رأينا أن النص في القوانين الوطنية واتفاقيات وأنظمة التحكيم التجاري الدولي على حرية الطرفين في اختيار قواعد القانون Regles de droit التي تطبق على موضوع النزاع يسمح للمحكم - عند البعض بتطبيق قواعد غير مستمدة من قانون وطني محدد وإنما مستمدة من المبادئ العامة في القانون" Principes generaux de droit فضلاً علي عادات وأعراف التجارة الدولية وغالباً ما يثور الحديث عن تطبيق تلك علي المبادئ في المنازعات المطروحة على التحكيم الدولي بل وألمحت إلى تطبيقها صراحة في هذه المنازعات بعض الاتفاقيات الدولية، كاتفاقية واشنطن لعام ١٩٦٦ بشأن تسوية منازعات الاستثمار، حيث نصت المادة ٤٢ على أنه إذا لم يوجد اتفاق بين الطرفين على قواعد القانون التي يطبقها على موضوع النزاع ، وجب على محكمة التحكيم أن تطبق قانون الدولة المتعاقدة الطرف في النزاع بما يشمله من قواعد تنازع القوانين فضلاً على مبادئ القانون الدولي Principes de droit international في خصوص المنازعة" . كما أشارت إلى مبادئ القانون الدولي المادة ۳۸ من نظام المحكمة الدولية للعدل في إطار الجماعة الأوروبية ، وذكرت أمثلة لهذه المبادئ ، كمبدأ القوة الملزمة للعقود، ومبدأ احترام الحقوق المكتسبة والمبادئ المتعلقة بانقضاء الالتزامات فضلاً علي حجية الشـئ المقضي.
وتتصف عقود الدولة، خاصة العقود البترولية والعقود المتعلقة باستغلال الثروات الطبيعية بحساسية شديدة ترجع بداهة إلى مبدأ سيادة الدولة ، وذلك بعكس عقود التجارة التقليدية، حيث تقع على أعمال تجارية مألوفة كالعقود الصناعية وعقود الإنتاج وعقود التوزيع، وهي عقود أحياناً ما تحيل المحكم إلى " المبادئ العامة في القانون" بينما تحيله أحيانا أخرى إلى العادات المهنية Professionnels السائدة في أوساط مهنة معينة أو إلى قانون وطني معين.
وقد ظهر تفسيران لإشارة الأطراف، في عقودهم إلى "المبادئ العامة في القانون" التفسير الأول تبناه المحكمون الدوليون في تحكيم الحالات الخاصة ad hoc ، بينما تبنت التفسير الآخر مؤسسات التحكيم الدائمة permanantes و هما تفسيران يختلفان باختلاف كيفية صياغة الإشارة إلى تلك المبادئ ويتعلق التفسير الأول ببيان المقصود" بالمبادئ العامة في القانون" عندما يشار إليها إلى جانب الإشارة إلى تطبيق القانون الوطني" و " مبادئ القانون الدولي"، وهو الحال في الماد ۲۸ منعقد الامتياز البترولي بين الحكومة الليبية والشركتين والبتروليتين الأمريكيتين Texaco-Calasiatic ، حيث نصت على أن يخضع هذا العقد لمبادئ القانون الليبي" و" مبادئ القانون الدولي" و " المبادئ العامة في القانون . فوفقا لهذا التفسير يستخلص من ترتيب مصادر القانون الواجب التطبيق، كما هي مبينة على النحو المذكور، أن إرادة الطرفين قد اتجهت إلي استبعاد تطبيق القانون الوطني (القانون الليبي وتدويل internationalization القانون الواجب