قبل الخوض في مسألة شروط صحة الأحكام الصادرة عن المحكمين أو الهيئة التحكيم (الفقرة الثانية) تستدعي الضرورة الوقوف عند تعریف أحكام التحكيم (الفقرة الأولى).
الفقرة الأولى: تعريف الحكم التحكيمي:
لم يضع المشرع تعريفا محدد لحكم التحكيم يمكن معه الفصل بدقة بين الحكم وباقي القرارات التي يصدرها المحكم أو المحكمين، ونتفق معه ذلك أغلب الاتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الشأن وكذا التشريعات الوطنية للدول المختلفة المنظمة التحكيم، وقد فشل كذلك القانون النموذجي للتحكيم الذي أعدته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي في وضع تعریف محدد لحكم التحكيم، حيث إقترحوا نصا للتعريف ثم اختلفوا فيه وتم حدفه.
وأمام هذا الفراغ التشريعي حاول الفقه الوطني والمقارن وضع تعريف الحكم التحكيم ونقسموا في ذلك إلى اتجاهين أحدهما يوسع في تعريف حكم التحكيم والثاني يضيق في تعريفه.
أولا: التعريف الموسع:
يرى أنصار هذا الرأي بأن حكم التحكيم هو كل قرار قطعي يصدر عن المحكم ويفصل بشكل كلي أو جزئي في النزاع المعروض عليه سواء تعلق هذا القرار بالموضوع أو بالاختصاص أو بمسألة تتصل بالإجراءات تنهی الخصومة.
وبالتالي يعد حكما وفقا لهذا الاتجاه كل قرار يحسم موضوع النزاع أو جزء منه أو يفصل في مسألة اختصاص هيئة التحكيم، وعلى العكس من ذلك لا يعد حكما القرارات الصادر من المحكم والخاصة بإدارة الجلسات والقرارات الصادرة عنه والتي لا تفصل في النزاع كقرار إحالة الدعوى إلى التحقيق. وقد تبنت محكم الاستئناف باريس التعريف الموسع لحكم التحكيم في حكمها الصادر في 1994/3/25 في قضية SARDISUD بقولها "يقصد بأحكام التحكيم أعمال المحكمين التي تفصل بشكل حاسم كليا أو جزئيا في النزاع الذي عرض عليهم سواء كان هذا الحكم في الموضوع أو الاختصاص أو في مسألة إجرائية تؤدي إلى إنهاء الخصومة".
ثانيا: التعريف الضيق:
میری جانب أخر من الفقه أن حكم التحكيم هو كل قرار صادر عن المحكم ويفصل في طلب محدد في موضوع النزاع، ويؤدي إلى إنهاء النزاع كليا أو جزئيا، وبالتالي لا تعد أحكاما تحكيمية وفقا لأصحاب هذا الاتجاه قرارات المحكم التي تفصل في مسألة الاختصاص او صحة العقد أو مبدأ المسؤولية، لأن الحكم التحكيمي يجب أن ينهي ويحسم النزاع كليا أو جزئيا.
الفقرة الثانية: شروط صحة الحكم التحكيمي
ينص الفصل 23- 327 من قانون 05-08 على أنه " يصدر الحكم التحكيمي كتابة ويجب أن يشار فيه إلى اتفاق التحكيم وأن يتضمن عرضا موجزا للوقائع وادعاءات الأطراف ودفوعاتهم على التوالي والمستندات وبيان النقط التي تم الفصل فيها بمقتضى الحكم التحكيمي وذا منطوقا لما قضى به.
ويجب أن يكون الحكم التحكيمي معللا ما لم يتم اتفاق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاق التحكيم، أو كان القانون الواجب التطبيق على مسطرة التحكيم لا يشترط تعليل الحكم.
أما الحكم المتعلق بنزاع يكون أحد الأشخاص الخاضعين للقانون العام طرفا فيه فيجب أن يكون دائما معللا".
ونصت المادة 24-327 من نفس القانون على أنه " يجب أن يتضمن الحكم التحكيمي بيان ما يلي:
1- أسماء المحكمين الذين أصدروه وجنسياتهم وصفاتهم وعناوينهم.
2- تاريخ صدوره.
3- مكان صدوره،
4-الأسماء العائلية والشخصية للأطراف وعنوانهم التجاري وكذا موطنهم أو مقرهم الاجتماعي...
يتعين أن يتضمن حكم التحكيم تحديد أتعاب المحكمين ونفقات التحكيم وكيفية توزيعها بين الأطراف".
