الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • حكم التحكيم / حكم التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 24 / الجدل القانوني حول وجوب صدور حكم التحكيم بإسم السلطة العليا في البلاد ومدى اعتباره بیانا جوهريا يترتب على إغفاله البطلان

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 24
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    97

التفاصيل طباعة نسخ

    يثور الجدل في الأوساط القانونية حول وجوب صدور حكم التحكيم باسم السلطة العليا في البلاد، ومدى اعتبار ذلك بياناً جوهرياً يترتب على إغفاله بطلان الحكم بطلاناً مطلقاً، خاصة بعد صدور حكم من محكمة التمييز القطرية عام 2012 قضت فيه بهذا البطلان، ثم توالى صدور أحكام البطلان من المحاكم الأدنى درجة لكل أحكام التحكيم التي تخضع للقانون القطري، والتي أغفلت هذا البيان، حتى لو كانت صادرة خارج قطر من أحد مراكز التحكيم الدولية، ومنها غرفة التجارة الدولية، واستمر الحال إلى أن صدر حكم آخر من محكمة التمييز عام 2014 أقام فيه تفرقة في تطلب هذا البيان، بين الأحكام التي تصدر خارج قطر وتخضع لقواعد غرفة التجارة الدولية، حيث اعتبرها أحكاماً أجنبية يتم التعامل معها كأحكام تحكيم أجنبية، ولا يجب فيها توافر هذا البيان.

    ومن خلال هذه الأحكام ثار الجدل حول طبيعة أحكام التحكيم ووجوب صدورها باسم السلطة العليا في البلاد، ومدى اعتبار هذا البيان جوهرياً يترتب على بطلانه الإغفال، وهو ما نتناوله من خلال بنود البحث التالية:

المبحث الأول: الطبيعة القانونية لحكم التحكيم في ضوء الفقه والقضاء:

     اختلف الفقه والقضاء في تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم في أربع نظريات نسردها بإيجاز على النحو التالي:

 الأولى- النظرية العقدية:

    يرى أصحاب هذا الاتجاه أن التحكيم عقد لا يختلف عن غيره من العقود يبدأ باتفاق. والإرادة هي التي تمنح المحكم سلطة الحكم في النزاع بدلاً من المحكمة المختصة، وإذا لم يوجد اتفاق على نظام التحكيم للفصل في النزاع القائم فإن حل النزاع يكون باللجوء إلى القضاء. وللإرادة دور أيضاً في اجراءات التحكيم فهي التي تحدد الاجراءات الواجبة الاتباع. واختيار المحكمين من حق المحتكمين، على خلاف الحال لدى القضاء. فالخصوم لا يختارون القضاة الذين يفصلون في المنازعات، بل إن الإرادة تؤدي دوراً أكثر من ذلك باختيار القانون الواجب التطبيق. والمحكم ليس قاضياً لأنه ليس له ولاية القضاء، ولا يؤدي خدمة عامة ويستمد سلطانه من المتعاقدين، ولا يملك توقيع جزاءات على الخصوم، ولا يلتزم بقبول التحكيم، ولا يستطيع إلزام الغير بتقديم مستند يكون منتجاً في الدعوى. كما أن الاجراءات المتبعة ليست إجراءات قضائية بالمعنى الحقيقي. فالإجراءات القضائية تكون بخصومة قائمة أمام محكمة تتبع جهة قضائية، والقرار الصادر من المحكم لا ينفذ، إلا بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه.

    وقد أيدت محكمة النقض الفرنسية الطبيعة التعاقدية وانسحاب هذه الطبيعة إلى كل من اتفاق التحكيم وحكم التحكيم، كما اتجه جانب من الفقه المصري إلى تأييد الطبيعة التعاقدية لحكم التحكيم. فحكم التحكيم هو أثر لاتفاق التحكيم، والمحكمون ليسوا قضاة، ولكنهم أفراد عاديون عهد إليهم بمهمة تنفيذ هذا الاتفاق. وقد أيدت محكمة النقض المصرية ذلك في بعض الأحكام؟.

