اجراءات خصومة التحكيم / القانون الذي يقرر المحكم مناسبته لموضوع النزاع / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر النظام العام عل اتفاق التحكيم ( دراسة مقارنة ) / سلطة المحتكمين في تحديد القانون الواجب التطبيق
إن القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع من أهم قضايا التحكــم فهو الأساس في إصدار حكم التحكيم وبالتالي حسم النزاع وإنهائه .
وقد حرصت غالبية النظم القانونية على احترام إرادة المحتكمــن فـي اختيارها للقواعد أو القانون الذي يحكم موضوع النزاع مباشرة أو قد تحيل إلـى قواعد التنازع لدولة معينة يتم على ضوئها تحديد تلك القواعد ، أو تخويل هيئـة التحكيم سلطة اختيار القواعد المناسبة أو الملائمة .
وفي حال اتفاق إرادة المحتكمين فلا صعوبة في ذلـك إلا أن الـصعوبة تكمن في حالة غياب أو تخلف هذه الإرادة في اختيار القواعد أو القانون الـذي سيحكم نزاعهم ويأتي التصرف أو العقد صامتاً حول هذه المسألة . وقد يرجـع هذا الصمت من إغفال أو جهل المحتكمين لهذه المسألة الهامة أو إلى قصدهم من أجل تفادي الدخول في مسألة خلافية قد يخشى منها فشل التعاقد تاركين مناقشة هذه المسائل لوقت أخرى ، أو تخويل المحكم القيام بهذه المهمة .
سلطة المحتكمين في تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع
الأصل في التحكيم هو حرية الطرفين في اختيار القواعـد القانونيـة الواجبة التطبيق باعتبار ما لهما من سلطان في تحديـد حقوقهمـا والتزاماتهمـا والتصرف فيها ، فإذا ما اتفق الطرفان على تطبيق قانون دولـة معينـة علـى نزاعهما ، فعلى هيئة التحكيم الامتثال لهذا الاتفاق.
حيث تؤكد غالبية التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية للتحكيم علـى إرساء مبدأ سلطان الإرادة في تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع في خصومة التحكيم.
وهذا ما تبناه المشرع المصري في إعطاء الحرية للمحتكمين في اختيار القواعد التي تطبق على موضوع النزاع ، فقد نصت المادة (٣٩) مـن قـانون التحكيم المصري في فقرتها الأولى على أن:
" تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان ، وإذ اتفقا على تطبيق قانون دولة معينة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعـد الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق على غير ذلك " . ويلاحظ من نص المادة السابقة أنها قد جاءت شأنها شأن المادة (٢٥) من ذات القانون لتؤكد حرية الإرادة في اختيار القواعد التي تطبق علـى موضـوع النزاع ، وأن المشرع وإن كان لم يحدد القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم بشكل صريح إلا أنه بشكل غير مباشر حدد المنهج الذي يتعين السير على هديه
من خلال تبنيه لهذا المنهج .
قضت به محكمة النقض الفرنسية ( الدائرة الأولـى المدنيـة ) بتاريخ ١٩٩٨/٣/٤م بقولها :
" تسمح اتفاقية نيويورك الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم والاعتراف بها (۱۰ يونيو ١٩٨٥م) في المادة 5 فقرة ب ، وكذا المادة 5/١٥٠٢ من قانون المرافعـات الفرنسي الجديد بأنه يستبعد حكم التحكيم الصادر في الخارج جاهلاً لمقتضيات النظام العام في بلد التنفيذ سـواء فيمـا يتعلـق بـالإجراءات أو فيمـا يتعلـق بالموضوع" .
كذلك نص المشرع القطرى على حرية الأطراف المحتكمين في اختيـار القانون الواجب التطبيق على النزاع ، حيث نصت المادة (١٩٨) مـن قـانـون التحكيم القطري رقم 13 لسنة 1990 على أنه :
"يصدر المحكمون حكمهم غير مقيدين بإجراءات المرافعات المنصوص عليهـا في هذا القانون عدا ما نص عليه في هذا الباب ويكون حكمهم علـى مقتضى قواعد القانون ما لم يكونوا مفوضين بالصلح وبشرط عدم مخالفة قواعد النظـام العام والآداب .
