاعات بين الدول ولكن أيضاً النزاعات بين الدولـة والمستثمر. في الواقع، تشير هذه المادة إلى "الأطراف فـي النـزاع" ولا تستعيد مفهـوم "الأطراف المتعاقدة" الوارد في المادة الأولى من الإتفاقية للإشارة إلى الدول الموقعة علـى هذه الإتفاقية. تلزم الإتفاقية في الفقرة (ج) الدول الأعضاء تنفيذ الأحكام التحكيمية الصادرة ضد مستثمر، مما يبين أن المستثمر يعتبر كطرف في الإجراءات التحكيمية. إضـافة إلـى ذلك، إن المادة 16 من الإتفاقية الإسلامية التي تلحظ حق الأشخاص التابعين للقانون الخاص باللجوء إلى القضاء الوطني للمنازعة في إجراء مخالف للإتفاقية، تنص على أن هذا اللجوء لا يكون ممكناً إلا عند عدم اختيار المستثمر اللجوء إلى التحكيم .

9. تم تأييد هذا الموقف بفقه مكرس. وعليه، يلاحظ Antonio R. Parra، على الرغم من أنه لا يحدد الأسباب، أن الإتفاقية "تنص في المادة 17 على موافقة الدول الأطراف على تقـديم نزاعات الإستثمار إلى التحكيم الخاص .

10. إن الحكم التحكيمي الصادر في قضية هشام طلعت م. الوراق ضد إندونيسيا بتـاريخ 21 يونيو 2012 يؤكد هذه النتيجة. لقد خصصنا دراسة منهجية ومعمقة للمادة 17 من الإتفاقية الإسلامية؛ بالتالي، سيكتفي هذا التعليق بتحليل مسهمات هذا الحكم في تفسير المادة 17.

11. يدور النزاع في القضية الحاضرة بين مستثمر سعودي ودولة إندونيسيا. كان طالب التحكيم مساهما مباشراً وغير مباشر في المصرف الإندونيسي PT Bank Century, Tbk الـذي أصبح في أكتوبر من العام 2009 PT Bank Mutiara, Tbk. وضع المصرف المـذكور تحت رقابة الدولة الإندونيسية. طلب المستثمر تعويضاً مدعياً حصول مخالفـات للإتفاقيـة الإسلامية حول الإستثمارات وللقانون الدولي العرفي. من جهتها، نسبت إندونيسيا إلى طالب التحكيم عدة مخالفات للقوانين المصرفية وباشرت دعوى جزائيـة ضـده أمـام المـحـاكم الوطنية.اختار أطراف النزاع سنغافورة مكاناً للتحكيم واتفقوا على تطبيق قواعد الإكـسيد لعام 2010 للسير بالإجراءات. كان السؤال الأساسي التي بحثته محكمة التحكيم يكمن فـي معرفة ما إذا كانت المادة 17 من الإتفاقية الإسلامية تعبر عن موافقة إندونيسيا على تسوية النزاع في القضية الحاضرة مع طالب التحكيم.

12. قدمت إندونيسيا عدة اعتراضات حول اختصاص محكمة التحكيم. أكدت أن المادة 17 التـى تشير إلى التوفيق والتحكيم لا تتضمن موافقة الدول المتعاقدة على التحكيم مع المستثمرين التابعين للقطاع الخاص. إضافة إلى ذلك، أشارت إندونيسيا إلى أن الإجراء المنصوص عنه في المادة 17 هو إجراء ما بين الدول فقط وأن ديباجة الإتفاقية الإسلامية تتمحـور حـول العلاقات في ما بين الدول ولا تذكر الأهداف المعتادة التي نجدها في المعاهدات الثنائية حول الإستثمار. أضافت الدولة المدعى عليها أنه لم يكن هناك أية إجراءات تحكيميـة بموجـب المادة 17 وأن عدم وجود طلبات تحكيمية يجب أن يعتبر كممارسة تبـيـن غيـاب عـرض تحكيم بحسب ما يرد في المادة 31(3) من اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات.

