اجراءات خصومة التحكيم / القانون الذي يقرر المحكم مناسبته لموضوع النزاع / الكتب / النظام القانوني الواجب الإعمال على العقود الإدارية الدولية أمام المحكم الدولي / إعمال المحكم الدولي لمعيار الأداء المميز في الإداري الدولي
إعمال المحكم الدولي لمعيار الأداء المميز في الإداري الدولي
عند عدم اختيار الأطراف لقانون يحكم العقد الإداري الدولي، يتوجب حينها على المحكم البحث عن قاعدة الإسناد المناسبة للبحث عن هذا القانون وذلك لأنه لا يملك Lex Fori.
موقف الفقه من إعمال المحكم الدولي لمعيار الأداء المميز
أولاً ـ تأكيد الفقه لإعمال المحكم الدولي لمعيار الأداء المميز في العقد الإداري الدولي
تشير القاعدة العامة إلى أنه إذا لم يعين أطراف المنازعة المطروحة على التحكيم القانون الذي يحكم موضوع منازعتهم، سواء بشكل صريح او عن طريق المؤشرات الضمنية، فإنه يقع على عاتق المحكم الدولي تبيان القانون الذي يحكم موضوع النزاع من خلال إعماله لقواعد تنازع القوانين .
وإذا كان المحكم الدولي يتمتع بقدر من الحرية في بحثه عن القانون الواجب التطبيق، إلا أن هذه السلطة التقديرية التي يملكها المحكم الدولي اختيار القانون الواجب التطبيق لا تعني أن للمحكم الحق باختيار الطريق الأسهل للوصول إلى القانون الواجب التطبيق، بل يتوجب عليه اختيار القانون الأكثر ملاءمة لحكم العلاقة القانونية .
هذا الواقع دفع البعض إلى القول إنه يتوجب على المحكم الدولي أن يلجأ إلى حكم قواعد تنازع القوانين في الدولة التي يحمل جنسيتها أو الدولة التي يقيم فيها إقامة دائمة، ودفع البعض الآخر إلى القول بضرورة إعمال قواعد تنازع القوانين الخاصة بدولة الجنسية المشتركة أو الموطن المشترك لأطراف النزاع، أو تطبيق القانون الذي يحكم إجراءات التحكيم أو من خلال اتباعه قواعد تنازع القوانين في قانون المحكمة التي كان من المفروض أن تختص بالفصل في النزاع والتي استبعدت بمقتضى شرط أو اتفاق التحكيم أو إعمال قواعد تنازع القوانين في قانون الدولة التي يجري على إقليمها التحكيم.
وإعمال المحكم الدولي لقواعد تنازع القوانين في حال عدم تحديد الأطراف في العقد الإداري الدولي للقانون الواجب التطبيق أدى إلى ظهور نظریات متعددة تحدد الأن التي ينطلق منها المحكم في تحديده لقواعد القانون الواجب التطبيق على العقد في حال غياب إرادة الأطراف عن تحديد هذا القانون ومن أبرز هذه النظريات نظرية التركيز الموضوعي التي تزعمها الفقيه باتيفول.
فقد قاد الأستاذ الفرنسي باتيفول متأثراً بالقضاء الإنجليزي، فكرة التركيز الموضوعي للرابطة العقدية وفقاً لظروف التعاقد وملابساته، والتي أراد من خلالها التوصل إلى إسناد العقد إلى أوثق القوانين صلة به في ضوء ظروف التعاقد في كل حالة على حده .
إلا أن هذه النظرية لاقت انتقادات لها وجاهتها أبرزها : أنه يصعب في ضوء فكرة التركيز الموضوعي للرابطة العقدية وفقاً لظروف التعاقد وملابساته أن يعلم المتعاقدون مسبقاً بالقانون الواجب التطبيق على العقد، نظراً لتوقف تحديد هذا القانون على ظروف التعاقد في كل حالة على حدة .
