اجراءات خصومة التحكيم / قانون الإرادة / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / فاعلية القضاء المصري في مسائل التحكيم التجاري الدولي / حرية الأطراف في تعيين القانون الواجب التطبيق
الأصل أن إعلاء واحترام إرادة الأطراف هي السمة الغالبة التي حرص عليها المشرع في قانون التحكيم. فالأطراف بإرادتهم اختاروا طريق التحكيم بدلا من القضاء لفض نزاعهم، فلهم حرية اختيار المحكمين وحرية اختيار الإجراءات التي تحكم سير خصومة التحكيم ولهم أيضا حرية اختيار القواعد القانونية الموضوعية التي يطبقها المحكمون على موضوع النزاع.
يستفاد من النص المتقدم أن المشرع قد منح الأطراف حرية اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع وذلك إما باختيارهم لقواعد من صنعهم أو قواعد منتقاة من أنظمة قانونية مختلفة يرونها الأنسب لحكم النزاع، وإما يقع اختيارهم على قانون دولة معينة ليتم الفصل في النزاع وفقاً لما تضمنه من قواعد وأحكام موضوعية وليست ما يتضمنه من قواعد خاصة بتنازع القوانين.
من هذا المنطلق للأطراف حرية اختيار قانون غير قانون الدولة التي يجري فيها التحكيم، أو نظام قانوني معين كالشريعة الإسلامية، وللأطراف سلطة اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع سواء كان التحكيم داخلياً أو دولياً ويتضح ذلك من عمومية نص المادة (39) من قانون التحكيم، إلا أن هذه السلطة قد تكون مقيدة في بعض الأحيان؛ فقد ينص القانون على إلزام المحكم بتطبيق قواعد قانونية معينة لا يجوز للأطراف الاتفاق على غيرها من ذلك ما نصت عليه المادة (247) من قانون التجارة البحرية رقم 8 لسنة 1990 من أنه "في حالة الاتفاق على إحالة الدعاوى الناشئة عن عقد نقل البضائع بالبحر إلى التحكيم يلتزم المحكمون بالفصل في النزاع على مقتضى الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون بشأن العقد المذكور، ويقع باطلاً كل اتفاق سابق على قيام النزاع يقضي بإعفاء المحكمين من التقيد بهذه الأحكام".
فقد نص المشرع في المادة (87) من قانون التجارة على أنه: "1- تختص المحاكم المصرية بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن عقد نقل التكنولوجيا... ويجوز الاتفاق على تسوية النزاع ودياً أو بطريق التحكيم يجري في مصر وفقاً الأحكام القانون المصري.
2-وفي جميع الأحوال يكون الفصل في موضوع النزاع بموجب أحكام القانون المصري وكل اتفاق على خلاف ذلك يقع باطلاً".
ويستفاد من النص المتقدم أن المشرع قد اشترط في التحكيم الذي يتم بشأن نزاع ناتج عن عقود الفرانشيز شرطين أساسيين:
الأول: أن يجري التحكيم في مصر.
الثاني: أن يخضع هذا التحكيم وفقاً لأحكام القانون المصري بأن يكون هو القانون الواجب على الموضوع والإجراءات.
بتلك المثابة أضحى عدم جواز اللجوء إلى مركز تحكيم أجنبي أو تطبيق قوانين أجنبية طالما أن النزاع محل التحكيم يتعلق بعقد من عقود الفرانشيز وموجهاً للاستخدام في جمهورية مصر العربية.
إذا اعتراف المشرع للأفراد بحرية اختيار القانون الواجب التطبيق علی موضوع النزاع إلا أنه قيد هذه الحرية وقضى بسريان القانون المصري شكلاً وموضوعاً إذا كان النزاع محل التحكيم يتعلق بعقد نقل عبر البحار أو عقد من عقود الفرانشيز.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل يستطيع الأطراف تجميد القانون المختار من حيث الزمان بحيث لا يسري عليهم إلا أحكامه النافذة وقت العملية التحكيمية؟ بمعنى آخر ما أثر تعديل القانون الأجنبي - المختار - الواجب التطبيق على النزاع محل التحكيم؟ وهل تلتزم هيئة التحكيم بتطبيق القواعد التي كان معمولاً بها عند اتفاق الأطراف؟ إن فكرة الثبات التشريعي أو تجميد قانون العقد في الزمان نجدها في مجال العقود الدولية لا سيما عقود الاستثمار والتنمية الاقتصادية فأطراف هذه العقود يرون تجميد القانون المختار الواجب تطبيقه على العقد من حيث الزمان بحيث لا يسري على العقد إلا القانون بحالته التي كان عليها وقت إبرام ذلك العقد مع استبعاد كافة التعديلات التي يمكن أن تطرأ في المستقبل.
توثيق هذا الباحث
ويرى الباحث أن المحكم ملزم بالقانون المختار وقت اتفاق الأطراف عليه بصرف النظر عن التعديلات التي طرأت عليه قبل صدور حكم التحكيم ذلك لأنه يهدف إلى استقرار الرابطة التعاقدية وحفظ توقعات الأطراف فقد تكون الأحكام الجديدة التي تطرأ على قانون العقد مؤدية حال تطبيقها إلى قلب التوازن التعاقدي وتوجيه اقتصاديات العقد لصالح أحد الطرفين على نحو الضرر بالطرف الآخر.