13. للجواب على الإعتراضات المثارة من الدولة، ذكرت محكمـة التحكـيم بمبـادئ تفـسير المعاهدات المنصوص عنها في المواد 31 إلى 33 من اتفاقية فيينا مشيرة بشكل خاص إلى غیاب اتفاق سابق أو أعمال تحضيرية متعلقة بالإتفاقية الإسلامية.

14. حول النسخة التي يجب الأخذ بها لتفسير نص الإتفاقية، سلّمت المحكمة بأن المادة 25 تنص على أن النسخ العربية والإنكليزية والفرنسية هي النسخ الأصلية. لكـن طالمـا أن اللغـة الإنكليزية هي لغة التحكيم وأن الأطراف والمحكمة اعتمدوا اللغة الإنكليزيـة فـي عملهـم والفرنسية بشكل من الأشكال، لم تلجأ المحكمة إلى النسخة العربيـة بـالطبع يفــر هـذا الموقف بجهل أعضاء محكمة التحكيم اللغة العربية.

15. حددت المحكمة أولا نطاق تطبيق المادة 17 (1). ثم بحثت في ما إذا كانت تعبر عن موافقة غير مشروطة على التحكيم (2).

1) نطاق تطبيق المادة 17:

16. يكمن السؤال الذي طرح في معرفة ما إذا كانت المادة 17 تتناول فقط النزاعات في ما بين الدول كما تؤكد على ذلك الدولة المدعى عليها، أو أنها تطبق أيضاً على النزاعات القائمـة بين الدول والمستثمرين من القطاع الخاص.

17. إن الغموض الذي يلف صياغة مقدمة المادة 17 (يحل ما يكون من المنازعات عن طريـق التوفيق أو التحكيم ) أكدت عليه المحكمة منذ الوهلة الأولى. لا تحدد المـادة 17 أطـراف النزاع بدقة. أكدت المحكمة بالتالي أن "مقدمة المادة 17 مصاغة بشكل غامض. إن الإشارة إلى "نزاعات" تفتقر إلى موضوع، فلا يكون من الواضح ما إذا كانت الأطراف المتعاقدة أو المستثمرين، أو كليهما، مخولين طلب تسوية نزاعاتهم عن طريق التوفيق أو التحكيم. إلا أن المحكمة تعتبر أنه يستنتج مما يستشف ضمنياً من المـادتين 16 و17 وبمـا يـنـسجم مـع موضوع وهدف إتفاقية منظمة التعاون الإسلامي، بأن المادة 17 تنص على التحكـيـم بـين المستثمر والدولة". بحسب المحكمة التحكيمية، يستند هذا الإستنتاج في الأساس إلى ثلاث حجج .

فمن جهة، تشير المادة 17 إلى عبارة "المتنازعين" وليس إلى "الأطراف المتعاقدة"، مما يبين أن التوفيق والتحكيم لم يكونا محصورين بالنزاعات في ما بين الدول22 كما تـدلي الدولـة المدعى عليها، ولكن يطبقان أيضاً على النزاعات عبر الوطنية القائمة بين دول ومستثمرين تابعين للقطاع الخاص.

من جهة أخرى، أكدت المحكمة أن الإشارة في المادة 17(2)(د) إلى موجب الدول المتعاقدة بتنفيذ الأحكام الصادرة لصالح المستثمر تبين أن بإمكان هذا الأخيـر اسـتعمال الإجـراء المنصوص عنه في المادة 17 .