الثانية- النظرية القضائية:

    ويرى أنصار هذه النظرية أن حكم التحكيم يتسم بالطبيعة القضائية استناداً إلى الوظيفة ذاتها التي يقوم بها القاضي. والحكم الذي يصدره المحكم أو هيئة التحكيم يعد حكماً له طبيعة الحكم القضائي. ووظيفة المحكم كوظيفة القاضي، ومهمته كمهمة القاضي وهي تطبيق العدالة، وحكمه يرتب نفس الآثار التي يرتبها الحكم القضائي، وكلاهما يهدف إلى الفصل في النزاع.

    وحكم المحكم يحوز حجية الشيء المقضي به، وينفذ تنفيذاً جبرياً بعد صدور الأمر بهذا التنفيذ، شأنه شأن الحكم القضائي الصادر من السلطة القضائية في الدولة، وحكمه يجب تسبيبه ويمكن استئنافه، والاجراءات أمام المحكم تعتبر اجراءات قضائية، فإذا كان التحكيم يبدأ بإتفاق، ثم تتبعه أجراءات واجب اتباعها حتى الوصول إلى حكم. فإذا كان الاتفاق ذا طبيعة تعاقدية فإن الحكم الذي يصدره المحكم ذو طبيعة قضائية .

     وتصف معظم التشريعات قرار المحكم بأنه حكم. كما نص القانون الفرنسي الجديد على إطلاق لفظ محكمة التحكيم على المحكم أو المحكمين، وقالت المحكمة العليا الفرنسية أن التحكيم يعد قضاءاً استثنائياً يكون للمحكمين فيه سلطة ذاتية مستقلة للفصل في المنازعات التي يطرحها الخصوم عليهم. أما محكمة النقض المصرية فلم تدل بدلوها بعد وإن كانت قد نحت نحو تأييد الطبيعة التعاقدية.

وقد أيدت محكمة التمييز القطرية الطبيعة القضائية لحكم التحكيم، حيث قررت أن المشرع وصفه في باب التحكيم بقانون المرافعات القطري على أنه حكم، وبالتالي فهو حكم عادي يخضع للشكل المقرر له ويصدر من شخص مكلف بتأدية وظيفة القضاء في خصوص النزاع المطروح أمامه، على الرغم من أنه في الأصل من غير رجال القضاء، وهذه الوظيفة تمنح له احتراماً لإرادة المحتكمين .

الثالثة- النظرية المختلطة:

    يرى أنصار هذا الاتجاه أن التحكيم ذو طبيعة مختلطة. فالتحكيم ذو طبيعة عقدية وقضائية معاً، فالعنصر الإرادي هو الجانب السائد في المرحلة الأولى للتحكيم، وهي مرحلة الاتفاق على التحكيم كأسلوب لحل المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بين الأطراف، ثم تبدأ مرحلة التداعي والتي تتسم بالعمل القضائي. فالتحكيم وفقاً لهذا الرأي ليس اتفاقاً محضاً ولا قضاء محضاً، لهذا فالتحكيم ذو طبيعة مركبة. فالصفة التعاقدية مردها في التحكيم إلى تعاقد الاطراف على فض النزاع بواسطة المحكمين. وطبقاً لهذا الرأي لا تعتبر قرارات المحكمين حكما قضائياً، إلا وضع الأمر بالتنفيذ والصيغة التنفيذية عليه.

    ويترتب على الأخذ بهذه الطبيعة أن القانون الواجب التطبيق يتم تحديده طبقاً للمرحلة التي يمر بها التحكيم. ففي المرحلة الأولى يتم تطبيق القانون الواجب التطبيق على الاتفاقيات والعقود. وفي المرحلة التالية، مرحلة التداعي، يتم تطبيق القانون الواجب التطبيق على المسائل ذات الطابع القضائي.

الرابعة- النظرية الخاصة أو المستقلة:

    أن التحكيم ذو طبيعة خاصة مستقلة، فهو نظام قضائي استثنائي. فالتحكيم وسيلة لفض النزاعات، ولكنه وسيلة مختلفة عن القضاء وموازية له. فالتحكيم مصدره العقد، ولكن بعد الاتفاق عليه يخرج من هذا المفهوم لينصب في النظام الإجرائي لقانون المرافعات، إلا أنه لا يأخذ الطبيعة القضائية البحتة.

