الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / قواعد العدالة والإنصاف في القانون / الكتب / التحكيم التجاري الدولي في ظل القانون الكويتي والقانون المقارن / قواعد العدالة والإنصاف فى القانون (التحكيم الطليق)

  • الاسم

    د.حسنى المصري
  • تاريخ النشر

    1996-01-01
  • عدد الصفحات

    665
  • رقم الصفحة

    399

التفاصيل طباعة نسخ

قواعد العدالة والإنصاف فى القانون (التحكيم الطليق)

   يحكم وفقاً لهذه القواعد المحكم الطليق، وهو الذي يفوضه الطرفان بالصلح فلا يكون - والحال كذلك - مقيداً بالقانون ، وهو نظام تحكيمي أقرته القوانين، كما أقرته اتفاقيات وأنظمة التحكيم التجاري الدولي .

( أ ) في النظام الوطني

   ما أكده المشرع الفرنسى مرة أخرى في المادة ١٤٩٧ من قانون ١٢ مايو ۱۹۸۱ بشان التحكيم الدولي، حيث نصت على أن يفصل المحكم في النزاع ، كمحكم مصالح، إذ خوله اتفاق الطرفين هذه المهمة. ونصت المادة ۲/۱۸۲ مرافعات کویتی على أن يكون حكم المحكم على مقتضى قواعد القانون إلا إذا كان مفوضاً بالصلح فـــلا يتقيد بهذه القواعد عدا ما تعلق منها بالنظام العام ولقد بينت المادة ٤/٣٩ من قانون التحكيم المصرى القواعد التي يحكم المحكم الطليق على مقتضاها فقالت ويجوز لهيئة التحكيم إذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويضها بالصلح أن تفصل في موضوع النزاع على مقتضى قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بأحكام القانون".

   ولقد قدمنا أن المحكم الطليق، أو المصالح، يتمتع بحرية كبيرة في اختيار القانون أو قواعد القانون التي يطبقها على موضوع النزاع، وقد لا تكون هذه القواعد مستمدة من أي قانون وطني ، لأنه لا يتقيد إلا بما يراه محققاً للعدالة والإنصاف في خصوص موضوع النزاع.

( أولا) مهمة المحكم الطليق

    الأمر الذي يستدعي إعتاق الخصوم من الخضوع لقواعد هذه القوانين طالما لم ير المحكم أنها توفر حلاً عادلاً للنزاع . ومتى توصل المحكم الطليق إلى هذه النتيجة تعين عليه البحث عن الحل العادل و المنصف الذي يسعي إليه الطرفان في هذا النوع من التحكيم، ومن ثم إصدار حكمه مجسداً لهذا الحل.

     ويستقيم المفهوم الموضوعي للتحكيم الطليق مع الجانب النفسي للمتعاقدين La psychologie des contractants ، فهما يريدان العدالة في إطار القانون، ولا يهدفان من هذا التحكيم إلى خروج المحكم عن هذا الإطار، فهما ولئن أخرجا النزاع من نطاق إختصاص قضاة المحاكم الوطنية خشية من تطبيقهم للقوانين الوطنية الصارمة التي لا تعطي حلاً عادلاً للنزاع إلا أنهما لا يهدفان من ذلك إلى تجاوز المحكم الطليق وظيفته القضائية fonction juridictionnelle وفضلاً على ذلك فإن المتعاقدين لا يهدفان من التحكيم الطليق إلى قيام شخص من الغير بعمل صلح une transaction بينهما عن طريق مساعيه الحميدة bons offices ووفقاً لمفاهيمه الخاصة أو الذاتية للعدالة ، وإنما يهدفان بالعكس – إلى خضوعهما لتحكيم حقيقي veritable arbitrage ينتهي "بحكم" عادل . قائم على أسبابه. وبعبارة أخرى يسعى الطرفان ، في التحكيم الطليق إلى تطبيق "القانون" على النزاع ، ليس عمل صلح بينهما ، إلا أن هذا القانون، كما يجسده حكم التحكيم ، ليس هـو القانون بنصوصه الجامدة أو العاجزة عن إعطاء حل سديد للنزاع وإنما هو القانون الذي يجد محوره" في "العدالة" التى تتجاوز شكلية القوانين الوطنية وصرامتها ، وهي عدالة يمكن المحكم الوصول إليها بتوسيع مصادر القانون لتحقيق الحل العادل.

