الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / القانون الذي يقرر المحكم مناسبته لموضوع النزاع / الكتب / النظام القانوني الواجب الإعمال على العقود الإدارية الدولية أمام المحكم الدولي / تطبيق المحكم للإرادة الضمنية

  • الاسم

    د. هاني محمود حمزة
  • تاريخ النشر

    2007-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    437
  • رقم الصفحة

    136

التفاصيل طباعة نسخ

تطبيق المحكم للإرادة الضمنية

أولاً - الإرادة الضمنية المؤكدة

  ويجب لتحقيق ذلك أن يستظهر المحكم الدولي المؤشرات الموضوعية والمعقولة لهذه الإرادة الضمنية في كل حالة على حدة. فإذا اتبع المحكم الدولي هذا السبيل، فإننا بدون شك نكون أمام إرادة ضمنية مؤكدة وحقيقية لا يحوم الشك حول وجودها .

ثانياً ـ عرض القانون الذي تحدده الإرادة الضمنية تفصيلياً ومناقشته مع الخصوم :

   نظراً للظروف المحيطة في استظهار المحكم للإرادة الضمنية، فإن سلامة التطبيق الصحيح للقانون تفرض على المحكمة الالتزام بتفصيل كافة مفردات هذا القانون أمام الخصوم ومناقشتها معهم :

   فيما يتعلق بتفصيل المحكم للقانون الواجب التطبيق نضرب مثلا في القرار التحكيمي الصادر في ٢٥ شباط ۱۹۸۸ بين soabi c / جمهورية سنغال : حيث رأت المحكمة أن البحث عن القانون الواجب التطبيق يكون استناداً إلى نص المادة ٤٢ من اتفاقية واشنطن. 

   وقد تبين لها أن الأطراف في هذه المنازعة لم يحددوا صراحة القانون الواجب التطبيق على العقد، ولكن من خلال أقوال الحكومة والشركة (الأطراف المتنازعة) في المحاكمة لاحظت المحكمة أن الأطراف أخذوا بعين الاعتبار أن القانون الواجب التطبيق هو القانون الإداري السنغالي. 

 واعتبرت المحكمة أنه لتحديد القواعد الواجبة التطبيق من القانون السنغالي لا بد من تكييف العلاقة القانونية المتنازع عليها

  لذلك فإن المحكمة لجأت إلى تكييف العقد محل النزاع وتبين لها أن العقد هو عقد إداري يحكمه قانون الالتزامات الإداري (COA). 

  ولتطبيق القانون الإداري السنغالي وضعت المحكمة عدة ملاحظات:

١ - إن المصدر الأساسي للقانون العام السنغالي هو القانون الفرنسي وخصوصا التمييز الحاصل بين قواعد القانون الخاص والقانون الإداري.

 ٢ - إن القانون السنغالي أقر بأن مجمل أحكام قانون الالتزامات الإداري السنغالي هي أحكام اجتهادية . 

٣ـ أن العلاقة بين القانون الإداري والقانون الخاص محددة في المواد ١ و ٤ من COA.

٤- إن القانون الإداري الفرنسي أكد على عدم المساواة بين أطراف العقد الإداري، فالقانون الإداري يسمح للإدارة بأن توقع عقوبات مالية أضرار المصلحة وأن تعدل العقد من طرف واحد، ويعتبر الفسخ وفق هذا القانون العقوبة الأكثر جسامة التي يمكن للإدارة أن توقعها . 

  أما لجهة الجزاء الذي يمكن أن يوقع على الإدارة، فإن المادة ٧٢ من القانون السنغالي تنص على أن القاضي فقط يمكنه أن يعاقب الإداري عن عدم تنفيذ التزاماته التعاقدية . 

   لذلك فإن مسؤولية الإدارة مرتبطة بعدم تنفيذها لالتزاماتها، حينها يحق للمتعاقد الخاص التعويض عن عدم تنفيذ الإدارة لالتزاماتها (مادة ٧٦) . 

   وركزت المحكمة على مسألة أنه بالرغم من ترتب مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذها لالتزاماتها، فإنه وفقاً للمادة ٧٧ من القانون الإداري السنغالي «إذا أخفقت الإدارة في تنفيذ التزاماتها يمكنها أن تطلب الفسخ بكل بساطة».