    وتقترب اغلب التشريعات كثيراً من هذا الاتجاه ويؤيده معظم الفقه والقضاء، لأن أصحاب الطبيعة العقدية للتحكيم لم يستطيعوا أن يتفقوا على طبيعة هذا العقد، فهل هو عقد من عقود القانون العام أم عقد من عقود القانون الخاص؟ وهل هو عقد ينظم الشكل أو ينظم الموضوع؟ حتى الذين يقولون بأنه عقد من عقود القانون الخاص اختلفوا في تحديد ماهية ذلك العقد، فتارة يقولون عقد عمل، وتارة يقولون عقد وكالة، كما أنهم بالغوا في دور إرادة الاطراف. كما أن أصحاب الطبيعة القضائية لم يسلموا من النقد كذلك، لأن المحكم، وإن كان يقوم بنفس وظيفة القاضي، أي الفصل في النزاع، إلا أنه لا يتمتع بأهم صفات القاضي وهي سلطة الأمر. كما أن المحكم يقوم بمهمة القاضي بصفة وقتية، أي حين النظر في النزاع، وعليه فليس من المعقول أن يمنح كامل سلطات القاضي. أما أصحاب اتجاه الطبيعة المختلطة للتحكيم فإنهم لم يستحدثوا جديداً، وإنما أقروا أشياء جديدة وموقفهم محاولة للهرب من تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم فالقول بالطبيعة المختلطة لا معنى له، إذ يجب تحديد هذه الطبيعة.

   وهذه النظرية الخاصة بأن التحكيم ذو طبيعة خاصة مستقلة تجد تأييداً من غالبية الفقه والقضاء. لأن حكم المحكم لا يعتبر مجرد أثر من آثار التعاقد، كما أنه لا يمكن اعتباره حكماً قضائيا بحتاً، وإنما هو عمل قضائي ذو طبيعة خاصة مستقلة. وفي هذا المعنى يقول الدكتور محسن شفيق "التحكيم في الحقيقة ليس اتفاقاً محضاً ولا قضاء محضاً، وإنما هو نظام يمر في مراحل متعددة يلبس في كل منها لباساً خاصاً ويتخذ طابعاً مختلفاً فهو في أوله اتفاق وفي أوسطه إجراء وفي آخره حكم" .

    وقد أخذت محكمة النقض الفرنسية بهذا الاتجاه في بعض أحكامها، كما أخذت به محكمة النقض المصرية في العديد من أحكامها، حيث استقر قضاء هذه الأخيرة على أن "المقرر أن التحكيم هو طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية، وما تكلفه من ضمانات، ومن ثم فهو مقصور على ما تنصرف إليه إرادة المحتكمين في عرضه على هيئة التحكيم، يستوي في ذلك أن يكون الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة خاصة أو انصرف إلى جميع المنازعات التي تنشأ من تنفيذ عقد معين".

المبحث الثاني: مدى اعتبار صدور حكم التحكيم بإسم السلطة العليا في البلاد بياناً جوهرياً يترتب على اغفاله البطلان:

انعكس الجدل الفقهي حول الطبيعة القانونية للتحكيم على أثر ذلك، حيث ثار التساؤل عما إذا كان صدور حكم التحكيم بإسم السلطة العليا في البلاد يعتبر بياناً جوهرياً يترتب على اغفاله البطلان.

   اتجه جانب من الفقه والقضاء إلى أن الحكم القضائي لا يبطل إذا خلا من بيان صدوره باسم الشعب، لأن بيان اسم الأمة، ليس شكلاً جوهرياً في الحكم، ولا يترتب عليه البطلان على مخالفته، واغفاله لا يعني أن المحكمة قضت بإسم سلطة أخرى غير سلطة الأمة، ومناط النص التشريعي بصدور الأحكام باسمها وبيان السلطة في الحكم لا يتعدى في مناطه بيان اسم الدولة في الأوراق الأخرى، أي أنه لا يقصد منه سوى مجرد الإحاطة باسم السلطة التي ينسب إليها الحكم.

