تقع مهمة إعداد حكم التحكيم البحري الدولي علي عاتق هيئة التحكيم وحدها إذا كان التحكيم البحرى مؤسسياً أمام المنظمة الدولية للتحكيم البحرى، أو أمام هيئة اللويدز للتحكيم البحري.
دور هيئة التحكيم البحري في إعداد الحكم
فإذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد كان الأمر يسيراً حيث لايتداول المحكم ولايتناقش إلا مع نفسه في حوار داخلي يقوم بعده منفرداً بإعداد الحكم، أما إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من أكثر من محكم كان الأمر ولاشك أكثر تعقيداً حيث يؤدي التشكيل المتعدد الهيئة التحكيم إلى حتمية المناقشات والمداولات بين جميع المحكمين الذين تتشكل منهم هيئة التحكم تمهيدا للوصول إلي إجماع أو أغلبية حول شكل الحكم ومضمونه.
وبالتالي فإن المداولات التي تتم بين المحكمين البحريين غالباً ماتتم بالمراسلة عن طريق تبادل الخطابات أو التلكسات أو الفاكسات أو غيرها من وسائل الاتصال المختلفة التي تتم بين أعضاء الهيئة التحكيمية الواحدة.
وبالتالي فإنه لا ينبغي السماح لمثل هذا الحكم الذي رفض الاشتراك في عملية المداولة بتعطيل العملية التحكيمية، والحيلولة دون صدور الحكم طالما أنه قد أبدى كل مالديه حول شكل الحكم ومضمونه أي حول الفصل في النزاع، وذلك استنادا على أمرين:
الأمر الأول) : توسيع مفهوم المداولة ومجالها بإعطائها مفهوماً ملموساً وأكثر اتساعاً واعتبار أنها تتم بين المحكمين من خلال مناقشاتهم حول الفصل في الموضوع منذ أول يوم في الإجراءات التحكيمية.
والأمر الثاني) القياس على مبدأ احترام حق الأطراف في المواجهة، فإذا كان مبدأ المواجهة يتم احترامه بإعطاء كل طرف الحق في تقديم طلباته، وادعاءاته، والعلم بطلبات وادعاءات الطرف الآخر، وأخذ فرصته في الرد عليها ومناقشتها فإنه ينبغي قياساً على ذلك اعتبار أن المحكم قد اشترك في المداولة وأخذ حقه في ممارستها طالما أنه تمكن شأنه شأن باقي المحكمين الآخرين في هيئة التحكيم من إبداء رأيه حول كل النقاط التي تثيرها الدعوى المنظورة من أول يوم تبدأ فيه الإجراءات .
وللإجابة على هذا التساؤل نجدنا أمام ثلاثة اتجاهات
الاتجاه الأول) وهو اتجاه لايعرف مبدأ سرية المداولة، وهو الاتجاه الأنجلو - أمریکي حيث صمت قانون التحكيم الانجليزى، وقانون التحكيم الفيدرالي الأمريكي، ولائحة تحكيم جمعية المحكمين البحرين بلندن، ولائحة تحكيم جمعية المحكمين البحريين بنيويورك عن اقتضاء سرية المداولة.
فحول مفهوم مبدأ سرية المداولة في المجال التحکيمی انقسم الفقه إلى رأيين
الرأي الأول) يرى: اختلاف مقتضيات سرية المداولة المفروضة على المحكمين عنها بالنسبة للقضاة في المحاكم الوطنية : بحيث ينصرف مفهوم سرية المداولة المفروضة على المحكمين إلى إجراء المحكمين العملية المداولة في غياب الأطراف أو الغير وليس في حضور أي منهم،
(والرأي الثانی): يری ضرورة التشدد في توافر مقتضیات سرية المداولة لدى المحكمين كما لدي القضاة في المحاكم الوطنية ، وعدم توسيع مفهوم هذه السرية عن مفهومها الأساسي. حيث تعد سرية المداولة مبدأ أساسياً يشكل أحد ركائز التحكيم بوصفه نظام قضائي يفصل في المنازعات وإجراء جوهريا من إجراءات التحكيم يؤدي إغفاله إلي الإضرار بالأطراف والتقييد من احترام حقوق الدفاع .
يرى أن سرية المداولات التحكيمية تنصرف فقط إلي الآراء الفردية لكل محكم عضو في هيئة التحكيم، بحيث يمتنع عليه إفشاء آرائه الشخصية الفردية أو آراء المحكمين الآخرين معه في هيئة التحكيم للأطراف أو الغير، وذلك حتي يسمح لكل محکم بالتعبير عن رأيه بكل حرية، في حين أن هذه السرية لاتنصرف إلي الرأي الجماعي للمحكمين والمتمثل في مشروع الحكم التحكيمي.
في حين نجد الفقه اللاتيني قد اختلف بشأن هذه المسألة :
- فذهب رأي إلى أن تحرير الآراء المخالفة ليس في صالح التحكيم حيث ينتقص هذا التحرير من نطاق استقلال المحكم.
دور مركز التحكيم البحري المؤسسي في إعداد حكم التحكيم
1- أنها رقابة إجبارية :
حيث لاتستطيع هيئة التحكيم التابعة لغرفة التحكيم البحري بباريس أن توقع الحكم وتعلنه للأطراف بعد تمام عملية المداولة إلا بعد إرساله للجنة العامة للغرفة لإبداء مقترحاتها حول الشكل أو الموضوع، ورد اللجنة سواء بإبداء المقترحات أم بالتصديق والموافقة.
2- أنها رقابة سابقة:
حيث إنها تسبق إصدار الحكم بل تتم على الحكم وهو مازال في مرحلة المشروع حيث مازال هناك محل لعمل مداولة ثانية بين الحكمين بشأن الاقتراحات التي تبديها اللجنة العامة للغرفة.
3-أنها رقابة تتم دون تدخل الأطراف :
حيث يتم إرسال مشروع الحكم إلى اللجنة العامة للغرفة، ثم يرجع المشروع إلى هيئة التحکیم سواء بالموافقة أم باقتراح إدخال أية تعديلات تتعلق بالشكل أو بالموضوع. كل ذلك دون إعلان الأطراف بهذه المراسلات.
4 أنها رقابة غير مباشرة:
حيث لاتتدخل اللجنة العامة للغرفة في إعادة صياغة الحكم بل يقتصر دورها على التدخل غير المباشر الذي يتمثل في الاقتراح على الهيئة التحكيمية بإدخال أية تعديلات تراها من حيث الشكل أو الموضوع.
5- أنها رقابة استشارية :
حيث إن هيئة التحكيم وإن كانت مجبرة على إرسال مشروع الحكم إلى اللجنة العامة للغرفة قبل إصداره لإبداء مقترحاتها حول الشكل ، أو لفت نظرها حول أية نقاط تتعلق بالموضوع، إلا أنها ليست ملزمة بالأخذ بمقترحات اللجنة ، فالهيئة التحكيمية بالخيار بين الأخذ بهذه المقترحات، وتعديل الحكم بما يتمشى معها، أو رفض هذه المقترحات وتوقيع الحكم كما هو، وإعلانه للأطراف دون تعديل .