التطبيق بحيث يصبح النزاع الناشئ عن هذا العقد خاضعاً " للقانون الدولي العام" بما يتضمنه من مبادئ عامة، كالمبادئ التي أشارت إليها المادة ٣٨ من نظام محكمة العدل الدولية، كمبدأ القوة الملزمة للعقد ومبدأ احترام الحقوق المكتسبة ومبدأ حجية الشئ المقضي. وللوصول إلى هذه الفكرة لجا المحكم، في النزاع الناشئ بين الحكومة الليبية والشركتين الأمريكيتين المذكورتين، إلى حيلة قانونية بارعة هي أنه قد اتخذ من الأسلوب التدرجي l'order hierachique المصادر القانون الثلاثة المشار إليها أساساً للقول بأنه يتعين عند تعارض القانون الليبي مع مبادئ القانون الدولي تدويل القانون الواجب التطبيق نظراً لسمو القانون الدولي على القانون الوطني من جهة ونظراً لأن "تدويل" هذا النزاع بإخضاعه للتحكيم الدولي يستتبع تدويل " القانون الواجب التطبيق عليه من جهة ثانية خصوصاً وأن تكييف العقد على أنه من عقود "التنمية الاقتصادية "developmenteconomique يقتضي إخضاعه لنظام قانوني خاص unrgime special من جهة ثالثة - وهكذا يستفاد من إشارة الأطراف إلى المبادئ العامة" في القانون"، على النحو المذكور، وهم بصــــــد الاتفاق على القانون الواجب التطبيق ، أنهم يشيرون إليها كوسيلة إرادية لتحديد هذا القانون وربط النزاع بالقانون الدولي العام بمفهومه لدى محكمة العدل الدولية ولقد أرينا آنفاً أن المحكم في هذه القضية قد استطاع ، بهذا التفسير ، استبعاد تطبيق القانون الوطني الليبــى بحسبان أنه يتضمن قواعد تتعارض مع مبادئ القانون الدولي كمبدأ الحقوق المكتسبة .
أما التفسير الثاني فقد تبنته محكمة التحكيم الدائمة لمركز تحكيم تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة ورعايا الدول الأعضاء في اتفاقية واشنطن لعــــام ١٩٦٦ ، وهو تفسير مخالف لذلك الذي يأخذ به المحكمون في تحكيم الحالات الخاص الذي ضربنا مثالا له بالتحكيم في نزاع الحكومة الليبية مع الشركتين الأمريكيتين سالفتي الذكر . فلقد نصت المادة ٤٢ من الاتفاقية المذكورة على أنه عند عدم الاتفاق بين الطرفين على القانون الواجب التطبيق يجب على محكمة التحكيم تطبيق قانون الدولة الطرف في النزاع ... وكذلك مبادئ القانون الدولي في خصوص النزاع . وبدهي أن مشكلة تفسير المحكم الدولي لإرادة الطرفين عند البحث عن القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع قد تثور، مثلما ثارت في قضية الحكومة الليبية المشار إليها . إذا كان هناك اتفاق مشابه بين إحدى الدول المضيفة للاستثمار وأحد رعايا الدول الأعضاء في اتفاقية واشنطن المذكورة، وذلك بعكس ما لو خلا عقد الاستثمار المبرم بينهما من مثل هذا الاتفاق ، حيث يجب على محكمة التحكيم في الحالة الأخيرة، احترام نص المادة ٤٢ من الاتفاقية فيما قضت به من تطبيق قانون الدولة المتعاقدة و مبادئ القانون الدولي" على موضوع النزاع الناشئ عن ذلك العقد.
