وهناك فرضية أخرى لا تستبعد فيها هيئة التحكيم قانون الإرادة وإنما تقرر تطبيقه وتشير له في حكمها ، إلا أنها تضيف أحكاماً قانونية أخرى لهذا القانون أو تعدل فيه، عن طريق تطبيق العادات والأعراف التجارية الدولية على العقد موضوع النزاع. وهنا يثور التساؤل عن مدى جواز أو عدم جواز ذلك. وللإجابة على هذا التساؤل نرى التفرقة بين عدة حالات.
فمن جهة، قد ينص العقد على وضع معين دون بيان المقصود فيه، أي أنه بحاجة إلى تفسير كأن يتفق الطرفان على أن عقد البيع المبرم بينهما هو عقد بيع سيف CIF، ويحصل خلاف بينهما حول المقصود منه. ففي حين يدعي المشتري أنه يتوجب تسليم البضاعة في مخازنه، يدعي البائع أن التسليم يتم بمجرد شحن البضاعة على ظهر الباخرة. أو ينص العقد بين مقاول إنشاءات وصاحب العمل على وجوب أن يقدم الأول "كفالة" حسن تنفيذ"، دون بيان المقصود من هذا المصطلح.
في هذين المثالين وما شابههما يجوز لهيئة التحكيم، بل يتوجب عليها ، الرجوع للأعراف والعادات التجارية لتفسير هذين المصطلحين بافتراض أن قانون الإرادة لا يتضمن أحكاماً تفسيرية لهما .
ومن جهة أخرى، قد لا يتضمن العقد حكماً لمسألة لمسألة معينة، كما لا يوجد لها حل في قانون الإرادة. فلو فرضنا في مثالنا السابق الخاص بكفالة حسن التنفيذ، أن العقد بين المقصود من هذه الكفالة ولكن دون بيان مقدارها. في هذا المثال أيضاً، يتوجب على هيئة التحكيم الرجوع للعادات والأعراف التجارية لسد النقص في العقد،وهي عادة نسبة مئوية من قيمة العقد، تتراوح بين 5% و10%. وضمن هذا الإطار إذن ، لا يوجد استبعاد لقانون الإرادة، فلا يكون الحكم عرضة للطعن.
ومن جهة ثالثة، قد يتضمن قانون الإرادة حلا لمسألة غير منصوص عليها في العقد ، ولكنه حل مخالف للعادات والأعراف. في هذه الحالة، نميل إلى التفسير بأن الأطراف لم يضمنوا عقدهم بنداً ينص على هذه الحالة، لمعرفتهم المسبقة بوجود الحل في القانون الذي اختاروه ليطبق على النزاع، مما يعني أنه لا يجوز للهيئة العدول عن تطبيق قانون الإرادة، وتطبيق العادات والأعراف التجارية، حتى لو كان النص في هذا القانون من القواعد التفسيرية وليس الآمرة، وإلا كان الحكم عرضة للطعن ما لم يغلب القانون ذاته تلك العادات والأعراف على أحكامه. وغني عن البيان القول، بأنه ليس للهيئة اللجوء للعادات والأعراف التجارية ، إلا حيث لا يوجد نص عقدي يعالج الحالة المعروضة بشكل واضح.