   وتستند هذه الحرية التى يتمتع بها المحكم الطليق إلـ إعتبارات مختلفة، منها أن يتمتع بنفس السلطات التى يستمدها الخصوم من القواعد المكملة أو المفسرة في القانون ومن ثم يملك إستبعاد هذه القواعد بغير اتفاق ومنها أن المحكم الطليق مطالب ، كالمحكم المقيد بحل جميع المشكلات التي يكون حلها بقاً لازماً للفصل في النزاع الذي يتصدى له والمشكلات التي يعتبر حلها مسألة تبعية أو مسألة .

    ولم تفرق النصوص المتقدمة فى هذا الخصوص بين التحكيم المقيد والتحكيم الطليق مما يعني التزام المحكم الطليق بالقواعد الإجرائية التي يتفق عليها الطرفان وبالقواعد الاجرائية المقررة بشأن التحكيم ويستند إلتزام المحكم الطليق بإحترام القواعد الإجرائية الإتفاقية إلى أن الشروط الإتفاقية stipulations التي يقررها الطرفان تتكامل مع اتفاق التحكيم، ومن ثم لا يجوز أن يصدر المحكم الطليق حكمه بالمخالفة لهذه الشروط وإلا كان حکمه باطلاً لتجاوزه حدود ذلك الإتفاق. ولقد أكدت ذلك محكمة النقض الفرنسية بقولها أنه " لا يجوز للمحكمين استبعاد القواعد الإجرائية المحددة في شرط التحكيم وإلا خالفوا القانون الذي تواضع عليه الطرفان بإعتباره قانونا مفروضا على المحكمين ، ومع ذلك يرى البعض أن حكم المحكم الطليق لا يتعرض للبطلان بسبب مخالفته للقواعد الاجرائية الاتفاقية ما لم يكن أحد الطرفين قد اعترض على هذه المخالفة أثناء الاجراءات  ويكون الأمر كذلك أيضا فيما لو خالف المحكم الطليق القواعد الاجرائية المقررة فى باب التحكيم . ما لم يتفق الطرفان على خلافها.

- (ثالثا) قواعد العدالة والإنصاف الواجبة التطبيق على موضوع النزاع

    إذا كان المحكم الطليق مطالب بتطبيق قواعد العدالة والانصاف فإن السؤال يثور عن مضمون هذه القواعد، فهل هي قواعد العدالة والإنصاف بمفهومها الذي كان سائدا في العصور الوسطي، أم هي شئ آخر غير ذلك؟

    لقد تمثل مضمون العدالة، في العصور الوسطي، في الافكار التي طبقتها محكمة المستشار في انجلترا علي الدعاوي التى كانت تحال إليه من الملك ويحصل الفصل فيها .

    وهذه الحرية الكبيرة التي يتمتع بها المحكم الطليق في اختيار القواعد المحققة للعدالة تجد سندها في ان اتفاق التحكم الذي يعفيه من التقيد بقواعد القانون الموضوعي لا يفرض عليه التزاماً بعدم تطبيق هذه القواعد على موضوع النزاع وانما يخوله رخصة une facult تجيز له الخيار بين تطبيقها وعدم تطبيقها حسب ما يراه محققاً للعدالة، ومن ثم قد يجد المحكم الطليق هذه العدالة في تطبيق قواعد القانون الوطني ذاته الذي كان ينطبق اصلاً فيما لو لم يتفق الطرفان على تخويله تلك الرخصة وعلى ذلك يجوز للمحكم الطليق استبعاد قواعد القانون الموضوعي التي كانت تنطبق اصلاً إذا رأي أنها تجافي العدالة كما يجوز له أن يطبق هذه القواعد ما دامت العدالة كامنة فيها بدرجة اوفر من سواها وكل الذي يهم في هذا الصدد أن يضمن المحكم الطليق حكمة الأسباب التي جعلته يعتقد بعدالة الحل الذي انتهي إليه .

