تنص المادة الأولى من قانون التحكيم المصري على أن ... تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم .... إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر أو كان تحكيما تجاريا دوليا يجري في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه الأحكام هذا القانون».
وبتحليل هذا النص يتضح أن قانون التحكيم المصري:
أ- يسرى على كل حكم تحكيم من حيث الصحة والبطلان في الأحوال التالية:
1- إذا كان حكم التحكيم مبادراً في مصر في علاقة تتصف بالوطنية.
۲- إذا كان حكم التحكيم صادراً في مصر، بخصوص علاقة تتصف بالدولية، وسواء كان الأطراف كلهم أم بعضهم من الوطنيين .
٣- إذا كان حكم التحكيم صادراً في الخارج، ويتصف بالدولية، واتفق أطرافه على خضوعه لأحكام قانون التحكيم المصري.
ب- لا يسرى قانون التحكيم المصري، من حيث الصحة أو البطلان، على كل حكم تحكيم، يتصف بالأجنبية، فمحرم على القاضي المصري التطرق إلى هذا الحكم، ونعيه بالبطلان. وهذا ما تقضي به اتفاقية نيويورك المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، والمنضمة إليها مصر.
وفيما يتعلق بحكم التحكيم الأجنبي، فكل ما يستطيع المحكوم ضده أن يفعله، هو الاعتراض خلال عملية تنفيذه (المادة 2/5/ب من اتفاقية نيويورك)، مثال ذلك إذا صدر حكم ببطلانه في بلد صدوره أو الذي بموجبها صدر حكم التحكيم. كما يجوز له الاعتراض على صدور الأمر بتنفيذه في الحالات التي حددتها المادة 2/58 من قانون التحكيم المصري، وهي: تعارضه مع حكم سابق الصدور من المحاكم المصرية في موضوع النزاع، أو أنه يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية، أو أنه لم يعلن إعلاناً صحيحاً للمحكوم عليه.
فأما عن القضية الأولى وهي تتعلق بالنزاع بين شركة هيلمارتون وإحدى الشركات الفرنسية وتم على أثره اللجوء إلى التحكيم وصدر حكم تحكيم في سويسرا الغير صالح شركة هيلمارثون .
قامت شركة هيلمارتون بالطعن على هذا الحكم أمام القضاء السويسري الذي أبطل حكم التحكيم، وتايد ذلك أمام المحكمة الفيدرالية السويسرية .
قامت الشركة الفرنسية أثناء ذلك بتقديم طلب لوضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم وذلك في فرنسا وتحقق لها ما أرادت، وذهبت محكمة استئناف فرساي إلى أن النظام العام الدولي لا يمنع من تنفيذ حكم التحكيم بالرغم من بطلانه في دولة المقر، وأن المادة 1502 من قانون التحكيم فرنسي لا تنص على رفض منح الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم الذي أبطل في بلد صدوره، كما لا يوجد أيضا مانع وفقا لنص المادة السابعة من اتفاقية نيويورك سنة 1908 والمتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية.
أرادت شركة هيلمارتون تنفيذ الحكم الصادر لصالحها من فرنسا إلا أنه تعثر عليها ذلك بالرغم من حصولها على الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم الذي أبطل.
أما عن قضية كرومالوي والمتعلقة بالحكم النهائي في التحكيم المرفوع من كروم اللوي ايرو سير فيسز (مدعية) ضد جمهورية مصر العربية - وزارة الدفاع هيئة التسليح - (مدعى عليها) وصدر الحكم بالقاهرة في ۱۹۹۹/۸/۲۹. فقد حدث أن قامت القوات الجوية المصرية بالتعاقد مع شركة كرومالوي للتوربينات الغازية و هي شركة أمريكية على أن تقوم الأخيرة بتوريد معدات وخدمات ومعونة فنية متعلقة بطائرات الهليكوبتر من طراز سيكلج كوماندو، كما تقبل الحكومة المصرية الشراء طبقا للشروط العقد ولمدة 48 شهرا المواد والخدمات والدعم الفني المتعاقد عليهم والمنصوص عليها وعلى توقيتها وتسليمها وتفاصيلها ومواصفاتها وكمياتها الكاملة في الملحق (أ) والذي يمثل جزءا لا يتجزأ من العقد كما يلتزم بمقتضاء المورد کینج/ كوماندو لمدة أربع سنوات بتقديم الدعم لما تحتاجه القوات الجوية المصرية بنظام دعم المتابعة لأسطول طائرات سي كينج .
ولما حدث شقاق بين الطرفين تحركت العملية التحكيمية وصدر حكم تحكيم ضد الحكومة المصرية.
قامت محكمة استئناف باريس بإعطاء الصيغة التنفيذية للحكم المشار إليه والصادر في مصر وكانت محكمة استئناف القاهرة قد أبطلته من قبل.
قامت شركة كرومالوى بطلب تنفيذ الحكم في أمريكا أمام محكمة كولوموبيا التي قررت وضع الصيغة التنفيذية على الحكم مستندة أيضاً إلى نص المادة السابعة من اتفاقية نيويورك، كذلك استندت إلى اتفاق الطرفين على استبعاد أي مراجعة ضد حكم التحكيم، وأن الحكم بغير ذلك سيكون مخالفة للنظام العام الأمريكي الذي يلزم باحترام بنود أي اتفاق تحكيم خاصة على الصعيد الدولي.
وواضح من هاتين القضيتين أن القضاء الفرنسي والقضاء الأمريكي يجيزان تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بالرغم من صدور أحكام من القضاء في دولة المقر بإبطالها، مستندين في ذلك بصفة أساسية إلى نص المادة السابعة من اتفاقية نيويورك. وهو من شأنه أن يثير المخاوف من موضوع التحكيم. إذ كيف يسمح بتنفيذ أحكام تحكيم أبطلت، بل الأدهى والأمر أن الطرف الذي تمكن من إبطال حكم التحكيم لا يستطيع تنفيذ الحكم الصادر لصالحه بالرغم من وضع الصيغة التنفيذية على حكمه.