   وأشارت إلى أنه إذا نفذ المتعاقد التزاماته تجاه الإدارة، فإن الإدارة حينها لا تستطيع أن تستخدم حقها في توقيع الجزاء (المادة ٨١ من القانون السنغالي).

   هذا فيما يتعلق بدور المحكم في تفصيل القواعد القانونية الواجبة التطبيق على العقد محل النزاع وفي هذه المرحلة يتوجب علينا طرح تساؤل حول مدى ضرورة مناقشة المحكم الدولي لهذا القانون مع أطراف النزاع؟ 

  یری أستاذنا الدكتور عكاشه عبد العال ضرورة تطبيق مبدأ الوجاهية لعدم فتح باب الطعن بالإبطال وبالتالي فإن ثمة التزاما على المحكم عندما يحدد قانوناً معيناً اختير بصورة ضمنية أن يضع ذلك موضع مناقشة الفرقاء .

  وفي صدد تعليقه على قرار لمحكمة استئناف بيروت في ١٠/٣١/ ۲۰۰۰ في قضاء مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية / فالكون أشار إلى أن تذرع شركة فالكون بقانون الإفلاس الأمريكي واعتماد القرار التحكيمي على هذا القانون كان يستوجب الاجراءات التالية : 

أن يتم إبراز نسخة من القانون الأمريكي من قبل من يتمسك به، ما لم يكن القاضي عالماً به.

ثالثاً : المظاهر التي تحدد الإرادة الضمنية 

  ولأن هذه القرائن لا تكفي وحدها للتعبير عن الإرادة الضمنية بل هي بحاجة إلى قرائن أخرى تدعمها فإن المحكم الدولي عادة ما يستخدم أكثر من قرينة تجعله يستقر إلى رابطة موضوعية يمكن الاطمئنان معها على أن إرادة الأطراف الضمنية اتجهت لإعمال قواعد معينة على علاقتهم التعاقدية .

   وعلى الرغم من التحفظات التي يمكن أن تقال عن معيار قانون دولة التنفيذ في تحديد القانون الواجب التطبيق، خصوصاً لجهة أن مسألة التنفيذ هي مسألة لاحقة على تحديد القانون الواجب التطبيق ولا يجب أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على قرار المحكم.

   فإن مكان تنفيذ العقد الإداري الدولي يعتبر من أبرز القرائن الخارجة عن إطار الرابطة التعاقدية التي يستند إليها المحكم الدولي لاستظهار الإرادة الضمنية للأطراف.

   ومرد ذلك أن قانون مكان تنفيذ العقد هو القانون الذي تتوجه إليه أنظار المتعاقدين منذ البداية على أساس أن العلاقة التعاقدية ترتب آثارها في هذه الدولة، وأن مصالح المتعاقدين والغير تتركز مادياً في هذه الدولة .

والمحكم يرى أن مصير القرار معلق في يد دولة التنفيذ، لأنه في هذه الدولة سيجري تنفيذ القرار الذي سوف يصدره في المنازعة التي طرحت عليه .

   أخيراً نشير إلى أنه عادة ما يكون مكان تنفيذ العقد قرينة على تطبيق القانون الوطني للدولة المتعاقدة لأنه غالبا ما يكون إقليم الدولة المتعاقدة هو مكان تنفيذ العقد .

   الواقع إن هذا المعيار لا يكفي وحده لحسم الإرادة الضمنية، بل لا بد لاستكمال هذه الإرادة اللجوء إلى قرائن أخرى لتدعيم هذه القرينة. 

   وهذه بعض القرائن التي يلجأ إليها المحكم الدولي للوصول إلى الإرادة الضمنية الحقيقية والمؤكدة :

۱ - قرينة مكان إبرام عقد الدولة.

٢ - القرينة المستمدة من استناد الطرفين في حججهما القانونية في الدعوى على قانون معين دون أن يشيرا صراحة إلى تطبيقه . 

٣- القرائن المستمدة من مضمون القوانين التي تتنازع عادة لحكم العقد.

٤ - القرينة المستمدة من شرط التحكيم.