    ولنا عودة أخرى إلى هذا الموضوع عند حديثنا عن التحكيم الطليق في النظام الدولي الذي يمثل الميدان الخصيب لهذا التحكيم .

 (ب) في النظام الدولي :

    أجازت اتفاقيات وأنظمة التحكيم التجاري الدولي للطرفين الاتفاق على تخويل المحكم الدولي مهمة المحكم الطليق فلقد نصت المادة ٢/٧ من الاتفاقية الأوربية للتحكيم التجاري الدولي لعام ١٩٦١ على أنه يفصل المحكمون في النزاع، كمحكمين طلقاء، إذا اتجهت الي ذلك إرادة الطرفين وكان التحكيم الطليق جائزاً وفقاً للقانون المنظم لإجراءات  ونصت المادة ٣/٤٢ من اتفاقية واشنطن لعام ١٩٦٦ بشأن تسوية منازعات الاستثمار على إعفاء محكمة التحكيم من التقيد بقواعد القانون ومباديء القانون الدولي استخدمت رخصة التحكيم الطليق بناء على اتفاق الطرفين كما نصت المادة ٤/١٣ من نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية على ان " يتمتع بسلطات المحكم الطليق إذا اتفق التحكيم متي الطرفان على تحويله هذه السلطات .

    ويظهر من هذه النصوص أنها تجيز التحكيم الطليق في النزاع بشرط وجود اتفاق بين الطرفين يخول المحكم هذه المهمة ... وبالرغم من ان النصوص لم تشترط ان يكون اتفاق التحكيم الطليق صريحاً express إلا ان هذا الشرط مفهوم ضمنياً باعتبار ان هذا النوع من التحكيم يخول للمحكم سلطات واسعة لا يتمتع بها المحكم المقيد على نحو ما رأينا، مما يستوجب أن يكون ذلك الاتفاق صريحاً لخروجه على الأصل العام والغالب في التحكيم. وحتي تقطع قواعد تحكيم لجنة الأمم المتحدة دابر أي خلاف حول الشرط المذكور فأنها قد ذكرته صراحة فيما نصت عليه المادة ۲/۳۳ بقولها بان "لا يفصل المحكم في النزاع، كمحكم طليق ، الا إذا رخص له الطرفان ذلك صراحة وبشرط جواز ذلك في القانون المطبق على إجراءات التحكيم (۳) كذلك أكدت المادة ٣/٢٨ من القانون  النموذجي للتحكيم التجاري الدولي شرط الاتفاق الصريح على التحكيم الطليق بقولها بان " لا تفصل محكمة التحكيم في النزاع على مقتضي التحكيم الطليق إلا إذا اجاز الطرفان ذلك صراحة "

    ولا تختلف شروط التحكيم الطليق الأخري عن شروط التحكيم الطليق في النظام الداخلي وهي ، فضلا على وجود الاتفاق الصريح، تقيد المحكم الدولي بحدود النزاع المعروض عليه، واحترام المبادئ الأساسية الموجهة لخصومة التحكيم، ومراعاة قواعد النظام العام في الدولة التي يطلب إليها تنفيذ حكم التحكم فيها تستوي في ذلك القواعد الإجرائية أو القواعد الموضوعية المتعلقة بالنظام العام، وإلا تعرض حكم المحكم الدولي للبطلان أو لعدم تنفيذه في اقليم تلك الدولة. كذلك لا تختلف مهمة المحكم الدولي عن مهمة المحكم الطليق في النظام الوطني، إلا وهي الحكم على مقتضي قواعد العدالة والانصاف باعتبار ذلك الهدف النهائي من التحكيم الطليق .

نطاق التحكيم الطليق الدولي:

   ولقد لاحظت الأمانة العامة للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي UNCITRAT أن التحكيم الطليق "غير معروف وغير مستخدم في الوقت الراهن، في جميع النظم القانونية الوطنية، كما لا يوجد فهم موحد بشأن النطاق الدقيق لسلطة محكمة التحكيم التي تحكم على مقتضاه (1) " . وقد يرجع ذلك إلى الشكوك التي أثارها البعض حول وجود ما يسمي بالعقد الطليق Contract sans loi الذي يفترض قدرة طرفيه على استبعد إخضاعه لأي قانون وطني .

