يعتبر التحكيـم مـن أهـم الوسائل والآليات القانونية الحديثة في فض المنازعات المختلفة، وبالأخص التجارية والإدارية، ويعتبر طريق التحكيـم مـن أيسر الأليات القانونية لفض المنازعات بعيدا عـن القضاء العادي، وليـس معنى هذا أن التحكيم أفضلية جوهرية علـى القضـاء العـادي، ولكـن ظـهـرت أهمية التحكيم ، نظرا للضغط الهائل من المتقاضين على مرفـق القضـاء كما أنـه هنـاك العديد من المنازعات وبالأخص التجاري منهـا مـا يحتاج إلى سرعة ومرونة في التوصل إلى حل للنزاع ، تحقيقا لمصلحة الطرفين .
كما أن التحكيم ويتيح لأطرافـه العديد من الخيارات التي من الممكن ألا تتاح لـهـم أمـام القضـاء، مثل الاتفاق على القانون الواجب التطبيق على النزاع أو اختيار الهيئة القائمة على التحكيم بينهما .
ومن خلال هذا العمل البحثـي سـوف نتناول أحكام التحكيم، أو بمسمى أخر قـرارات التحكيم وتنفيذها في نطـاق التشريع والنظام القضائي، وكيفيـة إصـدار قـرار التحكيم وكيفية تنفيـده وخاصة أن مسـألة تنفيذ الأحـكام الصادرة عن هيئات التحكيم، لا مفر من الحديث حول التنازع بين القوانين الداخلية في مسألة التنفيذ، وبالتحديد بين قانون التحكيم وقانون المرافعات المدنية والتجارية.
ولم يقتصر دور التحكيـم عـلى حـل المنازعات ذات الطابــع الـدولي فقط بل على صعيد العلاقات الوطنيـة البحتة أيضا، إذ أضحي في عالم اليوم وسيلة بديلة لحل المنازعات ذات الطابع الاقتصادي، والأداة التقليدية لتسوية منازعات التجارة الدولية الداخلية منها والخارجية، وقد اتسع نطاق التحكيـم توسـعـا راسـيا، بازدياد حجم التجـارة الدولية والمؤسسات التي تمارسها. سـواء ما كان منها من القطاع العام أو الخاص في مختلف الدول مـن هيئـات وإدارات وشركات عامة، أو ما كان منهـا متصلاً بالقطاع الخاص مـن افـراد ومؤسسات وشركات خاصة، ولقد أدرك العـالم الحديث أهمية التحكيم كوسيلة لحـل المنازعات، وأصبـح سـمة بارزة في المعاملات الوطنية والتجارية عبر الدول .
وستتناول في هذه الورقة البحثية قرارات التحكيـم مـن حيـت إصداره وتنفيذه في القانـون القطري :
مشكلة البحث :
إشكالية البحث تدور حول تنفيذ أحكام أو قرارات التحكيم من مسائل ومشكلات قانونية، كالتعارض بين أحكام التحكيم الصادرة مع بعض التشريعات الوطنية ، فتتمثل إشكالية البحث في التساؤلات الآتيـة : هـل تـمكـن المشرع القطـري مـن وضع اليات قانونية حازمـة تنظـم تنفيذ أحكام التحكيم أم لا؟ وهل تواجه أحكام التحكيم معوقات قانونية للتنفيذ أم لا؟ وهم يحتاج التشريع القطري إلى بعض التعديلات : لـكي يتـسع المجـال إلى تنفيذ أحكام التحكيم بشكل أكثر يسرا ؟ وذلك لأنه كما ذكرنا فيما سبق أن التحكيم أصبح له أهمية كبيرة في مجال تسوية المنازعات القانونية، فلا يمكن إهـدار هذه الأهميـة مـن خـلال تجريد حكم التحكيـم مـن إلزاميته.
أهداف البحث:
- استحداث وسـائل قانونيـة واقعية لحل مشكلات تنفيذ أحكام التحكيـم فـي دولة قطر .
- بيان مدى قدرة التشريعات الوطنية القطرية في استيعاب الأحكام الصادرة عن هيئات التحكيم وتنفيذها.
- مناقشة أوجه القصور التشريعي في التشريعات الوطنيـة القطرية، وبيـان مدى إمكانية تطويرهـا؛ لتتماشى مع تطور طبيعـة المنازعات في الوقـت الحاضر.
أهمية موضوع البحث وأسباب اختياره:
- توضيح موقف الفقـة القانـوني والقضائي في قطر مـن تنفيذ أحكام التحكيـم الأجنبي، وحالات الامتناع عن تنفيذها، كاستثناء للأصـل العـام الـذي يقضي بتنفيذ هذه الأحكام مـن قـبـل القضـاء الوطنـي .
-يستمد موضـوع البحـث أهميتـه مـن التحكيـم ، لمـا لـه مــن أهمية كبرى في الحياة الاقتصاديـة بين الشركات الاستثمارية والأفراد، والـذي أصبـح يساهم بشكل كبير وأساسي في انتعاش الحيـاة التجارية، وتشجيع المستثمر على الدخول في استثمارات كبيرة، وفي علاقات تجارية واسعة دون الخـوف مـن مـجـرد ضياع الحقوق أو إطالة أمد التقاضي إذا حدثت منازعة بشـان عملية تجارية.