5 - القرينة المستمدة من شرط الخضوع لهيئة تحكيمية دائمة تتخذ من دولة محددة مقراً لها . 

6- القرينة المستمدة من اللغة المستخدمة في العقد .

7 - القرينة المستمدة من الإصطلاحات المعروفة في قانون معين ..

8 - القرينة المستمدة من وجود الدولة أو إحدى هيئاتها أو مؤسساتها العامة طرفاً في عقد من عقود التجارة الدولية مع طرف آخر من أشخاص القانون الخاص، كالأفراد أو الشركات الخاصة من رعايا الدول الأخرى.

9ـ القرينة المستمدة من محل إقامة المتعاقدين.

10ـ القرينة المستمدة من العملة الواجب الدفع بها .

 11ـ القرينة المستمدة من الصيغة النمطية المعمول بها طبقاً لقانون دولة معينة .

رابعاً - تطبيق القضاء التحكيمي للإدارة الضمنية

  وعلى الرغم من أن الأطراف اتفقوا ضمنياً على تطبيق القانون المصري، إلا أن هذا الاتفاق لا يمكنه استبعاد التطبيق المباشر للقانون الدولي على بعض الأوضاع على أساس أن القانون المصري لا يعد قانوناً كاملاً .

   واستناداً إلى هذا المنطق فإن المحكمة لاحظت أنها إذا طبقت المادة ٤٢ فقرة ٢ ، فإن النتيجة هي ذاتها طالما أنها لن تطبق القانون المصري إذا انتهك القانون الدولي.

نقاط الضعف في هذا الحكم كثيرة، وقد أخذ عليها عدة مآخذ منها :

١ - أن تطبيق الإرادة الضمنية ليس كانعدام الإرادة، فلا يحق للمحكمة الادعاء أنه لا توجد فائدة من  الاختيار بين إعمال الجملة الأولى أو الثانية من الفقرة الأولى من المادة ٤٢ من معاهدة واشنطن.

   وربما كان ذلك ناتج عن اعتقاد المحكم المسبق أن القانون المصري حتى ولو اختير صراحة من قبل الأطراف فهو بنظر محكمة التحكيم قانون ناقص، لا يستطيع مواجهة كل المسائل التي تطرح عليه، والأمر كذلك فإن سد النقص يكون عبر تطبيق مبادئ القانون الدولي.

   والواقع أن المادة 42-1  من المعاهدة ألزمت المحكمة باحترام اختيار الأطراف إلا إذا كان هذا الاختيار يتعارض مع النظام العام الدولي، والقانون المصري لا يتضمن أدنى تعارض لمقتضيات النظام العام الدولي.

   ولكن لو كان واضعي الاتفاقية قصدوا إعمال القانون الدولي إذا ما تعارض مع القانون المصري ما الفائدة حينها من الجملة الأولى من الفقرة الأولى من هذه المادة ما دامت المحكمة تنظر إلى كل القوانين الوطنية بأنها ناقصة وليست أهل لتنظم هذه العلاقات؟

    وهل يعقل أن يقال أن واضعي اتفاقية واشنطن لم يقصدوا العبارات الصريحة والواضحة التي وردت في الفقرة الأولى من المادة ٤٢ والتي أشارت فيها إلى أنه لا محل لتطبيق القانون الدولي إذا أعلن الأطراف عن إرادتهم الصريحة أو الضمنية المؤكدة؟!

٢ - رد الفقه على الحجة التي ساقتها المحكمة لجهة اعتبار أن القانون المصري هو قانون ناقص بأن هذا القانون تتجسد فيه المبادئ والقواعد العام منها والخاص، ويستطيع أن يواجه هذا النوع من العلاقات ويمكن أن يقدم الحل المناسب للمنازعة المعروضة على هيئة التحكيم ...

   والقوانين الوطنية ومنها القانون المصري تلزم القاضي بأن لا يمتنع عن الفصل في النزاع .

   معاهدة واشنطن واجهت هذا الفرض في المادة ٤٢ -٢ التي أشارت إلى أن المحكم لا يمكنه الامتناع عن الفصل في المنازعة المعروضة عليه بحجة نقص أو غموض القانون الذي اختاره الفرقاء .

107