أخيراً، أثارت المحكمة المادة 16 من الإتفاقية الإسلامية التي تنص على حـق الأشخاص التابعين للقانون الخاص باللجوء إلى المحاكم الوطنية وعلى أن هذا اللجوء لا يكون ممكناً إلا عند عدم اختيار المستثمر اللجوء إلى التحكيم. بحسب المحكمة، تنطوي المادة المطروحـة على بند اختيار محاكم الدولة أو التحكيم "fork in the road. إن قراءة هذه المـادة مـع المادة 17 تبين وجود حق فوري باللجوء إلى التحكيم. أكدت المحكمة أن: الشرط الوارد في المادة 16 يشترط أن يقوم المستثمر بخيار نهائي بين طلب اللجوء إلى المحاكم الوطنيـة أو إلى محكمة تحكيم. يعرف ذلك في القانون المعاصر حول الإستثمار ببنـد اختيـار مـحـاكم الدولة أو التحكيم "fork-in-the-road“. يبين الشرط الوارد في المادة 16 أن للمستثمر حق اللجوء إلى التحكيم بموجب اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي، وبشكل منطقي، يكون هذا الحق بموجب نصوص التحكيم الواردة في المادة 17. إن الشرط الوارد في المادة 16، من خلال إنشائه حقاً فورياً باللجوء إلى التحكيم وتبعاً لإعمال بند اختيار محاكم الدولة أو التحكيم "fork-in-the-road“ بشكل عادي، يؤكد أيضاً أن استنفاد الوسائل المحلية هو أمر غيـر مطلوب كشرط مسبق للجوء إلى التحكيم" .

2) وجود عرض غير مشروط:

18. بعد أن قررت أن المادة 17 تتناول النزاعات الناشئة بين الدول والمستثمرين التابعين للقطاع الخاص، المسألة التي كانت هيئة التحكيم مدعوة لبتها هي معرفة ما إذا كانت هـذه المـادة تنطوي على عرض تحكيم غير مشروط.

19. ملاحظة الفرق بين كتابة $ 1 حول التوفيق الذي أناط اللجوء إلى هـذه الوسيلة باتفـاق (" في حالة اتفاق المتنازعين على التوفيق ") و 2 حول التحكـيم الـذي لا يشير إلـى مثل هذا الاتفاق، اعتبرت هيئة التحكيم أن وحده التوفيق كان منوطاً بموافقـة المتنــازعين المسبقة. اللجوء إلى التحكيم لا يخضع لمثل هـذه الموافقـة، فهـو مقـدم فـي الإتفاقيـة الإسلامية.

20. ضف أن المادة 17 تنص على أن إجراءات التحكيم تبدأ بإخطار يتقدم به الطرف الراغـب في التحكيم إلى الطرف الآخر يوضح فيه المنازعة وإسم المحكم المعين من قبله. لا يرد أي اتفاق تحكيم في هذا الإخطار. كما أن هذه المادة تحدد أطر الإجراءات وتنص علـى مـهـل وعلى حلول بغية تفادي إعاقة تشكيل الهيئة. هذا يبين أن الدول الأعضاء كانت تنوي تنظيم إجراءات فعالة لحل النزاعات المتعلقة بالاستثمارات.

21. كما أن هيئة التحكيم استبعدت الإعتراض المقدم من إندونيسيا الـذي بموجبـه تـدعي أن اللجوء إلى التحكيم كان منوطا باللجوء المسبق إلى التوفيق. إن الحجة التي أثارتها الدولـة تقوم على القول أنه إذا استنتجت هيئة التحكيم عرضاً تحكيمياً من المادة 17، فـلا يمكـن الإنتفاع من هذا العرض إلا بعد اللجوء إلى التوفيق. إلا أن مباشـرة إجـراءات التوفيـق تتطلّب الموافقة المسبقة على هذا التوفيق. إن الفرضية التي اقترحتهـا إندونيـسيـا تـسمح للدولة بأن تحرم المستثمر من الاستفادة من عرض التحكيم من خلال رفض التوفيق. ف الواقع، إن الإتفاقية الإسلامية لا تحتوي على أي عرض توفيـق. فهـذا الأخيـر خاضـع لموافقة الأطراف المسبقة. يكفي إذا أن ترفض الدولة التوفيق حتى تحرم المستثمر من كـلّ لجوء إلى التحكيم وتقضي على عرض التحكيم. هذا الاستنتاج ليس فقط غير معقـول بـل أيضاً مخالف لحسن النية وغريب عن فلسفة التوفيق والتحكيم. إن هدف الإتفاقية الإسـلامية ومنطق البنود التي تجمع التوفيق والتحكيم هو، بشكل عام، إعطاء فرصة مسبقة لإجراءات التوفيق في حال اتفاق الأطراف دون القضاء على فرصة اللجوء إلـى التحكـيم. إذا كـان اللجوء إلى عرض التحكيم منوطاً بموافقة الدولة على التوفيق، لن تكـون الـدول مـشجعة على تفعيل التوفيق. فالدول ذات النية السيئة ستعترض على كل اقتراح توفيق بغية تفـادي التحكيم.