بيد أن تطبيق هذه المادة يثير السؤال عن المراد بمبادئ القانون الدولي " وعن الدور الذي تلعبه هذه المبادئ في علاقتها بالقانون الوطني للدولة المضيفة للاستثمار ؟
وذهب رأي أول إلى أنه يقصد بمبادئ القانون الدولي في خصوص النزاع المشار إليها في المادة ٤٢ المذكورة مبادئ القانون الدولي العام التي تطبقها محكمة التحكيم الدائمة للمركز على منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة والمستثمرين من رعايا الدول الأعضاء في الاتفاقية وقد استند هذا الرأي على بعض أحكام التحكيم الدولي في منازعات الاستثمار التي قررت أن اتفاقية واشنطن المبرمة في هذا الخصوص تمثل خطوة هامة une etape importante في تقدم علاقة الدول الأطراف بالأشخاص الخاصة اجنبية ، وذلك من جهتين: فمن جهة قبلت الدول المضيفة للاستثمار التخلـ عن اللجوء إلى قضائها الوطني وقانونها الوطني بارتضائها الخضوع لتحكيم مركز تسوية منازعات الاستثمار، ومن جهة أخرى قبلت الدول التي يتبعها المستثمرون الأجانب التخلي عن مباشرة حمايتهم الدبلوماسية protection diplomatique وعن رقابتها علي الأحكام الصادرة في منازعات الاستثمار، ومن ثم يترتب على تعارض القانون الدولي العـــام والقانون الوطني إفساح المجال لإخضاع عقود استثمار الدولة للقانون الوطني العام Droit international public) ويحصل هذا التعارض خصوصاً في حالة تأميم المشروعات المنشأة برؤوس أموال أجنبية وتقدير التعويضات المستحقة لأصحابها وطريقة حسابها .
ولـو أدى ذلك إلى استبعاد تطبيق القانون الوطني للدولة المضيفة للاستثمار طالما لم يتضمن القواعد التي تناسب الطبيعة الدولية لهذه العقود.
والطائفة الثانية للمبادئ العامة في القانون فهي التى تمثل في مجموعها النظام العام عبر الدولي بما يتضمنه من مبادئ أساسية principes fondamentals لا يجوز للمحكم الدولي وهو ينظر موضوع النزاع تجاوزها أو الإفتئات عليها وإلا كان جزاء مخالفة ذلك بطلان الحكم وبالتالي فإن اشتمال العقد على الإشارة إلى "المبادئ العامة في القانون "لا يعنى أن الطرفين قد إستعملا هذه الإشارة كوسيلة لتحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع مما قد يثير السؤال عما إذا كان يقصد بهذه المبادئ القواعد التي يقررها القانون الدولي العام أو عادات وأعراف التجارة الدولية أو القانون الدولي للعقود الدولية أو قانون التجارة الدولية بمفهومه الجديد وإنما يعنى أن المحكم الدولي يجب أن يبحث عن تلك المبادئ الأساسية التى تتعلق بالنظام العام عبر الدولي كمبادئ موضعية يجب عليه مراعاتها فيما يصدره من أحكام.
ففي مجال عقود الوساطة كعقود الوكالة بالعمولة والسمسرة ووكالة العقود والتوزيع الدولية عرضت بعض المنازعات الناشئة عنها للتحكيم التجاري الدولي لا سيما بشأن العمولات المستحقة للوسطاء المحليين قبل المشروعات الصناعية والتجارية الأجنبية فلجأ المحكمون الدوليون إلى أفكار مختلفة للقول بوجود" مبادئ عامة دولية" تحول دون الاعتراف لهؤلاء الوسطاء بشرعية العمولات التي يطالبون بها . من هذه الأفكار مثلاً أن عدم نجاح الوسيط في قيامه بمهمته بسبب عدم بذله النشاط الكافي لإنجاح المشروع الأجنبي ومطالباته بعمولات ضخمة بالرغم من ذلك بتنافي مع الأخلاق التجارية " L'erhique commerciale و إن إلزام المشروع الأجنبي بهذه العمولات يعرقل التقدم الصناعي الدولي" وأن العقود الدولية لمبدأ عام في القانون "un principe general de droit معترف به من الأمم المتمدينة nations civilisees هو أن العقود التى تخرق قاعدة من قواعد حسن الآداب les bonnes moeurs أو تفتئت على النظام العام الدولي لا تعتبر عقوداً صحيحة أو لا تستأهل على أقل تقدير - أن تحظي بالتنفيذ الجبرى.
