الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / القانون الذي يقرر المحكم مناسبته لموضوع النزاع / الكتب / التحكيم والنظام العام / إعمال القواعد ذات التطبيق الضروري من قبل المحكمين في إطار القابلية للتحكيم

  • الاسم

    د. إياد محمد بردان
  • تاريخ النشر

    2004-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    793
  • رقم الصفحة

    415

التفاصيل طباعة نسخ

إعمال القواعد ذات التطبيق الضروري من قبل المحكمين في إطار القابلية للتحكيم

   يتأثر نطاق القابلية للتحكيم بالقانون الواجب التطبيق عليها سواء تم تعيينه من قبل الأطراف أو من قبل المحكم، إذ يقتضي على المحكم تطبيق كافة قواعده المتعلقة بالنظام العام ضمن الحدود. وقد تتخذ هذه القواعد في بعض التشريعات شكل قواعد ذات تطبيق ،ضروري مستهدفة بذلك إحدى المصلحتين العامة أو الخاصة، كالنقد والصيرفة والمنافسة والاستهلاك والعمل والتمثيل التجاري .

الفرع الأول: الأسباب والشروط

الفقرة الأولى : مبررات تطبيق قواعد البوليس

  تنطلق هذه المبررات من أمرين: أولهما عدم وجود قانون اختصاص للمحكم يلتزم بتطبيق أحكامه ، وثانيهما الطابع الاتفاقي للتحكيم.

البند الأول : مبدأ فعالية القرار التحكيمي

   يقصد بفعالية القرار التحكيمي ألا يتضمن هذا الأخير أي عيب يمكن أن يؤدي إلى إبطاله أو رفض تنفيذه من قبل المحاكم التابعة للدولة . 

أولاً: في بلد صدور القرار التحكيمي

المادة ٥ اتفاقية نيويورك في فقرتها الثانية، يجعل من إبطال القرار التحكيمي سبباً لرفض تنفيذه في البلدان الأخرى. وعليه فإنـه علـى المحكم أن يكون يقظاً ويتجنب في قراره أسباب البطلان، لاسيما التي تتعلق بالقابلية للتحكيم، والملحوظة في قانون الدولة التي صدر على إقليمها القرار التحكيمي

  ومع ذلك فإن القرارات الاجتهادية الحديثة نسبياً والصادرة في كل من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية عمدت إلى تنفيذ القرارات التحكيمية التي تم إبطالها في دولة مقر التحكيم، متى كانت لا تخالف النظام العام الدولي فيها.

   في الواقع توجد صعوبة كبرى في اتباع هذه الوجهة، بخصوص قواعد البوليس المنتمية إلى قانون مقر التحكيم، والتي تعد بذات الوقت أجنبية عن القانون الواجب التطبيق على القابلية للتحكيم، متى كانت تتطلب تطبيقها على القابلية للتحكيم، انطلاقاً من ماهية هذه القواعد وطبيعتها.

ثانياً : في بلد تنفيذ القرار التحكيمي

  إن فعالية القرار التحكيمي توجب على المحكم أن يصدر قراراً متمتعاً بفعالية التنفيذ، أي يجب على المحكم أن يحترم في قراره قواعد البوليس المنتمية إلى قانون الدولة التي سيطلب من قضائها الأمر بتنفيذه، والقول بعكس ذلك يُجرد القرار التحكيمي من الفعالية، انطلاقاً من كون القضاء سيمتنع عن تنفيذه لتعارضه مع قواعد البوليس المنتمية إلى قانونه .

   وبالمقابل فإن احترام المحكمين لقواعد النظام العام وتبعاً لها لقواعد البوليس في بلد التنفيذ ليس مطلقاً، ذلك أنه في العديد من القضايا المتعلقة بالقابلية للتحكيم، أو في مسألة القانون الواجب التطبيق على أساس النزاع، عمد المحكمون إلى تجاهل تطبيق قواعد قانون التنفيذ.

البند الثاني : مبدأ استمرارية التحكيم

   يشكل الحفاظ على ديمومة واستمرارية التحكيم السبب الثاني الذي يعزز فكرة تطبيق قوانين البوليس الأجنبية من قبل المحكمين، ويشير الفقه إلى أن التزام المحكم باحترام قواعد النظام العام، ومن بينها قواعد البوليس يتأسس على فكرة استمرارية التحكيم وسيلة لحل منازعات التجارة الدولية . فمهما كانت الحرية الممنوحة للأطراف، بخصوص عرض منازعاتهم على التحكيم، عن طريق توسیع ميادين القابلية للتحكيم، وللمحكمين على صعيد إعمالهم لوظيفتهم، فإنهم يظلون ملزمين باحترام قواعد النظام العام، ومن ضمنها قواعد البوليس. فتوسيع نطاق القابلية للتحكيم، ومحض التحكيم الثقة وسيلة لحل المنازعات إلى جانب القضاء التابع للدولة، يلازمه احترام المحكمين لقواعد النظام العام، وخصوصاً تلك التي تتخذ شكل قواعد البوليس. والقول بعكس ذلك سيجعل من التحكيم وسيلة بيد الأطراف للتهرب من الأحكام القانونية الإلزامية . 

