اجراءات خصومة التحكيم / العقد والأعراف التجارية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / تطبيق المحكم الدولي لعادات وأعراف التجارة الدولية / الإلزامية ومدي توافرها واهميتها لإضفاء صفة القانون على عادات وأعراف التجارة الدولية
الإلزامية ومدي توافرها واهميتها لإضفاء صفة القانون على عادات وأعراف التجارة الدولية
ومن الجلى أن المجتمعات الداخلية تقوم بإصدار قوانينها عبر خطوات معلومـة ومحددة ومنظمـة ومـن خـلال مؤسسات معنيـة بهذا الخصوص. فالمجالس النيابيـة المنتخبـة مـن جمـوع المواطنين هي المعنـى بهـا إصـدار التشريعات التي يحتاجها المجتمع وتصدر بمرسوم يلزم بها كافة المواطنين وتطبق عليهم حين تنالهم يد تطبيقها بعد نشرها في الجريدة الرسمية أو إتخاذ الإجراء الذي يضمن علم الكافة بها.
إذن فإنه من الواضح أننا لكي نطلق لفظ القانون أو القواعد القانونية على القواعد التي أمامنا يجب لذلك أن تتوافر فيها أهم وأكثر صفات القانون تأثيراً في المجتمع وهي صفة الإلزام.
والتساؤل الهام الذي يثور الآن في هذا الصدد هو هل توجد هذه الصفة الهامة التي من الواجب توافرها في القواعد القانونية هل توجد وتتوافر لما بقانون التجارة الدولية؟ يسمى بقانون التجارة الدولية ؟
في الحقيقـة أنـه قـد إنقسم الفقه في هذا الصدد بين مؤيد ومعارض لإضفاء الإلزامية وصفة القواعد القانونية على القواعد التي يطلق عليها قانون التجارة الدولية وكل له حججه ومبرراته وسنقوم بعرض وجهتي النظر وسئليها برأينا الشخصي في هذه المسألة.
وذلك كان عرضاً لوجهتي النظر والتي تقول إحداها بوجود ما يسمى بالقانون التجاري الدولي ووجود القوة الملزمة له والأخرى التي أقرت بعدم وجود يسمى بالقانون التجاري الدولي وأنكرت على هذه القواعد صفة القانون لعدم وجود خاصية الإلزام التي تميز القواعد القانونية عن غيرها سواء كانت عادات أو أعراف.
توثيق هذا الكاتب
في الحقيقة أن أحداً لا يمكنه أن ينكر الأهمية البالغة والدور الفعال الذي تلعبه عادات وأعراف التجارة الدولية في تنمية قضاء التحكيم الخاص بالنظر في منازعات التجارة الدولية.
نعم وبالفعل أن لهذه العادات والأعراف دوراً كبيراً في مساعدة قضاء التجارة الدولية في مواصلة تقدمه لخدمة مجتمع التجارة الدولية. وإبعاده عن الأنظمة القضائية الوطنية التي تعيق التقدم في هذا المجال نظراً للمسالب السابق عرضها.
وكما سبق أن أوضحنا فإن عادات وأعراف التجارة الدولية هي عادات من خلق الأطراف التي تقوم بإبرام الصفقات التجارية الدولية أنفسهم.. وهذا أمر جد يميزها. حيث أنها تعتبر وبحق هي القواعد الأنسب للفصل في النزاع الثائر بين طرفي العقد وذلك لعلمهم المسبق بها وحرصهم على ألا يخالفونها.
ولكن الإشكالية تثور وبحق في جزئية غاية من الأهمية ألا وهي هل يعد الإلتزام الوارد على الأطراف في إحترام مثل تلك القواعد التزاماً أدبياً أم إلتزاماً قانونياً؟
ويبدو لنا وللوهلة الأولى أن إلتزام الأطراف بعدم مخالفة تلك العادات والأعراف إلتزاماً أدبياً وليس إلتزاماً قانونياً لأنه لا وجود لنص قانوني يلزم الأطراف بتلك العادات وهذه الأعراف ويحثهم على عدم مخالفتها ويضع جزاءاً معلوماً مسبقاً لمن يخالف مثل هذه العادات والأعراف.
وفي هذا الصدد أيضاً يثور تساؤلاً أخر أكثر أهمية وأكثر تحديداً ألا وهو هل يلتزم المحكمون المعروض عليهم نزاع خاص بمعاملات التجارة الدولية بتطبيق العادات والأعراف التجارية الدولية وذلك في حالة سكوت الأطراف عن تسمية قانونهم الذي هم يريدون تطبيقه على نزاعهم؟
أيضاً وللوهلة الأولى يمكننا الإجابة على ذلك التساؤل بأنه لا إلزام مطلقاً على المحكمون في تطبيق تلك العادات والأعراف مباشرة في حالة سكوت الأطراف عن تسمية قانون نزاعهم. بل سوف يقومون بالبحث فيما يسمى بالإرادة الضمنية لأطراف النزاع عـن طـريـق مـا يسمى بالمؤشرات العامـة والمؤشرات الخاصة وما لها من مثالب قد تؤدى بالغاية التي من أجلها تقرر نظام التحكيم.