- الأهميـة الـكـبرى للتحكيـم في دولـة قطر، خاصة بعد توجـه دولـة قطــر الاستراتيجي لدعم الاستثمار الأجنبي، وإنشـاء مركز قطر للمال، وإتاحة اللجوء إلى التحكيـم للمتنازعين في أي مرحلـة كانت عليهـا الدعـوى .
- مـن أهـم ضرورات عصر العولمـة الاعتراف بالأحكام الأجنبيـة، والعمـل على تنفيذها، على اعتبار أن إنكار الاعتراف يتعارض مع حاجة المعاملات الدولية؛ لأنه يعوق تطور العلاقات التجارية والاقتصادية .
منهجية البحث:
يستند البحـث عـلى المنهج الوصفي التحليلي، . خلال تحليل نصـوص التشريعات القطرية التي تنظم صدور أحكام التحكيم، وتنفيذها، وبيان مدى توافـق النصوص التشريعيـة القطرية مع عمليـة تنفيذ أحكام التحكيـم ، للوصول إلى المقترحـات التـي يمكـن تقديمها لتطوير التشريعات القطرية.
- يستند هذا العمل البحثي على المنهج الوصفي التحليلي، من خلال تحليل النصوص القانونية المنظمـة لصــدور أحكام التحكيم وتنفيذها، ومدى تنظيـم هذا الأمر بما لا يتعارض مع قواعد التنفيـذ الوطنية، وبيان مدى توافـق وتعـارض هـذا الأمـر مـع الاتفاقيـات الدولية.
المبحث الأول
مفهوم قرار التحكيم الأجنبي وطبيعته القانونية
يعتبر قرار التحكيم هو حالة استثنائية على الأصـل الـعـام المتعارف عليـه في تسوية المنازعات القانونيـة بين الأفراد أمـام الـقـضـاء فمناقشة أي مـن المـسـائل المتعلقة بقرارات التحكيم سواء صدوره أو تنفيذه، يحتم علينـا في البداية التعرف على مفهـوم قـرار التحكيـم مـن خلال بيان تعريفه، وهذا ما ستتناوله من خلال المطلـب الأول، وطبيعته القانونية، وهذا ما سنناقشـه مـن خـلال المطلب الثاني مـن هـذا المبحـث .
المطلب الأول
تعريف حكم التحكيم
اهتمت معظم التشريعات الوطنية سـواء في قطر أو خارجها بالتحكيم وقرارات التحكيم، لما اكتسبته في العقود الأخيرة من أهمية كبرى في مجال تسـوية المنازعات القانونية، وبالأخص المنازعات ذات الطابع التجـاري، بل وإن الكثير من الدول أقرت بمشروعية وتقنين التحكيـم في تشريعاتهـا؛ لتيسير الطريـق أمـام الخصوم وهيئات التحكيم فيما يخص إصـدار قـرارات التحكيـم وتنفيذهـا واعتبرت التشريعات الوطنيـة قـرارات التحكيـم الأجنبي، بمثابة أحكام أجنبيـة ويستوجب تنفيذها في دولة قطر وفقاً للقواعد القانونية المقررة .
فصدر في دولـة قطـر القـانـون رقـم 2 السـنة ٢٠١٧ بشـأن التحكيم في المـواد المدنية والتجارية؛ ليؤكد على اهتمام الدولة بالتحكيم وباعترافهـا بـه كـأحـد السبل القانونية لتسوية المنازعات المدنية والتجارية، ولكـن عـلى الرغم من ذلك يلاحظ أن التشريعات الوطنية وعلى رأسها التشريع القطـري لم تتناول ضمن نصوصها تعريفاً لحكم أو لقرار التحكيـم عـلى الرغـم مـن التطرق لتعريف التحكيم بشكل عـام أو اتفاق التحكيم .
وهـذا يدفـع الفـقـه القانـوني إلى محاولة تعريـف قـرار التحكيـم لأن مـن خـلال هـذا التعريـف يمكننا أن نتوصل إلى طبيعته القانونية ، التـي يتأسس عليهـا مسـائل قانونيـة عديدة تتعلق بإلزامية القرار الصادر عن هيئة التحكيم، وإمكانية تنفيذه. ومشروعيـة صـدورة، وكيفية تنفيذه. وتطرقـت بعـض الاتفاقيات الدوليـة كاتفاقيـة نيويورك إلى تعريـف حـكـم التحكيم فنصت على أنه:
"يقصد بأحكام التحكيم ليــس فـقـط الأحكام الصادرة من محكمين معينين الفصـل في حالات محددة، بـل أيضـاً الأحكام الصادرة من هيئـات تحكيـم دائمـة يحتكـم إليهـا الأطراف، وهـذا التعريف لا يمكن اعتبـاره كاملاً، إذ الملاحظ أن هذه الاتفاقيـة قـد وسعت نطـاق الأحكام والقرارات التحكيميـة ".
وقد كان هناك اقتراح أن يتضمـن القانون النموذجي (قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي ) تعريفاً لمصطلح "حكم التحكيم"، ولكـن لم تتم الموافقة عليـه، وكان التعريف المقترح هو مايلي: "يقصد بحكـم التحكيم القرار النهائي الذي يفصـل في كل القضايا التـي تـمـت إحالتهـا إلى محكمة التحكيم، وأي قرار أخر لمحكمة يحسم بشكل نهائي أي مسألة جوهرية أو مسألة اختصاصهـا أو أي مسألة أخـرى تتعلق بالإجراءات، شرط أن تصف محكمة التحكيم في الحالـة الأخـيـرة القـرار الـذي نتوصل إليـه بأنـه حـكـم" .
