من الأساسيات التي يجب أن يتسم بها الحكم التحكيمي وفقا للمبادئ المستقر عليها في قضاء المملكة العربية السعودية أن يكون حكم التحكيم منهيا للخصومة، فمما قررته محكمة الإستئناف التجارية (في الحكم 861 لعام 1440ه) الحكم ببطلان حكم التحكيم المنتهي إلى عدم الإختصاص ولائية بنظر الدعوى التحكيمية، باعتبار أن الحكم لم ينه الخصومة بين الطرفين، وأنه بذلك حري بالبطلان باعتبار أن هيئة التحكيم لم تراع الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثر في مضمونه، مما يجعله مندرجة ضمن حالات البطلان الواردة في المادة (50 /ز) من نظام التحكيم والتي نصت على: (إذا لم تراع هيئة التحكيم الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثر في مضمونه، أو إستند الحكم على إجراءات تحكيم باطلة أثرت فيه).
ويأتي هذا الإستقرار القضائي بلزومية أن يكون الحكم التحكيمي منهيا للخصومة همستمدة من المادة (5/39) ونصها الهيئة التحكيم أن تصدر أحكاما وقتية أو في جزء من الطلبات، وذلك قبل إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها، ما لم يتفق طرفا التحكيم على غير ذلك)، والمادة (1/40) ونص المقصود منها على هيئة التحكيم إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها خلال الميعاد الذي إتفق عليه طرفا التحكيم ،،، ).
كما تقرر هذا المبدء في قواعد التحكيم للمركز السعودي للتحكيم التجاري، حيث نصت المادة ( 1/29) على (بالإضافة إلى إصدار كحكم تحكيم تهاني ، لهينة التحكيم إصدار أحكام تحكيمية أخرى منفصلة کالمؤقتة أو الجزئية أو القرارات أو الأوامر).
إذا تقرر ما سلف، فمن الإستثناءات التي جاء بها النظام جواز أن تصدر هيئة التحكيم أحكامة جزئية Partial Award غير متهية اللخصومة. فقد نصت المادة (5/39) من نظام التحكيم على أنه (لهيئة التحكيم أن تصدر أحكاما وقتية أو في جزء من الطلبات، وذلك قبل إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها، ما لم يتفق طرفا التحكيم على غير ذلك). كما نصت قواعد المركز السعودي للتحكيم التجاري على جواز ذلك، حيث نصت المادة (1/29) على التالي بالإضافة إلى إصدار حكم تحكيم نهائي، الهيئة التحكيم إصدار أحكام تحكيمية أخرى منفصلة كالمؤقتة أو الجزئية، أو القرارات أو الأوامر).
ويأتي خيار أحكام التحكيم الجرنية تماشيا مع الطبيعة الخاصة لإجراء التحكيم كوسيلة بديلة لوسائل فض النزاعات والتي تتسم بالمرونة والسرعة ومنح قدر من الحرية لإتفاق أطراف العقد أو أطراف النزاع، وعلى الرغم من أن الحكم الجزئي لا بعد حكما منهيا لخصومة، إلا أن القارق الجوهري بينه وبين الحكم الوقتي، أو الأمر أو القرار الإجرائي أن الحكم الجزئي بعد فاصلا في الموضوع بالنسبة لبعض الطلبات الموضوعية، وإن لم يكن منهية للخصومة كاملة بجميع طلبات الطرفين.
وتقوم الحاجة إلى إصدار حكم جزئي في بعض المنازعات، خاصة في منازعات المقاولات التي يجري فيها التحكيم مع إستمرار أعمال المقاولة. فمن المنصور أن يصدر حكم جزئي في تحکيم بشأن عقد مقاولة يتعلق فقط بالطلبات الخاصة بأمر تغيير محدد، أو بغرامة التأخير، بقيمة الأعمال المنجزة فقط دون أي تعويضات أخرى، ومن المتصور إصدار حكم جزئي في منازعة تتعلق بإيجار معدات ويكون الحكم الجزئي متعلقة بالطلب المتعلق بتسليم المعدات دون القيمة الإيجارية أو التعويضات الإضافية. ومن السانغ إصدار حكم جزئي في منازعة شركاء ويكون الحكم الجزني متعلقة بطلب تسليم مستندات، أو يدفع أرباح متفق على إستحقاقها ولا تستلزم إجراء ندب الخبرة المحاسبية، أو نحو ذلك من طلبات يسوغ نظرها على استقلال ، وتكون مهينة للفصل فيها بشكل مستقل مع الحاجة إلى إستمرار الهيئة في إجراءات أخرى للفصل في الطلبات الموضوعية الأخرى للطرفين.
ويلاحظ أن الحكم الجزئي هو حكم موضوعي وليس حكما وقتية. ويتميز بأنه يفصل فقط في جزء من المسائل محل النزاع المطروحة على التحكيم وليس فيها كلهاء مع إستمرار هينة التحكيم في نظرياتي هذه المسائل، ولهذا، فإن الحكم الجزئي لا ينهي ولاية الهيئة التحكيمية، وينبغي الإشارة إلى أنه رغم استمرار ولاية الهيئة النظر باقي المسائل، فإن ولايتها ستكون منقضية فيما فصلت فيه بالحكم الجزئي ، وليس لها إعادة النظر فيما فصلت فيه مرة أخرى (الوسيط في التحكيم الوطني والتجاري ، د. فتحي والي(2/252)
تجدر الإشارة إلى أن سلطة الفصل في إصدار أحكام جزئية هي من صلاحيات الهيئة ولا تستدعي تخوية خاصة، إلا أنه يجوز للأطراف - طبقا للنظام - الإنفاق على منع هيئة التحكيم من إصدار أحكام جزئية وحينني يمتنع عليها إصدار أي حكم جزئي .
وبالرغم من ذلك، فإن إصدار الحكم الجزئي يستلزم أن يبني على طلبات الأطراف أو أحدهم حتى لا تقع الهيئة في مخالفة الحكم بما لم يطلبه الأطراف، مما قد يعرضه للبطلان وعلى الرغم من أن إجراء إصدار الحكم الجري أحد المزايا التي يتمتع بها التحكيم كخيار قد يحقق مصلحة الأطراف أو أحدهم، فإن على الهيئة حين الإتجاه الإصدار حكم جزئي مراعاة الطلبات المقابلة للطرف الآخر تلافية من أن ينطوي الحكم الجزئي على تعارض محتمل مع حكم موضوعي مستقبلي قد تصدره الهيئة في الطلبات المقابلة ويكون له تأثيرا على الحكم الجزئي. كما ينبغي عليها مراعاة تحقق عنصر الإستعجال والجاهزية في الطلب المتعلق الحكم الجرني إذا ما قورن مع الطلبات الموضوعية الأخرى في الدعوى، إذ لا يتصور تحقق فائدة ذات قيمة من إصدار حكم جزئي إذا ما كان من الممكن الفصل في كافة الطلبات دفعة واحدة، ودونما تأخير مؤثر على مصالح الأطراف.