22. رفضت هيئة التحكيم هذا التفسير بتشديدها على كلمة "أو" الواردة في مقدمة المادة 17 التي بموجبها "يحل ما يكون من المنازعات عن طريق التوفيق أو التحكيم...". وأكد المحكمـون أن "هيئة التحكيم غير مقتنعة أن المادة 17 تشترط (أو حتى تفرض) أن يكون التوفيق سابقاً للتحكيم، مع أن إمكانية التوفيق التي يليها التحكيم هي بلا ريب مأخوذة بالاعتبار في المـادة 17(2)(أ). إن الجملة الإفتتاحية للمادة 17 تشير بوضوح إلى "التحكيم أو التوفيق" كخيارين. إن المادة 16 أيضاً تنص على اللجوء إلى المحاكم الوطنية أو إلى التحكيم الإستثماري دون أي شرط مسبق باللجوء إلى التوفيق. وعليه، بناء على تفسير صحيح للمادة 17، إن التوفيق والتحكيم هما وسيلتان مختلفتان لحل النزاعات يجوز استخدامهما إمـا بالتتـابع أو بـشكل متبادل، وإن واقع عدم وجود اتفاق مسبق على اللجوء إلى التوفيق لا يشكل عقبة أمام تحكيم بين مستثمر ودولة ".

23. لا يوجد أي عيب منطقي في اشتراط اتفاق خاص للتوفيـق دون اشتراط الـشـيء نفـسه للتحكيم27. فالتحكيم هو وسيلة فعالة وإلزامية ويجب أن يكون متاحاً ومـضموناً. والتوفيـق ليس إلا خياراً إضافياً يمكن للأطراف أن يأخذوه بالاعتبار في حـال اتفـاق خـاص دون القضاء على عرض التحكيم. هذه المقاربة ليست لا متناقضة ولا غير منطقية، فقد كرسـتها العديد من المعاهدات الخاصة بالاستثمار. تنص المادة 9 من معاهدة الإستثمار الثنائيـة الموقعة بين سويسرا والهند على أن (1) كل نزاع ينشأ بين مستثمر تابع لطـرف متعاقـد وطرف متعاقد آخر يتعلق باستثمار يخص الأول بمعنى هـذه المعاهـدة سيصار، قـدر المستطاع، إلى حله حبياً من خلال مفاوضات تعقد بين طرفي النزاع. (2) إن النزاع الـذي لم يصر إلى حله حبياً خلال مهلة ستة أشهر سيحال، إذا اتفق الطرفان: (أ) إلى المحاكم أو إلى الهيئات الإدارية المختصة التابعة للطرف المتعاقد الذي قبل الإستثمار، وفقا لقوانين هذا الطرف المتعاقد، أو (ب) إلى التوفيق الدولي وفقا لقواعد لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال) للتوفيق لعام 1976. (3) إذا لم يستطع الطرفان الإتفاق على إحـدى وسيلتي حل النزاعات المذكورتين في الفقرة (2) من هذه المادة خلال مهلة ثلاثة أشهر إذا أحيل النزاع إلى توفيق دولي إنتهى دون توصل الطرفان إلى اتفاق رسمي، يمكن إحالة النزاع إلى التحكيم: (أ) أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار...". بالمعنى نفــسه، تنص المادة 9 من معاهدة الإستثمار الثنائية الموقعة بين ألمانيا والهند في العام 1995 على أنه يمكن للطرفين أن يباشرا أولا إجراءات توفيق وفقاً لقواعد لجنة الأمم المتحدة للقـانون التجاري الدولي (الأونسيترال). إذا لم يتمكن الطرفان من الاتفاق على اللجوء إلى التوفيق أو إذا لم يحل النزاع من خلال هذه الوسيلة، يمكن لكل من الطرفين أن يحيـل النـزاع إلـى التحكيم . إن اللجوء إلى التوفيق ليس مفروضاً على الطرفين بل منوط باتفاقهما المـسبق. بالتالي، في غياب اتفاق، يمكن لكل من الطرفين أن يحيل النزاع مباشرة إلى هيئة التحكـيم. ويمكننا في الأخير إضافة معاهدة الإستثمار الثنائية الموقعة بين الولايات المتحدة والـسنغال التي تنص المادة 7 منها على أنه 2. في حال نشوء نزاع بين طرف ومـواطن أو شـركة تابعة للطرف الآخر تتعلق باستثمار يخص هذا المواطن أو هذه الشركة في أراضـي ذلـك الطرف، يحاول طرفا النزاع أن يحلا النزاع أولا من خلال التشاور والتفاوض. يجوز لهما، بناء على مبادرة من أي منهما وكجزء من التشاور والتفاوض بينهما، أن يتفقا على الاستناد إلى إجراءات طرف ثالث غير ملزمة، كـ "قواعد التحقق من الأدلـة ( Fact-Finding Facility Rules) الواردة تحت "قواعد الإكسيد الإضافية لتسهيل حل النزاعات" ( ICSID Additional Facility Rules). إذا كان من غير الممكن حل النزاع من خلال التشاور والتفاوض، سيصار إلى حله وفقاً لإجراءات حل النزاعات المطبقة التي سبق أن اتفق عليها الطرفان. في حال المصادرة من قبل أي من الطرفين، تبقى الإجـراءات الخاصـة بحـل النزاعات المحددة في اتفاق حول الاستثمار مبرم بين هذا الطرف وهذا المواطن أو الشركة ملزمة ويجب تنفيذها وفقاً لشروط الاتفاق حول الاستثمار ولأحكام القوانين الوطنية الوثيقـة الصلة بالموضوع ولغيرها من المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكـيم التي وقع عليها هذا الطرف .