أما النظرية الثنائية عندما واجهت الموقف الناشئ عن عدم وجود إرادة حقيقية للفرقاء في اختيار القانون الواجب التطبيق على العقد، رأت أن الحل يكمن عن طريق تركيز العلاقة في مكان معين من خلال ضوابط موضوعية، وتطبيق القانون المعمول به في هذا المكان.
أما الدكتور إدوار عيد فيرى إن اختيار المحكم يخضع مبدئياً للنظام عينه الذي يخضع له اختيار الطرفين إلا أنه أبدى الملاحظات التالية :
١ ـ يقوم المحكم باختيار القواعد القانونية التي يسند إليها قراره، بحكم القانون وليس كنائب عن الطرفين. وبذلك يفترق عما تنص عليه الاتفاقية الأوروبية لعام ۱۹٦١ والتي تعتبر أن المحكم يقوم بتطبيق القانون الذي يراه مناسباً على النزاع كوكيل عن هذين الأخيرين.
۲ - يختار المحكم القانون أو القواعد القانونية التي تطبق مباشرة على موضوع النزاع، فلا يلتزم بأن يحصر اختياره أولا بقاعدة من قواعد التنازع التي يجري بمقتضاها تحديد القانون الذي يطبق على النزاع.
أيضاً هنا يختلف عما تنص عليه الاتفاقية الأوروبية التي توجب على المحكم تطبيق القانون الذي تحدده قاعدة التنازع التي يعتبرها الأكثر ملاءمة لحل النزاع.
فإذا انعدمت الإرادة يقوم المحكم بتحليل جميع عناصر الرابطة العقدية، من أجل تحديد مدى تمركزها في نطاق قانون معين ترتبط به تلك العلاقة، ويكون هو القانون المناسب لحكم العلاقة .
ثانياً - استناد الفقه إلى الاتفاقات الدولية ونصوص القوانين الوطنية وأحكام القضاء
أ ـ الاتفاقيات الدولية :
نصت الفقرة الأولى من المادة ٤٢ من اتفاقية واشنطن ۱۸ مارس في ١٩٦٥ على «أنه حالة عدم وجود اتفاق بين الأطراف، فإن المحكمة تطبق قانون الدولة المتعاقدة الطرف في المنازعة، بما في ذلك القواعد المتعلقة بتنازع القوانين ومبادئ القانون الدولي المتعلقة بالمنازعة المعروضة عليها».
والمادة الرابعة فقرة 1 من اتفاقية روما ۱۹ يونيو ۱۹۸۰ بين دول السوق الأوروبية المشتركة بشأن القانون الواجب التطبيق على الالتزامات العقدية تنص على أنه في حالة انعدام اختيار الأطراف لقانون يحكم العقد، فإنه يطبق قانون الدولة الأوثق صلة بالعقد، ومع ذلك إذا كانت بعض أجزاء العقد ترتبط بصلة وثيقة بقانون دولة أخرى، فإن هذا القانون هو الذي يطبق.
ويفترض أن العقد يرتبط بأوثق صلة بقانون الدولة التي يوجد بها عند التعاقد محل الإقامة المعتاد للطرف المدين بالأداء المميز، أو مركز إدارته فيما لو كان شخصاً اعتبارياً».
أيضاً نصت المادة ۲۸ من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي نظام الأنسترال لعام ١٩٨٥ على أنه إذا لم يعين الطرفان أي ،قواعد وجب على هيئة التحكيم أن تطبق القانون الذي تقرره قواعد تنازع القوانين التي ترى الهيئة أنها واجبة التطبيق.
واتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري المبرمة في ١٤ أبريل عام ۱۹۸۷ نصت في مادتها ۱/۲۱ على أنه في حال عدم تحديد القانون الواجب التطبيق فإنه يطبق القانون الأكثر ارتباطاً بموضوع النزاع، على أن تراعی قواعد الأعراف التجارية الدولية المستقرة .
ب - التشريعات الوطنية :
منحت القوانين الوطنية المحكم الدولي حق اختيار قواعد تنازع القوانين وتطبيق القواعد الأكثر اتصالاً بالنزاع.
