الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / القانون الذي يقرر المحكم مناسبته لموضوع النزاع / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / تطبيق المحكم الدولي لعادات وأعراف التجارة الدولية / تسهيل مهمة المحكم الدولي وهو بصدد اختيار القانون الذي سوف يطبقه على موضوع النزاع

  • الاسم

    أحمد حسنى سيد محمد
  • تاريخ النشر

    2013-01-01
  • عدد الصفحات

    382
  • رقم الصفحة

    289

التفاصيل طباعة نسخ

تسهيل مهمة المحكم الدولي وهو بصدد اختيار القانون الذي سوف يطبقه على موضوع النزاع

   مما لا شك فيه أن إشكالية عدم وجود قانون موحد لحكم علاقات التجارة الدولية تمتد لتنال من نظام التحكيم الدولي ذاته، وذلك باعتباره قضاء للتجارة الدولية وبحكم العلاقة الوثيقة بينه وبين تلك العلاقات والعقود.

   وتتجلى صور هذا التأثر في إلقاء مهمة البحث عن ذلك القانون الذي سيطبقه المحكم على موضوع النزاع على عاتق المحكم ذاته وذلك في حالة عدم الاختيار الصريح لذلك القانون من قبل الأطراف.

ويعني ذلك أن المحكم الدولي الذي ينظر النزاع الثائر بين الطرفين بخصوص عقد أو علاقة ما من علاقات التجارة الدولية هو الذي سيقوم باختيار قانون اختصاص له ليحكم على هديه في النزاع المعروض أمامه. وهذا ومن وجهة نظرنا أمر غير محمود من عدة جهات.

    فمن جهة ولو نظرنا إلى العلة التي من أجلها استقر العمل على الأخذ بنظام التحكيم الدولي كنظام قضائي مختص بالفصل في المنازعات الناشئة عن المعاملات التي تتم في مجتمع التجار الدولي سنجد أنها في الأساس هي لما لهذا النظام من مميزات تتناسب وطبيعة تلك العلاقات وهذه العقود.

ومن هذه المميزات بطبيعة الحال السرعة في إصدار الأحكام، كما ذكرنا من قبل، ذلك لأن هذه الميزة وبحق لا تتوافر في الأنظمة القضائية الداخلية للدول أو بالمعنى الدقيق لعدد كبير من الدول مما تعد وبحق هذه الأنظمة طاردة لمثل هذه العلاقات أو المنازعات التي تنتمي لهذا المجتمع.

    لذلك فإنه تأتي في مقدمة مبررات الاتجاه للتحكيم وإبراز مزاياه، الحجه المتمثلة في رغبة أطراف العلاقة القانونية تفادي طرح منازعاتهم على القضاء، مع ما تتسم به إجراءات التقاضي من بطء وتعقيد، علاوة على احتمال استطالة أمد النزاع بسبب تعدد درجات التقاضي وإمكانية الطعن في الأحكام، وتقديم إشكالات التنفيذ، التي قد تحكمها اعتبارات اللدد في الخصومة والمماطلة التي تحقق القول بأن العدالة البطيئة نوع من الظلم.

   ولما كان ذلك فإن المحكم الدولي سيستغرق وقتا طويلاً في البحث عن القانون الواجب تطبيقه على موضوع النزاع، مما سيؤتي وبطبيعة الحال على مهمته الأساسية وهو الفصل في النزاع بالسرعة المتطلبة، ذلك لأن المحكم الدولي ملتزم بإيجاد هذا القانون والبحث عنه إما في قواعد تنازع القوانين التي ترتبط بالنزاع المعروض عليه، وهذا بطبيعة الحال أمر شاق، وإما عن طريق ما يسمى بالمؤشرات العامة أو الخاصة والتي يرجعه البعض إلى الإرادة الضمنية، أو الخفية كما أسميناها من قبل.

   وفي الحقيقة أن المهمة الأساسية المنوطة للمحكم الدولي وهو بصدد نظر النزاع ويعد قبوله أن يكون محكما بين الطرفين تتمثل في الفصل في النزاع المعروض عليه فقط ... وبالطبع يلتزم المحكم التزامات أخرى فرعية بخلاف هذا الالتزام الأساسي، مثل التزامه بالحيدة والاستقلال، أيضا إلزام المحكم بالمحافظة على السر المهني، أيضا احترام حقوق الدفاع أيضا التزام المحكم بمراعاة إرادة الأطراف.

