لتحديد مفهوم الغير في خصومة التحكيم، ينبغي أولا تحديد نطاق الخصومة أمام المحكم وذلك تبعا لما يرد في اتفاق التحكيم، ولما كانت التشريعات الوطنية تعترف للقاضي بإمكانية تغيير نطاق الخصومة من حيث أفرادها، فيجوز له بناء على طلب أحد الأطراف أو من تلقاء نفسه أن يأمر بإدخال الغير في الخصومة إن كان ذلك يحقق العدالة أو يفيد في إظهار الحقيقة. وقد عرفت المادة ( ۱/۱۰) من قانون التحكيم المصري اتفاق التحكيم بأنه هو اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقلية أو غير عقدية، ولذلك لا يلتزم غير الأطراف بخصومة التحكيم، والتي سعر بقدر كبير من الثبات إذا قيس الأمر بالخصومة أمام قضاء الدولة.
مل هو ثبات النطاق الشخصي والموضوعي لخصومة التحكيم فلا يجوز الخل أو الإدخال والطلبات العارضة إلا في أضيق الحدود.
الأشخاص، فإنه يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في طلب التحكيم المرف أمام هيئة التحكيم تدخلا انضماميا لأحد الخصوم، أو طالبا الحكم لنفسه يطالب مرتبط بالتحكيم المقدم للهيئة، وقد قضت هيئة التحكيم القضائي بان الشركة المساهمة وان كان لها نمتها المالية المستقلة وشخصيتها الاعتبارية المستقلة عن نمم وشخصية المساهمين فيها، إلا أنها في حقيقة الحال تعتبر أموالها في النهاية ملكا للمساهمين وتعمل لصالحهم، ومن ثم فليس هناك ما يحول من تدخل أي مساهم في طلبات التحكيم التي يرفعها رئيس مجلس الإدارة نيابة عن الشركة منضما إليه في الطلبات - لما كان ذلك وكان الثابت أن المحكمة أقامت طلب التحكيم المائل ممثلا عنها رئيس مجلس الإدارة بصفته وأن... بصفته مساهم طلب في التحكيم المال الحكم له بذات طلبات الشركة المحكمة فإن تدخله هذا يكون مقبولا باعتباره فقط تدخلا انضماميا.
جديد:
خارج الفهرس173
مدى تأثر الغير بعدم قابلية الإجراءات القضائية والتحكيمية للتجزئة :
يحصل في الواقع العملی أن ينشأ نزاع آخر بين أطراف خصومة ما لم يتفقوا بشأنه على عرضه على التحكيم، ولكنه يرتبط بنزاعهم المعروض على جهة التحكيم، أو أن يكون هناك تحكيم بشأن نزاع معين برود بنزاع معروض أمام القضاء.
- لما كانت هيئة التحكيم هيئة ذات اختصاص قضائي فإنه من المتصر أن تدخل في تتنازع على الاختصاص مع جهة قضائية أخرى أو حتى هة ذات اختصاص قضائي، ولذلك تنص المادة ۲/۱۳ من قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة 1994 على أن رفع النزاع الذي يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أمام المحكمة العادية، لا يحول دون البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيه أو إصدار حكم التحكيم. وهو ما يعني نظريا على الأقل إمكانية قيام تنازع في الاختصاص بين هيئة التحكيم وهيئة قضائية أو ذات طابع قضائي آخر.
ونرى أن ارتباط الإجراءات القضائية والتحكيمية قد يكون سببا لانقضاء اتفاق التحكيم، ذلك أن الارتباط الذي لا يقبل التجزئة بين إجراء قضائي وأخر تحكيمي يؤدي بالضرورة إلى إحالة الإجراء التحكيمي إلى القضاء، واعتبار اتفاق التحكيم كأن لم يكن، وهذا برأينا يتوافق مع مقتضيات العدالة، إذ أن الأصل العام هو اختصاص القضاء بفض المنازعات، فإن حصل اتفاق تحكيم لا يمكن فصله عن دعوى قضائية، وجب عدم إضرار أطراف الخصومة القضائية لمصلحة أطراف الخصومة التحكيمية. فحق التقاضي كفله الدستور | ويجب ألا يحرم أحد من عرض نزاعه على القضاء حتى وإن ارتبط بنزاع معروض على التحكيم، فهو لم يتنازل عن الأصل العام لفض المنازعات وهو القضاء الرسمي، أما أطراف التحكيم فقد تنازلوا عن قضاء الدولة واختاروا حليم، ويجب احترام إرادتهم شريطة ألا يرتبط نزاعهم بنزاع اخر معروض على القضاء.