24. إستبعدت الهيئة الحجة التي أثارتها إندونيسيا القائلة بأن عـدم وجـود إجـراءات باشـرها المستثمرون التابعون للقطاع الخاص يشكل ممارسة تدل على غياب الموافقة على التحكـيم. إن عدم وجود طلب تحكيم سنداً للمادة 17 كما ووجود مثل هذا الطلب لا يـشكل ممارسـةً تعدل معنى المادة 17.

 

25. أشارت هيئة التحكيم أنه يجب الإبقاء على تفسيرها حول وجود عرض تحكيم في المادة 17 حتى لو لم تنص الدول، عند التفاوض في الإتفاقية الإسـلامية، علـى الـسماح للمستثمر بمقاضاة الدولة أمام هيئة تحكيمية. في الواقع، ما هو متعلق بالموضـوع، بحـسب هيئـة التحكيم، ليس ما تصورته الدول عند إبرام الإتفاقية بل تفسير العبارات المستخدمة من خلال منظور معاصر. أكدت هيئة التحكيم أنه تقضي هيئة التحكيم، من منظور معاصـر، بـأن المادة 17 تشكل نصاً على التحكيم بين مستثمر ودولة، ولا شيء في هذه المادة يتعارض مع الممارسة الحديثة لتفسير هذه البنود على أنها تشكل عرضاً مفتوحاً من الدول الأطـراف للمستثمرين، من الممكن قبوله ومباشرة التحكيم، من دون أي اتفاق مـستقل مـن الدولـة الطرف. ... برأي هيئة التحكيم، يتطلب الـ VCLT تفسيراً لغاية القانون وروحـه ولـيـس لقصد المشرع. ما تصوره أعضاء منظمة التعاون الإسلامي لدى رعايتهم للاتفاقية لم يثبت من خلال الأدلة؛ ... تعتبر الهيئة أن ذلك غير متصل بالموضوع؛ ما هو متصل بالموضوع ليس نية أي عضو أو عدة أعضاء من منظمة التعاون الإسلامي بل مـا يعنيـه الأسـلوب المستخدم في اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي لدى تفسير الكلمات المستخدمة. تعتبر الهيئة أن أسلوب المادة 17 يمكن ويجب أن يفسر من خلال منظور معاصر وأنه يشكل عرضـاً مفتوحاً للجوء إلى التحكيم يمكن لمستثمر، مثل المدعية، أن يقبله، دون أي اتفـاق صـريح مستقل من قبل المدعى عليها للجوء إلى التحكيم". إستنتجت هيئة التحكيم أن حسن النيـة والمعنى العادي لعبارات الاتفاقية والمضمون والأهداف المعاصرة للتفسير، التـي تـدعم تشجيع وحماية الاستثمارات، تستلزم هذه القراءة للمادة 17. كما لاحظت الهيئة أن تفسيراً تطورياً لاتفاقية الاستثمارات معترف به من محكمة العدل الدولية ويأتي وفقاً لاتفاقية فيينا.عندما يدعى إلى تفسير معاهدات الإستثمار، لا يتوقف المحكم الدولي عند التاريخ الـذي أبرمت فيه الاتفاقية إذ أن بإمكانه أن يأخذ بالاعتبار تطور قانون الإستثمارات. يمكنه تفسير القاعدة القانونية عبر أخذه الظروف الجديدة بالاعتبار. لقد سبق للمحكمة الأوروبية لحقـوق الإنسان أن استندت إلى هذه الطريقة بتأكيدها أن الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان هـي أداة حية يجب أن تفسر على ضوء الظروف الحالية".