    كل هذه الالتزامات هي التزامات مفترض تواجدها بلا تنبيه أو إنذار وذلك لأن طبيعة عمل المحكم والدور الذي يلعبه في نظام التحكيم والذي يتشابه إلى حد كبير مع دور القاضي في الأنظمة القضائية الداخلية.

   وبالنظر إلى النزاع القضائي وبالأخص إلى دور القاضي فيه فلن نجد القاضي ملزما بالبحث عن قواعد قانونية ليقوم بتطبيقها على النزاع المعروض عليه ... بل إن القاضي ملتزما بتطبيق صحيح القانون على ما يعرض عليه من منازعات ... وبما أن المحكم كالقاضي فإنه لا يصح ولا يليق أن يلتزم المحكم بالبحث عن القانون الذي سوف يطبقه على النزاع.

   لأن ذلك من ناحية قد يجافي في العدالة المنتظرة من ذلك النظام .. وذلك في حالة اختيار المحكم لقانون وطني معين أو قواعد أخرى وكان هذا الاختيار ينطوي على غش أو عمل غير مشروع يفيد أحد الأطراف على حساب الآخر.

   ومن ناحية أخرى فإن هذا يعد وبحق ضياع لوقت الخصوم، والمحكم نفسه حيث أن المحكم عليه أن يفصل في النزاع المعروض عليه في المدة  المعقولة حيث أن هذا الالتزام هو أحد أهم مميزات نظام التحكيم – وإلا فسوف يفقد نظام التحكيم جاذبيته في هذا المجتمع ويصبح حاله كحال الأنظمة القضائية الداخلية والتي يقال عنها أن عدالتها ظالمة وذلك نظرا لبطئها.

   وعلينا أن نقر ونعترف بأن حدود حرية المحكم الدولي في هذا الصدد  هي محل نظر ... لأنه وكما سبق القول من الممكن أن يقوم باستغلال هذه الحرية بطريقة غير سليمة لكي يرجح فيها مصلحة طرف على الطرف الآخر.

    ولما كان هذا هو الحال الآن فإننا نرى أن وجود قانون موحد وملزم لعلاقات وعقود التجارة الدولية أصبح ضرورة ملحة لا يمكن الاستغناء عنها وبالأخص بعد التقدم والتطور الملحوظ في هذه العلاقات والعقود وفي مجتمع التجارة الدولية بصفة عامة.

   نعم وبحق أنه من الفوائد المباشرة لوجود هذا القانون هو تسهيل مهمة المحكم الدولي وهو بصدد نظره للنزاع المعروض أمامه والذي يتعلق بعقد من هذه العقود.

   فبعد وجود ذلك القانون وإقراره سيذهب إليه المحكم مباشرة ليطبقه على النزاع المعروض عليه وذلك في حالة عدم وجود إرادة صريحة لأطراف النزاع في هذا الصدد دون أن يقوم بالبحث عن أية قواعد قانونية يطبقها على النزاع المعروض عليه وبعد ذلك يقوم بتبرير اختياره لهذا القانون أو ذاك أي أنه القانون الذي أشارت إليه قواعد تنازع القوانين أو إلى أنه هو الذي ذهبت إليه الإرادة الخفية أو الضمنية لأطراف الخصومة وذلك بعد البحث فيما يسمى بالمؤشرات العامة أو المؤشرات الخاصة.

     تلك المؤشرات التي نرى أنها لا تصلح مطلقا أن يتم تحديد القانون الموضوع لتلك المنازعات على أساسها – تعللاً بأنها تخفي وراءها الإرادة الخفية أو الضمنية للأطراف.

   وفي الحقيقة أنه يجب الحذر كل الحذر فيما يخص إرادة الأطراف، لما ذلك من دخول في نوايا الأطراف، والصاق أمر بها قد لا يريده هؤلاء، وهذا يعد وبحق اعتداء صارخ على مبدأ سلطان الإرادة على وجه العموم، وعلى إرادة أطراف هذا النزاع على وجه الخصوص، هذه الإرادة التي يقوم عليها نظام التحكيم ذاته.

    غير أن هذه القوانين التي سيذهب إليها المحكم ليختار إحداها ليقوم بتطبيقها على النزاع المعروض عليه .. لا تصلح أساسا يقوم عليه الحكم الذي سيصدره المحكم لينتهي على أثره النزاع الثائر بين الأطراف.