حجية احكام التحكيم
الفصل في المنازعات سواء كان بطريق القضاء أو باللجوء إلى التحكيم يبقى عملا بشريا عرضة للخطأ، وبقدر ما يصيب القضاء من صحة تطبيق القانون ويحقق العدالة بقدر ما تستقر أحوال الناس وتطمئن نفوسهم، ولكن أحكام القضاء والتحكيم لن تلقى قبول الكافة في جميع الأحوال، بل سيكون دائما معارضون وسيناكف الكثير ممن تضرر من صدور تلك الأحكام.
حجية حكم المحكمين:
يرتب حكم التحكيم آثارا مهمة بالنسبة لأطراف النزاع تتمثل في التزامهم بعدم عرض النزاع الذي فصلت فيه هيئة التحكيم من جديد على القضاء نظرا لتمتع هذا الحكم بحجية الأمر المقضي منذ صدوره.
التزامهم بتنفيذ هذا الحكم تنفيذا اختياريا. لكن في بعض الحالات لا يتم هذا التنفيذ الاختياري، مما يضطر معه المحكوم لصالحه اللجوء إلى التفيذ الجبری بعد تصديق حكم التحكيم وإصدار أمر بتنفيذه من الجهة القضائية المختصة.
ويتمتع حكم التحكيم بحجية الأمر المقضي به بمجرد صدوره وقبل صدور الأمر بتنفيذه حتى لو كان قابلا للطعن فيه، وتبقى هذه الحجية ببقاء الحكم وتزول بزواله ، ويترتب على هذه الحجية منع الخصوم من عرض
ذات النزاع الذي فصلت فيه هيئة التحكيم على القضاء أو التحكيم مجددا، الومنعهم من مناقشة ما قضت به هذه الهيئة إلا بالطرق التي حددها القانون.
ومن أهم الاعتبارات التي تقوم عليها الحجية والتي تعد من أهم خصائص الحكم القطعي، وضع حد للمنازعات بمنع تجددها، وهذه الاعتبارات تتطلبها المصلحة الخاصة والعامة، لأن استمرار المنازعات يؤدي إلى عدم استقرار الحقوق والمراكز القانونية وتعطيل المعاملات بين الناس، والأهم من ذلك تناقض الأحكام في الخصومة الواحدة.
وإذا اتفقنا بأن حكم التحكيم يحوز حجية الشيء المحكوم فيه، فإن تلك متعلق بالنظام العام، إذ يجوز للخصوم في حال رفضهم الحكم النزاع الاتفاق على تجاهله، وإعادة طرح النزاع على ذات هيئة أو هيئة جديدة، دون أن يكون لها الحق بأن تقضي من تلقاء نفسها بعلم قول طلب التحكيم استنادا إلى حجية حكم التحكيم السابق صدوره.
وإذا تم اللجوء إلى القضاء لإعادة طرح النزاع الذي فصلت فيه هيئة التحكيم، فلا يجوز للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبول نظر الدعوى السبق الفصل فيها بالتحكيم، وإنما يجب أن يتمسك المحكوم لصالحه بحجية حكم التحكيم، والسبب في ذلك يرجع إلى أن قانون التحكيم يمنح حكم التحكيم الحجية حماية للمصالح الخاصة للخصوم، وليس حماية للمصلحة العامة المرتبطة بحجية الأحكام القضائية، الصادرة عن إحدى سلطات الدولة، بينما حجية أحكام التحكيم لا علاقة لها بالدولة نظرا لعدم صدورها عن إحدى هذه السلطات.