    وقد اتجهت أحكام محكمة النقض المصرية في البداية إلى وجوب إصدار الأحكام باسم الأمة، وعدم تدوين ذلك يترتب عليه البطلان المتعلق بالنظام العام، إلا أنها عدلت عن هذا الاتجاه واستقرت في العديد من أحكامها على أن خلو الحكم مما يفيد صدوره باسم الأمة أو الشعب أو إثبات صدوره باسم الأمة أو من الشعب، لا ينال من شرعيته أو يمس ذاتيته، ولا يترتب عليه بطلان الحكم .

    حيث قضت بأن "المقرر في قضاء هذه المحكمة أن البين من استقراء النصوص الدستورية وقوانين السلطة القضائية المتعاقبة أن المشرع لم يعرض البتة للبيانات التي يجب اثباتها في ورقة الحكم، وأنه إذ عبر عن قصده بنصه على أن تصدر الأحكام وتنفذ باسم الأمة – الشعب – فقد أفصح عن أن هذا الصدور في ذاته لا يتطلب أي عمل إيجابي من أي أحد لأنه لو أراد ذلك لعبر عنه صراحة، وكانت المادتان 178 من قانون المرافعـات- في شـأن بيانات الحكم – و310 من قانون الاجراءات الجنائية – في شأن مشتملاته فقد خلتا من ذكر السلطة التي تصدر الأحكام باسمها فإن مؤدى ما تقدم أن الشارع لا يعتبر من بيانات الحكم صدوره باسم الأمة أو الشعب، وأن قضاء الدستور بصدور الحكم بهذه المثابة ليس إلا إفصاحاً عن أصل دستوري أصيل، وأمر مسبق مقضي بقوة الدستور نفسه من أن الأحكام تصدر باسم السلطة العليا صاحبة السيادة وحدها ومصدر السلطات جميعاً –الشعب – لكون ذلك الأصل واحداً من المقومات التي ينهض عليها نظام الدولة، ومن ثم فان إيراد ذلك بورقة الحكم أثناء تحريره، ومن بعد صدوره بالنطق به ليس إلا عملاً مادياً لاحقاً كاشفاً، عن ذلك الامر المفترض وليس منشئاً له، لما كان ذلك، فإن خلو الحكم المطعون فيه مما يفيد صدوره باسم الشعب، لا ينال من شرعيته، أو يمس ذاتيته ولا يترتب عليه بطلان الحكم" .

     وقد اتجه القضاء المصري إلى اعتبار حكم المحكمين قضاء خاصاً يستند إلى إرادة الأفراد. لذا فإن المشرع لم يوجب تضمينه كافة البيانات التي نص عليها القانون بالنسبة لأحكام المحاكم، وإنما اكتفى ببيانات أوردها على سبيل الحصر، وليس من بينها صدوره باسم الشعب، ومن ثم لا يكون معيباً بالبطلان لخلو ورقة هذا الحكم من هذه البيانات.

    وهناك اتجاه ثان في الفقه والقضاء يذهب إلى وجوب اصدار أحكام المحكمين باسم السلطة العليا في البلاد، وإلا كان الحكم باطلاً، بل اعتبر البعض ذلك من النظام العام.

    ومن هذه الاتجاهات ما ذهب إليه القضاء القطري بأنه يجب أن يصدر حكم التحكيم باسم السلطة العليا في البلاد، وهي صاحب السمو أمير دولة قطر. فإذا لم يصدر حكم التحكيم باسم السلطة العليا للبلاد فإنه يفقد شكله كحكم، لأن صدوره بإسم سمو الأمير، يؤكد أن القوة العامة وراء من أصدره وهو الأمر الذي يستوجب تنفيذه.

    وذهبت محكمة النقض القطرية إلى أن هذه القاعدة من النظام العام، ومن ثم يتعين على القاضي من تلقاء نفسه ألا يعتد بالحكم الذي لم يصدر باسم السلطة العليا في البلاد. واستند حكم محكمة النقض القطرية في تسبيبه إلى المادة 63 من الدستور والمواد 69 و 198 و207 من قانون المرافعات من أن المشرع وصف حكم المحكم بأنه حكم عادي يخضع للشكل المقرر له ويصدر من شخص مكلف بتأدية وظيفة القضاء في خصوص النزاع المطروح.