فقد عرض هذا النزاع على التحكيم الدولي بطلب من تلك المجموعة والتى كانت تزمع إنشاء مشروع سياحي عالمي على هذه الهضبة مما يستلزم نقل ملكية أو حيازة المناطق المخصصة للمشروع إلى المجموعة المذكورة ، وهو الأمر الذي رفضته الحكومة المصرية، برغم العقد الموقع بين الجانبين، إذ تبينت أن إنشاء المشروع على هضبة الأهرام يلحق ضرراً بليغاً بآثارها التاريخية باعتبارها أموالا ثقافية Biens Culturels تمثل تراثاً مشتركاً Patrimoine commun للإنسانية كلها I'humanite مما كان يتعين معه علي المحكم الاختيار بين تطبيق مبدأ "القوة الملزمة للعقود" وتطبيق مبدأ حماية هذا التراث الإنساني المشترك باعتباره متعلقاً بالنظام العام الدولي الثقافي أو الإنساني وهما مبدأن ينتميان معاً إلى طائفة مبادئ قانون التجارة الدولية. وعلى الرغم من ذلك صدر حكم التحكيم الدولي مستندا إلى المبدأ الأول فألزم الحكومة المصرية بالتعويض عن إخلالها بالتزاماتها العقدية واهدر تماماً المبدأ الآخر، ومن ثم لم ينجح هذا الحكم في حسم النزاع ، حيث طعنت عليه الحكومة المصرية بالبطلان أمام محكمة استئناف باريس التي قضت بإبطاله بحكم أيدته محكمة النقض الفرنسية هذا ولئن تمثل السبب الأساسي للبطلان - أمام المحكمتين - في عدم وجود اتفاق تحكيم بين الطرفين.
وأياً ما كان الأمر فإنه ولئن عرف المحكمون الدوليون فكرة المبادئ الأساسية notion de principes fondamentals التي تحمي النظام العام عبر الدولي إلا أن إعمالهم لهذه المبادئ لم يكن إلا في أضيق الحدود، وهو ما يرجع إلى أن الحماية الكاملة لذلك النظام يحتاج إلى مبادئ أساسية عديدة. Nombreux وفاعلة operationnels) بما يجب أن يتوافر لها من مضامين محددة تحظي بالقبول العام من المجتمع الدولي للتجار بمختلف أفراده من الأشخاص الخاصة والدول المتقدمة والأقل تقدماً على حد سواء.
-أما الطائفة الثالثة للمبادئ العامة في القانون فهى تلك التي يتكفل المحكمون الدوليون بوضعها أو تكوينها لملء الفراغ القانوني لبعض جوانب التجارة الدولية التي لا يوجد بشأنها اتفاق بين الطرفين أو قاعدة تشريعية أو عرفية أو عادة تجارية جارية أو مبدأ معروف من المبادئ الأساسية للتجارة الدولية.
وهكذا نرى أنه بينما يذهب البعض إلى وجود واجب الإعلام كمبدأ عام من مبادئ القانون فإن البعض الآخر يعترف ولو بطريقة ضمنية بعدم وجوده بإعتباره كذلك حيث يعتبره تطبيقاً لمبدأ آخر من المبادئ العامة في القانون و هو مبدأ "حسن النية" ، الأمر الذي يشكك في سلامة إعتبار "واجب" "الإعلام" مبدأ عاماً متمتعاً بصفة العمومية والتجريد واضطراد التطبيق كما يشكك في مضمونه ونطاق تطبيقه مما يجعله عاجزاً عن تحقيق العدالة والوصول إلى حلول متماثلة في النزعة المشابهة. وتتأكد هذه الملاحظة من اختلاف الحلول التي توصل إليها المحكمون الدوليون بشأن واجب الإعلام عن الحل الذي تبناه الحكم الصادر في نزاع حكومة الكاميرون المقضي ببطلانه .