تطبيقاً لذلك - في مجال التحكيم - ما جاء بحكم التحكيم الصادر بتاريخ 15 مارس 1963 بمناسبة النزاع الذي نشب بين إيران وإحدى شركات البترول الأجنبية أن الشركة الأجنبية قدمت للدولة الإيرانية مساعدة مالية وفنية، وهذا يتضمن بالنسبة لها استثمارات ومسئوليات ومخاطر واسعة، ويبدو حينئذ من الطبيعي أن تحمي نفسها ضد التعديلات التشريعية التي يمكن أن تعدل من اقتصاديات العقد وأن يكفل لها بعض الأمان القانوني، وهذا ما لا يضمنه التطبيق الخالص والبسيط للقانون الإيراني الذي يكون من سلطة الدولة الإيرانية أن تعدله بتلك المثابة قد بات راسخاً جواز تجميد قانون العقد في الزمان بحيث لا تسري تعديلاته الجديدة - أو حتى لو ألغي - ويظل خاضعاً للقواعد القائمة وقت إبرامه.
ذهب بعض الفقه إلى اعتبار قواعد التجارة الدولية قواعد قانونية وتأييداً لصفة القاعدة القانونية لعادات التجارة الدولية صدر حكم المحكمة النقض الفرنسية في قضية تتلخص وقائعها في أن شركة أمريكية التزمت أمام شركة أسبانية بتزويدها بالفحم مقابل ثمن يتم تحديده دورياً كل 6 أشهر، وقد حدث خلاف بين الشركتين بادرت على إثره الشركة الأمريكية إلى طلب عرضته على هيئة التحكيم بغرفة التجارة الدولية وتم الاتفاق على الإجراءات إلا أنهما لم يتفقا على القانون المطبق على جوهر النزاع وهو ما حدا بالمحكم إلى إصدار حكم تمهيدي حدد بمقتضاه الأعراف التجارية أو ما يسمى ب Lex mercatoria، كقواعد موضوعية تطبق على جوهر النزاع.
طعنت الشركة الأسبانية على الحكم، بحجة أن المحكم لم يتقيد بحدود مهمته؛ إذ كان يتعين عليه حال انعدام الاختيار الصريح للأطراف لمسألة القانون الواجب التطبيق أن يعمد إلى إعمال قاعدة التنازع التي يراها ملائمة لينفذ من خلالها إلى القانون الواجب التطبيق، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المحكم قد قام تلقائياً باختيار الأعراف التجارية الدولية بمعزل عن كل قانون وطني وعندما طرح النزاع أمام محكمة النقض، أجابت على ذلك بالآتي:
"حيث إنه بالرجوع إلى مجموع القواعد المتعلقة بالتجارة الدولية والمطبقة من قبل القضاء الوطني فإن المحكم قد قام بالفصل في الموضوع كما تفرضه عليه وثيقة إسناد المهمة التحكيمية إليه، وعلى هذا الأساس فليس بإمكان محكمة الاستئناف وهي تبت في الطعن بالبطلان في نطاق المادتين (1504)، (1502) من قانون المرافعات الجديد أن تراقب مدى صحة الشروط الواجب توافرها حتى يتمكن المحكم من تطبيق القاعدة غير الوطنية ، وقضت محكمة النقض تبعا لذلك برفض الطعن .
اللجوء إلى التحكيم هو السمة الغالبة لدى المتعاملين بالتجارة الدولية، وذلك رغبة منهم في خضوع أي نزاع قد ينشأ إلى القواعد المتعلقة بالتجارة الدولية أو كما يطلق عليها البعض القانون الذاتي للتجارة الدولية الذي يتلاءم مع طبيعة هذه التجارة والعمليات الخاصة بها ورغبة منهم في تخطي القوانين الوطنية الموضوعية التي لا تلائم هذا النوع من التجارة.
واتفاق الأطراف على قواعد التجارة الدولية للبت بمقتضاها في نزاعهم، تعد قانوناً واجباً التطبيق يتعين على هيئة التحكيم اتباعه. وهذا ما عبر عنه المشرع صراحة في المادة (39) من قانون التحكيم إذ تضمنت الفقرة الأولى من هذه المادة على أن "تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان "كما تضمنت الفقرة الثالثة من المادة ذاتها على أن "يجب أن تراعي هيئة التحكيم عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة".
إذا بموجب نص المادة (39) ساير المشرع رغبة المتعاملين بالتجارة الدولية عند لجوئهم للتحكيم في تطبيق قواعد التجارة الدولية على نزاعهم ويتعين على هيئة التحكيم تطبيقه باعتباره قانوناً واجب التطبيق.
ومع ذلك يری جانب من الفقه الفرنسي أن اختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق أو قانون العقد كما هو شائع اصطلاحاً باعتباره القانون الحاكم للعقد. ماهو إلا اختيار بسيط مثله كمثل اختيار المحكمة المختصة، ولا يثير عندهم أية مشكلة أن يتم تحديد القانون الواجب التطبيق أو قانون العقد في مرحلة تالية أو لاحقة على إبرام العقد، ك أن يتم تحديده في ملحق للعقد .