اجراءات خصومة التحكيم / القانون الذي يقرر المحكم مناسبته لموضوع النزاع / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور المحكم في خصومة التحكيم / سلطة المحكم فى إختيار القانون الواجب التطبيق
فقد سعى الفقه إلى تطويع نظام التحكيم لخدمة النظام الإقتصادي الجديد ومتطلباته، وإبتدعت تحقيقاً لهذا الهدف أنظمة جديدة قوامها الإلتفات عن النصوص القانونية،مما لم يعد معه النظر إلى السوابق القضائية أمراً مجدياً ليصبح كيان التحكيم خاوياً إلا من إرادة المحكم وما يراه ملائماً ولوكان مخالفاً لأحكام النظام القانوني الذي يحكم العلاقة التي ثار بشأنها النزاع.
ورغم خطورة هذا الوضع من الناحيتين القانونية والعملية، إلا أن لهذه النظريات من لبريق ما يوقع الفكر تحت سطوتها،فقد إتجهت رؤى الفقه والتشريع صوبها تجنباً لصعوبة تحديد القانون الواجب التطبيق،وتفادياً للقيود التي تفرضها المعايير القانونية الدقيقة وطلباً للسرعة والمرونة التي دفعت بنظام التحكيم إلى الساحة وفرضت إرادة "محكـم علـى خصومة التحكيم برمتها ليمارس سلطات على أوسع ما يكون بصدد تحديد القانون الواجب التطبيق. وإذا كان تحديد القانون الواجب التطبيق هو بالفعل من أدق المسائل القانونية إلا أن حسم هذه المسألة لايتأتى باستبعاد القانون كلية وترك الأمر لمطلق تقدير المحكـم،فمـا أيسر أن يستنيم الفكر إلى متابعة هذا الإتجاه الذي يعهد للمحكم بإختيار القانون الواجب التطبيق كيفما اتفق أو إستبعاده وتخير الحل الذي يميل إليه ثم يسدل عليه ثوب العدالة ،ليقدم المتعاملين حلولاً تأتي في كثير من الأحيان متناقضة وتبعد عن العدالة في فروض عديدة.
ففي تقديرنا أن متابعة هذه النظريات التي ابتدعت تدعيماً لدور المحكم وتشجيعاً لنظـام التحكيم لايعدو كونه بحثاً عن معنى مجرد للعدالة قد لايعكس مضموناً حقيقياً يصادف واقعاً في التطبيق ،حيث تدخلت الاعتبارات والمصالح الإقتصادية لتحكم الأوضاع،ونحن لاننكر أثر الأوضاع والأهداف الإقتصادية على الإتجاهات القانونية،وإنما ما ننكره أن تكون هي المحرك والدافع الأوحد بلا ضوابط أوقيود تسعى إلى تقنين الواقع الإقتصادي ودفعه إلى حيث ينبغي أن يكون عليه،وما يقتضيه هذا من الإلتفات عن الأراء والنظريات التي لاتتسق مع المنطق القانوني السليم ومقتضيات العدالة الموضوعية التي لاتجد أرضاً لها خارج حدود النظام القانوني وضوابطه.
فإذا كان الإتجاه نحو منح المحكم سلطة مطلقة في إختيار القانون الواجب التطبيق يقدم حلاً يسيراً في ظاهره ويعبر عن الجانب الإرادي لبنيان خصومة التحكيم، إلا أنه يضفى على مهمة المحكم كثيراً من الغموض ويجعل عملية التحكيم أشبه مـا يكـون بـالصندوق ذي الخاتم المسحور،لأننـا إذا مـا تابعنـا خـطـوات المحكم نحـو تحديد القانون الواجب التطبيق لوجدناها متضاربة لاترتكن إلى أسس موضوعية أودعائم قانونية تقدم حلولاً متسقة تشكل في مجموعها كياناً من السوابق المستقرة التي تعبر عن نظام مستقل يغني عن النظام القانوني الوطني وآليات إعماله،فما لايجحده أحد أن قرارت المحكمين جاءت في مناسبات عديدة متعارضة ولاتتفق فيما بينها على قول واحد في الوقت الذي ينـادي فيـه أنصار هذا الإتجاه بالنظر إلى السوابق التحكيمية كمصدر من المصادر القانونية البديلة للنظام القانوني الوطني الذي لايلائم مقتضيات إعمال نظام التحكيم وخصوصيته.