اجراءات خصومة التحكيم / العقد والأعراف التجارية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / تطبيق المحكم الدولي لعادات وأعراف التجارة الدولية / عادات وأعراف التجارة الدولية هي قواعد من خلق أطراف هذه التجارة
عادات وأعراف التجارة الدولية هي قواعد من خلق أطراف هذه التجارة
ومن البديهي أن تتعدد مصادر أو روافد هذه القواعد العرفية، بتعدد واختلاف مجالات التجارة الدولية وهي عديدة. ولعل أهم مصادر قواعد العادات والأعراف الدوليـة هـي أولاً الشروط العامة للعقود النموذجيـة أو ذات الشكل النموذجي ، حيث لا ترتبط هذه العقود في شروطها العامة بقانون دولة أو دول معينة. بل أن الغالب الأعم، هو أن أطراف هذه العقود إنما يهدفون من ورائها التخلص من الخضوع للقوانين الوطنية، لعدم ملاءمتها لضرورات الحياة الاقتصادية الدولية. ومن الملاحظ أن القواعد التي تحكم هذه العقود، لا تستمد من تشريعات دولة ما، بل ولا من معاهدات دولية، إنما تستمد من نصوص العقد ذاته، وغالباً ما تعبر هذه القواعد عن واقع مهني أو تعاوني يربط بين المتعاملين بهذه العقود.
رأينا كيف قام التجار بأنفسهم بخلق العديد والعديد من القواعد التي تواتر العمل عليها، حتى أصبحت تسمى بالعادات والأعراف الدولية والتي سميت فيما بعد بقانون التجارة الدولية أو أن خلق التجار لهذه القواعد - وتواتر العمل عليها دليل على أنها ناجحة في خلق حالة من الإستقرار والإطمئنان لدى أفراد وأطراف هذا الحقل الهام والحساس للغاية. ورأينا كيف تم إدراج مثل هذه القواعد ضمن بنود وشروط العقود الخاصة بهم حتى أصبحت هذه العقود تسمى بالعقود النموذجية أو بالعقود ذات الشروط النموذجية. وذلك من كثرة العمل بها من جانب التجار.
والواقع من الأمر أن أهمية هذه القواعد الدولية، والتي يرجع تاريخها إلى سنة ١٩٢٠ عندما عقد المؤتمر الأول لغرفة التجارة الدولية تتبدى في كونها قواعد مقننة أوجدها العمل على مهل من خلال نشاط العلاقات الاقتصادية الدولية في مجالات البيوع وهي عديدة. وتبلورت بإعتبارها تنظيماً ذاتياً للعلاقات التعاقدية من أطراف العلاقات الدولية. وتفرض عليهم تحديداً نمطياً لحقوق والتزامات كل طرف، وذلك من خلال تعريف دقيق لبعض المصطلحات التي تستعمل في البيوع الدولية.
فهؤلاء المحكمـون لـهـم دور بارز في تطوير عادات وأعراف التجارة الدولية عن طريق تفضيلهم تطبيق تلك العادات والأعراف على المنازعات المعروضة عليهم.. والهروب من المصير المجهول حال تطبيق أحد القونين الوطنية.
إذ يساعد التحكيم الدولي، عن طريق قرارات المحكمين، على بلورة هذه القواعد العرفية من ناحية، ومن ناحية أخرى ، فإن وجود مثل هذه القواعد سواء المقنن منها أو غير المقنن، يسهل العمل على المحكمين الدوليين بل أن التحكيم ربما لن يستجيب تماماً لرغبات المتعاملين في حقل التجارة الدولية إلا إذا أعطى مكاناً فسيحاً لتطبيق العادات والأعراف الدولية، وبهذا يتيح لذوى الشأن، أي أطراف المنازعة، حل نزاعاتهم طبقاً لمبادئ أكثر رحابة من تلك التي يتضمنها القانون الوضعي.
بل أن تفاعـل التحكــم مـع الـعـادات والأعراف الدوليـة ربمـا يسمح باستخلاص نظرية عامة للتحكيم، تتمتع بنوع من الأصالة والإستقلال، ليهتدى بها المحكمون الدولييون بعيداً عن سطوة أو هيمنة القوانين الوطنية.
ويكشف الواقع العملي عن إحساس المحكمين بضرورة وأهمية تطبيق الأحكام الموضوعية لقانون التجارة الدولية بوصفه القانون الطبيعي للمعاملات الجارية في هذا المجال، بل وتغليبه، أحياناً على القانون الوطني المختص. بمقتضى منهج التنازع، أي عدم التقيد بالقوانين الداخلية إلا ما إتصف منها بالطبيعة الآمرة في الدولة التي يتوقع تنفيذ حكم المحكمين فيها. بل وتتجه بعض أحكام المحكمين إلى إعتبار إختيار المتعاقدين لقانون وطني معين على المقصود به مجرد إستعمال النقص المحتمل في أحكام القانون التجاري الدولي.
إذن وبعد كل ما تقدم فقد رأينا وبما لا يدع مجالاً للشك أن عادات وأعراف التجارة الدولية هي من خلق أطراف هذه التجارة سواء كانوا أطرافاً في عقود التجارة الدولية- أم كانوا محكمين تعرض عليهم المنازعات الخاصة بعقود التجارة الدولية .
وإذا كان غالباً ما تبدو هذه القواعد، من حيث الظاهر، سواء بسبب أصل وجودها أو كيفية تطبيقها، مجرد عادات أو تطبيقات تتم تلقائياً في أوساط المهنة الواحدة، وتختلف بإختلاف السلعة، وربما الشكل، يمكن القول بأنها لا تستأهل النظر إليها على أنها "قواعد قانونية مجردة" بل قواعد ذاتية، إلا أن هذا النظر الوصفي" يتجاهل الإختلاف الكمي والنوعي بين معطيات التجارة الدولية وأطرافها وبين تلك التي تخص التجارة الداخلية. ذلك لأن القواعد والأعراف الدولية لا تحكم حالات فردية، وإنما هي كما أشار الأستاذ B. Gold man قواعد عامة ومجردة وإن كانت قواعد عرفية ونوعية، تختلف بحسب نوع السلعة المتعامل فيها وقواعد هذا التعامل، وليس على المتعاملين على هذه السلطة أو تلك إلا الإنصياع لها. وبمعنى آخر تعتبر هذه القواعد كما يلاحظ بحق هانس كلسن قواعد معيارية من خلق الجماعات المستقلة (على صعيد الحياة الاقتصادية الدولية) وليست من لدن جهاز تشريعي لدولة ما أو أنها تعتبر كما يرى البعض Fragistras بمثابة "قانون جديد للشعوب" Nouveau Tus Gentium أو قانون طبیعی جدید Modern Law of nature وهو قانون يعلو بالضرورة فوق الدول Supronational، أو هو "قانون غير وطني" Anational يجسد في الواقع- قانون التجارة الدولية القديم والمعروف باسم .Lex Meratoria (1)