اجراءات خصومة التحكيم / تحديد القانون لدى مؤسسات التحكيم / الكتب / التحكيم الدولي والتحكيم الأجنبي في القانون الخاص الكويتي / دور القواعد التشريعية في تحديد القانون الواجب التطبيق على التحكيم
ولكن وإن كانت القاعدة العامة هي منح إرادة الأطراف الحرية في اختيار القانون الواجب التطبيق، إلا أنه يغلب في العمل أن يسكت هؤلاء الأطراف عن الاختيار الصريح أو الضمني فتواجه النصوص التشريعية الوطنية أو الدولية هذه الأحوال بقواعد إسناد احتياطية لا تترك فيها الحرية للمحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق في بعض المناسبات. كما أن هناك من الفروض في مراحل التحكيم المختلفة التي تضع لها هذه النصوص التشريعية قواعد إسناد أصلية لا تعتمد فيها بأي حال من الأحوال على إرادة الأفراد.
وقد وضع المشرع الكويتي في المادة 29 من القانون رقم هلن ۱۹۹۱، هذه القاعدة الاحتياطية للإسناد حين نص فيها على أن.. يسري على العقد من حيث الشروط الموضوعية لانعقاده ومن حيث الآثار التي تترتب عليه، قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطنا، فإذا اختلفا سري قانون الدولة التي تمر فيها العقد، هذا ما لم يتفق المتعاقدان أو يتبين من الظروف أن قانونا آخر هو الذي يراد تطبيقه "
فعند عدم وجود الإرادة لا يترك المشرع الكويتي للقاضي الحرية في اختيار القانون الأنسب بل حدد له قانونين احتياطين هما قانون الموطن المشترك للمتعاقدين أن اتحدا موطنا، أو قانون محل الإبرام إن لم يشترك المتعاقدان في الموطن. وهذا الحكم يسري بالنسبة للقانون الكويت كقاعدة عامة على جميع العقود ومنها عقد التحكيم والعقد الأصلي.
أما اتفاقية نيويورك فقد وضعت هي الأخرى مثل هذه القواعد الاحتياطية، فهي لم تترك الأمر أيضاً لمحض السلطة التقديرية للمحكم في شأن القانون الواجب التطبيق على شرط التحكيم وعلى الإجراءات المتبعة أمام هيئة التحكيم. فنجد نص المادة الخامسة في فقرتها را تحكم بجواز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم إذا قدم الخصم لها الدليل على من أن الاتفاق المذكور غير صحيح طبقا للقانون الذي أخضعه له الأطراف أو عند عدم النص على ذلك طبقا لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم "
كما نصت المادة الخامسة أيضاً في فقرتها "۱/د" على جواز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم إذا أثبت الخصم " (د) أن تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم مخالف لما اتفق عليه الأطراف أو لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الاتفاق ".
وظاهر من نص هاتين الفقرتين أن اتفاقية نيويورك فضلت بالنسبة المشارطة التحكيم وإجراءاته أن تطبق قانون محل التحكيم أو محل صدور حكم التحكيم عند عدم وجود اتفاق بين الأطراف على غيره، وبهذا تجدها قد حجزت الطريق على المحكم ولم تعطه أي سلطة تقديرية في تحديد القانون الواجب التطبيق في أحوال انعدام الإرادة بل تصدت هي الاختيار القانون الواجب التطبيق في هذه الأحوال.
أما بالنسبة لموضوع النزاع فنجد اتفاقية نيويورك قد سكنت عن ذلك اعتماداً منها، كما نرى، على القواعد الخاصة بهذا الشأن بالنسبة للعقود بصفة عامة إن في قانون البلد الذي يجري التحكيم على إقليمه، أو القواعد الخاصة الواردة في لوائح هيئات التحكيم التي تتصدى لهذه الموضوعات، أو لما يجري عليه العمل في التحكيم الدولي من إعطاء الحرية للمحكم في اختيار القانون الأنسب والأكثر ارتباطاً بالموضوع.
قواعد الإسناد الأصلية في النصوص التشريعية:
على الرغم من أن مبدأ سلطان الإرادة واضح البيان في التحكيم الدولي في جميع مراحله إلا أن هناك بعض الفروض التي لا يصح أن يكون الإرادة الأفراد أي دور في اختيار القانون الواجب التطبيق عليها. وتجرى النصوص التشريعية على وضع قواعد إسناد أصلية لها، يختار المشرع الوطن أو الدولي فيها بنفسه القانون الواجب التطبيق عليها دونما اعتماد على اختيار أطراف عقد التحكيم. وتتلخص هذه الفروض بأهلية الأطراف للدخول في مشارطة التحكيم وأهلية الأطراف اللازمة لانعقاد العقد الأصلي، وكذلك بعض العقود ذات الطبيعة الخاصة التي أراد المشرع إخراجها من سلطان الإرادة.