وبسبب غياب وجـود تعريـف الحـكـم في التشريعات الوطنيـة خاصـة وأن هذه المهمة في الأصـل مهمـة الفقه وليس المشرع، فاتجـه الفـقـه إلى محاولة تعريـف حـكـم أو قـرار التحكيـم وانقسمت الآراء في هذا الصدد إلى تعريـف حـكـم التحكيـم إلى اتجاهين:
اتجاه موسع لتعريف حكم التحكيـم وآخـر مـضيـق لـه، تفصيلهما كما يلي:
الاتجـاه الأول الموسـع لتعريـف حـكـم التحكيم :
ويتجـه أصحـاب هـذا الاتجاه إلى التوسع في تعريف حكم التحكيم، فلا يقتصر حكـم التحكيـم بالنسبة لهـم عـلى القرارات الصادرة من هيئات التحكيـم لتفصـل في النزاع المعـروض عليهـا بل ذهبت إلى ما هو أكثر من ذلك.
فاعتبرت القرارات الصادرة من هيئـات التحكيم لتفصـل في النزاع بشكل جزئي أو القرارات التمهيدية، هـي بمثابة أحكام أيضـا صـادرة من هيئـات التحكيم ويطبـق عليهـا ذات القواعـد المقررة للأحـكام النهائية الفاصلة في النزاع كليا، وعرف أصحـاب هـذا الاتجاه حكم التحكيم وفقا لهذا الاتجاه بأنـه :" القرار الصـادر عـن المحكـم الـذي يفصل بشكل قطعي، على نحـو كلي أو جزئي في المنازعة المعروضة عليـه سـواء تعلـق هـذا الـقـرار بموضـوع المنازعة ذاتها أم بالاختصاص أم بمسألة تفصـل بالإجـراءات، أدت بالمحكـم إلى الحكم بإنهـاء الخصومة ".
وربط أصحـاب هـذا الاتجاه بين إسباغ صفة الحكم على القرار الصادر عن هيئة التحكيـم بمـدي إلزاميته، فقرر أصحـاب هـذا الـرأي أن القرارات التـي تصدر عن المحكمين ولا يكون لهـا طابـع إلزامي مباشر عـلى أطـراف التحكيم إلا بعد قبولهـم، لذلك لا تعتبر أحكام تحكيـم ، لأن أحكام التحكيـم يفترض فيها أنها تكون ملزمة لأطراف التحكيم دون الحاجة لقبولهم ذلك فيكفـي قبولهــم بالتحكيـم فـي النـزاع القائم منذ البدايـة لإلزامهـم بكـافـة القرارات الصادرة عن المحكمين في هـذا الشـان .
الاتجاه الثاني المضيق لتعريف حكم التحكيم:
وذهـب أصحـاب هـذا الاتجاه إلى اتجـاه يخالف أصحاب الاتجاه الموسع لتعريف التحكيم، حيث قرروا أن قرارات التحكيـم التـي يمكن أن تكتسب صفة حكـم تحكيمـي هـي القـرارات التـي تصدر من هيئات التحكيم ، لتفصـل في النزاع كليا، وبناء على هـذا الاتجـاه يكون أي قـرار صـادر مـن هيـئـات التحكيم يفصل في النزاع جزئيا، سواء كان مرتبط بالنزاع ارتباطا موضوعيـا أو شكليا لا تعتبر أحكاما تحكيمية كما أن القرارات التمهيديـة والوقتيـة والتحضيريـة الصـادرة لا تعتبر أحكاماً تحكيمية وفقاً لهذا الاتجاه، وبالتالي لا يمكن أن تكون هذه الأحكام محـلا للطعن عليها بالبطلان استقلالاً حكم التحكيم الذي سوف يصدر بنـاء على الطلبـات المقدمة من الأطراف .
فبنـاء عـلى هـذا الاتجـاه لا تعتبر القرارات الصادرة من هيئة التحكيـم لسماع شهود أو ندب خبير أو أي قرارات متعلقة بشكل، وزمان، ومـكان التحكيم، لا تعتبر أحكامـا تحكيمية على الإطلاق، ولا يمكن الطعن عليها بشكل منفرد، بل يجب للطعـن عليهـا انتظـار صدور حكم موضوعي فاصل كلياً في النزاع للطعـن عـلى الحكم كاملاً.
فبناء على ما سبق يتبين لنـا الأهمية الكبيرة لتعريف حكـم التحكيـم لأن تحديد الاتجاه والمنهجية المعتمدة في تفسير حكم التحكيم، تنعكـس وتؤثـر بشكل كبـير عـلـى وصـف الـقـرارات الصادرة عن هيئات التحكيم، وإمكانية الطعن عليها، وكيفية الطعن عليها والكثير من الأمور التي تترتب على ذلك .
وفي النهاية وبعد أن تعرضنا لاتجاهات تعريف حكـم التحكيـم أرى أن الاتجـاه الموسـع هـو الاتجـاه الأنسـب والأوقـع لتعريف حكم التحكيم، وبناء على ذلك يمكننا تعريف حكم التحكيم بأنه " كل قرار يصدر من هيئة التحكيم في نزاع معروض عليها للفصل في النزاع كليا أو جزئيا، وسواء كان القرار الصادر من الهيئة التحكيمية متعلقة بمسألة موضوعية أو إجرائية، طالما كان القـرار في كل الأحوال يسير بهيئـة التحكيم وأطرافه نحو الفصل في المنازعة التحكيمية .