ونعتقد بأن احترام إرادة أطراف اتفاق التحكيم في مدى قبولهم بحكم التحكيم أو اتفاقهم على تجاهله والعودة مجددا إلى قضاء الدولة الرسمي للفصل فيه، يتعلق بحقهم الدستوري الذي يكفل حق التقاضي، فلو تعلقت حجية حكم التحكيم بالنظام العام، لوجب على المحكمة أن تقضي بنفسها بعدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها تحكيميا رغم اتفاق الأطراف على تجاهل حكم التحكيم، وهو ما يترتب عليه ضياع حقهم في التقاضي الذي كفلته دساتير العالم.
ولكن الحجية التي يتمتع بها حكم التحكيم تختلف من حيث مدلولها | والنتائج التي تترتب عليها عن نظيرتها التي يحوزها الحكم القضائي، فالتحكيم مهما اقترب من القضاء في غايته المتمثلة بالفصل في المنازعات، إلا أنه يبقى في حقيقته عقدا ملزما للجانبين، وحكم التحكيم وإن أطلق عليه اصطلاحا ا (حكم) إلا أنه يبقى مجرد تحديد لمحتوي اتفاق التحكيم بمعرفة غير المتعاقدين، فأساس التحكيم هو إرادة الأطراف في حل النزاع بعيدا عن تبعات الدعوي القضائية، وما تخلفه في النفوس، ولذلك تتجه رغبة الأفراد في حل نزاعهم الطريق ودي يكون عن طريق إحلال تقدير شخص ثالث (المحكم) محل تقديرهم وقبولهم لهذا التقدير.
نطاق حجية احكام التحكيم
الحكم يكون باطلا إذا فصل في مسألة لا يشملها اتفاق ) التحكيم، أو تجاوز حدود الاتفاق وفصل فيما لم يعرضه عليه الخصوم وتطبيقا للنطاق الموضوعي لحجية حكم التحكيم، إذا كان الذي فصلت فيه هيئة التحكيم هو ذات النزاع الذي تم إعادة طرحه من الخصوم على القاضي أو على هيئة التحكيم بهدف الفصل فيه من جديد، أمكن للخصم الآخر طلب رد الدعوى لسبق الفصل فيها بالتحكيم، أما إذا كان هذا النزاع المعروض مختلفا عن النزاع الذي سبق الفصل فيه، فلا يكون لهذا الحكم حجية مانعة من نظر النزاع الجديد والفصل فيه.
. فأثر التحكيم يقتصر حتما على ما انصرفت إليه إرادة المحتكمين بشأن النزاع المبتغى عرضه على هيئة التحكيم، ومن ثم فإن إتفاق الأطراف تهو الذي ينشئ التحكيم ويرسم نطاقه ويحدد إجراءاته، ويمثل الأساس الذي ينهض عليه قرار هيئة التحكيم. ويرتب اتفاق التحكيم (شرطا كان أو مشارطه) متى نشأ صحيحا: أثرا سلبيا مؤداه إقصاء خصومة معينة عن اختصاص القضاء فيتعين على المحكمة التي يرفع إليها نزاع ويوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبداء أي طلب أو في الدعوى، وكذلك هو الحال تماما في حالة صدور حكم التحكيم، فإذا
المدعى عليه بسبق الفصل في النزاع بالتحكيم وجب على المحكمة الاعتداد بحجية حكم التحكيم.
ونعتقد أن ذلك يكشف لنا مدى أهمية تحديد نطاق حجية حكم التحكيم من حيث الموضوع، لأنه بناء على ذلك يتحدد الموضوع الذي لا يجوز عرضه على القضاء لسبق الفصل فيه بالتحكيم، وهو ما يكشف لنا أيضا أهمية اشتراط صدور حكم التحكيم بشكل واضح لا يثير اللبس فيما فصل فيه وفيما لم يفصل فيه، لأن ذلك يترتب عليه سقوط حق دستوري مكفول للكافة بالتقاضي، وأطراف اتفاق التحكيم إنما أرادوا النزول عن طريق القضاء الرسمي والتنازل عن حق التقاضي في نزاع معين ومحدد، فإذا صدر حكم التحكيم فاصلا في ذلك النزاع، امتنع عرضه على القضاء مرة أخرى بموضوعه لسبق الفصل فيه إذا دفع المحكوم لصالحه بذلك، ومن باب أولى لا يتم عرضه على التحكيم مرة أخرى.
