اجراءات خصومة التحكيم / العقد والأعراف التجارية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في منازعات الدولة في ضوء القانون المصري للتحكيم / القواعد عبر الدولية
حيث تنص المادة ( 3/39) على أنه: "يجب أن تراع هيئة التحكيم عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة".
وتنص المادة الثانية على أنه: يكون التحكيم تجارياً في حكم هذا القانون إذا نشأ النزاع حول علاقة قانونية ذات طابع اقتصادی عقدية كانت أو غير عقدية ويشمل ذلك على سبيل المثال توريد السلع والخدمات والوكالات التجارية وعقود التشييد والخبرة الهندسية أو الفنية ومنح التراخيص الصناعية والسياحية وغيرها ونقل التكنولوجيا والاستثمار وعقود التنمية وعمليات البنوك والتأمين والنقل وعمليات تنقيب واستخراج الثروات الطبيعية وتوريد الطاقة ومد أنابيب الغاز أوالنفط وشق الطرق والأنفاق واستصلاح الأراضي الزراعية وحماية البيئة وإقامة المفاعلات النووية .
بالنظر إلى النصوص الثلاث السابقة، توضح أن المشرع قد أخضع سائر عقود للقانون الخاص واجب التطبيق في ظله على المنازعات العقدية، فقد رتب ذلك ان صارت من ثم بقوة القانون أعراف التجار متمخضة عن القانون الرئيس - الإرادة الصريحة واجب التطبيق في شأن مثل هذه العقود، وبالمخالفة من ثم لمبادئ القانون الدولي العام، ولاتفاقية واشنطن ولقواعد تنازع القوانين بل ولمشرع اليونيسترال ذاته، وهو الوضع الذي رتبه هذا الخلط المتعمد والمقصود، الذي أحدثه المشرع المصري بمناسبة قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية بين المنازعات الاقتصادية السياسية للدولة مع الشركات عابرة القوميات من جانب آخر) وذلك كالتالي :
الاتفاقيات الدولية :
لم تخضع الاتفاقيات الدولية عقود الدولة القانون التجار وذلك كالتالي :
1- الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجارى الدولى المبرمة في جنيف 1961م، لم تنص الاتفاقية على تطبيق قانون التجار على عقود الدولة باعتباره القانون واجب التطبيق على التحكيم في منازعات هذه العقود، وأخضعتها للقانون الوطني للدولة، فقد نصت المادة (1/7) من الاتفاقية على أنه : "..... وفي حالة إغفال الإشارة من قبل الأطراف إلى القانون واجب التطبيق يطبق المحكم القانون الذي تعينه قاعدة تنازع القوانين التي يرى أنها ملائمة في هذا الصدد".
2- قواعد التحكيم التي قررتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجارى الدولى في عام 1976 م، .. نصت في المادة ( 1/33) منها على أنه : "تطبق محكمة التحكيم على موضوع النزاع القانون الذي يعينه الطرفان، فإذا لم يتفقا تطبق القانون الذي تعينه قاعدة تنازع القوانين التي ترى المحكمة أنها واجبة التطبيق في هذا الصدد". فلم تخضع اللجنة عقود الدولة لقانون التجار.
3- القانون النموذجي الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجارى الدولى عام 1985م، لم يخضع عقود الدولة للقواعد العبر دولية وإنما أخضعها للقانون الوطني .. فقد نصت المادة ( 2/28) منه على أنه : "وفي حالة غياب أي تحديد من الأطراف بشأن القانون واجب التطبيق تطبق محكمة التحكيم القانون الذي تعينه قاعدة تنازع القوانين التي ترى أنها واجبة التطبيق في هذا الصدد ". وواضح من النصوص السابقة أنها ألزمت المحكم باتباع قاعدة تنازع القوانين، حتى وإن كانت لم تحدد قاعدة التنازع الواردة في قانون وطني معين، ليتمكن من خلالها المحكم تحري الدقة في تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع التحكيمي، إلا أن ذلك العيب قد تم تلافيه في اتفاقية واشنطن 1965م بشأن تسوية منازعات الاستثمار بين الدول الأعضاء ومواطني الدول الأخرى.
4- فلم تخضع اتفاقية واشنطن لعام 1965م والتي تنصرف إلى عقود الدولة فلم تخضع هذه العقود نهائيا لقانون التجار، وقد ترتب على ذلك أن صار مفهوم Lex marcatoria ذاته مفهوماً غير مخترق على أي نحو كان من قبل مركز تسوية منازعات استثمار البنك الدولى المؤسس بمعرفة هذه الاتفاقية. فقد نصت المادة ( 1/24) من هذه الاتفاقية على أنه : "1- تفصل محكمة التحكيم في النزاع وفقاً لقواعد القانون المختارة من قبل الأطراف وفي حالة عدم وجود اتفاق بين الأطراف فإن المحكمة تطبق قانون الدولة المتعاقدة الطرف في المنازعة – بما في ذلك القواعد المتعلقة بتنازع القوانين ومبادئ القانون الدولى المتعلقة بالمنازعة المعروضة عليها 2-...... 3- لاتنال نصوص الفقرتين السابقتين من سلطة محكمة التحكيم في أن تفصل في المنازعة وفقاً لمبادئ العدل والإنصاف إذا اتفق الأطراف على ذلك ".