وكما تعرضنا لتعريف حكم التحكيم وأوضحنا اتجاهات تعريفه، سنتناول في المطلب التالي طبيعة حكم التحكيم حتى يمكننا الإلمام بكافة جوانب حكم التحكيم ، تمهيدا لمناقشة آليات تنفيذه وفقا للتشريعات القطرية، ومدى وجود تعارض بين هذه التشريعـات مـن عدمـة؛ للتوصل إلى النتائج والتوصيات التي يهدف إليهـا العـمـل البـحثـي .
المطلب الثاني
الطبيعة القانونية لقرار التحكيم
اختلف الفقه القانوني حول تحديد الطبيعة القانونية لقرار أو حكـم التحكيم إلى ثلاثة اتجاهات فقهيـة فذهب جانب منهـم إلى القول بأن له طبيعة عقدية، ويذهب فريق منهـم إلى القول بان له طبيعة قضائية، وذهبت طائفة إلى أن له طبيعـة مزدوجة أو مختلطة، وسوف نعرض لمختلف هذه النظريات على النحو التالي:
أولا: الطبيعة العقدية لقرار التحكيم:
يرى أصحـاب هـذا الـرأي أن التحكيم معاملة من المعاملات التي تنشأ بين الأفراد، وتستمد مشروعيتها من اتفاق عقدي بينهم، وعليه فإن المحكمين ليسوا قضاة في نظر أصحاب هذه النظرية وانما هم أفراد عهـد اليهـم اطراف التحكيم تنفيذ العقد المبرم بينهما بخصوص التحكيم في نزاع معين، وبناء على ذلك فيستمد كل من المحكـم وحكم التحكيم سلطته وإلزاميته ومشروعيتـه مـن اتفـاق التحكيـم المبرم بين أفراده، وتنطلـق هـذه النظريـة مـن خـلال اعتبارهـا أن المحكم في نظام التحكيـم هـو اتفـاق الأطـراف سـواء تجسد هذا الاتفـاق في صورة شرط تحكيـم أم مشارطة تحكيم، ويرتبون على ذلك قولهـم بـان الطبيعـة التعاقدية للتحكيم تنسحب على قرار المحكم، فحكم التحكيم في نظرهم يرتدي ثوب الطبيعـة العقدية ولا ينفـك عنـهـا، وبالتالي فهـو عقـد مسمى، يخضع للقواعد الخاصة لعقد التحكيم، وعلى الرغم من الاتفاق على هذا القدر من اعتبار أن عقد التحكيم ذو طبيعـة عقدية، إلا أن أنصــار هـذه النظريـة اختلفوا في تحديد طبيعـة العلاقة العقدية بين أطراف التحكيم ففسرها البعض بأنها عقد وكالة، حيث إن المحكم وكيـل عـن أطراف التحكيـم نظرا لأن سلطته في الفصل في النزاع مستمد من اتفاق الأطراف واختيارهـم له بينما ذهـب جانب أخر منهـم إلى اعتباره عقـد عمــل نظرا لاتفـاق الأطراف والمحكـم عـى إجـارة عملـه بحيث يترتب على هذا الاتفاق حقوق والتزامات متبادلة بذمـة كل منهم
ثانيا : الطبيعـة القضائيـة : لقـرار التحكيم :
ويعد مركز الثقـل في نظام التحكيـم عند أصحـاب هـذه الطبيعـة هـو حـكـم التحكيم، وليس اتفاق التحكيـم لأن المحكم يؤدي العدالة في إطار سيادة الدولة وبتفويض منها، وهذه العدالة يمكن أن تتحقق مـن خـلال القضاء العـام التي تتولى الدولة إقامته وتنظيمه، أو من خلال القضاء الخـاص المتمثل نظام التحكيم الذي تقـره الدولة لهذا النوع من القضاء، وتعد نظرية الطبيعة القضائية لحكم التحكيم هي النظرية السائدة حاليـا والتـي تتبنى الدفاع عنها الغالبية العظمى في الفقه المصري والأردني، ويستند أنصار هذه النظرية إلى الـحـجج الآتيـة:
1- يعد المحكم قاضيـا؛ لأنه يفصل في منازعة، وهو يصدر حكما، أي يؤدي عملا قضائيـا يحـوز حـجيـة الأمـر المنقضي .
2- المحكم عندما يمارس سلطة الفصل في النزاع، فإن ذلك لا يكون راجعا إلى اتفاق التحكيم وحده، كما تقول نظرية الطبيعة العقدية، وإنما أيضـا مـن إرادة المشرع التي تعترف، به ويض في على أحكامه حجية الأمر المقضي.
3-أن العمل لكي يتصف بأنه عمل قضائي، يجب أن يكون هناك أدعـاء والمنازعة، والعضو القائم بالعمل، وهذا ينطبق على التحكيم، فالتحكيم يفصل في نزاع، ويقوم بتحقيـق في الواقع، وهو عندما يقوم بهذا الدور تكون له سلطات القاضي .
4-وجـود أوجـه شـبه كثيرة، بين حكم القاضي وحكم التحكيـم مـن حيث الشكل مثل الكتابة، والتنصيب والتوقيع، مما يشكل تشابه في الطبيعة القانونية .
5- أن القاضي، يعطي الأمر بتنفيـذ حكم التحكيم، مثلـما يفعل مع حكم القضاء الأجنبـي .