فضلاً عن ذلك، إن التأكيد على أن الدول المتعاقدة بالاتفاقية الإسلامية لم تتـصور طريقـة للجوء إلى التحكيم عند إبرام هذه الإتفاقية هو موضوع قابل للجدال. إن اللجوء المباشر إلى وسائل خاصة بحل النزاعات تكون فعالة في مسائل الإستثمار في المنطقة ليس خطأ. لقـد سبق تأكيده، إن "لجوء أشخاص من القطاع الخاص إلى إحدى وسائل حل النزاعات الدولية اعتبر على أنه طريقة مهمة لضمان إمكانية تطبيق اتفاقية متعلقة بالاستثمار"

26. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن للمتخصصين بقانون الإستثمارات أن يتجاهلوا أن الفقـه أخـذ بالاعتبار، منذ زمن بعيد، إمكانية مباشرة تحكيم سنداً لمعاهدة إستثمار وأنـه عنـد إبـرام الإتفاقية الإسلامية، كانت آلية عرض التحكيم قد أصبحت معروفة. فـي ســياق اتفاقيـة واشنطن، لقد سبق أن كانت آلية التراضي المنفصل مأخوذة بالاعتبار وتم مناقشتها خـلال الأعمال التحضيرية المتعلقة بهذه الاتفاقية. وبالمناسبة، نشير إلى أن تقرير مدراء البنـك الدولي التنفيذيين المؤرخ في العام 1964 ينص في الفقرة 24 على أن "الإتفاقية لا تقتـضي أن تكون موافقة الطرفين محددة في المستند نفسه. وهكذا، يمكن لدولة مضيفة أن تعـرض، في إطار تشريع يهدف إلى تشجيع الإستثمارات، إحالة النزاعات الناجمة عن بعض فئـات الإستثمار لاختصاص المركز، في حين أن المستثمر يمكنه أن يعطي موافقته عبـر قبـول العرض خطيا ".

