إذا كان التحكيم نشأ قبل قضاء الدولة، فإن التحكيم بالصلح كان أول شكل أطل لحسم المنازعات عبر التاريخ. وقد عرف الشرع الإسلامي التحكيم بالصلح من خلال الآية الكريمة التي تقول " وإن خفتم شقاق بينهما.. فابعثوا حكماً من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيرا . هي أساس التحكيم بالصلح .
والتحكيم بالصلح هو الذي لا يكون فيه المحكم مقيداً بقواعد إجراءات، ولا بقواعد قانونية تطبق على أساس النزاع ويكون بموجب بند يتنازل فيه الأطراف عن تطبيق القانون، ومن خصائصه، أن المحكم معفي من تطبيق القانون ونصوصه وقواعده ويطبق بدلاً عن ذلك قواعد العدالة والإنصاف... هذا هو أهم ركن للتحكيم بالصلح وهو الأساس الذي يميزه عن التحكيم بالقانون... ومن هنا يظهر الاختلاف بين التحكيم بالصلح وبين التحكيم بالقانون.
قوانين التحكيم محل البحث تقر بثنائية التحكيم، أي التحكيم بالقانون والتحكيم بالصلح .... فقد نصت المادة (۳/۲۸) من قانون التحكيم النموذجي على أنه لا يجوز لهيئة التحكيم الفصل في النزاع على أساس مراعاة العدالة والحسنى، أو كمحكم عادل منصف، إلا إذا أجاز لها الطرفان ذلك صراحة.
كما جاء في المادة (٤/٣٩) من قانون التحكيم المصري أنه يجوز لهيئة التحكيم – إذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويضها بالصلح - أن تفصل في موضوع النزاع على مقتضى قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بأحكام القانون.
والملاحظ أن قوانين التحكيم لم تتضمن شروطاً شكلية معينة لاتفاق الأطراف على التحكيم بالصلح، إلا أن القيد الوحيد الذي نصت عليه هذه القوانين هو وجود إرادة أكيدة من قبل الأطراف يقوض هيئة التحكيم لحل النزاع من طريق التحكيم بالصلح، ويفهم من ذلك، أنه إذا حكمت هيئة التحكيم بمقتضى قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بأحكام القانون في غياب تفويضها صراحة في ذلك تكون الهيئة قد تخطت مهمتها مما يعرض حكمها للبطلان حتى وإن بعدد الأطراف القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع.
واتفاق الأطراف على تفويض الهيئة للتحكيم بالصلح، لا يطلعها من أن تفصل في النزاع وفقاً للقانون وللعقد المبرم بين الطرفين، بشرط ألا تخالف بذلك مبادئ العدل والإنصاف " فيحق لهيئة التحكيم كلما تبين لها أن العدل والإنصاف يتحققان بتطبيق القواعد القانونية أن تطبقها دون أن يعيب ذلك حكمها " . والحكم بمقتضى العدالة والإنصاف لا يعني إطلاق الحرية لهيئة التحكيم دون قيد، إذ يجب ألا تحكم الهيئة في غير ما طلب منها، وأن تتقيد بالقواعد القانونية الأمرة وبالنظام العام الداخلي في حالة التحكيم الوطني... أما في حالة التحكيم التجاري الدولي فإن هيئة التحكيم تنقید بالنظام الدولي العام .
وحكم التحكيم الذي يصدر دون اعتبار لإرادة الأطراف وعدم احترام الإجراءات الأساسية يؤدي إلى البطلان قالت محكمة استئناف تونس إن " قرار التحكيم أصبغ على العملية التحكيمية صبغة التحكيم المصالح والحال أن الأطراف لم يسندوا إلى المحكم المعين بموجب الاتفاق صبغة المحكم المصالح.. المحكم ملزم باحترام الإجراءات الأساسية حتى لو كانت له صفة المحكم ولذلك لا يجوز اعتبار المحكم مفوضاً بالصلح إلا إذا وضحت إرادة الخصوم وضوحاً تاماً وصريحاً وكان الوضوح يرمي إلى هذا المنحى ويجب أن تفسر إرادة الخصوم بشكل حذر وعدم التوسع وذلك بقصد رعاية حقوقهم. وبعبارة أخرى لا يعد المحكم مفوضاً بالصلح إلا إذا وضحت تماماً إرادة الخصوم وانصبت إلى هذا المنحى.