ثالثا: الطبيعة المختلطة:
يرى أنصار النظرية المختلطة، أن العيب المشترك في النظريتين السابقتين يتمثـل في إضفـاء صـفـة واحـدة عـلـى نـظـام التحكيم في مجموعه، بينمـا هـو نـظـام مختلط يبدأ باتفاق وينتهي بقضـاء هو حكم التحكيم، فالطبيعة العقدية تجد أساسها في اتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم للفصـل بالنـزاع القائم بينهم، وهذا يتطلب احترام هذا الاتفاق انطلاقا من احترام مبدأ سلطان الإرادة، والطبيعـة القضائيـة تجـد أساسها في الفصـل فـي هـذا النزاع وفقا لإجـراءات قضائية يصدر بناء عليها حكم قضائي وأيد هذه النظرية طائفـة مـن الفقه ذاهبين إلى التوفيق بين النظريتـين العقدية والقضائية وكانت حججهـم كـما يلي :
1- التحكيم ذو طبيعـة مختلطة، فهـويبدأ باتفاق، ويمر بإجـراء وينتهـي بحكم، وفي كل مرحلـة مـن هـذه المراحـل الثلاث، يلبس ثوباً مختلفاً .
2- إن النظريتين العقديـة والقضائيـة قد أخطأتــا عندما حاولتـا أن تضفيـا على نظام التحكيم في مجمله، الطبيعة الخاصة لمرحلة واحدة من مراحـل هـذا النظام، وإهمال ما عداهـا مـن مراحل .
ذلك أن كل مرحلـة تؤثر في المرحلـة الأخـرى مـن مراحـل التحكيم، فهو في حقيقتـه ليـس مــن طبيعـة تعاقدية محضـة، ولا يعتبر أيضا من طبيعـة قضائيـة محضة، وإنمـا هـو نـظـام مختلط يبـدأ باتفاق، ويمر بإجـراء، وينتهـي بقضـاء .
وفي النهاية وبعد استعراض النظريات الثلاث حـول الطبيعـة القانونيـة لحـكـم التحكيم، أرى أن الطبيعـة المختلطـة التعاقديـة والقضائيـة هـي الطبيعة الأنسب والأقرب إلى حقيقة حكـم التحكيم ومضمونه؛ لأن حكـم التحكيم يبدأ باتفاق تعاقدي تستمد منه هيئـة التحكيـم سـلطتها، وتسير في عمليـة التحكيـم وفـق إجراءات وقواعد قضائية ، ويصبح الحكم التحكيمـي الصـادر نـافـذا في حـق أطراف التحكيم، ولا يمكن الطعـن علـيـه إلا مـن خـلال القضـاء لذا فلا يمكن تصور طبيعـة لحكـم التحكيـم سـوى الطبيعـة المختلطـة .
وســـــتناول من خلال المبحث التالي تنفيذ قرارات التحكيـم والطعـن علـيـهـا وفـق التشريع القطـري
المبحث الثاني تنفيذ قرارات التحكيم في التشريع القطري
بعد أن تناولنا تعريف حكم التحكيـم وأوضحنا الاتجاهات الفقهية لتعريف وتناولنا الطبيعة القانونية لحكـم التحكيـم وألقينا الضوء على النظريات التي تناولتها، سنتناول في هذا البحث تنفيذ قرارات التحكيـم وفـق التشريع القطـري مـن خـلال بيان التشريعـات التي تنظم عمليـة التنفيذ، وهـذا فـي الأول مـن هـذا المبحث، وفي المطلب الثاني سنتناول إمكانية وكيفية الطعـن عـلى الأحكام الصادرة عـن هيئـات التحكيـم.
المطلب الأول: تنفيذ قرارات التحكيم
عند الشروع في تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية، تعمد أغلب التشريعات إلى تنفيذ هذه الأحكام من خـلال القضـاء الوطني، ومـن المعلـوم أن القضـاء يختلـف نظام تنفيذه من دولـة لأخرى، تبعـا لدرجـة تمسـك الدولة بمبدأ السيادة الإقليمية، باعتبـار هذه المسألة من مظاهر سيادة الدولة عـلى إقليمهـا والتـي تعتبر أحـد أهـم أركانها ومقوماتها، وتناولت المـادة ٣٤ من قانون ۲۰۱۷/۲ بشـأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية تنفيذ أحكام التحكيـم حـيـث نصت على ما يلي:
1- تحوز أحكام المحكمـين حـجـيـة الأمـر المقضي به، وتكون وأحبـة النفـاذ، وفقاً لأحكام هذا القانون، بصرف النظـر عن الدولة التي صدرت فيها .
2 - يقدم طلـب تنفيذ الحكم، كتابة إلى القاضي المختص، مرفقاً بـه صـورة من اتفـاق التحكيـم، وأصـل الحـكـم أو صورة موقعة منـه باللغـة التـي صـدر بها، وترجمة الحكم إلى اللغة العربية من جهة معتمدة، إذا كان صادراً بلغة أجنبية، وذلك ما لم يتفق الأطراف على وسيلة بديلة لتنفيذ الحكم.
3- لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيـم إلا بعد انقضاء ميعاد رفع دعوى بطـلان هـذا الـحـكـم .
