جاء في قانون المرافعات العراقي رقم 83 لسنة 1969 أحكاماً تتعلق بمسائل التحكيم ، يحث أجاز المشرع أن يتم الاتفاق على التحكيم في نزاع مين ، وكذلك أجاز أن يكون الاتفاق في جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين ، وبذلك يكون المشرع العراقي قد سار ذات الاتجاه التي سارت عليه معظم التشريعات الباحثة في التحكيم لجهة تقرير نوعين لاتفاق التحكيم .
الأول : شرط التحكيم الذي يرد في الاتفاق الأصلي وبمقتضاه يتفق طرفا العقد الأصلى على أحالة ما ينشأ من نزاع بمناسبة تنفيذ العقد الأصلي على التحكيم .
الثاني : يكون النزاع في ذلك معلوماً ويجب أن يرد في اتفاق التحكيم لأنه عنصر من عقد معين وإلزام المشرع أطراف النزاع في مشارطة التحكيم بتحديد موضوع النزاع في اتفاق التحكيم .
المطلب الأول : القواعد العامة في التحكيم :-
بات من المسلم به أن الاتفاق على طرح موضوع النزاع على التحكيم يسلب الاختصاص به من المحاكم ، وإذا كان النزاع معروضاً على المحكمة وتبين لها وجود اتفاق على التحكيم أو أقرت اتفاق الطرفين عليه أثناء المرافعة فتقرر اعتبار الدعوى متأخرة إلى أن يصدر قرار التحكيم ، ويعني ذلك أن اتفاق الخصوم على التحكيم في نزاع ما لا يجوز رفع الدعوى به أمام القضاء إلا بعد استنفاذ طريق التحكيم ، ويعني طريق التحكيم والاتفاق عليه وعرض الموضوع على القضاء من عدمه حقوقاً لطرفي النزاع ، ولا يتعلق ذلك بالنظام العام على أساس أن هذا الاختصاص من حق الخصوم لهم النزول عنه أو التمسك به ، فماذا لجأ أحد الطرفين إلى رفع الدعوى مع وجود شرط تحكيم ولم يعترض الطرف الآخرين في الجلسة الأولى جاز نظر الدعوى واعتبار شرط التحكيم لاغياً .
وبذلك يكون تمسك المدعى عليه بشرط التحكيم أو مشارطته أمراً ملزماً للمحكمة باتخاذ قرار بوقف الدعوى إلى حين صدور القرار التحكيمي ، وكان قصد المشرع العراقي بهذا الحكم بوقف الدعوى إلى حين صدور القرار التحكيمي حماية لمصالح الخصوم بحيث إذا صدر الحكم التحكيمي تسقط الخصوم أمام القضاء وتعتبر كأن لم تكن مع اعتبارها قاطعة لمدة سقوط الحق المرفوعة به الدعوى .
أما إذا حدث طارئ منع إتمام التحكيم أمكن السير بإجراءات الدعوى المرفوعة أمام القضاء .
أثبت حكم النص الوارد بالمادة 255 من قانون المرافعات العراقي عدم جواز أن يكون المحكم من رجال القضاء إلا بإذن من مجلس القضاء وأنه لا يجوز أن يكون قاصراً أو محجوراً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية أو مفلساً ما لم يرد إليه اعتباره .
هذا وكرس المشرع أحكاماً تتعلق بأهلية طرفي التحكيم وكذلك ما يتعلق بعدم جواز التحكيم إلا في المسائل التي يجوز فيها الصلح بالإضافة إلى ضرورة قبول المحكم للتحكيم كتابة إذا لم يكن معيناً من قبل المحكمة على أن التحكيم يستمر حتى ولو مات أحد طرفي الخصوم ، وجاء حكم القانون بهذا الشأن بما ورد بنص المادة 262 من القانون بأنه : " في حال وفاة أحد الخصوم أو عزل المحكم أو تقديم طلب برده يمدد الميعاد المحدد لإصدار حكم التحكيم إلى المدة التي يزول فيها هذا المانع " .