وعلى ذلك فإنه ومن الواضح أنه لا إلزام على الأطراف في المحافظة على هذه العادات والأعراف وعدم مخالفتها. وأيضاً لا إلزام على المحكمين المعروض نزاع متعلق بعلاقات وعقود التجارة الدولية في تطبيق تلك العادات والأعراف من عدمه فإن المحكم له حرية في هذا الصدد . فهل يمكن لنا بعد ذلك أن نقول أن مثل هذه العادات أصبحت قانوناً للتجارة الدولية؟ وبمعنى أخـر يمكن لنا أن نقول أن هناك قانوناً خاصاً للعلاقات التجارية الدولية؟
في الحقيقة أنه ومن وجهة نظرنا وبالرغم من وجود العديد من الإتفاقيات الدولية المتعلقة بهذا الأمر إلا أنه لا يمكننا القول صراحة بوجود مثل هذا القانون الخاص بالمعاملات التجارية الدولية.
ونعم وبحق أن هذه العادات والأعراف تشكل قواعداً تستطيع أن تقوم بالدور الذي تقوم به القواعد القانونية الداخلية للدول. فهي تستطيع أن تساعد القاضي أو المحكم في الوصول إلى حل ناجز وعادل للنزاع المطروح أمامه. وهي أيضاً تستطيع أن تنظم كافة الأمور المتعلقة بمثل هذه المعاملات لكونها وليدة رحمها. ولكـن كـل ذلـك فـي حالـة اللجوء إليها والإلتزام بها من جهة الأطراف والمحكمون.
في الحقيقة أنه فارق كبير وشتان بين كلمة أنها تستطيع أن تقوم بهذا الدور وكلمة أنها تقوم به بالفعل. فالأولى تفيد أنها تصلح لهذا الدور بالفعل ولكنها غير مفعلة. والثانية تفيد أنها مفعلة وناجزة والفارق كبير بين الأمرين.
ونرى أن شيئاً هاماً قد يغير من الأمر كثيراً عند توافره ألا وهي الإلزامية اللازمة لمثل هذه القواعد لكي يلتزم بها الأطراف والمحكمين المنظورة أمامهم منازعات تتعلق بمعاملات التجارة الدولية وذلك في حالة سكوت الأطراف عن تسمية قانونهم إعمالا لمبدأ حرية الأطراف المعمول به في نظام التحكيم.
حقاً أن قوة الإلزام هي إحدى وأهم صفات القاعدة التي يراد منها أن تنظم أمراً ما بين الأفراد فكيف تكون قاعدة منظمة ولا تكون ملزمة نعم هناك تعارضاً واضحاً بين الأمرين.
وبالنظر للتمسك بقوة الإلزام كشئ لازم وضرورى يجب تواجـده مـع العادات والأعراف التجارية كي تصبح وبالفعل قانوناً واجب التطبيق على عقود التجارة الدولية فسنجدها ستفيد وبالفعل في جميع وشتى المناحي فهي من ناحية ستعلو فوق إرادة المحكمين وتقيدهم حينما لا يحدد الأطراف لهم قانوناً يعبر عن إرادتهم الصريحة في تطبيقه على النزاع. ففي مثل هذه الحالة سيضطر المحكمين إلى تطبيـق العـادات والأعراف بإعتبارهـا قانوناً موحـداً وملزمـاً لمنازعات التجارة الدولية، ومن الناحيـة الأخـرى فـإن ذلك التوحيد للقواعـد القانونية المطبقة على النزاعات الخاصة بمعاملات التجارة الدولية من شأنه أن يبتكر ويظهر ويوحد المبادئ القانونية الصادرة من هيئات ومحاكم التحكيم الصادرة في تلك المنازعات بناء على هذه القواعد القانونية.
إن هذا التوحيد للمبادئ والقواعد القانونية من شأنه أن يصل بنا إلى إيجاد مجتمع متكامل ومنظم بحق للمعاملات والعقود التجارية الدولية.
وأيضاً إن هذا التوحيد من شأنه أن يجعل المستثمرين ومريدي التعامل في الحقل التجاري الدولي عبر نظام التحكيم أكثر إطمئناناً وسكينة لهـذا المجتمع لأنهم وببساطة شديدة سوف يمكنهم وبكل سهولة معرفة حقوقهم وواجباتهم مـن خـلال قـانونهم الموحـد الـذي يمكنهم الإطلاع عليـه وإيجـاده بسهولة.
وأخيراً وليس آخراً فإنه على كل المهتمين بهذا الشأن بذل أقصى جهد للوصول إلى الغاية المنشودة في إيجاد قانوناً موحداً وملزماً ينظم العمليات التجارية ذات الطابع الدولي وذلك من خلال إتفاقية دولية موحدة يرتضى بها كل الأطراف.