المقصود بالضوابط الشرعية هنا حكم التحكيم التكليفي فهل هو واجب أم مندوب أم مباح أم محرم أم مكروه؟
إن التحكيم يكون واجباً إذا ورد به نص يدل على الوجوب كما جاء في الآية "فأبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها وقد ذهب الأصوليون إلى أنه إذا تجرد الأمر من القرائن يدل على الوجوب حقيقة، ولا يصرف عن إيجابه إلا بقرينة، وإلا بقي على إيجابه (۷) وقوله تعالى: "فأبعثوا" دال على الوجوب في البعث ولم تقترن به قرينة تصرفه عن هذا الوجوب فيبقى على جوابه. وكذلك الأمر في قوله تعالى في جزاء الصيد "يحكم به ذوا عدل منكم".
ويكون التحكيم واجباً كذلك إذا أمر السلطان به، ورأى أن المصلحة تحقق فيه في فض خصومة معينة القاعدة أن تصرف الإمام منوط بالمصلحة في ذلك وللإمام جعل المباح واجباً أو محظوراً إذا رأى المصلحة في ذلك ما لم يخالف قاعدة ولا نصاً قطعياً ولا إجماعاً فيكون التحكيم واجباً في حالتين إذا ورد به النص دالاً على الوجوب، أو إذا أمر به السلطان.
وخلافاً للحالتين المذكورتين يكون التحكيم جائزاً قبل صدور الحكم واللزوم بعده ويقصد بالجواز رفع الحرج وهو أعم من أن يكون واجباً أو مندوباً أو مكروهاً حيث يطلق الثاني على مستوى الطرفين وهو التخيير والترك، والثالث يطلق على ما ليس بلازم وهو إصطلاح الفقهاء فيقولون: الوكالة والشركة عقدان جائزان ويعنون به ما للعاقد نسخه فالأمر بالنسبة للخصوم جواز سلوك سبيل التحكيم في فض خصوماتهم أو اللجوء إلى الفضاء المختص ويقول الإمام القرافي: عقود الولايات المقصود بما يحصل بعد العقد وهذا القسم لا تتلزم مصلحته مع اللزوم بل مع الجواز وعدم اللزوم وهو خمسه تحكيم الحاكم مالم يشرع في حكم).
مقصود الشارع من التحكيم: إن حكمة مشروعية التحكيم هي الباعث على التشريع والآثار المترتبة عليه فهي الغرض من التشريع والهدف الذي يرمي إليه الشارع وهو جلب المصالح ودرء المفاسد وتحقيق غاية معينة يدركها الإنسان أو لم يدركها، تحققت لدى الناس كافة أو لبعضهم، والغرض من تشريع التحكيم يتمثل في الدور الذي يقوم به في الفصل في الخصومات والحد من النزاعات والتي من شأنها أن تشيع العداوة والبغضاء وفساد ذات البين إذا ما تركت دون الفصل فيها بحكم، ويستوي أن يكون حكم قاضي مولى او حكم محكم، وبهذا فالتحكيم يحقق كلا المصلحتين فهو يخفف العبء على القضاء المشقة عن كاهل الأفراد في الإنتظار في طوابير القضاء، فحاجة الناس إلى التحكيم قائمة لسهولة إجراءاته ومسطرته وقلة تكاليفه وسرعة البت في الخصومات ويريد الله اليسر ولا يريد العسر وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما خير رسول الله " " بين أمرين إلا إختار أيسرهما مالم يكن إثماً، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه) فالتحكيم يؤدي إلى فض المنازعات المشقة عن المتخاصمين فإنه يؤدي إلى إصلاح ذات بین الزوجين في الشقاق بقوله تعالى (إن يريد إصلاحاً يوفق الله بينهما) وإن فصل القضاء كما قال الفاروق رضي الله عنه: (يورث في القوم الضغائن . إتساع نطاق دائرة التحكيم: إن التحكيم شمل جميع الجوانب الأسرية وجزاء الصيد وإن النبي طبقه في مجال الأسرة والمعاملات والحرب، كما شملت تطبيقات الصحابة مختلف المجالات والقضايا السياسية والمالية والقضايا الكبرى مثل إختبار الإمام كما جاء في تحكيم عبد الرحمن بن عوف وعزله كما في الله تحكيم سيدنا علي ومعاوية الحكمين أيا موسى وعمرو بن العاص رضي عنهم والقضايا الصغرى في مجالات الأموال والحقوق، فدائرة التحكيم في الفقه الإسلامي يتسع نطاقها بشكل كبير بحيث يمكن اللجوء إليها في المسائل المالية والإقتصادية والإجتماعية والدستورية والسياسية الشرعية، لا الحدود واللعان ونحوهما مما هو وارد في حقوق الله تعالى (الحق العام). فدائرة التحكيم تشمل كل التسميات المعاصرة مثل التحكيم التجاري المحلي والدولي، والتحكيم في المنازعات الحدودية والبحرية و التحكيم في القانون الدولي وفي مجال تطبيق قانون العمل بالنسبة إلى العمال ورب العمل وفي المناطق الإقتصادية الخالصة للدول.
أركان التحكيم:
إتفاق التحكيم عقد رضائي، الفقه الإسلامي في يتفق القانون مع وليس شكلياً يتوقف على شكل معين ولكنه يختلف معه في إثبات الإتفاق على التحكيم يتوقف على كونه مكتوباً نظراً لأهميته وخطورته حيث نصت معظم الأنظمة والقوانين على ذلك منها النظام بالمرسوم الملكي السامي بالرقم (۳۲) و الصادر بتاريخ ١٣٥٠/١/١٥هـ (١٩٣١/٦/١) وقد ألغى المرسوم الملكي رقم م /٤٦ وهو النظام الجديد للتحكيم تلك المواد، وكذلك نص مادته القانون الفرنسي في المادة (١٠٠٥) وقانون المرافعات المصري (٥٠١)، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جميع شروطه وبنوده في حين الفقه الإسلامي لا يشترط الكتابة فيه، بل يجوز إثباته بها وبالإتفاق لكل الوسائل المتاحة، لو إشترطت الدولة أو الطرفان أن لا يتم التحكيم إلا مكتوباً فإذن لا يخالف الشريعة التي أمرت بالكتابة . في عصر كانت الكتابة فيه نادرة، فقال تعالى: (فأكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل) بعد أن تناولنا فيما مضى مشروعية التحكيم في الكتاب والسنة وإجماع الأمة تعالج الآن بيان شروط التحكيم إنطلاقاً من أ إتفاق بين الطرفين على تولية طرف ثالث ليفصل في خصومتهما بحكم الشرع، حيث يتضح أن أطراف التحكيم هي:
1- محتكم.
فالمحتكم هو كل من الطرفين المتخاصمين، والحكم أو المحكم حت الشخص الذي إختاره الخصمان ليفصل في خصومتهما، والمحكوم فيه هو الحق موضوع الخصومة، والحكم هو القرار الصادر من الحكم فاصلاً في أن موضوع النزاع.
حيث أنه لا بد من تبيين الشروط المتعلقة بالمحتكم والمحك والمحكوم فيه بمعنى هل يجوز أن يكون كل شخص حكما أم أن هناك صفات معينة يجب ان تتوافر فيه ؟ وهل يصح منحه سلطة الفصل في الموضوع (موضوع النزاع) من كل شخص ام انه لابد من توافر صفات معينة فيه؟ أية خصومة أيا كان موضوعها أم أن هناك وهل يجوز التحكيم في شروط صحته ولزومه ومدى حجيته.