     وهناك اتجاه ثالث في الفقه والقضاء يذهب إلى التفرقة بين التحكيم الذي يخضع لقانون المرافعات وهو القانون الإجرائي لأي دولة، والتحكيم الذي لا يخضع لهذا القانون ويخضع لقواعد أخرى، كما هو حال الاتفاق على تطبيق قواعد غرفة التجارة الدولية أو أي قواعد أخرى لمركز من مراكز التحكيم المنتشرة في دول العالم.

    وفي الحالة الأولى يرى أصحاب هذا الاتجاه وجوب صدور الحكم باسم السلطة العليا في البلاد، لأنه يعامل معاملة الحكم العادي، أما الحالة الثانية التي يخضع فيها التحكيم لقواعد أخرى باتفاق الخصوم بخلاف قواعد القانون الإجرائي فلا يجب صدور الحكم باسم تلك السلطة، لأنه يعتبر بمثابة حكم تحكيم أجنبي.

    وقد تبنت محكمة التمييز القطرية في حكم حديث لها هذا الاتجاه، وقررت بأن اتفاق الخصوم على تطبيق قواعد غرفة التجارة الدولية على نزاع التحكيم، يخرج الحكم الصادر بشأنه من نطاق قانون المرافعات القطري إلا في ما يتعلق بتنفيذ هذا الحكم كحكم تحكيم أجنبي، حتى لو كان تفسير عقد هذا النزاع يخضع للقانون القطري. حيث أن العبرة بالخضوع لقانون المرافعات من عدمه.

      ويؤيد جمع من المشتغلين بالقانون الاتجاه الأول القائل بعدم وجوب إصدار أحكام المحكمين باسم السلطة العليا في البلاد وعدم ترتب البطلان المتعلق بالنظام العام على إغفاله هذا البيان. ويرى هذا الجمع أن ما قررته محكمة التمييز القطرية من أن صدور حكم التحكيم يجب أن يكون باسم السلطة العليا في البلاد، وأن إغفال ذلك يتعلق بالنظام العام ويستوجب البطلان، مردود عليه بما يلي:

  - أن المادة 63 من الدستور القطري قد أرتبط ذكرها بصدور الأحكام باسم الامير بالسلطة القضائية التي تتولاها المحاكم، وهذه المحاكم واردة، على سبيل الحصر، في المادة 4 من قانون السلطة القضائية رقم 10 لسنة 2003، وهي: "1-محكمة التمييز، 2- محكمة الاستئناف، 3- المحكمة الابتدائية". ونص المادة 14 من القانون سالف الذكر من أنه "تصدر الأحكام وتنفذ باسم الأمير"، مقصود به الأحكام القضائية الصادرة باسم السلطة القضائية دون غيرها.

- أن المشرع القطري قد أفرد الباب الثالث (المواد من 190 -210) من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1990، للتحكيم ولم ينص على أن أحكام التحكيم تصدر وتنفذ باسم الأمير، كما سبق ونص على ذلك بالنسبة للأحكام القضائية في المادة 69 من ذات القانون. واكتفى في ما يتعلق بالتحكيم بأن يكون الحكم مكتوباً، وأن يشتمل بوجه خاص على صورة من وثيقة التحكيم، وعلى ملخص أقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه والمكان الذي صدر فيه وتاريخ صدوره وتوقيعات المحكمين”. وهذه البيانات واردة، على سبيل الحصر، وليس من ضمنها صدوره باسم أمير البلاد. وأنه لو أراد المشرع غير ذلك لنص على ذلك صراحة في ما يخص التحكيم، وبالتالي فإن ما ورد في المادة 69 من أن الأحكام تصدر وتنفذ باسم الامير، لا تنصرف إلى حكم التحكيم. ويؤيد ذلك أن المشرع القطري لم يقيد المحكمين في إصدار حكمهم بإجراءات المرافعات المنصوص عليها في قانون المرافعات عدا ما نص عليه في باب التحكيم.