27. كان اللجوء المضمون إلى طرق مراقبة الإلتزامـات المنصوص عنهـا فـي معاهـدات الإستثمار أحد أهداف الإتفاقية العربية للاستثمار لعام 1980 التي أنشأت محكمة الإستثمار العربية التي يكون اللجوء إليها متاحاً للمستثمرين التابعين للقطاع الخاص وللـدول. جهة أخرى، تنص الإتفاقية الإسلامية على إنشاء جهاز لتسوية النزاعـات، وهـذا يـذكر بمحكمة الإستثمار العربية. يمكننا القول إذا دون تضخيم أن واضعي الإتفاقيـة الإسـلامية وواضعي الإتفاقية العربية تصوروا، لدى التفاوض في هاتين الإتفاقيتين، موضـوع إنـشاء آلية تحكيم أو آلية قضائية فعالة متاحة مباشرة للمستثمرين وللدول. هذا يفــر لـم هـاتين الإتفاقيتين تصورتا وضع التزامات أساسية على عاتق الدولة وعلى عاتق المستثمر التـابع للقطاع الخاص. هذه الإلتزامات خاضعة للرقابة من خلال طرق إجرائيـة متاحـة للـدول وللمستثمرين. إذا كان من الممكن لمعاهدة دولية أن تنشيء حقوقاً لصالح المستثمر التـابع للقطاع الخاص، فيمكن للمعاهدة نفسها أن تنشيء إلتزامات على عاتق هـذا الأخيـر. إن الإتفاقية الإسلامية، بانتظار إنشاء جهاز خاص لتسوية النزاعات، تسمح للدولة برفع النزاع إلى هيئة تحكيمية ضد المستثمر التابع للقطاع الخاص. إنها لا تنطوي فقط علـى عـرض تحكيم بل أيضاً على التزام اللجوء إلى التحكيم يجب على المستثمر أن يحترمـه عنـدما تطالبه الدولة باحترام الإلتزامات المنصوص عنها في الإتفاقية. كما أكـده الـسيد "دوران" (Derains) "إذا كان ممكناً للدولة أن تنشيء حقوقاً لمواطنيها باللجوء إلى التحكيم الدولي، ألا يمكنها أيضاً أن تنشىء التزامات على عاتقهم في هذا الصدد... تتخطى الصياغة ذاتهـا للاتفاقات المبرمة بين الدول، فهذه مشكلة من مشاكل القانون الدستوري الداخلي. إذا كـان للدولة فعلاً هذه السلطة على الصعيد الدستوري، يمكننا التوصل إذا إلى آلية تحكـيم دولـي مكملة تبدو جوانبها المفيدة صعبة التنازع فيها". هذا هو التفسير الذي يدل عليـه سـياق إعداد الاتفاقية الإسلامية الخاصة بالاستثمارات. لهذا السبب، نعتقـد أن واقـع أن تـسمح الإتفاقية الإسلامية للدول بمقاضاة المستثمر لا يبطل التفسير الذي أخذتـه هيئـة التحكـيم بالاعتبار. لا يمكن لمن هم مطلعين على الإتفاقات المبرمة في المنطقة أن يتجاهلوا أنـه كان أساسيا للمفاوضين أن يبتكروا دعوى تحكيمية تكون متاحة للمستثمرين التابعين للقطاع الخاص وللدول على حد سواء لضمان فعالية الآلية المعيارية المتبادلة المنصوص عنها في الاتفاقيات الإقليمية حول الإستثمار. يضاف إلى هذا أن التمييز بين المستثمرين والدولـة يخسر كل وثاقة بالموضوع بالقدر الذي تستطيع فيه الدولة أن يكون لهـا صـفـة مـستثمر. تجدر الإشارة أخيراً إلى أن المقاربة الواردة في الإتفاقية الإسلامية موجودة من قبل. العديد من معاهدات الإستثمار الثنائية تنص على أنه يمكن للدولة أن تباشر إجراءات تحكيمية ضدّ المستثمر التابع للقطاع الخاص. ترد هذه العبارة التناظريـة أو المتعادلـة فـي معاهـدات الإستثمار الثنائية التي أبرمتها فرنسا وألمانيا وفي النموذج النمساوي لمعاهدات الإستثمار الثنائية. تنص المادة 8 من معاهدة الإستثمار الثنائية الموقعة بين فرنسا ومنغوليـا (1991) على .. إذا لم تتم تسوية هذا النزاع خلال مهلة ستة أشهر من التاريخ الذي رفعه فيـه أي من الطرفين في النزاع، يحال إلى التحكيم وفقاً لقواعد الإكسيد بناء على طلب أي مـن الطرفين.