انظر المرجع السابق ص 158 ويقول : " وكقاعدة عامة إذا قام سبب من أسباب انقطاع الخصومة بخصومة التحكيم فإن السير فيها يقف بقوة القانون حتى لا تتخذ الإجراءات في غفلة من الخصوم ، وهذه القاعدة العامة لا تحتاج إلى نص خاص ويترتب على الانقطاع ذات الآثار المترتبة على انقطاع الخصومة أمام القضاء " .
وجاء المشرع بأحكام مماثلة للأحكام التي وردت في معظم قوانين الدول العربية لجهة التنحي عن إتمام المهمة التي أوكلها الأطراف أو المحكمة للمحكم وكذلك بخصوص المحكم والإجراءات المتبعة بهذا الخصوص واتباع المحكمين الأوضاع والإجراءات المقررة في القانون ما لم يتضمن اتفاق التحكيم إعفاء المحكمين والتقيد بذلك ، أو إذا كان المحكمون مفوضين بالصلح والذين أعفاهم المشرع من التقيد بإجراءات المرافعات وقواعد القانون .
كما أجاز المشرع حق أطراف التحكيم برد المحكم ويكون القرار الصادر بالرد أو رفض الطلب قابلاً للتمييز ، وأنه لا يجوز للمحكم أن يتنحى عن التحكيم بعد القبول به بغير عذر مقبول وكذلك ليس لأحد الطرفين عزله إلا بموافقة باقي الأطراف ويجب أن يتضمن اتفاق التحكيم مدة لصدور قرار التحكيم ولهم حق تمديد المدة على أنه إذا لم يرد في اتفاق التحكيم مدة لصدور قرار المحكمين وجب إصداره خلال ستة أشهر من تاريخ قبولهم للتحكيم .
يختلف المشرع العراقي مع كثير من التشريعات العربية بخصوص قابلية قرار المحكمة بطلب رد المحكم أو قبوله التمييز ، قارن ذلك مع قانون التحكيم الأردني رقم 31 لسنة 2001 والقانون السوري والكويتي والمصري وقانون دولة الإمرات العربية المتحدة ، ونظر نص المادة 621 من القانون العراقي والمادة 178 من القانون الكويتي التي أجازت الطعن في حكم المحكمة برد المحكم أو رد طلب رده استئنافاً .
وكرس المشرع العراقي حكم معظم النصوص في القوانين المقارنة بخصوص وفاة أحد الخصوم أو عزل المحكم أو تقديم طلب برده حيث جاء يمدد الميعاد المحدد لإصدار قرار التحكيم إلى المدة التي يزول فيها المانع .
كما أوجب المشرع على المحكمين اتباع الأوضاع والإجراءات المقررة في قانون المرافعات إلا إذا تضمن اتفاق التحكيم أو أي اتفاق لاحق عليه إعفاء المحكمين منها صراحة أو وضع إجراءات معينة يسير عليها المحكمون باستثناء ما إذا كان المحكمون مفوضين بالصلح فإنه في هذه الحالة يعفى المحكمون من التقيد بإجراءات المرافعات وقواعد القانون إلا ما تعلق منها بالنظام العام .
وبهذا النص فإن المحكم العادي (التحكيم بالقضاء) يتقيد ويتبع الإجراءات التي يتفق عليها الخصوم صراحة وكتابة ، وإذا لم يكن هناك إجراءات تم الاتفاق عليها بين أطراف التحكيم وجب على المحكمين اتباع قواعد وإجراءات قانون المرافعات ، ولأطراف اتفاق التحكيم إعفاء المحكمين منها ، ويكون للمحكم بهذه الحالة الاسترشاد بالمبادئ الأساسية في التقاضي وتفعيل قواعد العدالة .
أما المحكم المفوض بالصلح فلا يتقيد بالإجراءات الواردة في قانون المرافعات وقواعد القانون إلا ما تعلق منها بالنظام العام .