- أنه في ما يتعلق بحكم التحكيم يجب التفريق بين: إصدار وتنفيذ الحكم القضائي،وبين إصدار وتنفيذ حكم المحكمين. فإصدار الحكم القضائي يكون بإيداع مسودته موقعاً عليها من الرئيس والقضاة بقلم الكتاب وحفظها بالملف، ولا تعطى منها صور، ثم تختم صورة الحكم التي يكون التنفيذ بموجبها بخاتم المحكمة ويوقعها الكاتب بعد أن يذيلها بالصيغة التنفيذية، ولا تسلم إلا إذا كان الحكم جائزاً تنفيذه. وهذا يختلف عن إصدار حكم التحكيم حيث يعتبر الحكم صادراً من تاريخ توقيع المحكمين عليه بعد كتابته، ولو قبل النطق به أو إيداعه. أما في ما يتعلق بالتنفيذ فإن حكم المحكمين لا يكون قابلاً للتنفيذ، إلا بأمر يصدره قاضي المحكمة التي أودع أصل الحكم قلم كتابها، بناء على طلب ذوي الشأن ويوضع أمر التنفيذ بذيل أصل الحكم. فالحكم القضائي يصدر ويذيل بالصيغة التنفيذية من نفس الهيئة التي اصدرته ولا يسلم للأطراف إلا بعد تذييله بالصيغة التنفيذية، على عكس حكم التحكيم الذي يصدر من هيئة المحكمين، ويطلع عليه الأطراف ويذيل بالصيغة التنفيذية بناء على إرادة الأطراف من قاضي المحكمة، وهذا الأخير هو ما يصدق عليه صفة السلطة القضائية، مما يمكن معه القول بوجوب تنفيذ حكم المحكمين باسم أمير البلاد، دون اشتراط ذلك في ما يتعلق بإصدار الحكم، لأنه صدر من هيئة محكمين قد تكون وطنية وقد تكون أجنبية وليس من السلطة القضائية.

 - أن التحكيم ذو طابع دولي فقد يكون وطنياً، وقد يكون أجنبياً، فإذا تم التحكيم فـي قطـر وطبق عليه القانون القطري، كان بالتالي تحكيماً وطنياً خالصاً. وتقدير مدى صحة الحكم الصادر فيه يجري وفقا للقواعد الخاصة بالتحكيم المنصوص عليها في القانون القطـري دون تلك المتعلقة بأحكام التحكيم الدولية أو الأجنبية. أما اذا كان التحكيم في الخـارج أو طبق عليه قانون غير قطري أعتبر تحكيماً دولياً أجنبياً ويكون نظر مدى صـحـة حكـم التحكيم لا يخضع لذات القواعد التي يخضع لها التحكيم الداخلي، وإنمـا تـسري عليـه الاتفاقات الدولية، ولا سيما معاهدة نيويورك التـي انـضـمت ووافقـت عليهـا دولـة قطر. واعتبار حكم التحكيم حكماً أجنبياً، وفقاً لما ورد في المادة الأولى مـن معاهـدة نيويورك مفادها أن تقتصر سلطة القاضي القطري على بحث الأسباب التي تدعو إلـى رفـض الأمر بتنفيذه، وليس له سلطة بحث هذا الحكم مـن حيـث صـحته وبطلانـه، إذ أن معاهـدة نيويورك نصت على أن هذا الاختصاص يكون لمحاكم الدولة التي جـرى فيهـا، أو لمحـاكم الدولة التي طبق قانونها على إجراءات التحكيم. ويصعب عملاً فـي حالـة إذا كـان الحكـم أجنبياً، وكان القانون الأجنبي الذي يطبق على إجراءات التحكيم لم يشترط إصدار الحكم باســم السلطة العليا في البلاد – أن يحكم ببطلان حكم التحكيم لخلوه من بيان إصداره باسـم الـسلطة العليا في الدولة التي صدر فيها، كأن يصدر حكم تحكيم في دولة مـصر، والتـي لا تـشترط صدوره باسم السلطة العليا في البلاد، وتنفيذ هذا الحكم في دولة قطر التـي تـشترط صـدوره باسم السلطة العليا، فإنه تطبيقاً لاتفاقية نيويورك ليس من سلطة القضاء القطري بحـث صـحة الحكم أو بطلانه، على أساس خلوه من بيان إصداره باسم السلطة العليا في البلاد، لأن سلطة بحث هذه المسأله تكون لمحاكم الدولة التي جرى فيها التحكيم أو التـي طـبـق قانونهـا علـى إجراءات التحكيم. والقول بغير ذلك يفرغ التحكيم من غايته وقوامه، الذي هو في الحقيقة البعـد عن الإجراءات والأشكال المعقدة في نظام القضاء، ويهدف إلى سرعة الفصل في المنازعات.