مدی حجية حكم التحكيم من ناحية الأشخاص:
حجية حكم التحكيم لا تقتصر على موضوع النزاع، بل تشمل أيضا أطراف النزاع الذي عرض على التحكيم وفصل فيه بحكم قطعي، وذلك يقودنا إلى الحديث عن شرط وحدة الخصوم حتى يمكن تفعيل حجية حكم التحكيم ويمكن معها الدفع بسبق الفصل في النزاع، ويعني هذا الشرط أن الحجية كأثر الحكم التحكيم ليست مطلقة بل نسبية الأثر، تتصرف فقط إلى أطراف الدعوى دون غيرهم، فمن يعد من الغير بالنسبة للدعوى التي تم الفصل فيها ليس طرفا فيها، ولا يجوز التمسك في مواجهته بالحجية، وتقتصر حجية الحكم على الخصوم بصفاتهم التي اشتركوا بها في الخصومة.
وحكم التحكيم شأنه في ذلك شأن الحكم القضائي لا تكون له حجية إلا بالنسبة للخصوم أنفسهم، فهو كالعقد لا يسري أثره إلا في حق من كان طرفا فيه ولا يمتد هذا الأثر إلى الغير. فلا يحاج بالحجية إلا بين الخصوم أنفسهم دون ممثليهم فيها، إذ أن ممثل الطرف لا يعتبر طرفا في الخصومة والعبرة بتحديد الخصم هي من حيث صفته لا من حيث شخصه، أي أن المقصود بوحدة الخصوم هو اتحادهم بصفاتهم وليس بأشخاصهم. ولذلك يشترط لتحقق وحدة الخصوم أن يظهروا في الدعوى الجديدة بنفس الصفة التي كانت لهم في الدعوى التي سبق الفصل فيها، فالحكم الذي يصدر في دعوى يرفعها الوكيل يحوز الحجية بالنسبة للأصيل، ولا يجوز لهذا الأخير أن يرفع دعوى جديدة بشأن ما سبق الفصل فيه لأنه طرف في النزاع السابق.
ما عليه تقتصر حجية الشيء المحكوم فيه على أطراف الخصومة ولا موال إلى الغير، فتلك الحجية ليست مطلقة بل هي نسبية من حيث خاص، فلا تفيد ولا تضر غير الخصوم الحقيقيين في الدعوى. وهذا يقودنا إلى فكرة (الطرف) الخصم الحقيقي ومتى يمكن القول بأن شروط الدفع الحجية تحقق فعلا، لأن الفقه الحديث أضاف ما يكن تسميته شرطا جديدا الدفع بالحجية وهو مدي الالتزام بمبدأ المواجهة، وذلك على التفصيل التالي:
رأينا في مسألة حجية حكم المحكمين :
تقول محكمة التمييز الكويتية بأن وجود الخصومة يبدأ بإيداع صحيفة الدعوى إدارة كتاب المحكمة، ويظل معلقا على شرط إعلانها إلى المدعى عليه إعلانا صحيحا، فإن تخلف هذا الشرط ولم يحضر المدعى عليه أمام المحكمة حتى صدور الحكم الابتدائي، لم تنعقد الخصومة لعدم تحقيق مبدأ المواجهة بين الخصوم.
ونعتقد بأنه ليس من العدالة أن يحوز الحكم – سواء صدر من القضاء أو من هيئة تحكيم – الحجية ما لم يكن كل خصم قد علم بما حسمته الجهة المعروض عليها النزاع وأبدی دفاعه بشأنه أو مكن على الأقل من العلم قبل صدور الحكم، وإذا كان مبدأ المواجهة مفترض أساسي في عمل القاضي وهو يستند إلى قانون المرافعات، فإن هذا المبدأ يجب يكون نبراس عمل المحكم وهو المتحلل غالبا من قيود القانون الإجرائي، ولما كان حق الدفاع حق مقدس الأن غايته هي تحقيق المساواة في المراكز الإجرائية للخصوم، فإن اختلال هذه المساواة إنما هو اختلال للعدالة بأكملها.