البند الثالث : احترام التوقعات المشروعة للأطراف

  يقوم مبدأ احترام التوقعات المشروعة للأطراف بدور مزدوج في إطار إعمال قواعد البوليس، إذ يظهر أحياناً كعامل مبرر لإعمال هذه القواعد، وفي أحيان أخرى يبدو كعقبة أمام إعمالها.

   يبدو أن دور مبدأ احترام التوقعات المشروعة للأطراف عند تطبيق قواعد البوليس الأجنبية، دوراً مرجحاً لتطبيق قاعدة بوليس منتمية لقانون ما، أكثر منه مبرراً لتطبيق قواعد البوليس من حيث المبدأ .

الفقرة الثانية : شروط إعمال قواعد البوليس

البند الأول : أن يكون قانون البوليس معنياً بالقابلية للتحكيم

كثيرة هي الحالات التي تعرضت فيها قوانين البوليس لمسألة القابلية للتحكيم انطلاقاً من تدخل الدولة في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية. ولذلك أمسى تقدير القابلية للتحكيم يتم في ضوء قوانين البوليس، التي تتطلب تطبيقها على الوضع محل النزاع ضمن نطاق تطبيقها المكاني. ما يعني أن تكون قوانين البوليس معنية بالقابلية للتحكيم، عندما تكون معايير وشروط التطبيق المكاني متوافرة لها بصدد هذه القابلية، فإذا ما توافرت هذه الشروط، أصبح بالإمكان القول إن قانون البوليس أصبح معنياً بالقابلية للتحكيم، وبالتالي يمكن تطبيقه متى توافرت بقية الشروط الأخرى .

   والهدف من قوانين البوليس عادة هو إما حماية المصلحة العامة كقوانين المنافسة والنقد والصيرفة ... الخ وإما حماية المصلحة الخاصة، أي الطرف الضعيف في العملية التعاقدية كالأجير والمستهلك والممثل التجاري ... إلخ .

بالنسبة للنقطة الأولى : اختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق لا تكون نتيجته حرمان المستهلك من الحماية التي تؤمنها له الأحكام الآمرة في قانون بلد إقامته المعتاد .

  وهكذا فإنه بمجرد أن يكون قانون البوليس معنياً بالوضع المتنازع عليه، يكون للمحكم المبرر في تطبيق هذا القانون، إلا أن هذا المبرر أو السبب لا يكفي لوحده إذ يجب أن يكون ثمة صلة وثيقة بين الوضع المتنازع عليه وبين قانون البوليس.

البند الثاني : الصلة الوثيقة بين قانون البوليس والقابلية للتحكيم

   القرارات التحكيمية الحديثة تشير إلى استخدام شرط الصلة الوثيقة خارج إطار التنازع الإيجابي لقوانين ،البوليس، وكمعيار لاستبعاد قانون البوليس ذاته.

مكان إجراء التحكيم وتنفيذ القرار التحكيمي، يمكن أن يشكلا أيضاً، ضمن بعض الشروط ، الصلة الوثيقة التى تبرر تطبيق قوانين البوليس .

  إن توافر شرطي كون قانون البوليس معنياً بالمسألة المطروحة، والصلة الوثيقة بين هذه المسألة وقانون البوليس لا يؤديان إلى تطبيق هذا الأخير حكماً، إذ يشترط بهذا التطبيق أن يكون مشروعاً .

البند الثالث : مشروعية تطبيق قانون البوليس

   يقصد بمشروعية تطبيق قانون البوليس الأجنبي، أن يعمد المحكم، قبل تطبيق هذا القانون إلى تقدير مشروعية المصلحة التي يستهدف قانون البوليس تأمينها وحماتها. 

أولاً: مشروعية المصلحة المحمية

أ- اللجوء إلى مفاهيم القانون المختار

۱ - اللجوء إلى مفاهيم القانون المختار وحده

  عمد المحكمون في بعض القرارات التحكيمية إلى اعتبار القانون الواجب التطبيق على العقد بمثابة قانون اختصاص لهم تتحدد في ضوئه مشروعية المصلحة المحمية من عدمها.