وإذا تم الاتفاق على التحكيم في قطر كانت قوانين دولة قطر هي الواجبة التطبيق على عناصر المنازعة ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك "
والواضح من نص المادة (١٩٨) سالفة الذكر ، أن المشرع القطـرى أورد قاعدة عامة مفادها إعمال مبدأ سلطان الإرادة وحرية الأطراف المحتكمين في اختيار القانون الواجب التطبيق على النزاع.
أما الاستثناء فهو تطبيق قوانين دولة قطر على عناصر منازعة التحكيم بشرطين ، أولهما أن يتم الاتفاق على التحكيم في قطر ، وثانيهما عـدم اتفـاق الأطراف على خلاف ذلك – أي عدم اتفاق الأطراف علـى استبعاد القـوانين القطرية واجبة التطبيق – ، إلا أنه يجوز للمحتكمين مخالفة ذلك وتطبيق قـوانين دولة أخرى غير القانون القطرى إذا اتفقوا على استبعاد أحكـام هـذا الأخيـر بخصوص عناصر منازعة التحكيم .
كما يجوز أن يتفق طرفا التحكيم على إعمال قواعد العقـود النموذجيـة المنظمة للتعامل في نوع السلعة أو الخدمة محل التعاقد ، داخلية كانت أو دولية ، أو على إعمال المبادئ العامة والأعراف المعمول بها في مجال التجارة الدوليـة بصفة عامة .
ولم ينته مفهوم مبدأ سلطان الإرادة عنـد إعطـاء الحريـة للأطـراف المتعاقدين في اختيار لقانون ما ليكون القانون الواجب التطبيق ، وإنمـا تخـطـي ذلك ليمنحهم الحق في تغيير وصفها من نصوص تشريعية تكتسب قوتهـا مـن صدورها عن مشرع وطني أو دولي معين لتكتسب هذه القوة الملزمة من كونها شرطاً أو شروطاً تعاقدية بإدراجها في مشارطاتهم ، شأنها في ذلك شأن شـرط آخر من الشروط التعاقدية ، بل إن للأطراف المتعاقدين أن يذهبوا إلى أكثر من ذلك بأن يكون لهم تجزئة النظام القانوني الذي يركزون في ظله علاقتهم ، ليطبق منه بعض نصوصه مع استبعاد البعض الآخر .
وهذا المفهوم الواسع لمبدأ سلطان الإرادة ، قد دعا البعض إلى القول بأن هذا المبدأ قد تحول من مبدأ لحل مشكلة تنازع القوانين إلى مبدأ يسمح بالحريـة التعاقدية غير المحدودة للأطراف في المجالات التجارية والاقتصادية الدولية .
وتنشأ صعوبة معينة عندما يقوم الأطراف ، باختيار قانون دولة بعينها ، إذ يثور التساؤل عما إذا كان هذا الاختيار يشير إلى هذا القانون وقت انعقاد العقد ، أو في الوقت الذي يكون عليه هذا القانون وقت بدء إجراءات التحكيم .
سلطة المحتكمين في تحديد القانون الواجب التطبيق علىإجراءات التحكيم
نظام التحكيم يغلب عليه الطابع الاتفاقي الرضائي ، فهو طريقة لتسوية المنازعات تقوم على أساس اتفاق التحكيم ، وسير إجراءات التحكيم ليس إلا أثراً لهذا الاتفاق ، الذي يكون خاضعاً لإرادة الأطراف .
وبالتالي ليس هناك أي ارتباط بين القانون المطبق على الإجراءات وبين قانون مكان التحكيم أو القانون المطبق لحسم النزاع أو أي قـانون آخـر إلا إذا ارتضى الأطراف ذلك بمحض إرادتهم .