قواعد العدالة التي يطبقها المحكم الطليق الدولي :

    نصوص يستمد المحكم الطليق الدولي قواعد العدالة من مصادر مختلفة ومتنوعة تتراوح بين عادات و أعراف التجارة الدولية والمبادئ العامة المشتركة في القانون فضلاً على القوانين الوطنية ذاتها سواء تلك التي تنطبق أصلاً علي النزاع فيما لو لم يتفق علي التحكيم الطليق أو تلك التي يراها المحكم الطليق أكثر عدالة أو ملاصة لحل النزاع الأمر الذي يفرض عليه إتباع طريقة تجريبية أو قياسية لتحديد القواعد التي يراها كذلك و قد تهديه هذه الطريقة إلى تطبيق عادات وأعراف التجارة الدولية أو تطبيق الشروط العقدية الموضوعية أو تطبيق أي قواعد يستمدها من مصدر أخر متي رآها محققة للعدالة .

(۱) عادات وأعراف التجارة الدولية :

   يعتقد البعض أن التحكيم الطليق هو الذي ينتهي بحكم تحكيم طليق إلا من عادات و أعراف التجارة الدولية وان هذه العادات والأعراف تكون بمثابة قانون اختصاص ter lex بالنسبة للمحكم وهذا الرأي قد يدفع إلى الاعتقاد بأنه لا يجوز للمحكم الطليق أن يستمد قواعد العدالة من مصدر آخر سوى عادات وأعراف التجارة الدولية التي تعتبر على حد تعبير البعض " بمثابة قواعد معيارية عامة mammes generals من خلق الجماعات المستقلة وليست من لدن جهاز تشريعي الدولة ما  أو بمثابة قانون جديد للشعوب Nouveau jus gentium يعلو بالضرورة فوق الدول "apra-national الو بمثابة بعث جديد لقانون التجارة الدولية القديم lex mercatoria  بيد أن هذا الرأي ولئن كان يبرز أهمية و أصالة عادات و أعراف التجارة الدولية في مجال التحكيم الطليق إلا انه لا يصح القول بان هذه العادات و الأعراف الدولية تمثل المصدر الوحيد لقواعد العدالة التي يطبقها المحكم الطليق إذ يجوز له أن يستمد القواعد التي يراها عادلة من مصادر أخرى متعددة ومتنوعة كما قدمنا كما أن استهداف المحكم للعدالة قد يجعله - بالعكس - ينأى بعيد عن عادات وأعراف التجارة الدولية فلا يطبقها إذا رأي أنها تجافي العدالة المنشودة وذلك فضلا على أن تطبيق هذه العادات والأعراف ليس حكرا على المحكم الطابق الدولي أو الوطني ، إذ قد يطبقها أيضا المحكم غير الطليق سواء بسبب اختيارها من جانب الطرفين أو بسبب اعتبارها القانون الواجب التطبيق على انتزاع بحسب قواعد الإسناد أو بحسب الطبيعة التجارية الدولية المعاملة مثار النزاع. وتتفق القوانين الوطنية مع اتفاقيات وأنظمة التحكيم التجاري الدولي على إلزام المحكم بمراعاة عادات وأعراف التجارة الدولية ، سواء كان المحكم طليقا أو غير طليق .

فالمادة ٣/٣٩ من قانون التحكيم المصري تنص على أنه يجب أن تراعي هيئة التحكيم - عند الفصل في موضوع النزاع - ... الأعراف الجارية في نوع المعاملة . و قد ورد هذا النص قبل الفقرة ٤ من نفس المادة التي تجيز الاتفاق على التحكيم الطليق ، و مما يعني أن مراعاة هذه الأعراف ليس حكرا على المحكم الطليق ، حيث يجب على المحكم غير الطليق مراعاتها عند الفصل في النزاع كذلك نصت المادة ٢/١٤٩٦ مرافعات فرنسي المضافة بقانون ۱۲ مايو ۱۹۸۱ بشأن التحكيم الدولي على أن تراعى المحكم، في جميع الأحوال ، العادات التجارية الجارية وذلك قبل نص المادة ١٤٩٧ من نفس القانون التي تتكلم عن التحكيم الطليق تماما كما هو الوضع في القانون المصري المذكور .

