سلطة هيئة التحكيم بالفصل طبقا لقواعد العمل و الإنصاف عن تفويضها بالصلح .
حيث إن التحكيم بالصلح يعتبر استثناء عن الأصل، لذلك يجب النص عليه صراحة في اتفاق التحكيم، ومفاد النص أن يعمل المحكم فكره لمحاولة التقريب بين مصلحة الطرفين عند بحث كيفية الفصل في النزاع المطروح .
والتحكيم بالصلح يعطي للمحكم الحق في محاولة التقريب بين الطرفين أو الوصول إلي حل وسط ، ومن هنا يوصف حكم التحكيم بالصلح بأنه بحل النزاع أكثر مما يحسمه. ومن ناحية أخري ، فإنه من المحظور علي المحكم بالصلح أن يخالف النظام العام أو القواعد الآمرة أثناء قيامه بحل النزاع ، بحجة تحلله من القواعد القانونية الموضوعية ، كذلك فإن المحكم بالصلح يظل متقيداً بموضوع النزاع المعروض عليه ولا يخرج عنه و إلا عرض حكمه للإبطال.
وقد قضت محكمة النقض المصرية في حكم لها أن التحكيم بالصلح يقوم على تقويض أشخاص ليست لهم ولاية القضاء في أن يقضوا بينهما أويحسموا النزاع بحكم أو يصلح يقبلان شروطه ، فرضاء طرفي الخصومة هو أساس التحكيم ، و كما يجوز لهما الصلح دون وساطة أحد فإنه يجوز لهما تفويض غيرهما في إجراء هذا الصلح أو في الحكم في النزاع يستوي في ذلك أن يكون المحكمون في مصر و أن يجري التحكيم فيها أو أن يكونوا موجودين في الخارج و يصدر حكمهم هناك فإرادة الخصوم هي التي تخلق التحكيم بطريق استثنائي لفض المنازعات و قد أقر المشرع جواز الاتفاق عليه ولو تم في الخارج دون أن يمس ذلك النظام العام .
- و نستطيع أن نخلص إلى حقيقة التحكيم بالصلح ، بأنه تحكيم يعبر عن إرادة كلا طرفي النزاع في التعاون الصادق والمشترك فيما بينهم ، وأنهما علي استعداد علي التخلي عن جانب من حقوقهم لتسهيل التعاون للوصول إلي أفضل النتائج بالنسبة للأطراف.
والمحكم طبقا لنص الفقرة الرابعة من المادة ۳۹ يستطيع أن يفصل في موضوع النزاع وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف وهو ذات المعني الذي أتت به المادة ۱۷ من نظام غرفة التجارة الدولية بباريس.
ونحن نري بجانب هذا المعيار الشخصي ، أن تطبيق قواعد العدالة والإنصاف يمكن تحديدها من خلال المعيار الموضوعي أيضا ، وهو أن يفصل المحكم في النزاع بما يراه عدلاً ويراه الأطراف والغير أيضا محققاً هذه الصفة ، و الدليل على وجود هذا المعيار الموضوعي ، هو جواز قيام أحد الأطراف في الطعن في الحكم لعدم تطبيقه لقواعد العدالة والإنصاف ، ويقبل القاضي الوطني منه هذا الطعن باختبار هذا المعيار الموضوعي علي حكم التحكيم ، لبيان مدى مخالفته لهذه القواعد من عدمه .
أما كلمة الإنصاف المنوه عنها في النص، فهي كلمة فضفاضة، تحمل معنى أوسع من كلمة العدالة، فمن العدالة أن يقتص القاضي من الجاني إذا ثبت لديه يقينا أنه مرتكب الفعل الإجرامي فيصير حكمه بتوقيع أقصي العقوبة عليه حكماً عادلاً لا معول عليه، أما تلك الرحمة التي ترق وتدق في قلب القاضي مما يجعله يخشع إلي التخفيف عن كاهل هذا الجاني رحمة بظروفه التي دفعته إلى هذا الجرم فإن هذا هو الإنصاف الذي نتحدث عنه، وهو ذات الأمر بالنسبة لتناول المحكم لموضوعات التحكيم المختلفة، فيستطيع أن يستعمل العدالة في تطبيق شروط العقد وفقاً لما اتفق عليه الأطراف دون ميل أو هوى، ولكن تأتي فكرة الإنصاف فتخفف من وطأة العدالة وتستأذن ضمير الطرف الأخر في التخفيف من بنود العقد للوصول إلى حل يمكن من خلاله الطرف الأخر أن يوفي بالتزاماته .
على أنه يتعين التنبيه دائماً، أنه على المحكم أن يضع قانون بلد التنفيذ نصب عينيه، وألا يقضي بقواعد العدالة و الإنصاف متجاهلاً القواعد الآمرة من النظام العام المنصوص عليها في هذا القانون، و أن يتعامل مع قواعد العدالة و الإنصاف من خلال القواعد المقررة في هذا القانون دون الآمرة.