وهناك نظامان ساندان لتنفيذ قرارات التحكيم الدوليـة نصت عليهما التشريعات الوطنيـة والاتفاقيات الدولية، وهـما نظامان بوجبان على من صدر القرار لصالحه أن يقـوم برفع دعوى جديدة في نفس موضـوع النزاع الصادر فيـه قـرار التحكيـم الدولية، ونظام يكتفي باستصدار أمر بالتنفيذ دون الخوض في موضوع النزاع من جديد، وسنتعرض لأساليب تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبي في القانون القطـري مـن خـلال أمرين .
أولا: التعرض لأساليب التنفيذ بشكل عام .
وثانيـا : مـن خـلال إيضـاح التشريعـات التـي تتناول تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبي في قطـر والتعـارض بين بعضها البعض في هـذا الشأن.
أولا: أساليب تنفيذ أحكام التحكيـم الأجنبـي بشـكـل عـام :
1- أسلوب رفع دعوى جديدة:
هـذا الأسلوب تأخـذ بـه انجلترا ودول الكومونولث، وهو أسلوب لا يعترف لحكم التحكيـم الـدولي بأي حجيـة قضائية، ومن ثم يرفض تنفيذه بشكل مباشر، ويجب عـلى مـن صـدر القرار لصالحه وأراد أن ينفذه أن يقـوم برفع دعوى جديدة في المحاكم الأجنبية في الوطن المراد تنفيذ حكم التحكيم فيها، وكما يعتبر هذا الأسلوب أن حكـم التحكيم الدولي دليـل مـن أدلة الإثبات هذه الدعوى، وعند صدور الحكم من قبل المحكمة المختصة يعتبر هذا الحكـم الصـدر هـو الحكـم القـابـل للتنفيذ .
۲- أسلوب الأمر بالتنفيذ:
تتبنى هذا الأسلوب دول النظـام اللاتيني، وعلى رأسها فرنسا، وهـو متبــع في كثير مـن الـدول العربيـة ومنهـا: فلسطين، ومصر، والأردن، وهو أكثر انتشارا مـن أسلوب رفع الدعوى الجديدة، ويعرف الأمر بالتنفيذ بأنـه :(الإجراء الذي يصـدر مـن القـاضي المختص قانونا، وبأسـر بمقتضاه يتمتع حكم المحكمين، دوليـا كان أو داخليـا بالقوة التنفيذية، وبالتالي فهو يمثـل نقطة الالتقاء بين القضاء الخـاص والعـام) .
ويكتفـى فـي هـذا الأسلوب باستصدار أمر بتنفيذ قرار التحكيم الدولي بعد أن تتوافر فيـه بعـض مـن الـشـرط الشكلية، فبعد التأكد من توافر مجموعـة مـن الشروط الشكلية في هـذا الـحـكـم والـتـي تتعلـق أغلبها بصحة الإجراءات التي أدت إلى صدوره والتأكد من مدى ملائمة القواعد النظـام العـام في دولة التنفيذ.
ومن ثم يتم تنفيذه بذات الإجراءات التي يتم فيها تنفيذ حكم التحكيـم الوطني .
ثانيا: التعـارض بين التشريعـات القطريـة فيما يخـص تنفيـذ أحـكام التحكيـم الأجنبيـة: مـن خـلال البحـث في التشريعـات القطريـة يتبـين لنـا أن كل مـا يـخـص التحكيـم بـدايـة مـن اتفـاق التحكيـم مروراً بالعمليـة التحكيميـة، وإصـدار حكـم التحكيـم انتهـاء بتنفيـذه والطعـن عليـه، يخضـع لتنظيـم قـواعـد قـانـون التحكيـم فـي المـواد المدنيـة والتجاريـة القطريـة، وقانـون المرافعـات المدنيـة والتجاريـة القطـري، ونظـراً لأن قانـون المرافعـات القطـري أسـبـق في وجـوده عـلى قـانـون التحكيـم نـجـد أنـه هـنـاك بعـض التعـارض بين كلا التشريعيـين وســنـورد صـور التعـارض في النقـاط التاليـة:
الوجـه الأول: قانـون التحكيـم جـعـل تنفيـذ أحـكام المحكمـين واجبـة النفـاذ ، وفقاً لنصوص قانـون التحكيـم القطـري بغـض النظـر عـن الدولـة التـي صـدر فيهـا الحـكـم، وفي المقابـل جـعـل قـانـون المرافعـات تنفيـذ أحـكام المحكمـين الصـادرة في دولـة أجنبيـة في قطر وفقـاً للكيفيـة التـي ينفـذ فيهـا أحـكام المحكمـين الصـادرة في قطـر فـي هـذه الدولـة.
الوجـه الثاني: أن قانـون المرافعـات جـعـل شرط من شروط تنفيذ الحكـم أن لا تكون المحاكـم القطريـة هـي المختصـة وحدهـا وفـق قـواعـد الاختصاص القضـائي بنظـر النـزاع، وهـذا مـا لم ينص عليـه قـانـون التحكيـم القطـري.