    وفي اعتقادي أن النتائج التي سيصل إليها ذلك الحكم ستقف وبحق حائلاً بين هذه العقود وتقدمها ونظام التحكيم وتقدمه .. حيث أننا نعتقد وبشدة في أن مثل هذه القرارات التي ستصدر عن المحكمين الذين استعانوا بأحد القوانين الوطنية سوف ترجع بنظام التحكيم إلى الوراء.

    وذلك لأن طبيعة مثل هذه القوانين الوطنية لا تتناسب مطلقا مع طبيعة هذه العقود والعلاقات – كما أوضحنا سلفا – وأيضا أن طبيعة المجتمعات التي أقرت من أجلها هذه القوانين الوطنية – لا تتفق مطلقا وطبيعة المجتمع التجاري الدولي.

-     إن أزمة التحكيم التجاري الدولي تكمن حاليا – في اعتقادنا – فى اعتماده النسبي على القوانين الوطنية ودورانه أحيانًا في فلك القضاء الداخلي. وتقديس المحكمين الدوليين أحيانا أخرى لبعض المفاهيم القانونية الوطنية رغبة منهم في تفادي الاصطدام بهذه القوانين عن تنفيذ قراراتهم. وإذا كان صحيحا أنه يعتبر مغالاة في القول باستقلالية وأصالة التحكيم تماما في مواجهة القوانين الداخلية، إلا أنه بمقدور المحكمين الدوليين أن يخرجوا بهذا النظام من الدوران في فلك هذه القوانين إلى ميدان أكثر رحابة، حيث سيكون باستطاعتهم البحث عن "الحل العادل" أيا كان موضعه للمنازعات التي تطرح عليهم. ولهم في ركام عادات وأعراف التجارة الدولية خير معين.

   فلو أردنا إعداد قانون خاص وموحد وملزم لعلاقات التجارية الدولية فلن نجد أصلح من العادات والأعراف التجارية الدولية لكي يستعين بها في إعداد ذلك القانون ... ذلك لأنها – وكما سبق القول – هي قواعد من خلق أطراف هذه العقود أنفسهم - تواتر العمل عليها حتى أصبحت عرفا داخل هذا المجتمع.

     ولما كانت القواعد العرفية المستقرة في إطار هذا المجتمع العابر للحدود تعد من القواعد المادية التي وضعت خصيصا للاستجابة لمتطلبات التجارة الخارجية وإدراك أهدافها فيكون من الطبيعي أن يتصدى المحكم لتطبيقها تطبيقا مباشرا دون حاجة لمنهج تنازع القوانين.

   ونحن نرى وبحق أن مثل هذه العادات والأعراف هي الأصلح لأن تصبح قانونا موحدا وملزما لحكم علاقات التجارة الدولية .. ذلك لأنها وببساطة وجدت من داخل هذا المجتمع، ولولا وجود هذه العلاقات العقدية ذات الطابع الخاص لما وجدت هذه العادات والأعراف التي تتناسب وهذا الطابع.

   ومن جهة أخرى فقد أقر قضاء التحكيم ضرورة التطبيق المباشر لعادات وأعراف التجارة الدولية على المنازعات العقدية التي طرحت عليه خاصة عند سكوت الإرادة عن اختيار قانون العقد.

   وفي الحقيقة أن هناك إشكالية تتعلق بالعادات والأعراف التجارية وهي أن هذه العادات والأعراف تنتمي إلى أكثر من نشاط تجاري واحد ... وذلك بمعنى أنه بتعدد الأنشطة التجارية، تتعدد كذلك العادات والأعراف التجارية ليصبح لكل نشاط تجاري عاداته وأعرافه المستقرة بداخله. فلما كان ذلك فإنه يمكن أن يقال بعدم صلاحية تلك العادات والأعراف لان تصبح قانونا موحدا لعلاقات التجارة الدولية بصفة عامة.

   ولكننا نرى أن هذه الإشكالية لن تقف حائلاً أمام تحقيق فائدة كبرى لمثل هذا المجتمع ذلك لأنه وبالطبع فإنه ومن المؤكد أن هناك قاسما مشتركا بين كل العادات والأعراف التجارية وذلك حتى لو اختلفت هذه العادات والأعراف من نشاط إلى آخر – وذلك لأن كل تلك العادات والأعراف هي وليدة رحم هذا المجتمع كما سبق القول.

  وعلى ذلك فإن هذا القاسم المشترك سوف يساعدنا كثيرا على وضع قواعد وأطر عامة لهذا القانون الموحد – وسنجد أنها وبالضرورة صالحة لأن تطبق على جميع الأنشطة وفي جميع النزاعات.