وبستقراء نصوص قانون التحكيم المصري ۲۷ لسنة ۱۹۹4، نجد و أحسن عملا عندما تشدد في تطبيق مبدأ المواجهة على إجراءات التحكيم، فقد نصت المادة (۲6 تحكيم مصري) على حق الخصم في تقديم ما الوعد وجهة نظره وحق الخصم الآخر في الإطلاع على ما قدمه خصمه المناقشته، وحق كل خصم في مناقشة عناصر الواقع والقانون التي يطرحها المحكم من تلقاء نفسه، وقد أوجبت المادة (۳۱ تحكيم مصري) بأن ترسل صورة مما يقدمه أحد الطرفين إلى هيئة التحكم من مذكرات أو مستندات أو أوراق أخرى إلى الطرف الآخر، وكذلك ترسل إلى كل من الطرفين صورة من كل ما يقدمه إلى الهيئة المذكورة من تقارير الخبراء والمستندات وغيرها من الأدلة، وأيضا. فالفقرة الأولى من المادة (۳۳) من قانون التحكيم تبرز بوضوح مدى تصميم المشرع المصري على إعمال مبدأ المواجهة على الوجه المنشود حيث تقضي بأن تعقد هيئة التحكيم جلسات مرافعة لتمكين كل من الطرفين من شرح موضوع الدعوى وعرض حججه وأدلته، كما تضيف الفقرة الثانية من نفس المادة بأنه يجب إخطار طرفي التحكيم بمواعيد الجلسات والاجتماعات قبل وقت كاف، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن الفقرة الأولى من المادة (36 تحكيم مصري) تقرر بأنه في حالة استعانة هيئة التحكيم برأي خبير، فإنها ترسل إلى الطرفين صورة من قرار تحديد مهمته، وأخيرا تجدر الإشارة إلى أنه لا يكفي لإعمال مبدأ المواجهة إخطار الخصوم بمواعيد الجلسات فقط بل يجب على هيئة التحكيم أن تتحقق من صحة الإخطار، وإلا أمرت بإعادته قياسا على الخصومة القضائية مادة 85 مرافعات مصري.
التمييز بين الحجية والاحتجاج :
ذكرنا سابقا أن المقصود بالحجية احترام ما قضى به الحكم شكلا ما من قبل الخصوم، أي أنه إذا صدر الحكم فإنه يمتنع على أطراف المناقشة مرة أخرى بعد ما فصل المحكم في النزاع مثار التحكيم، وإذا أحد الأطراف إلى القضاء الفصل في النزاع ذاته، فإن للطرف الآخر يسبق الفصل في النزاع بالتحكيم، وهنا تحكم المحكمة برد الدعوى، وكذلك هو الحال إذا لجأ أحد الأطراف للتحكيم مرة اخرى.
ونتيجة للطابع الاختياري وجو الوفاق السائد في نظام التحكيم، فإنه متى صدر خاليا من العيوب يفترض قيام الأطراف بتنفيذه، أما إذا ناكف المحكوم ضده فإن المحكوم لصالحه يلجأ إلى التنفيذ الجبري، والحجية بذلك إنما هي وسيلة فنية تمنع من إعادة طرح النزاع مرة أخرى سواء أمام التحكيم أو أمام القضاء إذا دفع الطرف الأخر بسبق الفصل في الموضوع، أما إذا كان هناك نزاع آخر بين نفس الأطراف أو بعضهم فإنه يمكن الاحتجاج بحكم التحكيم.
ولاشك أن حكم التحكيم بما فصل فيه يتضمن ثبوت وقائع معينة ويعتبر قرينة قانونية على الحقيقة فيما أثبته الحكم، تغني من قررت لمصلحته عن أي طريق آخر من طرق الإثبات، ولكنها تختلف في مدى قوتها بين الخصوم وغيرهم، فبينما يستند الاحتجاج بحكم التحكيم فيما بين الخصوم على أنها قرينة منه لا يجوز لهم إثبات عكس ما قضى به الحكم وإن جاز لهما الطعن فيه، في حجيتها. الا انه يجوز للغير إثبات عكسها فهي ليست قاطعة في حقه ويمكنه المنازعة في حجيتها.
نفاذ حكم التحكيم في مواجهة الغير:
إذا كنا اتفقنا على أن حجية الشيء المحكوم فيه كأثر لحكم المحكمين تبقى نسبية، فإنه لا يخلو من أثر بالنسبة للغير، ولا يجوز لمن لم يكن طرفا في التحكيم أن يتجاهل الحكم استنادا إلى نسبية الأحكام، وقصر أثر الحكم على من كانوا أطرافا في الخصومة فقط. فالحكم بما له من قوة ثبوتية يكون حجة على الكافة سواء كانت لا تقبل إثبات العكس كما بين الخصوم أو تقبل أثبات العكس بالنسبة للغير.