الوجـه الرابـع : نـص قـانـون المرافعـات القطـري أن السندات الرسمية القابلـة للتنفيذ المحـررة في بلد أجنبـي ، يـجـوز الأمـر بتنفيذهـا بـنـفـس الـشـروط المقـررة في قانـون ذلـك البلـد؛ لتنفيـذ السـندات الرسمية القابلة للتنفيـذ المحـررة في قطـر، في حـيـن حـدد قانـون التحكيـم القطـري سـبـل طـلـب تنفيـذ السـند الرسـمي القابل للتنفيـذ المحرر في بلـد أجنبـي، حيـث جـاء بـقانـون التحكيـم القطـري أنـه يـقـدم طلـب تنفيـذ الحكـم كتابـة، إلى القـاضي المختـص، مرفقـاً بـه صـورة مـن اتفـاق التحكيـم، وأصـل الحكـم أو صـورة موقعـة منـه باللغـة التي صـدر بـهـا، وترجمـة الحـكـم إلى اللغـة العربيـة مـن جهـة معتمدة، إذا كان صادراً بلغـة أجنبيـة، وذلـك مـا لـم يتفـق الأطراف على وسيلة بديلـة لتنفيـذ الحكـم.
ونظراً للتعـارض بـيـن بعـض مـواد قانون المرافعـات المدنيـة والتجاريـة القطـري وقانـون التحكيـم القطـري، فإنـه مـن المفترض استحداث نصـوص تشريعيـة أو التعديـل في النصـوص الحاليـة للتوفيـق بين كلا القانونين وإنهاء هـذا التعارض، ولا شـك أن لاتفاقيـة نيويورك بشـأن الاعتراف بأحكام المحكمـين وتنفيذهـا دور هـام في ذلـك.
المطلب الثاني : الطعن على قرارات التحكيم
مـن المعـروف والثابـت أن التحكيـم هـو: طريـق اسـتثنائي لفـض المنازعات، وقـد سـمـح المشرع الالتجـاء إلى التحكيـم تماشياً مـع تـطـور المعاملات، وبالأخـص المعاملات التجاريـة ذات الطابـع الـدولي مـن جهـة، وتخفيفـا عـلى القضـاء الوطنـي مـن جهـة أخـرى، ولذلـك كان لزاما على المشرع أن يضع حلولا لما قد ينشأ من منازعات بالنسبة للأحكام الصادرة عن هيئات التحكيـم .
وتناولت المادة 33 من القانون ۲۰۱۷/۲ مسألة الطعـن على أحكام التحكيـم وقررت أن أحـكام التحكيـم لا يمكـن الطعـن عليهـا إلا مـن خـلال دعـوى البطلان، وجاء نص المادة كما يلي: " لا يجوز الطعن في حكم التحكيـم بـأي طريـق مـن طـرق الطعـن، إلا بطريـق الطعن بالبطلان، وفقا لأحكام هـذا القانون، أمام المحكمة المختصة......."
وفي حال كـون قـرار المحكمة المختصة هو عدم قابليـة قـرار التحكيـم للتنفيذ وتم الطعـن بـهـذا الـحـكـم أمام محكمة التمييـز فـان هـذه المحكمـة -دون المرور بالإجـراءات التفصيليـة لعمـل هذه المحكمة - قد تتخذ أحد قرارين:
أولهما: قد يكون بتقرير خطأ المحكمة المختصة، وبالتالي صحـة حـكـم التحكيم وقابليته للتنفيـذ .
أو قد تتخذ قرارا مفاده صحـة حـكـم المحكمـة المختصة، وبالتالي عدم قابلية قرار التحكيم للتنفيذ.
وقـد أفـاد المـشـرع أن حكم محكمـة التمييز في هذا الموضوع يحـوز الدرجة القطعية أيا كان الحكم الصادر عن هذه المحكمة، غير أن النقطة التي تسترعي الانتباه في موقف المشرع الأردني بهـذا الخصوص هـي أن المشرع الأردني أفـاد بأنه إذا قررت المحكمـة رفض مـنـح حكم التحكيـم قـوة النفاذ، فإن ذلـك يؤدي إلى سقوط اتفاق التحكيم، وهـذا ما قررتـه المـادة: ٥٤ / ب بقولهـا :"ولا يجوز الطعـن فـي قـرار المحكمة الصادر بالأمر بتنفيذ حكم التحكيم، أمـا الـحـكـم الصادر برفض التنفيذ، فيجوز الطعـن فيه أمام محكمة التميز خلال ثلاثين يومـا مـن اليـوم الآتي للتبليغ، ويترتب على تصديـق الـقـرار الصادر برفـض الأمر بتنفيذ ( حكم التحكيم) سقوط اتفاق التحكيم، مثل هذا الموقف يحتاج إلى إعادة نظر، وسيتم وضـع تقييـم لـه في المبحث الثاني والذي سيشتمل أيضـا على تقييم الموقف المشرع الأردني مـن حالتي رفض المحكمـة المختصة وقبولها إكساء الأحكام التحكيمية صيغـة التنفيذ .
وقد استقر قضاء التمييز القطري على هـذا المنهج في نظـر دعـاوی بـطـلان أحكام التحكيم، فقررت محكمة التمييز القطريـة في أحـد أحكامهـا أن المقـرر أن التنظيم القانـوني يعترف بإمكان تحقيـق الحمايـة القضائية للمصالـح المعتدي عليها، وبالتالي تطبيق القاعدة القانونية المخالفة، بوسيلة غير الالتجـاه إلى قضاء الدولـة وهـي التحكيـم الـذي هو نظام قانـوني يتـم بواسطته الفصـل بـحكـم مـلـزم في نزاع قانـوني بين طرفين أو أكثر بواسطة شخص أو أشخاص مـن الغـير يستمدون مهمتهـم عـن اتفـاق أطراف النــزاع، والتحكيـم قد يكون داخليـا وقـد يصدر في بلـد أجنبي، فنظمـت المـواد مـن ۱۹۰ - ۲۱۰ مـن قانون المرافعات القطري أحكام التحكيـم وقـد خلـت هـذه المـواد مـن الإشارة إلى أحكام التحكيـم الصـادرة في بلد أجنبي، والتـي جـاء ذكرهـا فـي المـواد من ۳۷۹ – ۳۸۳ مـن ذات القانون المتعلقة بتنفيـة الأحـكام والأوامر والسندات الأجنبية والتـي أجـازت إصدار الأمـر بتنفيذهـا بعـد التـحـقـق مـن الـشروط الــوارد ذكرهـا فـي هـذه المواد، ومـع مراعـاة المعاهدات المعقـودة، أو التـي تعقد بين دولة قطر وبين غيرها من الـدول في هـذا الشـان .