     وفي تقديرنا الخاص فإننا نرى: التفرقة بين تنظيم التحكيم بقانون خاص، وبين تنظيمه ضمن أبواب القانون الإجرائي للدولة. وكذا التفرقة بين حكم التحكيم الخاضع للقانون الوطني، وحكم التحكيم الخاضع لقانون دولة أخرى.

    فالتحكيم الذي يتم تنظيمه بقانون مستقل، كما هو الحال في النظام القانوني المصري، فقد تكفل هذا القانون بتنظيمه وليس فيه اي نص يلزم المحكمين بصدور الحكم باسم الشعب وهو السلطة العليا في مصر، وبالتالي فإن صدور الحكم بدون اسم تلك السلطة لا ينال من الحكم ولا يبطله.

     أما التحكيم الذي يتم تنظيمه كجزء من القانون الإجرائي للدولة، كما هو الحال في النظام القانوني القطري، فإنه يخضع لكافة ما يخضع له الحكم العادي الذي نظمه هذا القانون، بما في ذلك وجوب صدوره باسم سمو أمير دولة قطر وهو السلطة العليا في قطر. وبالتالي فإن عدم صدوره بهذا الشكل يبطله، كما ذهبت إليه محكمة التمييز القطرية في حكمها الصادر عام 2012.

ويؤيد التفرقة السابقة اتجاه القضاء المصري ذاته، الذي يستند إليه أصحاب الرأي المخالف لاتجاه محكمة التمييز القطرية، حيث كان القضاء المصري يبطل أحكام التحكيم الصادرة دون أن تكون باسم الشعب، وذلك عندما كان التحكيم باباً من أبواب قانون المرافعات المصري، ثم تحول عن هذا الاتجاه ولم يبطلها رغم خلوها من هذا البيان، بعد تنظيم التحكيم بقانون مستقل.

    وفي ما يتعلق بالتفرقة بين حكم التحكيم الخاضع للقانون الوطني، وحكم التحكيم الخاضع لقانون دولة أخرى. فلا شك أن التحكيم الخاضع للقانون الوطني إن كان تنظيمه بقانون مستقل فلا يشترط صدوره باسم السلطة العليا في البلاد، وإن كان تنظيمه ضمن قواعد القانون الإجرائي، فإنه يتطلب هذا البيان ويترتب على إغفاله البطلان، كما أسلفنا.

    أما التحكيم الخاضع لقانون دولة أخرى، فإنه بالطبع يخضع لقانون تلك الدولة، ويعامل كحكم تحكيم أجنبي، ولا يمكن إبطاله لعدم صدوره باسم السلطة العليا للدولة التي يراد تنفيذه فيها، وهو ما ذهبت إليه محكمة التمييز القطرية في حكمها الصادر في عام 2014.

    ومن جانبنا نرى أن اختيار قواعد أحد مراكز التحكيم المنتشرة في دول العالم كقواعد غرفة التجارة الدولية، لا تعد قانونا يخضع له النزاع، بل هي قواعد إجرائية تنظم إجراءات نظر التحكيم حتى صدور الحكم فيه.

     وبالتالي، فإن حكم التحكيم الذي يصدر من غرفة التجارة الدولية أو من أحد المراكز الأخرى المتخصصة، حسب قواعدها باتفاق الخصوم، على تطبيق تلك القواعد مع خضوع النزاع للقانون الوطني، لا يجعل هذا الحكم بمثابة حكم تحكيم أجنبي، لأنه يخضع للقانون الوطني، الذي يلزم المحكم مصدره بالتقيد بالشكل الذي يجب أن تصدر عليه الأحكام الوطنية الخاضعة لذات القانون.