وأشارت المادة ٨١٣ من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على أنه في حالة عدم اختيار الأطراف للقانون فإن المحكم يطبق القواعد التي يراها مناسبة وهو يعتد في جميع الأحوال بالأعراف التجارية.
أما المادة ٣٩ من القانون المصري للتحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ فقد نصت على ما يلي:
۲ - وإذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع، طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالاً بالنزاع.
3 ـ يجب أن تراعي هيئة التحكيم عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة».
وفي ذات السياق القانون العماني للتحكيم رقم ٤٧ لسنة ١٩٩٧ وقانون أصول المحاكمات المدنية السوري الصادر سنة ١٩٥٣ والمعدل في عامي ١٩٥٨ و ١٩٥٩ والقانون التونسي رقم ٤٢ لسنة ١٩٩٣ الصادر في ٥/٤/ ۱۹۹۳. وقانون التحكيم التجاري الدولي في البحرين رقم 9 لسنة ١٩٩٤ الذي تضمن نصاً يقضي بوجوب تطبيق القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام ۱۹۸۵ على كل تحكيم يجري في البحرين ما لم يتفق طرفاه على إخضاعه لقانون آخر وبالتالي فإنه يطبق على هذا القانون أحكام المادة ٢٨ من قانون الأونيسترال .
2 ـ أحكام القضاء الوطني
لا يعتد القضاء الفرنسي بنظرية التركيز الموضوعي إلا عند غياب الاختيار الصريح لقانون العقد .
فقد اتجهت أحكام القضاء الفرنسي إلى تطبيق قانون دولة التنفيذ على الرابطة العقدية بصرف النظر عن إرادة المتعاقدين في ذلك، وبهذه المثابة ينطبق قانون دولة التنفيذ وفقاً لهذا القضاء باعتباره القانون الأوثق صلة بالرابطة العقدية على الأقل عند سكوت الإرادة عن الاختيار الصريح أو الضمني لقانون آخر .
وناصر الفقه والقضاء الأنجلو أمريكي فكرة التركيز بحثاً عن مركز ثقل العلاقة التعاقدية، فقد اعتمد القضاء الإنجليزي قرينة مفادها إخضاع الرابطة العقدية عند سكوت الإرادة عن الاختيار الصريح لقانون العقد إلى القانون الذي يرتبط بها بأوثق صلة حقيقية، وهو ما اصطلح على تسميته بالقانون الخاص بالعقد .
إعمال قضاء التحكيم لمعيار الأداء المميز في العقد الإداري الدولي
طبق قضاء التحكيم نظرية تركيز العقد في القانون الأكثر صلة بالعقد في أكثر مناسبة وكثيرة هي الأحكام التحكيمية التي أشارت إلى الآلية التي من يعتمدها المحكم في تحديده لقاعدة تنازع القوانين .
ففي قضية عرضت على غرفة التجارة الدولية بباريس ICC رقم ١٥٢٦ عام ۱۹٦٨ ، في النزاع بين دولة أفريقية وشخص بلجيكي، بشأن الامتياز الممنوح للأخير في شراء منتجات المناجم على أرض تلك الدولة، وإزاء غياب الاختيار الصريح انتهت المحكمة إلى تطبيق قانون الدولة المتعاقدة، لأن العقد يتركز في قانون تلك الدولة.
وفي قضية هضبة الأهرام في ١٦ فبراير ۱۹۸۳ انتهى حكم الـ ICC إلى تطبيق القانون المصري، لأن العقدين أبرما في مصر والتنفيذ يتم بأكمله على الإقليم المصري.