   إن اعتبار المحكمين للقانون المختار كقانون اختصاص لهم أمر منتقد، كونه يجعلهم حراساً لمصالح الدولة التي تم اختيار قانونها كقانون واجب التطبيق .

٢ ـ اللجوء إلى مفاهيم عدة بلدان

  يقصد بهذا اللجوء تقدير مشروعية المصلحة في ضوء مفاهيم عدة بلدان تكون معنية بالنزاع.

ب ـ اللجوء إلى مفاهيم النظام العام عبر الدولي

إمكانية لجوء المحكم إلى مفاهيم النظام العام عبر الدولي ، عند تقديره لمشروعية أو عدم مشروعية تطبيق قوانين البوليس الأجنبية.

  فالأساتذة : Fouchard Gaillard, Goldman يعتبرون أنه يجب على المحكم تطبيق قواعد البوليس الأجنبية بشرط ألا تكون متعارضة مع النظام العام الدولي الحقيقي.

  وهكذا يكون بالإمكان استبعاد تطبيق قانون البوليس، إذا كانت المصلحة المحمية من قبله غير مشروعة بنظر النظام العام عبر الدولي.

يمكن التمييز بين حالات ثلاث :

 الأولى: يكون فيها قانون البوليس متوافقاً مع النظام العام عبر الدولي بشأن المصلحة المحمية.

الثانية : يكون فيها قانون البوليس غير متوافق مع النظام العام عبر الدولي بشأن هذه المصلحة.

الثالثة : ويكون فيها قانون البوليس يحمي مصلحة غير مخالفة للنظام العام عبر الدولي وبذات الوقت غير داخلة ضمن نطاق أحكامه .

  وبالإضافة إلى هذين الوجهين من التقدير، يوجد اتجاه لا زال ضعيفاً حتى الآن، نحو تقدير مشروعية المصلحة، في ضوء حاجات التجارة الدولية. بمعنى أنه يُصار إلى استبعاد تطبيق قانون البوليس.

 

ثانياً : مشروعية الوسائل المستخدمة

  في قضية تتعلق بالقابلية للتحكيم في ضوء هذا القانون، إلى التمييز بين الأهداف التي يسعى القانون إلى تحقيقها، وبين الوسائل المستخدمة لبلوغها .

  وبالنسبة لقوانين البوليس التي تفرض من قبل بعض الدول كأميركا على سبيل المثال .

  فإنه من الصعوبة بمكان أن تكون متعلقة بالقابلية للتحكيم، ومؤثرة فيها في نطاق العلاقات التجارية الجارية.

   كون المحكم ملزماً مبدئياً بإصدار قرار يتمتع بالفعالية أي قابل للتنفيذ، فإنه يتوجب عليه احترام الشروط والمتطلبات المفروضة في مكان التنفيذ.

البند الثاني : مخالفتها لمبدأ حسن النية

  يشكل مبدأ حسن  النية مبدأ أساسياً في ميدان التحكيم في إطار العلاقات التجارية الدولية، ذلك أنه في عدة حالات عمد المحكمون إلى استبعاد القوانين الداخلية ذات طابع النظام العام الداخلي بسبب مخالفتها لحسن النية، وسواء كانت منتمية للقانون الواجب التطبيق أم أجنبية عنه، ومن ذلك القرارات التي استبعدت تطبيق القوانين الداخلية التي تخطرا على الدولة اللجوء إلى التقديم. والثر من ذلك، فإن الاجتهاد يقر للمحكمين سلطة معاقبة التصرفات المخالفة لهذا المبدأ.

البند الثالث : مخالفتها لتوقعات الأطراف المشروعة

   الدور المزدوج الذي تقوم به التوقعات المشروعة للأطراف. بصدد تطبيق قواعد البوليس.

   والمقصود بهذا الدور هو أن يعمد المحكم إلى عدم تطبيق قواعد البوليس الأجنبية متى كانت مخالفة لتوقعات الأطراف بمعنى أن قواعد البوليس لم تكن داخلة في حسبانهم عند إبرامهم للعقد .

   واكثر من ذلك فإن الاستجابة لتوقعات الأطراف، دفعت المحكمين ليس إلى استبعاد قواعد البوليس الأجنبية، إنما أيضاً إلى استبعاد قواعد البوليس المنتمية إلى القانون الواجب التطبيق على العقد .

   القرار التحكيمي تستدعي أحياناً تجاوز توقعات الأطراف خاصة أن هذه الأخيرة تنطوي على إصدار قرار تحكيمي يتمتع بفعالية التنفيذ بمعنى آخر يتوقع الأطراف دائماً من المحكمين إصدار قرار متمتع بقوة النفاذ .