    وعليه يجب على المحكمين بالمراكز المشار إليها، في حال إصدارهم لأحكام تحكيم في نزاعات تخضع للقانون القطري، ودرءاً لبطلان أحكامهم في قطر، أن يصدروها في الشكل الذي يتطلبه القانون القطري الذي يخضع له النزاع، ومنه أن يكون باسم سمو أمير دولة قطر صاحب السلطة العليا في البلاد.

    حيث أن هناك فارقاً كبيراً بين القانون "Law"، وبين القواعد الاجرائية "Rules" التي يـتم سلوكها للحصول على مركز قانوني معين، ومنها على سبيل المثال القواعد الخاصـة بـالتحكيم التابع لغرفة التجارة الدولية لعام 1998، التي هي مجموعة من القواعد الاجرائية والتنظيمية التي تنظم العديد من الأمور المتعلقة بالتحكيم، والتي تتمثل في كيفية تقديم طلب التحك كيم، والـشروط الواجب توافرها في المحكمين كالاستقلالية وغيره، وعدد المحكمين وعلاقتهم بأطراف التحكـيم، وكيفية اختيار وتعيين المحكمين، وكيفية ردهم واستبدالهم، وكيفية الاتفـاق علـى مكـان ولغـة التحكيم، والاتفاق على القانون الخاضع له التحكيم، وتنظيم مـسألة إصـدار وتنفيـذ وتـصحيح الأحكام، ومصروفات التحكيم.....إلخ.

    وتختلف القواعد السابقة عن القانون الخاص بدولة ما، والذي ينطبق على النزاع من الناحية الموضوعية والشكلية، وفق ما أكدته المادة رقم 17 من القواعد الخاصة بالتحكيم التـابع لغرفـة التجارة الدولية لعام 1998، حين نصت على أنه: ("للأطراف حرية الاتفاق على قواعد القـانون التي تطبقها هيئة التحكيم على موضوع النزاع، وفي غياب مثل هذا الاتفاق، تطبق هيئة التحكـيم قواعد القانون الذي تعتبره ملائماً").

   ومن ثم فإن قواعد غرفة التجارة الدولية لعام 1998 ذاتها قد فرقت بين قواعدها التنظيمية التي تحكم شكل اللجوء للتحكيم ونظره، وبين القانون الواجب التطبيق الذي يخضع له النزاع كلياً وشكل الحكم الصادر فيه، ليتماشى مع هذا القانون.

    ومن ثم فإن كان القانون القطري هو الواجب التطبيق على النزاع، فإن حكم التحكيم الصادر فيه سواء صدر في قطر أو خارج قطر، يجب أن يصدر في الشكل الذي حدده القانون القطري، ويخضع لقواعد الطعن عليه، ومنها الطعن بالبطلان المنصوص عليها في هذا القانون، ولذات الأسباب. حتى لو كان هناك طريق آخر للطعن بالبطلان على أحكام غرفة التجارة الدولية، حيث يتعلق هذا البطلان بالإجراءات وليس بشكل الحكم وقواعد إصداره، وخضوعه للقانون الواجب التطبيق، وطرق الطعن عليه.

    وقد أخذ القضاء القطري بهذه الوجهة، وأبطل أحكام تحكيم صادرة عن غرفة التجارة الدولية خارج دولة قطر، وتخضع لقواعد الغرفة.

     وعليه يكون موضوع البحث محل جدل قانوني، ومن جانبنا نوصي المحكمين بمراكز التحكيم المتخصصة، في حال إصدارهم أحكام تحكيم في نزاعات تخضع للقانون القطري، وتنطبق عليها قواعد تلك المراكز المتخصصة، ودرءاً لبطلان أحكامهم في قطر، أن يصدروها في الشكل الذي يتطلبه القانون القطري للأحكام، ومنه أن تكون صادرة بإسم سمو أمير دولة قطر صاحب السلطة العليا في البلاد.