    بيد أن هذه المهمه تقتضي بالضرورة محاولات عديدة لوضع ضوابط عامة وموضوعية للمسائل التي يثيرها المجتمع التجاري الدولي، ضوابط تنطلق من فهم لمعطيات التجارة الدولية وحاجياتها – وكانت هذه الضوابط العامة، وما تزال محل اهتمام الكثير من الفقهاء، الذين تصدوا للتحكيم التجاري الدولي، غير أنه من الملاحظ أنه كثيرا ما اصطبغت هذه الضوابط المقترحة بطبيعة "وصفية" Des criptif لما هو كائن أكثر منها صيغة "تحليلية" مما يجب أن يكون.

   وفي الحقيقة أن الربط بين ضرورة وجود هذا القانون وبين نظام التحكيم التجاري الدولي وحاجياته ذلك على اعتبار أن هذا النظام هو الآلية الشرعية لتطبيق هذا القانون الذي تنادي بوجوده على أرض الواقع .. فكما قلنا سابقا أن نظام التحكيم الدولي هو القضاء العام لعلاقات التجارة الدولية.

    وبذلك وبعد إقرار تلك العادات والأعراف كقانون موحد لحكم علاقاتها التجارية - وبعد إدراجها داخل اتفاقية واحدة موحدة تعني أساسا لإعداد ذلك القانون سنكون قد سهلنا مهمة المحكم الدولي وهو بصدد تصديه للحكم أو للفصل في النزاع المعروض عليه وتكون قد حافظنا على هيبة المحكم الدولي داخل نظام التحكيم بل لنقل أننا سنحافظ على هيبة نظام التحكيم ذاته داخل هذا المجتمع. وهذا كله في النهاية يصب في مصلحة مجتمع التجارة الدولي.

    هذا المجتمع الذي هو في حقيقة الواقع يحتاج إلى مزيدا من النظام. فالنظام سنه من سنن الكون. ولو أطلنا النظر في الظواهر الطبيعية التي تحيط بنا لوجدنا أنها على قدر كبير من الانتظام، فالنظام هو السمة الغالبة على الظواهر الطبيعية وكذلك فإن حياة الإنسان الفردية والاجتماعية تتسم بدورها بالانتظام. ومهمة القانون هي تحقيق الانتظام في علاقات الناس الذين يعيشون في مجتمع. ويتوصل القانون إلى تحقيق هذا الانتظام عن طريق قواعد عامة يلتزم الناس بمراعاتها والسير على مقتضاها، وهو ما يطلق عليه العنصر المعياري في القانون.

   وهذا هو ما نطالب به بالنسبة لمجتمع التجارة الدولية فإنه وفي حقيقة الواقع أن مجتمع التجارة الدولية يشهد عشوائية غير متواجد في النظم الداخلية. بل أنها ليست متواجدة حتى في دول العالم الثالث – وذلك على حسب التقسيم المقال به من قبل الدول العظمي.

    إن مجتمع التجار الدولي أصبح الآن مجتمعا كامل الأركان بل إنه وبحق مجتمعا مفتحا على جميع المجتمعات الداخلية والأنظمة الوطنية. إن هذا المجتمع يملك مفاتيح الاقتصاد لغالبية دول العالم. ونستطيع أن نقول أن أطرافه يتحكمون في مقدرات التنمية الاقتصادية داخل هذه المجتمعات. وذلك من خلال مشروعاتهم التنموية التي من الممكن أن تقوم بتحويل إحدى الدول من دولة نامية إلى دولة متقدمة أو دولة عظمى.

  فهل مجتمع بهذه الأهمية لا يرقى إلى الأوجه التي تجعلنا نحاول ونحاول جاهدين لكي نصل إلى أقصى درجات النظام بداخله النظام الذي يحقق العدل بلا ميل بين أطرافه. وذلك من خلال قانون يحقق الأمان لجميع أطرافه. والابتعاد عن الفوضى والعشوائية التي من شأنها تدمير هذا المجتمع وكل وسائله وآلياته ومن ثم التأثير على الاقتصاد العالمي على وجه العموم - وحدوث هزة كارثية قد تودي بكل هذا التقدم المشهود. ..

    وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نقول أننا في حاجة ماسة إلى ذلك القانون لتحقيق النظام وإقامة العدالة والتي لن تتحقق إلا بتوحيد القواعد القانونية داخل ذلك المجتمع الذي يضم عمالة الاقتصاد على المستوى العالمي.