وقد أصدر مركز القاهرة التحكيمي قراراً حدد فيه كيفية تحديد قاعدة کم تنازع القوانين، فقد أشارت محكمة التحكيم إلى المادة ۱۰ (۱) من العقد محل النزاع والتي نصت على أن القانون المصري يسري على العقد، وبالتالي وطبقاً لهذه المادة فإن القانون المصري هو الذي يسري على هذه المنازعة ولكن بما أن الجهة المدعى عليها تدلي بأن المادة ۱۰ (۱) من العقد هي مضافة إلى العقد بدون إرادتها وبالتالي فإن القانون المطبق على النزاع هو موضوع النزاع فإن المحكمة التحكيمية ستفترض من أجل الوصول إلى القانون المطبق أن العقد لم يحدد القانون الذي يخضع له لحسم النزاع، وأمام هذا الافتراض ستعود المحكمة إلى القانون المطبق على إجراءات المحاكمة التحكيمية الذي هو القانون المصري للتحكيم الصادر سنة ١٩٩٤ وقواعد تحكيم اليونسترال المعتمدة كنظام لتحكيم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي.
فوفقاً للمادة ٣٩ (٢) من القانون المصري للتحكيم الصادر سنة ١٩٩٤ فإنه : «إذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق، طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالاً بالنزاع».
ولكي نحدد القانون الأكثر اتصالاً بالنزاع فإن المحكمة التحكيمية ستعتمد تحكيم الأنسترال.
وبالعودة إلى المادة ۳۳ (۱) التي تنص على أنه: «۱ – تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القانون الذي يعينه الطرفان فإذا لم يتفقا على تعيين هذا القانون وجب أن تطبق هيئة التحكيم القانون الذي تعينه قواعد تنازع القوانين التي ترى الهيئة أنها واجبة التطبيق في الدعوى»، وبناء عليه فإن المحكمة التحكيمية ستعود إلى خمسة مقاييس لتدلها على قواعد تنازع القوانين توصلها إلى القانون المطبق هي : مكان التحكيم - مكان توقيع العقد - محل إقامة أطراف العقد - بلد تنفيذ العقد - لغة العقد أو لغة التحكيم إذا اختير للعقد لغة وللتحكيم لغة .
واعتبرت أنه بالنسبة للمقياس الثالث الذي يعتمد محل إقامة أطراف العقد فإنه لا يمكن اعتماده لأن محل إقامة الجهة المدعية في مصر ومحل إقامة الجهة المدعى عليها هو الولايات المتحدة الأميركية كما هو مبين في العقد .
أما بالنسبة للمقياس الرابع الذي هو مكان تنفيذ العقد، فإن العقد ينفذ في جزء قليل منه في مصر وفي جزء كبير منه في الولايات المتحدة الأميركية، والمدعى عليها تنازع أصلاً المدعي في أنها (أي المدعية لم تقم بنقل الإرسال حتى يتسنى للمدعى عليها إعادة البث، وبالتالي لا يمكن اعتماد هذا المقياس أيضاً.
يبقى إذا التدقيق في ثلاثة مقاييس يجب النظر بها وهي :
١ ـ مكان توقيع العقد وقد قدمت وثائق تقنع المحكمة أن العقد تم توقيعه في القاهرة.
٢ - مكان التحكيم هو القاهرة.
٣ ـ لغة العقد ولغة التحكيم والطرفان اختارا لغة قانون مصر.
لذلك فإن المحكمة اعتمدت هذه المقاييس الثلاثة للتوصل إلى قاعدة تنازع القوانين التي تحدد القانون المطبق على أساس النزاع، وهي بالتالي تقرر اعتماد قاعدة تنازع القوانين في القانون المصري.
وبما أنه بالعودة إلى المادة ۱۹ (۱) من القانون المدني المصري التي تنص على أنه يسري على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا ،موطنا، فإن اختلفا موطنا سرى قانون الدولة التي تم فيها العقد هذا ما لم يتفق المتعاقدان ويتبين من الظروف أن قانوناً آخر هو الذي يراد تطبيقه.
وعملاً بقاعدة تنازع القوانين التي توصلت إليها المحكمة التحكيمية معتمدة المقاييس المتصلة بظروف القضية، فإن هذه القاعدة تحيل إلى القانون المصري، وبالتالي فإن المحكمة التحكيمية تعتبر القانون المصري مطبقاً في هذه الدعوى .