28. كما يمكن التأكيد على أن عدم وجود تناظر في قراءة وتطبيق المادة 17 حـسبما أن يكـون الطالب هو الدولة أو المستثمر ليس صادماً بحد ذاته أو مخالفاً لمبادىء التفسير كمـا سـبق تأكيده ، وهو يفسر بكل بساطة من خلال الطابع الإرادي للتحكيم. لا شيء يمنع التمييز بين النظام الذي يرعى طلبات التحكيم التي يقدمها المستثمر وتلك التي تقدمها الدولة. لقد سـبق للاجتهاد التحكيمي أن كرس هذا التمييز. إذا، في حكم التحكيم الصادر في دعـوى AMT ضد زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية)، ميزت هيئة التحكيم، في هـذا الـشأن، بـين الدعاوى المقدمة ضد الدولة التي يمكن أن تستند إلى عرض تحكيم والدعاوى المقدمة ضـد المستثمر التي لا يمكن قبولها لعدم موافقة هذا الأخير". هذا يبين عدم وجود أي تناقض في المطالبة بالحصول على موافقة المستثمر الصريحة عندما تتصرف الدولة سندا للمـادة 17 بينما تسمح للمستثمر ذاته أن يستفيد من عرض تحكيم.

29. يبقى أخيراً لمحكمة التحكيم الإجابة فقط على الإعتراض المقدم من إندونيسيا حول وجـود جهاز لتسوية النزاعات. في الواقع، تجيز المادة 17 اللجوء إلى التحكيم بشكل انتقالي، إلى أن يتم إنشاء جهاز لتسوية المنازعات الناشئة عن هذه الإتفاقية". أما بالنسبة للدولة المذكورة، إن إنشاء محكمة العدل الإسلامية Cour Islamique de Justice في العام 1987 تـشكل هذا الجهاز. مما ينتج وفقا لهذه الدولة استحالة اللجوء إلى التحكيم، لم تواجه محكمة التحكيم الكثير من الصعوبات في استبعاد هذا السبب مشيرة إلـى أن هـذه المحكمـة لـم يكـن لديها الإختصاص في مجال الإستثمار، وأنها كانـت تتمتـع بالإختـصاص فقـط بالنـسبة للنزاعات بين الدول حتى أن المستندات المبرزة من منظمة التعـاون الإسـلامي تعتـرف بعدم تأسيس مثل هذا الجهاز. علاوة على ذلك، أضافت المحكمة أن المحكمة الإسـلامية Cour Islamique لم تنشأ إلا على الـورق ولـم يكـن بعـد قـد بـدأ العمـل بـهـ أشارت المحكمة إلى ما يأتي: "إن موضوع وهدف المادة 17 هو تأمين آلية لحل النزاعـات المتعلقة بالإستثمار، بالأساس من خلال آلية احتياطيـة للتوفيـق والتحكـيم الـحـر، التـي سيتم استبدالها لاحقا بآلية دائمة. إن المحكمة التي لا وجود ملموس لها أو التـي لا يكـون قد بدأ العمل بها، لا يمكنها أن تفصل منازعات الإستثمار، وعليه لا تكون منـشأة لغايـات المادة 17 .

30. من خلال التأكيد على أن الإتفاقية الإسلامية تنطوي على عرض تحكيم، يفتح هذا الحكم آفاقاً للمستثمرين وللتحكيم في المنطقة. إن أهمية هذا الحكم لم تغفل معهد القانون الدولي الـذي منحه اهتماماً خاصاً في جلسته المنعقدة في طوكيو في العام 2013. إن الإتفاقية الإسلامية حول الإستثمار تثار بشكل متزايد بوجه الدول خاصة بعد الربيع العربي وذلك للمنازعة في إلغاء العقود المبرمة مع الحكومات السابقة. وعليه، في غيـاب معاهـدة ثنائيـة حـول الإستثمار تنطوي على عرض تحكيم، أثار عدة مستثمرين سعوديين عرض التحكيم الـوارد في المادة 17 ضد مصر. بيد أن الصحافة ذكرت أن مصر رفضت تسمية محكميهـا لـم يعين أمين عام منظمة التعاون الإسلامي المحكمين حين رفع المستثمرون الأمر إليـه. إن إخفاق سلطة التعيين هذه ليست أمراً يتعذر حله. هناك عدة تقنيات يمكن استعمالها لتحـلّ محل إخفاق الأمين العام والسماح للمادة 17 بأن تطبق بشكل عادي. إن الأيام القادمـة ستبين لنا ذلك.