ووفقا لما سبق يتبين لنا أن كل من المشرع والفقه القضائي القطري كما أتاحا الفرصة أمام الأفراد للجــوء للتحكيم كطريـق استثنائي لــتسوية المنازعات بعيداً عن مسلك القضاء باعتباره المسلك الطبيعي لتسوية المنازعات المختلفة، نظـمـا مـن جـانـب آخر معالجة ما قد ينشـا عـن أحـكام التحكيم من منازعات تخص التنفيذ أو الطعن عليهـا لأي سبب من الأسباب التي نظمهـا القانون.
الخاتمة:
وفي الختـام يتضـح لنـا أن التشريع القطـري ومـا طـرأ عليـه مـن تـطـور يسر فكرة اللجوء إلى التحكيم لما في ذلك من مواكبة التطور المعاملات بين الأفراد، وبالأخص المعاملات التجارية بشكل عام، وذات الطابع الدولي بشكل خاص، كـمـا نـظـم المشرع القطري اليـات صدور حكم التحكيم وتنفيذه وحتى الطعـن عليه، وعلى الرغم من وجـود بـعـض التعارض بين قانون التحكيم القطـري وقانون المرافعات المدنية والتجاريـة القطري، إلا أن كافة الدلائل تشير إلى رغبـة المشرع القطـري في دفع عجلـة التحكيم إلى الأمام، وظهر ذلك جليا في نظام محكمة مركز قطر للمال، أو ما يطلق عليها محكمة قطر الدولية. نظرا للمرونة التي تتمتع بهـا القواعد الإجرائية للمحكمـة المدنية والتجاريـة لمركـز قـطـر للـمال فإنهـا سمحت للخصوم في حال اتفاقهم أثناء سير الدعوى أن يطلبوا وقـف نـظـر الدعـوى واللجوء إلى التحكيم أو الوساطة أو غير ذلك من وسائل التسوية الودية ، ومـن خـلال مـا سـبق يتبين لنـا مجموعة من النتائج:
• تباينت آراء الفقهـاء في تحديـد المقصـود بالتحكيـم بـيـن مـوسـع للمفهـوم، حيـث إنـه اعتـبره لا يقتصر فقـط الأحكام التي تفصـل في المنازعـة عـلـى نـحـو كلي، بـل وأيضـا تـلـك التـي تفصـل فـي أحـد عناصر المنازعة بشكل جزئي، وبين آخـر مضيق لهـذا المفهـوم فـلا يـعـد الحـكـم تحكيـما إلا إذا أنهـي بشـكل كلي أو جزئي منازعـة التحكيـم، وعليـه فـإن القـرارات الصـادرة عن محكمـة التحكيـم حـتـى تلـك المتصلة بموضـوع المنازعـة والتـي لا تفصـل فـي طـلـب مـحـدد لا تعـد د أحكامـا تحكيميـة.
• احـتـدم الخـلاف بـيـن الفـقـه حـول تحديـد الطبيعـة القانونيـة لحكـم التحكيم ويستند كل حـزب منهم إلى أسباب شـتی للتعليـل عـلـى صـحـة مـا يعتقد صوابـاً. فذهـب جـانـب منـهـم إلى القـول بـأن لـه طبيعـة عقدية، ويذهـب فـريـق مـنـهـم إلى القـول بـأن لـه طبيعـة قضائية، وذهبـت طائفـة إلى أن لـه طبيعـة مزدوجـة أو مختلطة.
• ضرورة وجـود قانون تحكيـم عـربي موحد لحكم النزاعات التجارية بين الأطراف العربية .
• توحيد النصوص الخاصة بالقانـون الواجـب التطبيـق في تنفيـة أحـكام المحكمين، وأن القانـون يـكـون بحسب المعاملة بالمثل بين الدولة التي صدر فيهـا الحـكـم و دولة قطر، وهذا وفقاً لما نصت عليه الفقرة الثانيـة مـن المـادة الأولى من اتفاقية نيويورك.
• تعديل نص قانون المرافعـات فـيـما يخص شرط عدم تعارض حكم التحكيم مع أحد الأوامر أو الأحكام الصادرة عن محكمـة قطرية؛ لأنه لا محـل للتعـارض هنا، فيظـل الحـكـم صـادر مـن هيئـة أجنبية، ولا يعنـي الأخـر بتنفيذها من خلال محكمة قطرية أن الحكـم صـادر من محكمـة قطرية.
• توحيـد النـص الخاص بإجـراءات طلب تنفيذ حكم التحكيـم، وإسـاد الأمر لقانون التحكيم باعتباره القانون الخـاص الواجب التطبيـق .