أولا: القانون الواجب التطبيق على الأهلية:
إن النصوص المتعلقة بأهلية الشخص ترمي إما إلى حماية الأفراد الذين يقدر المشرع أن إرادتهم غير كاملة لإبرام التصرفات، أو ترمي إلى منع أشخاص معينين من التصرف نتيجة ظروف تحيط بهم أو صفات يحملونها. فتطبيق هذه النصوص لا يمكن أن يعتمد فيه على إرادة الأفراد لذلك فإن النصوص التشريعية الوطنية والدولية تعمد إلى التصدي بنفسها لتحديد القانون الواجب التطبيق على الأهلية في العقود ذات العنصر الأجنبي (العقود الدولية).
وقد أورد المشرع الكويتي في المادة 33 من القانون رقم 5 البينة 1941 قاعدة إسناد عامة في هذا الخصوص حيث نصت على أن:" الحالة المدنية للشخص وأهليته يسرى عليها قانون جنسيته ". فقانون الجنسية هو الذي يحدد فيما إذا كان الشخص أهلاً لإبرام التصرف من عدمه سواء أكان التصرف متعلقا بعقد التحكيم أم مشارطته أم كان متعلقا بالعقد الأصلي الذي يجري التحكيم بصدده. ولم يورد المشرع الكويتي استثناءً على هذه القاعدة إلا ما نص عليه في الفقرة الثانية من نفس المادة بخصوص التصرفات المالية التي تعقد وتترتب آثارها في الكويت فإن القانون الكويتي هو الذي يسرى دون قانون الشخص الأجنبي الذي يدعي نقص أهليته وفق قانون جنسيته " إذا كان نقص أهليته يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبينه". ومن أسباب إخفاء كون سن الأهلية الذي يحدده قانون جنسية الشخص منا لم يجر العمل في التشريعات المختلفة على تحديده كالقانون المكسيكي الذي يحدد سن الأهلية بخمس وعشرين سنة.
ولم يحدد قانون المرافعات الكويتي في باب التحكيم قانونا معينا م الأهلية في التحكيم اعتمادا على هذه القاعدة العامة الواردة في القانون رقم 5 لسنة 1941.
فالشرط الذي اشترطه المشرع في قانون المرافعات فيما يتعل بالأهلية هو ما أوردته المادة ۱۷۳ بقولها:
لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز الصلح فيها، ود يصح التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف في الحق محل النزاع ".
ويرجع في تحديد أهلية الشخص لقبول الإحالة على التحكيم وفقا لهذا النص إلى قانون جنسيته تطبيقاً لقاعدة الإسناد العامة المشار إليها أعلاه. فقانون جنسية الشخص هو الذي يحدد فيما إذا كان هذا الشخص أهلاً لإحالة النزاع على التحكيم أو أنه أهل للتصرف في الملحق محل النزاع.
ولم يورد المشرع الكويتي قيداً على أهلية الأطراف في إحالة منازعاتهم على التحكيم سوى ما ورد في هذا النص من عدم جواز إحالة المسائل التي لا يجوز الصلح فيها على التحكيم.
أما اتفاقية نيويورك فلم تورد قواعد موضوعية مباشرة في هذا الصدد. وما ورد فيها عن الأهلية هو مجرد إشارة غير مباشرة في الفقرة ۱/ أمن المادة الخامسة التي تقضي بجواز رفض الاعتراف بالحكم أو تنفيذه إذا قدم الخصم الدليل على أن " أطراف الاتفاق وفقا للقانون الذي ينطبق عليهم كانوا مشوبين بنوع من نقص الأهلية "۰
فإذا كان حكم التحكيم سينفذ أو يطلب الاعتراف به في دولة مثل الكويت أو مصر أو فرنسا والتي تتبنى قانون الجنسية كقانون شخصي، فيجب تحديد توافر أهلية الشخص وفقا لقانون الجنسية. أما | إذا كان الاعتراف بالحكم سيطرح على قاض إنجليزي أو أمريكي أو كان من المتوقع تنفيذ حكم التحكيم في إنجلترا أو الولايات المتحدة فإن قانون موطن الشخص هو الذي يحدد قدرته على إبرام التحكيم من عدمه.