    وعلى غرار نص المادة ۳/۳۹ من قانون التحكيم المصري والمادة ١٤٩٦ مرافعات فرنسي نصت المادة ١/٧ من الاتفاقية الأوروبية لعام ١٩٦١ بشأن التحكيم التجاري الدولي على أن يراعى المحكمون .... العادات التجارية الجارية ، وذلك قبل الفقرة الثانية من نفس المادة ، التي تتكلم عن التحكيم الطليق . ولقد أكدت أنظمة التحكيم التجاري الدولي التزام المحكم، سواء كان طليقا أو غير طليق، بمراعاة عادات و اعراف التجارة الدولية في جميع الأحوال، من ذلك ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة ١٣ من نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية - التي تتكلم عن مهمة المحكم طليقا كان أو غير طليق - من أن يراعى المحكم ، في جميع الأحوال ، العادات التجارية الجارية  كما نصت الفقرة الثالثة والأخيرة من المادة ٣٣ من قواعد تحكيم لجنة الأمم المتحدة على أن تأخذ محكمة التحكيم في اعتبارها ، في جميع الأحوال العادات التجارية الجارية في نوع المعاملة  مثار النزاع ، وهو نفس النص المذكور حرفيا في الفقرة الرابعة والأخيرة من المادة ۲۸ من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي .

- الشروط العقدية وفكرة توازن العقد :

   قد يتضمن العقد منار النزاع شروطا stipulations du contrat معينة فيثور السؤال عما إذا كان يجب على المحكم الطليق التقيد بهذه الشروط في بحثه عن العدالة أم يجوز له إهمالها أو تعديلها بالنحو الذي يحقق العدالة؟

   وبالرجوع إلى اتفاقيات وأنظمة التحكيم التجاري الدولي نجد بعضها يعرض لهذه المسألة. من ذلك نص المادة ١/٧ من الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجاري الدولي التي تقول يراعى المحكمون في الحالتين شروط العقد. كما تضمنت المادة ٥/١٣ نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية نفس النص. ونصت المادة ٣/٣٣ من قواعد تحكيم لجنة القانون التجاري الدولي للأمم المتحدة على أنه في جميع الأحوال تفصل محكمة التحكيم في النزاع طبقا لعبارات العقد..... ، وهو نفس النص الحرفي للمادة ٤/٢٨ من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي.

   ويبين من جماع هذه النصوص أنه يجب على المحكم، سواء كان طليقاً أو غير طليق، مراعاة شروط العقد مثار النزاع تماماً كما يجب عليه مراعاة عادات وأعراف التجارة الدولية. ولقد قدمنا أن التزام المحكم الطليق بمراعاة شرط أو قاعدة معينة شيء والتزامه بتطبيقها شيء آخر  إذ قد تضطره غاية الوصول إلى العدالة إلى التضحية بشرط أو أكثر من شروط العقد متى رأي أنه يتعارض مع العدالة أو إلى تعديله الذي يحقق العدالة عن طريق تحقيق توازن العقد Equilibre du Contrat.