ونظرا لتشابك العلاقات القانونية وتعقد المعاملات في وقتنا الحاضر وتعدد أطرافها، فإنه يمكن القول بأنه ورغم نسبية الأحكام فإن الغير يمكن أن يطار من نتيجة حكم لم يكن طرفا فيه، إذ يمكن توقيع حجز تحفظي بموجب حكم التحكيم على ما للمدين طرف التحكيم لدى الغير، حتى وإن لم يصدر بعد
اذن من القاضي بالحجز أو رفع دعوى صحة حجز، باعتبار حكم التحكيم و النفاذ، وفقا للمادتين ۲/۳۲۷ ، ۳۳۳ من قانون المرافعات النسبة لحجز ما للمدين لدى الغير. وتجدر الإشارة هنا إلى أن دعو المصري قد ساوى بين الحجز الواقع على ما للمدين لدى الغير الواقع على المنقول لدى الغير، فلم يلزم موقع الحجز في الحالة الأخيرة بوجوب استصدار إذن من القاضي.
ونظرا لأهمية حماية الغير الذي يمكن أن يضار بنتيجة حكم لم يكن طرفا فيه، فقد اهتمت كافة النظم القضائية بتلك المسألة، إذ أن القاضي المختص بالفصل في النزاع، لا يمكنه أن يمتنع عن الفصل في الدعوى لأنها تضر بشخص آخر غير أطراف النزاع، فالقاضي ملزم بالفصل في النزاع متجاهلا ارتباط المراكز القانونية. وجاءت التشريعات متضمنة عدة طرق يستطيع المتضرر من الأحكام من غير أطراف الدعوى أن يحمي نفسه من أثر تلك الحكم، مثل اعتراض الخارج عن الخصومة، وهو طريق طعن مقرر المصلحة الغير يهدف إلى تعديل الحكم أو إلغائه، كما أجازت التشريعات للغير بالتدخل في الدعوى، فضلا عن تمكينه من اللجوء إلى وقف تنفيذ الحكم بالطرق القانونية لوقف التنفيذ.
وبناء عليه سيتم تخصيص الباب الثاني من هذا البحث عن مفهوم الغير ودوره في الاعتراض على حكم التحكيم، سواء عن طريق الطعن العادي الاستئناف
في التشريعات التي تجيز ذلك ومدى ملائمة هذا النوع من الطعن مع نظام التحكيم، أو عن طريق الطعن غير العادي كالتماس إعادة النظر والتمييز، وإذا لم يلجأ الغير المتضرر من الحكم إلى تلك الطرق، هل يستطيع رفع دعوى بطلان الحكم الصادر من هيئة تحكيم، وإذا ما استصدر المحكوم له امر بتنفيذ الحكم، ما الذي يستطيعة المتضرر من ذلك التنفيذ فعله تجاه عملية التنفيذ؟.
مفهوم الغير ودوره في الاعتراض على حكم التحكيم:
محكمة النقض المصرية أن "التاريخ الذي يثبته المحكم لحكمه ة على الخصم، ولا يستطيع جحده إلا باتخاذ طريق الطعن بر في الحكم، لأن حكم المحكم يعتبر ورقة رسمية شأنه في ذلك شأن الأحكام التي يصدرها القضاء".
كان لابد من هذا الاستشهاد البيان أهمية ما يثبته حكم التحكيم، فإذا
سلمنا بأن الحكم الصادر من المحكم يتمتع بالطابع الرسمي الذي تتمتع به الأحكام القضائية، وبالرغم من أن قوة إثباتها على الغير ليست كإثباتها على أطراف الخصومة الذين لا يستطيعون مناقشة ما فصل فيه، وأن الغير يستطيع إثبات عكس ما قرره الحكم، إلا أن ذلك يعني أن الحكم ليس مجرد ورقة بيضاء في مواجهته، بل وسيلة إثبات قد تستخدم في مواجهته كورقة رسمية لها من القوة الإقناعية ما لأحكام القضاء.