وتتيح استقلالية شرط التحكيم للمحكمين اختيار أي قـانون يرتضونه يسرى على إجراءات التحكيم ، بغض النظر عن وجود أية صلة بينه وبين العقد مثار النزاع .
ونعني بهذا الطابع الاتفاقى أن يكون باستطاعة المحكمين تقنين قواعـد إجرائية مفصلة تحكم سير المنازعة أمام محكمة أو هيئة التحكيم التي تشكل لهذا الغرض
ولقد أشارت إلى تلك الحرية ، على سبيل المثال ، اتفاقية جنيف للتحكيم التجاري الدولي لسنة ١٩٦١ ( المادة ٣/٢/٤ ) ، التي أعطت الحرية لأطـراف اتفاق التحكيم في تحديد قواعد الإجراءات التي يتعين على المحكمين اتباعها .
كذلك نصت المادة ( 1/5/د ) من اتفاقية نيويورك لسنة 1985م على :
" لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ الدليل على :
(د) أن تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم مخالف لما اتفق عليه الأطراف أو لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الاتفاق ) ".
كما تنص المادة ( 1/4/ب ) من الاتفاقية الأوربيـة للتحكيم التجـاري الدولي الموقعة في جنيف في أبريل سنة 1961م على :
" حرية الخصوم في تحكيم الحالات الخاصة في تنظيم الإجـراءات واختيارهم لمكان التحكيم " .
ويوصف التحكيم الخاص الذي تصل فيه حرية المحتكمــن إلـى حـد التحرر من كل القواعد الوطنية اعتماداً على إرادتهـم فـى صياغة القواعـد الإجرائية للتحكيم بأنه تحكيم طليق أو تحكيم بلا قانون أو تحكيم دولي محـض ، ويفضل بعض الفقه أن يطلق عليه التحكيم الحر ، حيث تكون إجراءات التحكــم عبر دولي لا يرتبط بأي قانون وطني بل لاتفاق المحتكمين فهو مقطوع الـصلة بأي قانون وطني إلا من عادات وأعراف التجارة الدولية .
وقد لا يستطيع القانون الذي اختاره المحتكمين أن يحكم كافـة المـسـائل الإجرائية ، ومن ثم يجب على المحكمين البحث عن قانون آخـر لتكملـة هـذا النقص ، ويتم غالباً اختيار قانون مقر أو مكان التحكيم باعتباره قانوناً احتياطيـاً أو مساعداً إلى جانب قانون الإرادة ، وفي المفاضلة بينهما يرجح قانون الإرادة .
والملاحظ أن المشرع المصرى نص في المادة (٢٥) من قانون التحكيم المصرى رقم ٢٧ لسنة ٢٠٠٤ على أنه : " لطرفي التحكيم الاتفـاق علـى الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم ، بما في ذلك حقهمـا فـي إخـضـاع هـذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم في جمهوريـة مـصر العربية أو خارجها ..... إلخ " .
وعن موقف المشرع القطري من هذه المسألة ، نجد أن المادة (١٩٨) من قانون التحكيم القطري رقم 13 لسنة ١٩٩٠ نصت على أنـه : " يصدر المحكمون حكمهم غير مقيدين بإجراءات المرافعات المنصوص عليها في هـذا القانون عدا ما نص عليه في هذا الباب ويكون حكمهم علـى مقتضى قواعـد القانون ما لم يكونوا مفوضين بالصلح وبشرط عدم مخالفة قواعد النظـام العـام والآداب.
وإذا تم الاتفاق على التحكيم في قطر كانت قوانين دولة قطر هي الواجبة التطبيق على عناصر المنازعة ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك " .
والمستفاد من النص المتقدم أن المشرع القطـرى أجـاز للأطـراف المحتكمين حرية اختيار القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم شريطة اتفاقهم على هذا الأمر ، وإلا طبق القانون القطرى إذا ما تم الاتفاق على التحكيم في قطر ولم يتفق المحتكمين على اختيار قانون آخر.