5- يرى د/حازم عتلم .. أنه من الجدير بالذكر هنا أن مدونة اليونسترال غير الملزمة ذاتها التي استلهم المشرع المصرى منها أحكام قانون التحكيم - لم تصر البتة أيضا من جانبها إلى الترتيب التلقائي أو الصريح لقانون التجار ذاته في مواجهة عقود الدولة صحيح أن المادة ( 4/28) من القانون النموذجي للأونسترال قد كفلت بأن " في جميع الأحوال تفصل هيئة التحكيم في النزاع وفقا لشروط العقد وتأخذ في اعتبارها العادات المتبعة في ذلك النوع من النشاط التجاري المنطبقة على المعاملة " وإذا كان ذلك الحكم إنما يتطابق لأول وهلة مع الحكم الذي تبناه القانون المصرى للتحكيم، غير أنه من الجدير أيضا بالذكر هنا على الرغم من ذلك أن نظام اليونيسترال ذاته إنما ضمن من جانب آخر تحفظا ينطبق بقوة القانون على نحو غير مباشر في حق عقود الدولة.
وإذ كان الثابت أن المادة ( 3/39) قد انصرفت إلى استحثاث الانطباق الضروری للأعراف الجارية في نوع المعاملة في غير تمييز من جانبها بين العقود ذاتها بحسب طبيعتها وبحسب أطرافها، وكان من الثابت أيضا أن قانون التحكيم قد انصرف بحسب عنونته إلى تنظيم المسائل المدنية والتجارية، فقد رتب ذلك هنا بالضرورة في واقع الأمر أثرا سلبيا بالغ الانتكاسة في مواجهة حقوق مصر المشروعة وفي مواجهة أمنها القومي غير القابل لترتيب المجاملات على حد سواء.
إذ ذلك التحليل لحكم المادة ( 3/39) من قانون التحكيم - مقروناً بأحكام المادتين الأولى والثانية - إنما سوف يرتب هنا في تلقائية، أن تصير هيئات التحكيم الدولي المخاطبة بقانون التحكيم ذاته، والتي صارت في استمرارية إلى التشبع الذاتي بمذهب تدويل العقود الدولية لدول العالم الثالث، إلى تطبيق الأعراف التجارية الخاصة على سائر منازعات الاستثمار بين مصر والشركات عابرة القوميات، باعتبار أن هذه الأعراف هي قانون الإرادة الصريحة للأطراف.
وهو الوضع الذي سوف يرتب هنا - بذاته - أن تستبعد على ذلك النحو هنا " الأعراف التجارية العامة " التي ترتبت في استمرارية عن ممارسات دول العالم الثالث مع هذه الشركات، بحسب ما كفله القانون الدولي للإنماء ذاته، على نحو ما ترتب على سبيل المثال بمناسبة الحق في التأميم، والحق في التبديل التشریعی للرابطة التعاقدية، والحق في التبديل الانفرادي لنظم المشاركة في الأرباح وفي الإنتاج، وضمان التعويض بحسب إمكانات الدولة، وفي حدود الأضرار المحققة دون المكاسب الفائتة، وتطبيق مبدأ الإثراء بلا سبب في مواجهة الدولة والشركات الأجنبية ذاتها في حين تقدير التعويضات، فهذه التنحية لمبادئ القانون الدولي للإنماء ومن قبلها لمبادئ القانون الدولي العام والخاص على حد سواء، إنما فرضتها بمزيد من الأسى والأسف هنا هذه الخصخصة المتعمدة للعقود الدولية السيادية للدولة، بحسب ما انصرف إلى ترتيبها على نحو تبرعى المشرع المصرى ذاته في حق الشركات عابرة القوميات، في غير أدنى اكتراث من جانبه بالمصالح الأمنية المشروعة للبلاد التي يضمنها القانون العام والخاص معا.
موقف المشرع المصرى يناقض تماما الموقف الذي ذهبت إليه التشريعات الحديثة، التي تكرس لحرية الأطراف في تحديد القانون واجب التطبيق على أصل الموضوع، سواء كان القانون الوطني للدولة المتعاقدة أو قانون آخر.
أضف إلى ذلك أن قواعد قانون أعراف التجار هي قواعد تعاونية وهي متعددة وكثيرة، وبكل مهنة أو فرع من فروع التجارة الدولية قواعده الخاصة به، فهي قواعد تكونت بطريقة عرفية بين مجتمع رجال التجارة والأعمال في المجتمع الدولى لذلك لا يمكن لهذه العادات والأعراف التجارية أن تطبق على العقود الإدارية، لأن الشخص المعنوي العام لم يساهم في وضع هذه القواعد ولم يشارك في إرسائها.
الخلاصة:
قواعد قانون أعراف التجار لاتناسب ولاتصلح التطبيق على العلاقات التجارية الدولية، بل إن لكل فرع من فروع هذه التجارة قواعده وقوانينه الخاصة به، فهي تطبق على معاملات تجار مع بعضهم البعض، ولا تصلح للتطبيق على العقود الإدارية التي تختلف تمام الاختلاف عن عقود التجارة الدولية، وما ذهب إليه المشرع المصرى بشأن انطباقها على منازعات الدولة العقدية وخاصة المنازعات السيادية، يعد خطأ فادحاً يجب الإسراع بتصحيحه.