وبناء على ما سبق نعتقد بأنه يتحتم الاعتراف للغير الذي يتضرر من حكم التحكيم بالاعتراض عليه بشتى الوسائل التي ينظمها القانون، لاسيما وأن الواقع العملي وبما يشهده من تداخل العلاقات وتشابكها فرض على التشريعات تنظيم تلك الوسائل، حتى لا تكون الأرض خصبة لصدور أحكام متعارضة، ذلك أن أي فرد يتضرر من حكم التحكيم سيلجا بحكم الأصل العام إلى القضاء بدعوي جديدة للمطالبة بحقه، لكنه إذا وجد من الوسائل ما يغنيه عن تلك الإجراءات المعقدة والمواعيد المطولة، فإنه بلا شك سيباشر أسهل إجراء يمكنه من خلاله تحقيق ذات الغاية.
وإذا كانت معظم التشريعات لا تؤمن بفكرة العيش المشترك بين التحكيم والطعن، لذلك نجدها تتبنى موقفا محافظا للغاية تجاه الطعن في القرار التحكيمي مثل المشرع المصري، فإننا نجد المشرع الكويتي يقتن فكرة التعايش المشترك بينهما على أوسع نطاق، تماما كالتعايش بين الحكم القضائي وخضوعه لطرق الطعن المختلفة.
الغير وتمييز حكم التحكيم :
ويختلف عمل محكمة التمييز الكويتية عن نظيرتها النقض المصرية الد تتحلد سلطة محكمة التمييز إما بتأييد الحكم أو بتمييزه، أما محكمة النقض فإنها قد تحيله إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه فتحكم فيه مجددا بناء على طلب الخصوم، والطعن بالتمييز مثل غيره من الطعون يجب أن تتوافر فيه شروط قبوله التي تنقسم إلى شروط عامة الصحة والصفة) و شرط خاص يتعلق بالميعاد.
وحيث أن حكم المحكمين ليس صادرا من محاكم الدولة فضلا أنه قد يكون غير نهائي لاتفاق الخصوم على جواز الاستئناف ل قانون المرافعات الكويتي)، لذلك لا يجوز الطعن فيه بالتمييز، في محكمة التمييز هي ضمان وحدة القضاء أو وحدة الأحكام الصادرة .. المحاكم التي تندرج في التنظيم القضائي للدولة، ولا يشمل هذا التنظی أحكام هيئات التحكيم.
وطبقا للمادة العاشرة من قانون التحكيم القضائي الكويتي رقم ( السنة 1995، فإنه يجوز الطعن في الحكم الصادر من هيئة التحكيم بالتمييز في الأحوال التالية: مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، إذا وقع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر على الحكم، إذا قضت هيئة التحكيم على خلاف حكم سبق صدوره بين ذات الخصوم حاز حجية الأمر المقضي سواء صدر من المحاكم العادية أو إحدى هيئات التحكيم، وأخيرا إذا تحقق سبب من الأسباب التي يجوز من أجلها التماس إعادة النظر. وتجدر الإشارة إلى أن القانون المذكور يمنع الطعن في الحكم الصادر من هيئة التحكيم القضائي بأي طريق أخر من طرق الطعن.