انطلاقا من هاتين المادتين يتضح أن المشرع أستوجب احترام مجموعة من الشروط والبيانات اللازم ذكرها وتضمينها الحكم التحكيم حتى يكون هذا الخير صحيحا ومنتجا لأثاره، ومن هذه الشروط نذكر
أولا- الكتابة:
استلزمت جل التشريعات العربية أن يكون الحكم التحكيمي عملا مكتوبا، فالكتابة شرط ضروري بوصفه عملا قضائيا يمارسه المحكمون في شأنه كل سلطة قضائية فهو يعتبر حكما حقيقيا في النزاع تتوافر فيه كل عناصر العمل القضائي في هذا الصدد نصت المادة 23-327 من قانون 05-08 على أنه " يصدر الحكم التحكيمي كتابة ... و بالتالي تعتبر الكتابة شرط ضروري لوجود الحكم التحكيمي لا لإثباته، فصدوره شفهاهة لا يستقيم به وصف حكم التحكيم مع ما يتضمنه ذلك من آثار، ولا يكتسب هذا الحكم حجية الشيء المقضي به ولا
يكون واجب النفاذ فيلزم تقديم أصل الحكم أو صورة مؤقتة منه للحصول على أمر التنفيذ وهو ما لا يتسنى إلا إذا كان الحكم التحكيمي مكتوبا.
وقد أحسن المشرع صنعا حينما اشترط الكتابة في الحكم التحكيمي لأن من شأن الكتابة أن تضع حلا المجموعة من المشاكل الصعوبات التي قد يواجها الأطراف أثناء تنفيذ الحكم التحكيمي.
فلو أن الحكم صدر دون الشكلية المطلوبة لكان ذلك سببا في تعطيل الدور الأساسي الذي يمكن أن يلعبه
التحكيم كوسيلة لحل المنازعات بين الأفراد.
ثانيا: تعليل الحكم التحكيمي
لم يكلف المشرع المغربي نفسه عناء تعريف التعليل أو التسبيب شأنه شأن الغالبية العظمى من التشريعات العربية، واكتفى بالتنصيص في المادة 23-327 من ق.م.م على وجوب تعليل الحكم التحكيمي ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاق التحكيم أو كان القانون الواجب التطبيق على مسطرة التحكيم لا يشترط تعليل الحكم.
أما الفقه فقد عرفه بقول يراد بتعليل الأحكام تضمينها الأسباب الضرورية التي أفضت إلى وجود التحكيم.
وهكذا فإن كل حكم تحكيمي يجب أن يتضمن الأسباب الضرورية التي أفضت إلى وجوده وذلك بيان الأوجه الواقعية والقانونية التي يرتكز عليها المحكم في بناء حكمه، وكل حكم تحكيمي لا يتضمن هذا الشروط يكون قابلا للطعن فيه بالبطلان المخالفاته للشكليات المنصوص عليه قانونا.
ثالثا: توقيع الحكم التحكيمي
نص الفصل 25-327 من ق.م.م على أنه يوقع الحكم التحكيمي كل محكم من المحكمين. وفي حالة تعدد المحكمين وإذا رفضت الأقلية التوقيع، يشير إلى ذالك في الحكم التحكيمي مع تثبيت أسباب
عدم التوقيع ..."
فطبقا لهذه المادة فتوقيع الحكم التحكيمي شرط ضروري لصحته حيث يجب على المحكم أو الهيئة التحكيمية توقيع الحكم الذي أصدرته والا كان باطلا لفقدانه لأحد بياناته الإلزامية المنصوص عليها قانونا. ويصدر المحكمون قرارهم بالأغلبية في حالة التعدد وعلى الأقلية الرافضة للتوقيع بيان أسباب الرفض وهو ما يجعل خلو الحكم من ذكر هذه الأسباب سببا من أسباب رفع دعوى البطلان لوقوع بطلان قرار التحكيم.
رابعا: تحديد تاريخ ومكان صدور الحكم التحكيمي
نصت على هذا الشرط المادة 24-327 من ق.م.م واعتبرته من الشروط الضرورية لصحة الحكم التحكيمي ولا يخفى ما لأهمية تحديد تاريخ صدور الحكم التحكيمي في معرفة المدة التي صدر فيها الحكم التحكيم وهل احترمت الهيئة التحكيمية المدة المقررة لها قانونا، وفي حالة ثبوت صدوره بعد فوات المدة القانونية اعتبر قابلا للبطلان، ويرى البعض أنه يمكن إصدار حكم التحكيم دون أن يتضمن تاريخ صدوره طالما أمكن الاستدلال على ذلك من خلال قرائن، مثل أن يودع الحكم لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة خلال ميعاد الإصدار المقرر، أو أن يتوفي أحد المحكمين الموقعين بعد التوقيع عليه خلال الميعاد المقرر للتحكيم.
كما يجب أن يشتمل قرار التحكيم على ذكر المكان الذي صدر فيه وذلك لمعرفة المحكمة المختصة في تذيل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية وكذلك النظر في الطعن بالبطلان إذا كان له محالا، ويترتب على عدم ذكر مكان صدور الحكم بطلانه ذلك أن ذكر مكان التحكيم شرط لصحة قرار التحكيم.