يخشى على "اتفاق التحكيم" من حكم القانون واجب التطبيق عليه والذي قد يؤدي إلى بطلانه، ومن ثم عدم فاعليته.
وعلى ذلك فهو يسعى إلى تطبيق القانون الذي يحقق الفاعلية لاتفاق التحكيم، أو بمعنى آخر يطبق أي قانون يؤدي إلى صحة اتفاق التحكيم.
ویبرر هذا الاتجاه فكرته في هذا الشأن بما لاتفاق التحكيم من أهمية في الحياة التجارية الدولية تتمثل في اتخاذ الأفراد والأشخاص المعنوية الخاصة منه أسلوباً لتسوية منازعاتهم في علاقاتهم التجارية، وما يعقده هؤلاء على اتفاق التحكيم من أمال كبيرة، لا يقبل معها أن يصبح اتفاق التحكيم مهدداً بزوال قيمته القانونية، لأن ذلك ينذر بعواقب وخيمة.. ليس فقط على المعاملات التجارية الدولية محل هذا الاتفاق، وإنما أيضاً عل مصالح التجارة الدولية عموماً.
وعلى أساس هذا التبرير أخذ هذا الاتجاه في البحث عن المقومات الأساسية التي تحقق الفاعلية الكاملة لاتفاق التحكيم الدولي، والتي كان منها معالجة خاصة للقانون الواجب التطبيق عليه. باعتبار هذا القانون إذا ما تقرر بموجبه بطلان الاتفاق. سيحول ذلك دون فاعليته المنشودة.
وقد عرض هذا الاتجاه مفهوماً جديداً، اعتبره بمثابة طوق نجاة لاتفاق التحكيم، يحميه من تطبيق أحكام أي قانون قد تؤدي به في أحيان كثيرة إلى بطلانه.
وذلك باعمال قاعدة القانون الأصلح لاتفاق التحكيم.
ومؤدي هذه القاعدة أن تتعدد القوانين واجبة التطبيق على اتفاق التحكيم الدولي، وتسري هذه القوانين بدون ترتيب معين، فالقانون الذي يؤدي منها إلى صحة الاتفاق هو الذي يتم تطبيقه بصفة نهائية.
وقد اعتبر الاتجاه القائل بذلك هذا المبدأ يتجلى في نموذج التشريع السويسري، إذ تقضي المادة ٢/١٨٧ منه بخضوع اتفاق التحكيم إلى ثلاثة قوانين، يكفي أن تتوافر صحة اتفاق التحكيم وفقاً لأي منها.
فهناك قانون الإرادة، وهناك القانون الذي يحكم موضوع النزاع، وهناك القانون السويسري للتحكيم الدولي.
وتسري هذه القوانين بدون ترتيب معين، فالقانون الذي يؤدي منها إلى صحة اتفاق التحكيم هو الذي يتم تطبيقه بصفة نهائية.
وقد أرجع هذا الاتجاه موقف القانون السويسري في التوسع في معنى القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم الدولي، إلى رغبته في إتاحة الفرصة أمام صحة اتفاق التحكيم بتطبيق أكثر من قانون يحكمه تحقيقاً لفاعليته.
وقد نادي هذا الاتجاه بتطبيق أي من قانون مكان التحكيم، أو قانون مكان إبرام اتفاق التحكيم أو قانون العقد نفسه، أو أي قانون آخر بشرط أن يؤدي القانون الذي سيتم تطبيقه إلى صحة اتفاق التحكيم الدولي.
• تجزئة القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم الدولي:
وإزاء الإشكالية الي يمكن أن تواجه فكرة هذا الاتجاه، من أن تجمع أحكام القوانين المختلفة على تقرير بطلان اتفاق التحكيم الدولي فقد نادى أنصار هذا الاتجاه بفكرة أخرى تؤدي إلى إنقاذ اتفاق التحكيم الدولي في هذه الحالة.
تقوم هذه الفكرة على تجزئة القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم، وذلك بأن يتم تطبيق جزء من حكم القانون وليس القانون كله.. وهكذا تتعدد القوانين التي تسري على اتفاق التحكيم الدولي بما لا يجعل بطلانه رهنا بقانون بعينه، فيكون من شأن ذلك أن يكفل له صحته وفاعليته.
ويؤخذ على هذا الاتجاه مجافاته لقواعد العدالة، ذلك أن مسألة بطلان اتفاق التحكيم لا تثار إلا من قبل أحد أطراف العلاقة الذي يتمسك بذلك أمام هيئة التحكيم، أو المحكمة القضائية، والتي عليها أن تنزل أحكام القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم حتى تصل إلى بطلانه كما يدعي هذا الطرف، أو صحته كما يدعي الطرف الآخر.
ومن ثم فإن القول مسبقاً بضرورة البحث عن القانون الذي يقرر صحة اتفاق التحكيم، يؤدي إلى الحكم المسبق بترجيح ادعاء الطرف المتمسك بصحة اتفاق التحكيم على ادعاء الطرف المتمسك ببطلانه، وهو ما يجافي قواعد العدالة.
يضاف إلى ذلك أن المقرر هو الوصول إلى النتائج من خلال المقدمات، ومن ذلك أن القاضي أو المحكم يصل إلى الحكم من خلال الأسباب. أما مقتضى الاتجاه المشار إليه فهو استهداف نتيجة بعينها وهي الحكم بصحة اتفاق التحكيم، ثم البحث عن مقدمات تؤدي إليها تتمثل في قانون لا يقول إلا بهذه الصحة.. وهو ما يجافي العدالة.