ونعتقد في هذا الصدد أن قانون التحكيم القضائي وبما نظمه من اجراءات يؤكد ما سبق وأشرنا إليه، بأنه ليس سوى محاولة من السلطة القضائية للهيمنة على منازعات التحكيم، تحت ذريعة تفادي السلبيات التي انتجت عن التطبيقات العملية للمادة ۱۷۷ من قانون المرافعات، فالمشرع الكويتي توسع في اختصاص هيئة التحكيم القضائي حتى أصبح الأصل هو التحكيم القضائي إذا لم يشر العقد إلى غير ذلك، ولما كانت الغلبة في بشكل هيئة التحكيم القضائي للعناصر القضائية المعينة من الدولة، وتتم الإجراءات بشكل لا يختلف كثيرا عما هو مطبق فعلا في محكمة و ان الغاية المترجاة من اللجوء إلى نظام التحكيم تتضاءل بل سرعة الفصل في المنازعات، ولعل المشرع الكويتي يسارع إلى تشريع مستقل للتحكيم العادي لأن التحكيم القضائي لن يكون بديلا انه في حال من الأحوال، وقد أكدت ذلك هيئة التحكيم القضائی (۱۲۹) بنفسها في حكم لها تقول فيه " وحيث أن القانون رقم۹۰/۱۱ في شان التحكيم القضائي في المواد المدنية والتجارية الذي يحكم اختصاص هذه الهيئة قد نص على أن تختص
هيئة التحكيم بالمسائل الآتية: 1. الفصل في المنازعات التي يتفق ذوي الشأن على عرضها عليها، كما تختص بالفصل في المنازعات الناشئة عن العقود التي تبرم بعد العمل بهذا | القانون وتتضمن حل هذه المنازعات بطريق التحكيم ما لم ينص في العقد أو في نظام خاص بالتحكيم على غير ذلك، ومفاد ذلك أن حل المنازعات بطريق التحكيم القضائي وفيما يتعلق بتلك التي تنشب بين الأفراد تحديدا، ليس إلا طريقا اختياريا لفض النزاع مرده رغبة الطرفين في اختصار إجراءات التقاضي متى التقت إرادتهما على إعمال أحكام القانون مشكورة بعرض نزاعها على هيئة التحكيم القضائي المشكلة بموجبه، والبر في حكم اتفاق ذوي الشأن على عرض نزاعهما على هيئة التحكيم الي ان يكون عقد النزاع المتضمن شرط التحكيم قد أبرم بعد العمل الون، وان لا ينطوي على ما يحول دون اختصاص تلك الهيئة أو عرض مع إجراءاتها كأن ينص في العقد على اختيار إجراءات أخرى خلف إجراءات التحكيم القضائي وغير ذلك مما يفهم معه انصراف در ادهم إلى إعمال التحكيم الاختياري، فيتوجب عندئذ اخترام تلك الإرادة. لك أن نظام التحكيم القضائي ليس بديلا عن التحكيم العادي المنصوص عليه في المواد (۱۷۳-۱۸۸) من قانون المرافعات المدنية والتجارية او الإجراءات التقاضي العادي أمام المحاكم... لما كان ذلك وكان الثابت ۔ الإطلاع على عقد الاستثمار المبرم بين الطرفين والمؤرخ ۱۹۹۶/۸/6 من حل أي نزاع ينشب بينهما عن طريق التحكيم وفقا لقواعد الصلح والتحكيم المعمول بها في دولة الكويت، مما يدل على أن إرادة الطرفين اتجهت إلى اللجوء إلى التحكيم العادي المنصوص عليه في الباب الثاني عشر من قانون المرافعات المدنية، إذ أنهما لو قصدا حل نزاعهما عن طريق التحكيم القضائي لنص في العقد صراحة ودون لبس أو غموض على ذلك في العقد المبرم بينهما، خاصة وأنه قد أبرم بعد العمل بالقانون رقم ۹۰/۱۱ في شأن التحكيم القضائي ومن ثم تنتهي هذه الهيئة إلى القضاء بعدم اختصاصها ولائيا بنظر طلب التحكيم المائل عملا بالمادة 1/3 من قانون رقم ۹۰/۱۱ في شأن التحكيم القضائي".
ولعل هذا الحكم المهم يوجب علينا التوقف أمامه إذ يستخلص منه النقاط التالية: 1. إقرار هيئة التحكيم القضائي بأن التحكيم العادي هو التحكيم الحقيقي الذي يتوافق مع طبيعته ومزاياه وأهدافه.
۲. أن التحكيم القضائي لا يمكن أن يغني عن التحكيم الحقيقي العادي
وليس بديلا عنه.
۳. عدم شرعية ما نص عليه قانون التحكيم القضائي في مصادرة إرادة أطراف التحكيم بشان تطبيقه قسرا في حال عدم اتفاقهم على القانون الواجب التطبيق.
4. أن التحكيم القضائي بالتنظيم السابق يعتبر احا مما يخالف طبيعة التحكيم الاختيارية.
5.هيئة التحكيم القضائي أكدت في حكمها السابق صحة الانتقادات التي وجهها جانب من الفقه إلى قانون التحكيم القضائي وتطبيقاته في الكويت.