- وعلى هذا الأساس أبرمت شركة Marine-Firminy & Schneider اتفاقا على إنشاء شركة مساهمة جديدة بطريق المزج بين بعض الشركات الوليدة التابعة لهما ، وبحيث يصبح الشركتين المذكورتين أغانية الأصوات في شركة المساهمة الجديدة التي تعرف باسم Grest Loire وبغرض ضمان المساواة التامة Strictie caline بیسن الشركتين المشار إليهما في مباشرة الرقابة على الشركة الجديدة قدما مناصفة إلى شركة قابضة تعرف باسم Holding Marine Sohender اسهما تمثل مر٥٠% من رأس مال الشركة الجديدة، ولضمان استمرار المساواة التامة بين الشركتين الأصلبنين أثناء حياة الشركة الجديدة تضمن الاتفاق الأصلي شرطا لا يجوز بمقتضاه لأي منهما اكتساب اسهم أخرى في الشركة الجديدة حتى لا تنفرد بالسيطرة عليها ، كما تضمن نفس الاتفاق شرط إخضاع المنازعات التي تنشأ بينهما في هذا الشأن للتحكيم الطابق الذي يتولاه محكم يعين بموافقتهما المشتركة لمدة خمس سنوات، وعندما ثار النزاع بين الطرفين حول سلطات المحكم الطليق قضت محكمة باريس الابتدائية بأنه يجب على المحكم أن يستلهم الروح التي سادت إبرام الاتفاق الأصلي ، كما يجب عليه باعتباره محكما طليقا أن يفصل في النزاع وفقا لاعتبارات العدالة .

   كذلك قضى بصحة حكم المحكم الطليق عندما لم يعند بشرط وارد في عقد إنتاج فيلم سينمائي يخول للمنتج الحق في الحصول على نسبة من إيرادات الفيلم حيث رأي المحكم استبعاد هذا الشرط بسبب فشل توزيع الفيلم على غير المتوقع لكي يعيد للعقد توازنه تحقيقا للعدالة  ، وهو حل لم يكن يؤدى إليه التطبيق الخالص للصوص العقد ، حيث لا يلتزم المحكم الطليق بتطبيقها تطبيقا آليا .

    مع ذلك فان هذا الاتجاه ، الذي يعتد بالدور المخفف role moderateur الذي يؤديه المحكم الطليق في مواجهة صرامة شروط العقد لا يسلم من سهام النقد ، لأنه يتنكر لمبدأ القوة الملزمة للعقد، ويهدر مبدأ سلطان الإرادة، بل قد يؤدي إلى تغيير مضمون العقد تغييرا كنياً يجعل منه عقداً آخر مغايرا للعقد الأصلي مثار النزاع، لذا ناهضت محكمة النقض الفرنسية هذا الاتجاه في بعض أحكامها . وليس من شك في أن هذا النقد يكون صائباً بمقدار ما يكون فيه حكم المحكم الطليق مخالفاً لإرادة فإن ذلك النقد يفقد ما يبرره، ولعل ذلك ما دفع لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي إلى القول بأنه يحسن بالطرفين أن يدرجا في اتفاق التحكيم الملليق شروطاً إيضاحية تجعل مهمة المحكم الطليق أكثر وضوحا وتحديداً بموجب ذلك الاتفاق ذاته  بيد أن جانبا من الفقه قد حاول أن يجد أساسا قانونيا لسلطة المحكم الطليق في التخفيف من صرامة شروط العقد وإعادة توازنه فقال بأن هذه السلطة pouvoir de moderation تعد نتيجة مباشرة لتخلي الطرفين بموجب اتفاق التحكيم الطليق عن حقهما في التمسك بالتطبيق الحرفي application stricter من حقوقهما الناشئة من التزاماتهما العقديه ذلك أنه بموجب هذا الاتفاق لا يتخلى الطرفان عن اخضاع النزاع لأحكام القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع فقط بل يتخليان أيضا عن إخضاعه للشروط العقدية ذاتها، وهى شروط تبدو كقانون مكمل une to suppletire بالنسبه للقاضي ومن ثم يجوز للمحكم الطليق اتسبعادها حيث يقوم بوظيفة قضائية، كقاضي الدولة سواء بسواء ، وهي وظيفة الفصل في نزاع  .وبالتالي لا يجوز إيصال حكم التحكيم الطليق الذي تضمن هذه التحريف بدعوى في لفته للنظام العام، بل إنه لما كان اتفاق التحكيم الطليق يعني ضمنيا تحويل المحكم الطليق سلطة تخفيف صرامة العقد بتعديل أو استبعاد شروطه التي أصبحت جائزة وغير عادلة بفعل الظروف الاقتصادية غير المتوقعة فإن عدم مباشرته لهذه السلطة للوصول إلى حل عادل للطرفين بإعادة التوازن الأصلي لعقدهما يعتبر من جانب.